الفشل في البحرين وسوريا فجّر الخلاف بين خامنئي ونجاد
هدى الحسيني
التاريخ: 15/7/1432 الموافق 17-06-2011
عام 1981 كان الخطر على دول الخليج إيران وقضية تصدير الثورة. عام 2011 لا يزال الخطر ذاته. عام 1981 بدأ الخليج يفكر في حماية نفسه. كانت أميركا مشغولة بأفغانستان في مواجهة السوفيات، والعراق مشغولا بإيران، وكانت مصر معزولة عن العالم العربي بسبب اتفاقيات «كامب دايفيد» واليمن غير مستقر. انشأ الخليج منظمة مجلس التعاون الخليجي كحلف دفاعي. بعد 30 عاما زاد الخطر الإيراني وصار أكيدا وعلنيا ومنتشرا. يقول الدكتور سامي الفرج رئيس «مركز الكويت للدراسات الاستراتيجية» والمستشار في مجلس التعاون الخليجي، إن النفوذ الإيراني يقوم «على حسابنا وحساب الدول الإقليمية الأخرى، بما فيها مصر، وسوريا، وتركيا، وإسرائيل. نحاول ونسعى عن طريق المساعدة والاستثمارات. مثلا استثماراتنا المالية في لبنان، جاءت حرب واحدة (2006) لتدمر لنا 2,5 مليار دولار. ويأتي بعدها حزب الله بـ350 مليون دولار من إيران ويقول إنه يريد أن يبني»!
نحن الآن في عام 2011. الولايات المتحدة مرة أخرى في أفغانستان، العراق فيه عدم وضوح، مصر خارج العالم العربي بسبب حالتها الانتقالية ووضعها الاقتصادي، واليمن على كف عفريت. وتجد دول الخليج نفسها مضطرة إلى ضم ملكيات أخرى. يشرح الدكتور الفرج: «عندما نتكلم عن الخيار الأردني مثلا، هو خيار إيجابي وسلبي. إيجابي لأنه يزيدنا عددا إنما عدد قليل، لكنه سوف يجلبنا إلى منطقة الصراع العربي - الإسرائيلي وإلى الحدود مع سوريا، إذا ما بقي النفوذ الإيراني، وإلى حدود أخرى مع العراق غير الحدود العراقية مع الكويت والسعودية» ويضيف: «عندما ننظر إلى المغرب وعلى الرغم من أنه أبعد، فهو يجلب لنا حالة سلبية مثلا بالنسبة لقضية الجزائر، لكن الإيجابي فيه أنه ستكون لنا حدود مع أوروبا».
كثيرون يشعرون بقرب حدوث شيء ما في إيران. يقول الفرج: «نحن نتكلم عن دولة لا نريد بها شرا إنما نريدها أن تكف شرها عنا. يقلقنا هذا الصلف والازدراء في التقدير العقلاني للأمور الذي سوف يزيد من مشكلات إيران الداخلية».
يعطي مثلا عن هذا الصلف ما حصل في البحرين وما حصل في سوريا. فإيران وعدت وفشلت. أرادت في البحرين أن تسوق أن حركة المظاهرات ليست شيعية إنما أناس مسحوقون. يقول: «وزعت إيران الناس للقيام بأعمال تخريبية، والكشف عن وجوههم بإعلان الجمهورية الإسلامية في مقر منعزل في جزيرة سرت، والأمر الأخطر أن أكثرية سكان الخليج من غير المواطنين ومن بينهم الجالية الإيرانية وهي متخصصة في أعمال البناء، والصرافة، والأغذية». يتساءل: «لماذا لم تقم مثلا الجالية الهندية أو الفيليبينية في البحرين بالإضراب تأييدا للمظاهرات؟ لاحظنا أن الجالية الإيرانية أغلقت دكاكين الأغذية، هذا عمل لا يقوم به شخص من تلقاء نفسه، لأنه يمكن أن يفقد تأشيرته وإقامته فهو مواطن أجنبي، لا بد أن يكون الأمر جاءه من جهة أعلى».
يرى أن هناك سوء تقدير إيرانيا بالنسبة إلى ما حدث في سوريا فرغم أن الوجود الإيراني هناك استخباراتي فقد فشلوا في التخمين. كان السيناريو السوري قائما على ثقته بالأجهزة الأمنية، وأنه بالتالي يستطيع أن يواجه أي تحد في الشارع، وكان على الإيرانيين أن يكونوا محامي الشيطان ويفكروا في الاحتمال الأسوأ. يشرح الدكتور الفرج، أن الطرفين الآن وبصورة عشوائية يحاولان إسناد النظام. ويقول: «إن الدليل على فشل إيران هو الأزمة القائمة في إيران. لا شك أن الذي يدير السياسة الخارجية هو الرئيس، ويريد المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي أن يحمّل الرئيس هذا الفشل في سوريا كي لا يطاله». ويضيف: «الرئيس محمود أحمدي نجاد قد ينقلب على المرشد، لأنه ليس في أجندة التيار الفارسي (أحمدي نجاد ومشائي) التنازل والخروج من المسرح السياسي». ويرفض أحمدي نجاد التنازل على أساس أنه فشل في توقع الأحداث في سوريا. هو أقال وزير النفط حيدر مصلحي ليكون كبش فداء، والمرشد لا يريد التضحية بمصلحي كي لا يكون هو المسؤول عن الفشل في سوريا.
شخصيا يتوقع الدكتور الفرج سقوط النظام السوري آجلا أم عاجلا. الاحتمال الأسوأ للنظامين الإيراني والسوري هو سقوط النظام السوري. الاحتمال الأقل سوءا هو أن يتغير النظام السوري بصورة كبيرة إلى درجة أنه لا يمكن التعرف عليه، بأن يعتمد الديمقراطية، ويقبل بتعدد الأحزاب، ويحاول الرئيس بشار الأسد أن يفصل نفسه عن الآخرين.
ما زالت الدول الغربية تعطي الفرصة لسوريا خوفا من مواجهة مع إيران الآن، لأن أميركا لن تفكر في مواجهة إيران قبل عام 2014. بعض التقارير تقول إن إيران مع عام 2014 ستعيد تشكيل برنامجها النووي وتنتج 3 رؤوس نووية، لكن لأن عام 2014 هو عام الانسحاب، فإن إيران باتت تنظر إلى كل انسحاب على أنه بداية لعملية ضدها.
يعتقد الدكتور الفرج أن المخططين الاستراتيجيين الإيرانيين لا بد أنهم يدركون أن النظام السوري آيل إلى السقوط. لذلك فإن إيران تستعد للانتقال إلى لبنان إذا استطاعت. ويتساءل، ما الذي دفع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله لإلقاء خطاب مساندة للرئيس السوري بعد كل هذه المدة المتأخرة؟ ويجيب: هذا يعني أنه لم يكن يريد ذلك، «كان يريد أن يعد لاستراتيجيته داخل لبنان كجزء من المكون اللبناني».
«ما أقدمت عليه حركة حماس بالبحث عن صفقة مع فتح، يعود إلى شعورها بأن النظام في سوريا سيسقط، إذا أخذنا هذا بعين الاعتبار، فما الذي يمنع حزب الله من التحرك بهذا الاتجاه داخل لبنان». يقول الدكتور الفرج.
التراجعات الإيرانية بدأت في لبنان، عندما منع حزب الله بالاتفاق مع الجيش اللبناني، الفلسطينيين من التظاهر في 12 من الشهر الجاري في جنوب لبنان، على الرغم من أنهم تظاهروا في الجولان. بدا الحزب كمن يقول: «هذه قدرتي وهذه حدودي».
ما تبين خلال القلاقل في سوريا، أن «أوراق اللعبة» التي كانت تهدد بها لإشعال المنطقة (حماس، حزب الله في جنوب لبنان، إيران) سقطت كلها من يدها. وكذلك البعثيون العراقيون، وهؤلاء يصبون في خانة التراجعات الإيرانية في العراق. يعطي الدكتور الفرج عدة أمثلة عن العراق: اغتيال رئيس «حزب الله العراقي»، أو المدير التنفيذي لهيئة المساءلة والعدالة علي اللامي. برأيه أن البعثيين هم الذين قتلوه «لأنهم يريدون الخروج من سوريا وإعادة بناء قواعدهم في العراق على أساس الانتصار السياسي الذي حققه إياد علاوي».
يشير أيضا إلى المظاهرة التي دعا إليها مقتدى الصدر حيث سار رجاله وعلى صدورهم علم العراق، وهذا يعني أن الصدر يعيد تموضعه داخل السياق السياسي العراقي، ثم انسحاب علاوي من حكومة المالكي بعدما قال إن كل العهود التي أعطاها المالكي لم تنفذ، وكفاه ازدراء بإرادة الشعب العراقي.
يستنتج: «هذه التغيرات لا تصب في صالح إيران. تراجعات في سوريا، في لبنان، في موقف حماس، والأتراك في ضوء هذا التراجع الإيراني، سوف يرفعون راية حماية السنّة في سوريا، وتراجعات في العراق. ما الذي يمنع أن تصل هذه التراجعات إلى الشارع الإيراني؟ لذلك يجب أن يدفعوا إلى الأمام، فاختاروا مجلس التعاون الخليجي عبر لغة الطائفية».
من ناحية أخرى، وبسبب أحداث البحرين، بدأ تفكير جدي في دول الخليج، في توحيد الطاقات العسكرية في جيش موحد في ظل فيدرالية سياسية لتحقيق القدرة على الرد السريع في ضوء الأخطار، ويميل التفكير إلى أنه عندما يستكمل بناء الجيش «فلا بأس من الحصول على سلاح نووي للتوازن مع إيران».
المصدر: الشرق الوسط