"حماس" وأم المؤمنين عائشة

"حماس" وأم المؤمنين عائشة
"حماس" وأم المؤمنين عائشة

"جمهورية إيران" وما يسمى بـ"حزب الله" في لبنان لديهما كامل الآلة الإعلامية التي تمكنهما من الدفاع عن مواقفهما ، ولم تكن "حركة حماس" وهي في غزة في حاجة لتخفيف وقع أخطائهما في لبنان ، لكن للأسف هذا ما حدث ، وذلك على أَثر الاحتجاجات التي قام بها أهل السنة في لبنان جَرَّاء الإساءات التي وجهها منتسبو ما يسمى زوراً بـ"حزب الله" من إساءات إلى أُم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.

شاهدتُ اللقاء الذي بثته لهذه الغاية قناة الأقصى مع القيادي "الحمساوي" صالح العروري والذي بدأه ببيان موقفهم كمنتمين لأهل السنة والجماعة من تعظيمٍ لعائشة رضي الله عنها والخلفاء الراشدين ، ثم أشغل نفسه بزجر أهل السنة في لبنان وفي العالم الإسلامي عن أن ينجروا وراء الطائفية أو إساءة الظن بسيده وإمامه علي خامنئي ، وأخذ يُسَوِّغ ما حدث من إساءات لحبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه نظير ما كان يحدث في خلافة معاوية ومَنْ بعده من خلفاء بني أُمَيَّة مِن لعن علي رضي الله عنه على المنابر؛فبما أن معاوية كان يلعن علياً فما الضير في أن يلعن الشيعة اليوم عائشة ، المهم فقط أن لا ننجر نحن إلى الطائفية !.

ثم ردد ما أورده بيان "الحزب" من أن ما حدث لا يرضي خامنئي الذي لا يُعرف في عهده أن خطيباً شيعيا سب الخلفاء أو سبَّ عائشة رضي الله عنها.

والعجيب أن هذا الدفاع السخيف عن "حزب الله" ومنهجه الصفوي لم يقم به متحدث شيعي منتسب لحزب الشيطان بل قام به "الحمساوي" السني  الإسلامي "المقاوم" بزعمه ؛ ولم يبال فيه لأجل الدفاع عن قائده  نصر الشيطان وحزبه  من أن يستخدم الأكاذيب عينها التي دسها مؤرخو الشيعة في تاريخنا الإسلامي ، وكأن العاروري بذلك يريد تثبيت الفلسطينيين على محبة إيران وأن لا يجعل للأحداث أثراً في تضييع جهود تحسين صورة الإيرانيين في أعين الفلسطينيين ، وأيضا أن لا تضيع هباءً مشاريع التشييع التي تقوم بها جمعية البصيرة التي تعمل اليوم بجد في زرع الفكر الشيعي الصفوي داخل أرض غزة .

سأتناول الأكاذيب التي رددها العروري في كلمته وأولُها ما ذكره من أن معاوية رضي الله عنه ومَن بعده كانوا يسبون علياً على المنابر .

فلو سلمنا جدلاً صحة هذه المعلومة فلا يصح الاعتذار بها لمن أساء لأي فرد من الصحابة ،حتى لا يُعتذر لأي أحد يُسيء لمعاوية رضي الله عنه الذي ثبتت صحبته وكتابته لرسول الله وجهاده وإمارته للخلفاء الراشدين ثم توليه إمارة المؤمنين واجتماع كلمة المسلمين عليه ؛ فلو أخطأ هو أو أخطأ من بعده على علي وآل بيته فليس في ذلك ما يُهَوِّن علينا خطأ من أخطأ في عصرنا الحاضر في حق الخلفاء الراشدين أو عائشة أو سائر الصحابة .

ثم إن لعْن عليٍ على المنابر من عهد معاوية حتى عهد عمر بن بن عبدالعزيز فرية تناقلها المؤرخون وهو من مدسوسات الشيعة في التاريخ الإسلامي ، وقد كتب الكثيرون ولله الحمد في هذا الشأن وردوا هذه الفرية في مؤلفات ومقالات وبرامج مرئية [انظر مثلاً :أثر التشيع على الروايات التاريخية في القرن الأول الهجري للدكتور عبدالعزيز نور ولي]وخلاصة كل ذلك أنه لا يوجد رواية صحيحة مُسْنَدَة تثبت ذلك ؛ لكن دعاة تشويه تاريخ الأمة يلوون كما يقال أعناق النصوص ويتأولون تحريف معانيها كما يشتهون ،  ولا يريدون بهذه الأخبار الكاذبة الإساءة لمعاوية رضي الله عنه وحده ، أو إلى دولة بني أمية ؛ بل الإساءة لذلك الجيل كله من الصحابة والتابعين الذين تُلصِق فيهم هذه الروايات تهمة الرضا بانتهاك حرمة أصحاب رسول الله على المنابر كي يَسوغ لمن بعدهم فعل ذلك ، وهو ما يُفهم من كلام العاروري [لماذا تغضبون من سب عائشة بما أن معاوية سبق وأن لعن علياً ] !!!.

والعجيب أن أمثال العروري ومن يَنْقُل عنهم من أكثر الناس تشنيعاً على التاريخ الإسلامي ومن أكثرهم مطالبة بتنقيحه وإعادة كتابته ، لكننا نراهم حينما يأتي الباطل التاريخي على الصحابة وجيل التابعين ودولة بني أمية ، لا يريدون لا تصحيحه ولا تنقيحه ، بل يريدون تثبيته ، ويجتهدون في الاستدلال بكل رواية زائفة من أجل ترسيخه في أذهان الناشئة ، الأمر الذي يعني أن مرادهم بتصحيح التاريخ المزيد من تشويهه ، وهذا بالفعل ما قام به بعض كُتَابهم ممن حملوا عبء تشويه سيرة الصحابة والتابعين في السنوات العشر الأخيرة ممن ثبت عملهم لحساب النظام الإيراني رغم دعاواهم الانتساب لأهل السنة .

الكذبة الثانية للعاروري زعمه أنه إمامه الخامنئي ينهى عن سب الخلفاء الراشدين وأمهات المؤمنين ، وأنه بذلك يكون كعمر بن عبدالعزيز !

والسؤال هنا : إذا كان عمر بن عبدالعزيز هو من أوقف لعن علي على المنابر وأن خامنئي يأتسي به في إيقاف لعن الخلفاء على منابره ، لماذا خربت ميليشيات إيران والنظام الأسدي قبر عمر بن عبدالعزيز في إدلب ، ألم ينته إلى العاروري نبأ هذا الحادث ؟ أم أنه لا يريد ذكره كي لا يشعل الطائفية التي لا وجود لها في سوريا ولبنان ؟! .

وعلى أي حال فإن ماذكره العاروري مستنسخا من بيان حزب نصر الشيطان غير صحيح ، بل لعن الخلفاء الراشدين لا زال ملء مساجد إيران وحسينياتها ، لكن حصل في رمضان قبل الفائت أي من عام ١٤٤٠ أن المنشد أحمد قدمي صهر الرئيس السابق أحمدي نجاد قدم أنشودة فيها سب للصحابة ولأم المؤمنين بثته القناة الخامسة الإيرانية على الهواء مباشرة في ظرف كانت الاحتجاجات الشعبية على سوء الإدارة والاقتصاد على أشدها ، وتزامن أيضا مع قيام المخابرات الإيرانية باغتيال بعض العلماء السنة ومن أبرزهم إبراهيم صفي زادة الذي تمت تصفيته في هراة بأفغانستان ، هذه الأمور اجتمعت وزادت من حدة الاحتجاجات لا سيما في صفوف أهل السنة في داخل الأقاليم الفارسية والذين تسعى السلطات لإبعادهم عن المشاركة في الاحتجاجات بكل وسيلة كي لا ينضموا إلى إخوانهم السنة في الأحواز وكردستان وتركمانستان وبلوشستان ، وقد تقدم برلمانيون سنة بالاحتجاج لدى خامنئي ، فاعتذرت إدارة الإذاعة والتلفزيون وأُحيل أحمد قدمي إلى النيابة ،وتم تفعيل نظام بهذا الخصوص ، واستغل الإعلام الإيراني الموجه هذا الحدث لبيان فضائل خامنئي المزعومة والإيهام بأن هذه عادته وهذا هو الأصل فيه وهو عدم الرضا بالإساءة لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مع أن مساجدهم وخطبهم منتظمة في هذا الأمر .

وكيف لا يكون ذلك وهذا الأمر أصل في عقيدة "مؤسس ثورتهم ومرشدهم" الأول خميني ، فهل يقول خامنئي أو العاروري : إن خمينياً كان على خطأ ؟

لن أنقل كلام خميني في صحابة رسول الله من أحد كتبه مباشرة ؛ بل من كتابين لاثنين من قادة "حركة الإخوان المسلمين" في سوريا لعل قادة حماس يستفيدون من توجههما في كشفهما لحقيقة إيران وابتعادهما المبكر عنها ، الأول : الشيخ سعيد حوى رحمه الله في رسالته “الخميني شذوذ في المواقف شذوذ في العقائد” والأخر :الدكتور عدنان سعد الدين في مذكراته عن "حركة الإخوان المسلمين" في سوريا ، وَمِمَّا نقله الرجلان عن خميني قوله عن أبي بكر وعمر : ”ولكننا نشير إلى جهلهما بأحكام الإله والدين ، وإن مثل هؤلاء الأفراد الجهال الحمقى الأفاقين والجائرين غير جديرين بأن يكونوا في موضع الإمامة ، وأن يكونوا ضمن أولي الأمر“.

وقال عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ”إن أعماله نابعة من أعمال الكفر والزندقة والمخالفات لآيات ورد ذكرها في القرآن الكريم” ونقل الرجلان عن كتاب الحكومة الإسلامية للخميني أن مؤلفه يتهم أبا بكر الصديق رضي الله عنه بأنه كان يضع الحديث كما يتهم الصحابي الجليل  سمرة بن جندب أيضا في كتابه الحكومة الإسلامية بأنه كان  يضع الحديث ، وأن الشيخين مغتصبان للخلافة يحللان ويحرمان من عندهما.

هذه عقيدة خميني.

والحق الذي كنا نتمناه من "حركة حماس" أن لا يبلغ انسياقها وراء إيران حد المحاماة عنها ومحاولة تقزيم الخلافات في قضايا عقدية مفصلية لو تأملوا فيها جيداً كما فعل الشيخان المنتميان لـ"جماعة الإخوان" سعيد حوى وعدنان سعد الدين لوصلوا إلى ما وصلا إليه من استحالة أن تكون إيران عونا وسنداً للأمة في قضاياها المصيرية .

محمد السعيدي

 

موقع الدكتور محمد بن إبراهيم بن حسن السعيدي

22/10/1441

14/6/2020

 

 



مقالات ذات صلة