سقوط بيروت..... وآخرون سقطوا
حسن الرشيدي
أم وطفلها من أهل السنة سقطا برصاصات في الرأس في بيروت السنية بعد أن اقتحمتها الميليشيات الشيعية المنتمية لحزب الله وحركة أمل... هذه هي حصيلة أولية لاجتياح الشيعة لبيروت بعد فرار وهزيمة ميليشيات السنة في تيار المستقبل المدافعة عن المدينة.
وكانت الميليشيات الشيعية قد انطلقت إلى هدفها بعد أن أعطى حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله إشارة البدء في نهاية خطابه الذي ألقاه الخميس وقال فيه إن الشيعة سيقطعون اليد التي تقف في وجه المقاومة. ومن المعروف أن استخدام مصطلح المقاومة بالنسبة للشيعة غيره بالنسبة لاستخدامه لدى الأطراف السنية المقاومة سواء في فلسطين أو في العراق .
فبينما تعني الأطراف السنية دائمًا بالمقاومة ضد المشروع الصهيوني في فلسطين والمشروعين الإيراني والأمريكي في العراق ولكن الشيعة يستخدمونه دائمًا ويعنون به باطنًا فرض المشروع الإيراني على المنطقة.
وبالرغم من أن سقوط بيروت يمثل عند المسلمين مثل سقوط بغداد على أيدي القوات الأمريكية وبمساعدة إيرانية؛ فإن سقوطها يعني سقوط عدد من المشروعات التي قد تكون إيجابية للمسلمين على المدى التوسط والبعيد:
أولاً / سقوط المشروع الحريري لقيادة سنة لبنان.
ثانيًا / انهيار الخداع الإيراني لجمهور أهل السنة.
ثالثًا / ظهور الخيانة داخل الصف السني.
وسنتناول في هذا المقال البند الأول.
سقوط الحريرية:
عندما بدأ نجم رفيق الحريري يسطع في لبنان كان وضع السنة ضائعًا بين احتلالين: سوري وإسرائيلي وقوى لبنانية شيعية ومارونية ودرزية تعمل على تهميش أكبر قوة سكانية في الأرض اللبنانية واغتيلت أو همشت أي زعامة سنية كانت تريد أن تعمل على فك الشرنقة المضروبة حول السنة الذين كان خيارهم في الحرب الأهلية على الفلسطينيين، فعندما توافقت القوى المحلية والإقليمية والدولية على خروج الفلسطينيين من المعادلة اللبنانية كانت الطائفة السنية أكبر الخاسرين ولذلك عندما بدأ الحريري في الدخول إلى المعادلة السياسية اللبنانية بإيعاز سعودي واشتراكه في صياغة اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية فرض الحريري نفسه على الساحة اللبنانية بقدرته الفائقة على قراءة الوضع السياسي المحلي والإقليمي والدولي؛ فعلى الصعيد المحلي استطاع أن يركز على إعمار لبنان ونجح باتصالاته وشبكة علاقاته الدولية والإقليمية الخليجية في جلب الأموال اللازمة لإعمار لبنان كذلك نجح الحريري في كسب رضاء النظام السوري وهو الفاعل الأكبر في استتباب الوضع اللبناني بعد نهاية الحرب الأهلية. وعلى الصعيد المحلي بدأت الطائفة السنية تعود للحياة من جديد في لبنان بدور فاعل بصعود الحريري السياسي وكان نجاح الحريري يعود لعدة عوامل:
1. انتهاجه نهجًا تصالحيًا مع بقية الطوائف اللبنانية وليس تصادميًا.
2. أمواله الطائلة والتي نجح بواسطتها في إقامة مؤسسات خدمية من تعليمية واجتماعية وصحية كان نصيب السنة منها الحظ الوافر ولكنها لم تكن بعيدة عن الطوائف الأخرى.
3. قدرته على الاستفادة من علاقاته الشخصية في تقوية وضعه السياسي.
ولكن بمرور الوقت بدأت عوامل الضعف تظهر في مشروع الحريري وذلك نتيجة لأسباب؛ أهمها:
1. أن هذا المشروع ليس مشروعًا عقائديًا، ولا نعني بمشروع عقائدي أنه متصادم بالواقع كما يتصور البعض، ولكن المشروع العقائدي يدرك واقعه جيدًا لكي يتنزل عليه النصوص ولكن الحريري نتيجة ابتعاده عن الحالة السنية العقائدية وثق كثيرًا في طوائف الباطنيين والشيعة. لقد كان الحريري يتوسط بإيعاز من الأسد لسوريا لدى أوروبا والولايات المتحدة ويثق في حلفاء له كجنبلاط وغيرهم.
2. لم يتبنى الحريري المظالم والتي وقعت على أهل السنة في لبنان طيلة الاحتلال السوري، فاعتقلت مجموعات إسلامية كثيرة وزجت وعذبت في السجون والمعتقلات في الضنية والبقاع وطرابلس، والآن يدفع سعد الحريري الثمن.
أخذ الحريري الأب مشروعه منحى سلميًا وربما كانت الأجواء وقتها لا تسمح ببناء كيان عسكري وعندما حانت اللحظة بهذا البناء فور اغتياله تأخر الحريري الابن كثيرًا في اتخاذ القرار وعندما شرع في بناء قوته العسكرية منذ عام تقريبًا كان هذا البناء ضعيفًا؛ فأي جيش أو جماعة عسكرية أو ميليشيا ينبغي أن تراعي ثلاثة أمور: أولها العقيدة القتالية وتحديد من هو العدو وتربية القيادات والجنود على هذه العقيدة وثانيها هو المقاتل وتدريبه الجيد واستعداداته العسكرية وخبراته القتالية، وثالثًا وهو الأسلحة والذخيرة التي يتسلح بها الجيش أو الجماعة؛ يجب أن تكون متكافئة نوعًا ما مع عدة وسلاح الطرف الآخر . وعند تطبيق الثلاث قواعد السابقة على حالة جيش الحريري فإنه كان يفتقد اثنين على الأقل من هذه الشروط الثلاثة؛ فلا يوجد لدى أفراده عقيدة قتالية بل هي مجموعات من المرتزقة انضموا إليه من أجل المال ولم يقضوا فترة تدريبات طويلة وتنقصهم الخبرات القتالية، كما أن العقيدة التي تلقوها هي الدفاع عن مقرات المستقبل في بيروت وليست عقيدة توضح من هم العدو بالتفصيل؛ فهناك ثغرتان كما أسلفنا. أما موضوع السلاح فأعتقد أنه لم يكن هناك تكافؤ في السلاح إلى حد ما؛ فحزب الله مدرب على الآر بي جي وهو لديه الكثير منها، وهو قد خاض معارك كثيرة منذ ما يقرب من عشرين عامًا، فضباطه وعناصره لديهم الخبرة القتالية والتجهيزات اللوجستية التي تضمن قتالاً على مستوى قوي. و يشرح شاكر البرجاوي وهو أحد القيادات العسكرية السابقة للسنة في تنظيم المرابطين في صحيفة الأخبار اللبنانية وبحكم خبرته أن لا أحد يتوهّم القدرة على مواجهة حزب الله. وبابتسامته المعتادة يجزم بأن المستقبل لم يُنشأ لمعارك كهذه وهو تيار له جمهوره العريض لكنّه ليس تيارًا عسكريًا مشددًا، على أن القتال لا يتعلق بالسلاح؛ إذ يمكن كل فريق لبناني أن يشتري الكميّة التي يريدها من السلاح. لكن الأمر يتعلق بالمقاتلين، وهنا يعاني المستقبل وغيره في قوى الأكثريّة نقصًا قاتلاً.
ويقول أحد كبار مدربي الجناح الميليشياوي في المستقبل وهو من عكار: إن ما حصل كان خطة متطورة من حزب الله بينت أولاً حجم اختراق الحزب لخصومه، وقد استندت إلى نزول أبناء الأحياء الشيعيّة إلى شوارع منطقتهم وقطعها وفق خريطة تظهر أن الشيعة الذين كان البعض يتخوف من تمددهم في أكثر من منطقة باتوا يحاصرون عمق مدينة بيروت وهو ما لم يؤخذ جديًّا في الاعتبار سابقًا، وقد وجد قادة التيار الميدانيون أنفسهم أمام واقع يحتم عليهم المبادرة بإطلاق النار لفتح الطرقات مما يعني تحوّلهم من معتدى عليهم إلى معتدين.
يضاف إلى هذا كلّه تسريبات جديدة مفادها أن شبانًا كثرًا أغلقوا هواتفهم في اللحظة الحرجة وتحاشوا النزول إلى الشارع لشعورهم بعبثيّة ما يحصل. أما الأكيد فهو أن الجناح العسكري للمستقبل فوجئ جديًا بسبعة فانات فقط تأتيه من الشمال بينما كان ينتظر سبعين على الأقل كما يقول أحد الميدانيين.
لقد هرب أتباع المستقبل المرتزقة من المواجهات ولم يصمدوا أمام ميليشيات حزب الله وحركة أمل، ولو كان هؤلاء أصحاب عقيدة ما جبنوا ولسطروا صفحات مجيدة من الاستبسال والدفاع عن بيروت، ولم يمر الشيعة إلا على أجسادهم.