2016-8-31
لم يكن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بحاجة إلى الاعتراف بأن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني يعمل مستشارا لحكومة بغداد حتى يتجاوز الإحساس العام بأن حكومته طائفية، وتنفذ المشروع الإيراني في المنطقة عبر البوابة العراقية.
العبادي لا يختلف كثيرا عن سلفه المالكي، لكن لكل منهما طريقته الخاصة في تنفيذ المشروع الإيراني، فالأوامر واحدة والمرجعية واحدة بغض النظرعن التفاصيل.
فالمالكي قاد بنفسه عمليات التطهير الطائفي، بينما نفذها العبادي بيد ميليشيات الحشد الشعبي التي ارتكبت أكبر الفظائع بحق السنة في العراق.
العبادي جاء رئيسا للحكومة بعد أن استنفد نوري المالكي، دوره، وأزكمت رائحة الطائفية في حكومته الأنوف، واتفق الجميع على رحيله.
المالكي كان أمام خيار وحيد، وهو يرى جيشه يفر مهزوما من ساحة المعركة لصالح «داعش»، أن يقدم استقالته ويرضى بصفقة ترك السلطة مقابل عدم المطاردة القانونية بوصفه من المتهمين بإنشاء فرق الموت الطائفية.
وكان البديل مساعد المالكي السابق، العبادي، نائب رئيس مجلس النواب، وينتمي إلى «حزب الدعوة» الذي ينتمي إليه المالكي أيضا، إثر توافق الأحزاب على أن هذه الشخصية المقلة في الظهورالإعلامي، تتماشى بشكل جيد مع قادة الأكراد، وتحظى بفرصة كبيرة لإرضاء المسلمين السنة الذين دفعهم اشمئزازهم من تصرفات المالكي الإقصائية والطائفية إلى التصعيد في وجه الحكومة العراقية.
ويقال إن الإيرانيين والأمريكيين أجروا محادثات حول المرشحين المحتملين لخلافة المالكي، وبعد ثلاث جولات من المحادثات على الأقل اتفقوا على العبادي، ووافقت إيران على إقناع الجماعات الشيعية بدعمه، وشارك في هذه الجهود عدد من أئمة النجف، كما ساهموا في حشد الدعم للعبادي.
وهو ما نفاه مسؤول أمريكي، مؤكدا أن واشنطن لم تدفع باتجاه حيدر العبادي إلى مقاليد السلطة، وقال إن اسمه طرح عبر القنوات السياسية العراقية.
ورغم قربه من المالكي، لم يكن ضمن دائرة المقربين من المالكي، وبالتالي فإن اختياره لم يكن ليقصي التيار الشيعي الرئيسي، وفي الوقت نفسه لن يعطي المالكي فرصة ليحكم من وراء الستار.
وكان على العبادي أن يتعاطى مع أوضاع داخلية متأزمة، وكان التحدي الأكبر أمام الحكومة هو استعادة المدن العراقية التي سيطر عليها «داعش» والتي تصادف بأنها مدن سنية، فخاضت قوات من «الحشد الشعبي» وميليشيات موالية لإيران مع الجيش العراقي الرسمي معارك في تلك المدن، مخلفة وراءها كوارث إنسانية وصفتها منظمات دولية مثل «هيومن رايتس ووتش» بأنها ترقى إلى جرائم الحرب.
العبادي كما المالكي تلاحقهما شبهة طائفية، فرعاتهما في طهران هم من يرسمون خطط التطهير العرقي؛ ليتسنى لهم العبور بالخطة الإيرانية الطائفية من البوابة العراقية إلى المنطقة، وما تحويل الحشد الشعبي إلى حرس ثوري على غرار الحرس الإيراني إلا مقدمة على الأرض لإحداث التمدد الطائفي ونشره في المنطقة بقوة السلاح وبالإرهاب والقتل وسفك الدماء.
العبادي مرتبك وواقع بين خيارات ضيقة، فالملفات تتشابك أمامه، الأحزاب السياسية الهشة والصراع فيما بينها على «الكعكة العراقية» من جهة، والأزمة الاقتصادية والفساد والتقارير الدولية التي تضع العراق ضمن الدول غير الآمنة والفاشلة، والشحن الطائفي المدمر للذات العراقية وللوجود العراقي، كلها أزمات تؤكد تفرغ العبادي وحكومته وجيشه لحراسة ودعم الحشد الشعبي الذي يقوم بإراقة مزيد من دماء الأبرياء في المدن السنية التي «تحرر» وهو الفصل الأهم في المخطط الإيراني الهادف إلى التطهير العرقي في العراق.
التطهير من وراء جدر دموية
عمل وبكل دقة وحرفية على تنفيذ المخطط الإيراني في العراق في الفترة الأكثر دموية في تاريخ بلاد الرافدين.
دعم بشكل مطلق، من خلف الستار ومن أمامه عملية التطهير الطائفي التي تنفذها ميليشيات «الحشد الشعبي» بحق أبناء السنة، سلفه نوري المالكي الذي أسس فرق الموت للقتل على الهوية، بينما هو يرعى الإبادة الجماعية وهدم المساجد كما فعل في تكريت والمقدادية والرمادي والفلوجة في عملية تطهير عرقي واسعة النطاق.
حيدر العبادي امتلك جرأة وصلت إلى حد الوقاحة عندما داهمت ميليشيات الحشد الفلوجة وقتلت من قتلت من السنة في أبشع عملية تطهير، إذ اتهم الإعلام العربي بالمبالغة وحذر الدول العربية من التدخل في الشؤون العراقية حتى يتسنى له مواصلة تنفيذ ما طلبته منه إيران.
وتكشف «الحالة العراقية» سياسيين ورجال دين يتقمصون أكثر من شخصية درامية، ويبدلون الأقنعة والوجوه المستعارة، كما لو أنهم كانوا في سيرك أو في حفلة تنكرية صاخبة لا يعرف من هو المضيف ومن هم الضيوف وهذا ما يتقمصه العبادي.
ركب العبادي الدبابة الإيرانية وحين أخذ المالكي في التآكل وسقط جيشه سقوطا مروعا أمام «داعش» في الموصل، وبعد أن أزكمت رائحة طائفيته الأنوف، كانت إيران والقوى السياسية العراقية تبحث عن بديل، لخلافة المالكي في رئاسة الحكومة، لكن طهران والمرجعية في كربلاء كانت قد حسمت أمرها باختيار العبادي (من حزب الدعوة الحاكم) في رئاسة الحكومة فقام بتعزيز صلاته مع إيران والميليشيات الطائفية التي عادت إلى المشهد السياسي وباتت الحاكم الفعلي للعراق لتنفيذ المخطط الإيراني.
العبادي الذي يستمد شرعيته وديمومته من طهران، هو أقرب إلى قادة فرق الموت لكنه في النهاية ليس أكثر من مهرج سياسي يسعى ببهلوانية إلى تمرير الخطط الإيرانية لكن بوجه عراقي.
شرعنة «الميليشيات».. تأطير للقتل
يمثل رفض هيئة الانتخابات المركزية العراقية تسجيل «الحشد الشعبي» كيانا سياسيا دليل إدانة جديد ضد هذه الميليشيات التي تعمل خارج إطار القانون.. لكن هل تكون هذه الشهادة لشاهد من أهلها بمثابة ضربة قاصمة لسعي مرتزقة «الحشد» إلى تمرير قانون عبر مجلس النواب لتأطير عمله الطائفي وضمان حقوق منتسبيه الذي يرتكبون أبشع الجرائم ضد سنة العراق؟. لا شك أن إجابة هذا السؤال متروكة للأيام القليلة القادمة.
لكن مراقبين عراقيين حذروا من أن شرعنة عمل هذه الميليشيات من خلال البرلمان العراقي سوف يمنحها الحصانة التي من شأنها فتح الباب أمامها على مصراعيه لتنفيذ مزيد جرائم القتل على الهوية دونما حسيب أو رقيب.
ودق عدد من النواب العراقيين ناقوس الخطر، محذرين من المحاولات المشبوهة التي تجري على قدم وساق لإخراج «قانون الحشد» إلى النور، وأكدوا أن مشروع القانون - حال تمريره - سوف يدفع هذه الميليشيات إلى تنفيذ أجندات ضد مصالح العراق وشعبه، خصوصا أنه تشكيل شيعي يدين بالولاء لطهران وليس لبغداد.
وفي هذا السياق، أعلن تكتل «تحالف القوى» أنه لن يصوت على هذا القانون، محذرا من أنه يمثل انتهاكاً لحقوق الإنسان بشكل سافر، في الوقت الذي أنهى مجلس النواب العراقي القراءة الأولى لقانون «الحشد الشعبي» الذي قدمته لجنة الأمن والدفاع البرلمانية، فيما ينتظر البرلمان طرحه للقراءة الثانية والتصويت، وهو ما تسعى إليه بكل قوة كتل سياسية داخل التحالف الوطني الحاكم في العراق لتوفير الحماية والحصانة لميليشيات الحشد الطائفي من أي مساءلة قانونية.
وعزا محللون سياسيون سعي التحالف الوطني إلى تسريع الخطى لتمرير قانون تحصين ميليشيات الحشد الطائفي إلى رفع الضغوط الإقليمية والدولية عن حكومة حيدر العبادي والتي تطالبها بإجراء محاكمات بحق هذه الميليشيات في التهم التي ثبتت فيها إدانتها وتتوفر الأدلة والوثائق اللازمة للتحقيق والتي كشفت عنها لجان التحقيق في مجزرة الصقلاوية في الفلوجة والمنظمات الدولية الأخرى، فضلا عن جرائم تكريت وصلاح الدين وغيرها من المدن العراقية التي تؤكد شهادات أهلها ارتكاب هذه الميليشيات انتهاكات كبيرة.
واتهم محللون حكومة حيدر العبادي بالتورط سياسيا وجنائيا في جرائم الحشد بالصمت عليها وعدم تقديم مرتكبي الجرائم إلى المحاكم، رغم الاتهامات الموثقة للحشد من قبل بعض الأطراف السنية والمنظمات الدولية بانتهاكات حقوق الإنسان وجرائم ضد العراقيين، خصوصا في المناطق التي تم تحريرها من تنظيم «داعش». ورغم أن ميليشيات الحشد الطائفي تتمتع حاليا بصفتين قانونيتين، أولاهما ارتباطها برئاسة الوزراء ومنحها صلاحيات موازية لجهاز مكافحة الإرهاب، وثانيهما إقرار مجلس النواب في الموازنة مبلغ ملياري دولار لصالحها، إلا أنها لا تزال تلقى رفضا كبيرا على المستوى الشعبي، خصوصا من أهل السنة.
يذكر أن هذه الميليشيات تكونت من مقاتلين شيعة بعد فتوى «الجهاد الكفائي» التي أطلقها علي السيستاني في أعقاب سيطرة تنظيم «داعش» الإرهابي على مساحات واسعة في عدد من المحافظات العراق في يونيو 2014.
المصدر: المركز اللبناني للأبحاث والإستشارات