طرابلس يجب أن تدفع الثمن !
حسن الرشيدي
لماذا الحديث دائما عن لبنان؟
تمثل لبنان دائما الخاصرة الرخوة للصراعات في المنطقة العربية أو المرآة التي تعكس طبيعة صراع القوى الإقليمية والدولية في تلك المنطقة أو فلنقل المؤشر الذي يدل على مدى حدة النزاعات داخل الشرق الأوسط فمنذ نشوء ما يعرف بالدولة اللبنانية فإن كل طائفة قد مالت إلى طرف إقليمي أو دولي تستند إليه وتستمد منه القوة بل تستقوى به على الطوائف الأخرى ويستقر لبنان عندما تكون الأطراف الإقليمية والدولية المسنود إليها في حالة توافق أو استرخاء بينما يتحول إلى ساحة حرب حين يحدث صراع إقليمي دولي يقتضي تصفية حسابات بين هذه الأطراف لذلك فإن تتبع الصراع اللبناني يعطي تصورا كبيرا للصراع في المنطقة خاصة لدى المحللين أو حتى الجماهير التي تريد رصد حقيقة صراع الإستراتيجيات في المنطقة.
فضلا عن ذلك و قبل كل شيء يتواجد في لبنان عدد كبير من أهل السنة بحيث يعدون من أكبر الطوائف في تلك البلاد بحسب آخر إحصائيات نشرت بعد الانتخابات النيابية عام 2005 وفي حين تجد كل الطوائف اللبنانية والتي يبلغ عددها رسميا سبعة عشر طائفة دعما من أطراف إقليمية ودولية عديدة فإن أهل السنة لا يكادون يجدوا دعما من دول أو منظمات دولية تنطق باسمهم وتحافظ على وجودهم بالرغم من أنهم أكثر الطوائف التي تلاقي اضطهادا وعنتا وفي لبنان وكما يقولون بالعامية المصري الحائط المائل (الحيطة المايلة) وبالرغم من ذلك فإن أهل السنة في لبنان في داخلهم يعانون من التفرق والتشرذم ما يتحدث به أعداءهم قبل أصدقائهم وهم بذلك لا يختلفون عن حال أهل السنة في معظم الدول الإسلامية الذين يعيشون نفس العلل والهموم.
وفي شهر مايو الماضي و بعد سقوط بيروت في أيدي جحافل الشيعة ازداد شعور السنة في جميع المناطق اللبنانية بالغبن والظلم بعد الهزيمة المذلة لتيار المستقبل والذين سلموه قيادتهم في السنوات الأخيرة وبالطبع كان أكثر الشعور بالظلم يسري في أكثر مناطق السنة اكتظاظا والتي تعد أكبر معقل لسنة لبنان في مدينة طرابلس الذين هجم شبابها على مقرات الشيعة القليلة في المدينة وأحرقوها ردا على اجتياح بيروت وإذلال السنة.
و هنا نعتبر تلك الحادثة مربط الفرس لما حدث بعدها في طرابلس الذي توج بتفجير الأسبوع الماضي حيث هز انفجار قوي وسط مدينة طرابلس وتحديدا في ساحة التل شارع المصارف حيث اعتاد عسكريون ومدنيون أن يتجمعوا كل يوم لانتظار سيارات النقل المدنية لنقلهم إلى بقية المحافظات اللبنانية وتحدث شهود عيان وصلوا بعد دقائق إلى موقع الانفجار عن مناظر مروعة نتيجة عدد القتلى والجرحى ونوعية الإصابات. فإلى جانب القتلى الذين احترق بعضهم كان هناك جرحى بترت أرجلهم أو أيديهم او تشوهت وجوههم وقد تم توزيع القتلى والجرحى على مستشفيات مدينة طرابلس. فيما نقل بعضهم بالطوافات العسكرية إلى بيروت أو إلى مستشفيات زغرتا و الكورة وسجل تضرر عدد كبير من الحافلات والسيارات التي كانت متوقفة في محيط موقع الانفجار فضلا عن تضرر عدد من المحال التجارية والمصارف.
وأعقب ذلك التفجير عدة حوادث ذكرت منها الوكالة الوطنية للإعلام اللبنانية أن مجهولا قد ألقى قنبلة صوتية في الساعة الثالثة فجر أمس في حديقة خلف مقر حزبي في محلة ابي سمراء في طرابلس ولاذ بعدها بالفرار وإثر ذلك أطلق عنصر من حرس المقر الأعيرة النارية في الهواء. وأشارت إلى أن مجهولين ألقيا قنبلتين يدويتين على شارع سوريا في محلة التبانة في طرابلس الأولى في العاشرة من ليل أمس والثانية في الأولى والنصف من بعد منتصف ليل أمس.
و قبلها كانت الاشتباكات الدامية في طرابلس بين جبل محسن حيث يقطن أقلية علوية و بين أكثرية سنية تعيش في طرابلس قد أوقعت عشرات القتلى معظمهم من أهل السنة فضلا عن إحراق و تدمير كثير من المنازل و المحلات التجارية.
وبالتأمل في عملية التفجير تلك نجد أن هناك ثلاثة محاور أساسية في عملية التفجير هذه: التوقيت والهدف والمكان:
بالنسبة للتوقيت فإن هذا التفجير يترافق مع زيارة الرئيس اللبناني ميشيل سليمان إلى دمشق ولقائه الرئيس السوري بشار الأسد وبالتالي فإن الأصابع السورية وراء تلك التفجيرات تريد أن تصل رسالة معينة إلى كل من يعنيهم أمر هذه الزيارة التي تم التحضير لها من قبل أطراف دولية ونعني فرنسا في الأساس التي تريد جذب سوريا بعيدا عن حليفتها التاريخية والعقائدية إيران في مقابل إيجاد إطار جديد للعلاقات اللبنانية السورية يراعي المصالح السورية في لبنان دون إعطاءها صكا جديدا لحكمها على غرار اتفاق كسينجر في السبعينات أو تفاهم بوش الأب في التسعينات والذي سلمت فيه الولايات المتحدة لبنان إلى سوريا العلوية نظير إخراج الفلسطينيين من لبنان في السبعينات أو إخراج صدام من الكويت في التسعينات وسار الرئيس الماروني سليمان مع هذا النهج الفرنسي حيث رآه أن هذا النهج هو الواقعي في التعامل مع الحالة السورية في لبنان فبدأ في التدريج ي إنتزاع اعترافا سوريا بالتبادل الدبلوماسي حيث صدر قرارا سوريا في هذا الصدد و في هذا يعده الأطراف الموالون للرئيس اللبناني انتصارا و انجازا لأن سوريا لم تعترف باستقلال لبنان قط و لعل الرئيس اللبناني يختلف عن قوى ما يعرف بالرابع عشر من آذار التي ترى التعامل بحزم و حسم مع الوجود السوري في لبنان و لكن هزيمتها العسكرية في بيروت في السابع من مايو الماضي على يد حلفاء سوريا و إيران جعل موقفها الإستراتيجي ضعيفا للغاية و سمح للآخرين بتحديد أسلوب المواجهة.
و لكن هل تعترف سوريا بذلك الذي يحدث أي تحديد علاقاتها بلبنان و إعادة تأسيسها على أسس متساوية بين بلدين ؟ يبدو أن هذا لم يدر يوما بخلد حكام دمشق العلويين حيث يعتبرون لبنان مجالا حيويا لإستراتيجيتهم و دورهم في المنطقة فهم مستعدون للتضحية بالجولان و غير مستعدين بالتضحية بأطماعهم في لبنان.. وهم قد يلتفون حول مطالب الآخرين بسبب ظروف دولية غير مواتية مثلما حدث بانسحابهم العسكري من بيروت بعد اغتيالهم للحريري و لكنهم احتفظوا بوجودهم الإستخباراتي و عبر عملاءهم من اللبنانيين و لذلك ربما تكون تفجيرات طرابلس رسالة سورية إلى الرئيس اللبناني و من يقف وراءه من الفرنسيين بأن هناك حدود في التعامل مع سوريا التي لا تقبل أكثر من وعد بإقامة علاقات دبلوماسية مع لبنان دون تحديد إطار زمني لذلك أو عبر ترسيم الحدود بين البلدين أو غير ذلك من إجراءات تعزز استقلال لبنان عن سوريا التي يحكمها العلويون.
والدلالة الثانية من هذا التفجير هو استهدافه الجيش اللبناني و بالتحديد عناصره من السنة من أهل طرابلس والذين استطاعوا في مواجهات التبانة و جبل محسن الأخيرة إسكات الطرف العلوي و بعض الأطراف السنية في فريق كرامي المتحالف مع الشيعة و الذين يسعون لجر السنة إلى مواجهات خاسرة مع العلويين في جب محسن و المدعومين في الغالب من مقاتلين شيعة ينتمون إلى حزب الله فهذه التفجيرات لإرهاب من يقف في الجيش مع أهل السنة و إبعاده عن هذا الصراع و هذا ما حدث بالضبط قبل اجتياح بيروت من قبل الشيعة.
أما الدلالة الثالثة من هذا التفجير فهو في المكان فلماذا تركز سوريا و إيران و عملاءهما في لبنان على توصيل رسائلهم الإرهابية في الفترة الأخيرة في طرابلس معقل أهل السنة بالذات ؟
نعتقد أن المحور الشيعي في المنطقة يعتقد أنه ما يحول دون تنفيذ مخططاتهم في المنطقة واستعمال لبنان كوسيلة لإبراز قوتهم أمام المحور الصهيوني بشقيه الأمريكي واليهودي رغبة في تحقيق مزيد من المكاسب في الصفقة المرتقبة بين الطرفين فما يحول دون ذلك هم أهل السنة في لبنان فبعد القضاء على معقلهم في بيروت فقد حانت ساعة الحسم في طرابلس وإذا كان الحسم في بيروت تم عبر إجتياحها نظرا لتداخل النفوذ الشيعي في ضواحيها الجنوبية لبيروت فإن الوجود الشيعي في طرابلس يكاد يكون منعدما فإسقاط طرابلس في هذه الحالة عبر إغراقها في مزيد من التفجيرات والفوضى وهو الذي بدأ يحدث الآن وإن لم يتداعى أهل السنة لأخذ زمام المبادرة عبر إيجاد إستراتيجية تضم علماءهم و تياراتهم و تنظيماتهم و تجمعاتهم و عائلتهم في إطار واحد و نهج حركي موحد و إلا سيواجهون المصير و المخططات التي ترسم و تعد لهم.