هنيّة من نصر الله إلى عين الحلوة

بواسطة على الدرج قراءة 693
هنيّة من نصر الله إلى عين الحلوة
هنيّة من نصر الله إلى عين الحلوة

ماجد كيالي - كاتب فلسطيني

لا يمكن فهم الأوهام، أو الآمال، التي يتوخاها هنية ومعه قيادة "حماس" من لقاء نصر الله وقيادة "حزب الله"، لا سيما بعد التحولات التي حصلت لهذا "الحزب"، منذ انغماسه في اللعبة الداخلية السلطوية في لبنان.

لم تكن زيارة إسماعيل هنيّة زعيم "حركة حماس" إلى لبنان، على الأغلب، بغرض حضور اجتماع الفصائل الفلسطينية (عقد يوم 3/9) في بيروت، ولا لزيارة مخيم اللاجئين الفلسطينيين البائس “عين الحلوة”، الذي تتحكم أجهزة الأمن اللبنانية بمداخله ومخارجه. الغرض الأساسي كان عقد لقاء مع نصر الله زعيم “حزب الله”، بهدف ترميم العلاقة بين الطرفين، بعد العطب الذي ألم بها على خلفية الصراع الدائر في سوريا، وكمدخل لاستعادة العلاقة مع الدولة الراعية لـ”حزب الله” أي إيران.

ثمة مسألتان ترجحان ذلك، الأولى، أن زيارة هنية إلى بيروت، ومن ثم إلى مخيم عين الحلوة، لم تكن لتتم لولا رضا “حزب الله” أو تغطيته إياها. والثانية، أن هذا اللقاء لم يلحظ أي مسألة تهم اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، في أحوالهم المعيشية، وفي القيود اللبنانية المفروضة على حقوقهم المدنية.

وفي الحقيقة، لا يمكن فهم الأوهام، أو الآمال، التي يتوخاها هنية ومعه قيادة "حماس" من لقاء نصر الله وقيادة "حزب الله"، لا سيما بعد التحولات التي حصلت لهذا "الحزب"، منذ انغماسه في اللعبة الداخلية السلطوية في لبنان، إلى انخراطه مع النظام السوري في قتل السوريين وتشريدهم، وصولاً إلى تدخله لقمع الحراكات الشعبية في لبنان، التي اندلعت ضد الفساد والنظام

الطائفي. ثمة ملاحظات يمكن طرحها في هذا الإطار:

أولاً، إذا كانت “حركة حماس” تعتقد بأن “حزب الله” سيكون سنداً لها في "المقاومة"، على رغم أنها في حالة هدنة طويلة الأمد مع "إسرائيل"، من الناحية الواقعية، فإن ذلك "الحزب" كفّ عن "المقاومة" منذ عام 2000 (بغض النظر عن رأينا فيه، منذ قيامه، لا سيما بخصوص توظيفه قضية فلسطين لتعزيز مكانته والتغطية على طبيعته الطائفية وعلى تابعتيه للنظام الإيراني). ولربما يجدر بقيادة “حماس” التذكر هنا أن “حزب الله” لم يطلق رصاصة على "إسرائيل" إبان الانتفاضة الثانية من 2000 إلى 2005، التي استمرت خمسة أعوام، ولم يفعل ذلك إبان الحروب الوحشية الثلاث التي شنتها "إسرائيل" على غزة في 2008 و2012 و2014، التي تخضع لسلطة "حماس" (باستثناء عملية خطف جنديين "إسرائيليين" في 2006 والتي تمت لحسابات "حزب الله" بحتة، بعد اغتيال الحريري وخروج الجيش السوري من لبنان). ومثلا، فإن "حزب الله"، وراعيته إيران، يتلقيان ضربات "إسرائيل" في سوريا والعراق وإيران منذ سنوات دون أي رد. والمعنى من كل ما تقدم أن مبرر "المقاومة" أضحى مجرد ادعاء ولا يبرر ذلك اللقاء.

ثانياً، الحقيقة المؤسفة هنا أن ذلك اللقاء ينم عن لا مبالاة من قبل "حركة حماس" بمشاعر السوريين واللبنانيين، فـ”حزب الله” يقتل ويشرد السوريين دفاعاً عن نظام الأسد الاستبدادي، منذ عشرة أعوام تقريباً، ثم

 


إن اللقاء يأتي بعد انفجار مهول في بيروت، لا يمكن تجاهل مسؤولية “حزب الله” عنه، لا سيما عن تخزين المواد التي انفجرت على الأقل، ويأتي ضمن ذلك وقوف ميليشيات “حزب الله” ضد الحراك الشعبي في لبنان الذي انفجر في وجه النظام الطائفي والطبقة السياسية الفاسدة، قبل عام تقريباً.

ثالثاً، إضافة إلى كل ما تقدم فإن “حزب الله” نشأ، منذ قيامه، كـ"حزب" طائفي بحت، حتى أنه لا يوجد فيه أي لبناني من خارج الطائفة، كما نشأ منذ البداية كذراع إقليمية لإيران، التي قدمت أكبر خدمة لـ"إسرائيل" منذ قيامها قبل 72 عاماً، بتخريبها أو تصديعها بني الدولة والمجتمع في المشرق العربي، من العراق إلى لبنان مروراً بسوريا، إذ إن “مقاومة” إيران وميلشياتها الطائفية المسلحة خدمت "إسرائيل" أكثر مما أضرّت بها، وذلك من الناحية العملية.

الآن ثمة أسئلة تطرح نفسها، فهل تحاول "حركة حماس" تمثل “حزب الله” فلسطينياً، كـ"حزب طائفي" وكذراع إقليمية مرتهنة للراعي الإيراني، وفي خدمة سياساته الإقليمية؟ وهل هذا يعني توخّي عقد مصالحة مع نظام الأسد أيضاً في المستقبل؟ أيضاً، هل يعني ذلك تبييض صفحة إيران بعد كل ما فعلته في المشرق العربي؟ ثم هل يبرر الدعم المالي تلك العلاقة مع إيران، ويبرر تغطية ركوبها قضية فلسطين، على رغم ما فعلته في سوريا والعراق ولبنان، وعلى رغم العوائد الإيجابية لـ"إسرائيل" من كل ذلك؟

إن زيارة هنية إلى بيروت، ومن ثم إلى مخيم عين الحلوة، لم تكن لتتم لولا رضا “حزب الله” أو تغطيته إياها.

لا أعرف كيف سينظر هنية إلى عيون السوريين أو اللبنانيين، أو إن كان يحس بالأهوال التي مروا بها، إذ من المفروض أن الضحايا يتعاطفون مع الضحايا مثلهم، وأن قضايا الحرية والكرامة والعدالة لا تتجزأ، ولا يخضع للشروط.

أخيراً، هذا اللقاء برمزيته، دليل على أفول "حركات التحرر الوطني"، بمعناها ومبناها، وهو ما كرسته بتحولها إلى سلطة على شعبها، أو على جزء من شعبها، على رغم أنها سلطة تحت سلطة الاحتلال. لذا فإن ما حصل ليس بإسم الفلسطينيين ولا بإسم قضيتهم العادلة وحقوقهم المشروعة، إذ لا يستطيع ظلم أن يغطي على ظلم آخر، ولا تستطيع قضية عادلة أن تكون على حساب قضية عادلة أخرى.

 

على الدرج

20/1/1442

13/9/2020

 

 



مقالات ذات صلة