العلاقات المصرية الإيرانية إلى أين تسير..؟
بسام السيد
anns012@hotmail.com
تسارعت خلال الأسابيع الأخيرة التحركات الدبلوماسية بين القاهرة وطهران، ما دفع بعض المراقبين للقول بأن هذا النشاط الدبلوماسي الكثيف بين البلدين هو خطوات ممهدة لإعادة العلاقات بين مصر وإيران والمقطوعة منذ ما يقرب من ثلاثة عقود.
بدأ هذا النشاط بزيارة وزير الصناعة الإيراني "علي أكبر محرابيان" للقاهرة، أعقبها قيام وفد مصري رفيع المستوى برئاسة معاون وزير الخارجية "حسين ضرار" بزيارة إلى طهران التقى خلالها وزير الخارجية الإيراني "منوشهر متكي" وعددًا آخر من المسئولين، بعدها قدم إلى مصر "علي لاريجاني"، الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني وأجرى محادثات مع رئيس المخابرات المصري اللواء "عمر سليمان"، بحثا خلالها مسألة عودة العلاقات بين البلدين، تزامن مع هذه التحركات الدبلوماسية إعلان الرئيس الإيراني "أحمدي نجاد" عن استعداده لزيارة مصر.
هذا التصريح من الرئيس الإيراني والنشاط الدبلوماسي بين القاهرة وطهران يطرح تساؤلاً هل ستشهد الفترة القادمة عودة للعلاقات بين مصر وإيران؟
وقبل الإجابة على هذا التساؤل ينبغي ملاحظة أن هذه ليست هي المرة الأولى التي تشهد نشاطًا دبلوماسيًا كثيفًا بين الجانبين، فالعلاقات المصرية الإيرانية اتسمت بحالة من المد والجزر، حيث يبدأ البلدان في مد التواصل وتكثيف النشاط الدبلوماسي ثم لا تلبث أن تنشأ أزمة لتنسف هذه الجهود الدبلوماسية وتعيد الأجواء إلى مربع التوتر من جديد.
وكان آخر نموذج لثنائية المد والجزر عام 2003 حيث شهد تقدمًا ملحوظًا في العلاقات بين البلدين توج هذا التقدم اللقاء الذي جمع الرئيسين "محمد خاتمي" و"حسني مبارك" في سويسرا على هامش مؤتمر قمة المعلوماتية، ثم لم تلبث أن عادت أجواء التوتر تخيم على العلاقات بين البلدين في أعقاب إعلان القاهرة عن إحباط أجهزة الأمن المصرية محاولة إيرانية لزرع جاسوس مصري يدعى "محمد عيد"، استطاع دبلوماسي إيراني يعمل في القاهرة تجنيده، وقال بيان النائب العام المصري: إن هذا الجاسوس كان يخطط للقيام بعمليات تفجير في مصر والمملكة العربية السعودية.
غير أن النشاط الدبلوماسي الأخير يجيء في ظل تطورات غير مسبوقة قد تغير من سياسة المد والجزر بين البلدين.
وهذا الأمر يجرنا إلى محاولة فهم طبيعة العلاقات بين مصر وإيران، خلال العقود الثلاثة الأخيرة، أي منذ قطع العلاقات بين البلدين عام 1979.
*- عوامل تحكمت في مسار العلاقة بين مصر وإيران:
هناك عدد من العوامل تحكمت في مسار العلاقة بين البلدين، وأبرز هذا العوامل:
- الخلاف المذهبي بين مصر التي تعد أكبر بلد سني في المنطقة وبين نظام طهران الذي يحمل لواء التشيع في العالم الإسلامي ، خاصة في ظل فكرة تصدير الثورة التي حمل لواءها الخميني، ونظرًا للثقل الذي تتمتع به مصر في العالمين العربي والإسلامي فقد التفتت إليها أنظار الشيعة واتجهوا صوبها محاولين نشر مذهبهم بشتى الطرق ونتيجة لذلك فقد اتخذت السلطات المصرية إجراءات حازمة في التعامل مع الفكر الشيعي، حيث قامت باعتقال العشرات من الناشطين الشيعة وعملت على محاصرة أي نشاط شيعي بالبلاد ووجهت الاتهامات إلى العديد من القيادات الشيعية وكشفت عن علاقات هذه القيادات بالنظام الإيراني، هذه الضربات الأمنية من قبل السلطات المصرية للشيعة انعكست على العلاقة بإيران.
- الموقف من الجماعات الإسلامية المصرية: فنتيجة لتضييق النظام المصري على النشاط الشيعي والخلافات بين القاهرة وطهران، عمدت إيران إلى محاولة استقطاب بعض الناشطين الإسلاميين السنة المعارضين لحكم مبارك، وكانت تهدف من خلال هذا الإجراء تحقيق أكثر من هدف في آن واحد، فمن جهة، استخدامهم كورقة للضغط على النظام المصري والمساومة بهم، من جهة أخرى تسويق نفسها في العالم الإسلامي في صورة الدولة المدافعة عن قضايا الإسلام والإسلاميين ضد النظم العلمانية الحاكمة، هذا بالإضافة إلى محاولة اختراق الحركة الإسلامية السنية وتحويلها للمذهب الشيعي أو استخدامها كأداة لخدمة المشاريع الإيرانية في حال عدم تشيعها، وفي هذا السبيل استضافت طهران بعض القيادات الإسلامية المصرية البارزة على رأسهم "مصطفى حمزة" أمير الجناح العسكري للجماعة الإسلامية المصرية في الخارج .
- العلاقة بالولايات المتحدة: فمنذ اتفاقية السلام الذي وقعها الرئيس المصري السابق "أنور السادات" مع إسرائيل ومصر جزء أساس من المحور الأمريكي في المنطقة، لذلك فقد ظلت سياسة مصر وعلاقتها مرتهنة بارتباطها بهذا المحور، وحرصت مصر على عدم الاقتراب أو ممارسة أي لون يوحي بأن هناك توجهًا مصريًا يسير خارج النص المكتوب أمريكيًا للعلاقة المصرية مع أي دولة غير منخرطة في النادي الأمريكي، ومن ضمنها بطيعة الحال إيران.
- سياسات إيران في المنطقة: بعد مجيء الخوميني إلى السلطة في طهران تغيرات العديد من ملامح السياسة الخارجية الإيرانية وتشكلت تحالفات جديدة في المنطقة لمواجهة الأطماع الإيرانية ووقف الامتداد الشيعي، أنتج هذا بناء محور أمن إقليمي الثلاثي، تكون من السعودية والعراق ومصر في مواجه الجموح الإيراني وتكسير شوكته، واستطاع هذا المحور أن يتصدى للخطر الإيراني ويحمي البوابة الشرقية للأمة العربية، لكن دخول العراق إلى الكويت أدى لانفصام عرى هذا المحور وبدأت خارطة المنطقة تتغير بعد حرب الخليج الثانية، حيث أخذت البلدان في تبادل الوفود، وعادت العلاقات الدبلوماسية على مستوى مكاتب رعاية المصالح وأيدت مصر عام 1999 انضمام إيران إلى عضوية مجموعة الـ15 وسعت لإقناع بعض دول أمريكا اللاتينية التي كانت رافضة لهذا الانضمام، وأخذت العلاقات تتطور بصورة تدريجية لكنها ، اصطدمت بعدد من العوائق.
الأول: قضية أمن الخليج واحتلال إيران للجزر الإماراتية وتدخلها في البحرين بزعم دعم الأغلبية الشيعية، بالإضافة للمناورات العسكرية التي تجريها من آن لآخر في مياه الخليج.
والثاني : النفوذ الإيراني المتعاظم في العراق بعد الاحتلال الأمريكي من خلال الأحزاب والميليشيا الشيعية.
الثالث: دعم حزب الله في لبنان في مواجهة الحكومة اللبنانية، هذه العوائق دفعت في اتجاه إعادة التوتر بين البلدين من الجديد ليصل ذروة التوتر بعد هجوم الرئيس المصري على الشيعة في العالم واتهامهم بأن ولائهم ليس لبلدانهم وإنما لإيران، وتصريحات وزير الخارجية المصري "أحمد أبو الغيط" المتكررة التي تحذر من تصاعد النفوذ الإيراني في المنطقة.
· - تطورات غيرت من طبيعة العلاقة بين البلدين:
ظلت العوامل السابقة تحكم طبيعة العلاقة بين القاهرة وطهران، لكن في ظل تطورات الأوضاع في المنطقة وحالة السيولة التي تصبغ المشهد السياسي تغيرت هذه العوامل رأسًا على عقب، فإيران تخلت عن أسلوبها القديم في تصدير ثورتها، وإن كانت مسألة تصدير الثورة ما زالت تسيطر على عقلية الساسة الإيرانيين، غير أن الأسلوب الساذج الذي كان يمارس في الماضي ويستفز دول المنطقة تغير، وبالتالي خففت القاهرة من قبضتها على النشاط الشيعي داخل البلاد، بل قد يرى البعض دعما للأنشطة الشيعية بصورة غير مباشرة في إطار لعبة التوازنات بين القوى المختلفة داخل المجتمع المصري بعد تعاظم النفوذ السلفي ويدللون على ذلك بتغلغل الشيعة في عدد من المؤسسات وعلى رأسها الأزهر الذي يغض الطرف عن أنشطتهم خاصة بعد فتوى شيخ الأزهر الأخيرة بجواز التعبد بالمذهب الشيعي الجعفري، هذا بجانب إتاحة الإعلام المصري مساحات للناشطين الشيعة ليبثوا من خلالها أفكارهم، وجاءت زيارة لجنة الحريات الدينية الأمريكية لمصر في الفترة من 16 إلى 23 يونيو 2004، لتفتح ملف الشيعة بشكل أكبر، بعدما سعى أعضاء اللجنة للحديث مع مسئولين مصريين ودينيين، مثل مفتي مصر "علي جمعه"، عن التضييق على الشيعة، في مصر، وعدم تمتعهم بالحرية الدينية، مطالبين بإتاحة مجال أوسع للشيعة المصريين.
موقف لجنة الحريات الأمريكية جاء على خلفية تطورات في العلاقات الأمريكية الإيرانية، فلم تعد هذه العلاقة محكومة بإطار ثابت شبه مطرد كما كان في السابق ، فقد أصبح هناك مصالح مشتركة بين واشنطن وطهران تساعد في اتجاه التوافق بين البلدين كما أن هناك خلافات حول بعض القضايا تدفع في اتجاه الصدام، وما زالت تصريحات المسئولين الأمريكيين والإيرانيين تعبر عن هذا التأرجح، كما أنه على مستوى الفعل هناك العديد من الشواهد التي تؤكد على التقارب الإيراني الأمريكي في ذات الوقت الذي يوجد فيه شواهد تشير للتصعيد، ولسنا في صدد الحديث عن طبيعة العلاقات الإيرانية الأمريكية وحقيقتها – لكننا نشير فقط إلى أنه منذ احتلال العراق وأفغانستان وانضمام إيران بصورة غير معلنة للتحالف الأمريكي على الإرهاب قد تغيرت طبيعة العلاقة بين واشنطن وطهران، الأمر الذي سيؤثر بالضرورة على علاقة المحور الأمريكي في المنطقة بإيران.
تطور هذه العلاقة وانضمام طهران غير المعلن للتحالف ضد الإرهاب انعكس هو الآخر على علاقة إيران بالمعارضين الإسلاميين المصريين السنة، إذ تحول الإسلاميين من ورقة ضغط إلى ورقة ـ من خلال تسليمهم ـ لمد الجسور مع الولايات المتحدة ومن ورائها القاهرة، فقامت طهران بتسليم القيادات الإسلامية التي استضفتها في السابق وكان من أبرز من تم تسليمه "مصطفى حمزة" وعدد من كوادر الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد المصريين.
وعلى الرغم من حالة التأرجح هذه التي ميزت العلاقة بين طهران وواشنطن منذ احتلال الأخيرة للعراق، إلا أن بعض المراقبين يشيرون إلى أنه خلال الأشهر الأخيرة، بدا وكأن طهران دخلت في مرحلة من الوفاق مع الإدارة الأمريكية ويدللون على هذا الوفاق بعدد من الشواهد ،أبرزها:
1- اللقاءات المستمرة بين المسئولين الأمريكيين والإيرانيين بشأن العراق.
2- الضغط الإيراني على الميليشيات الشيعية وخاصة التابعة لمقتدى الصدر للإعلان عن وقف الهجمات والمساعدة في تهدئة الأوضاع في العراق.
3- تقرير الاستخبارات الأمريكية الأخير الذي يتركز مضمونه على أن إيران توقفت عن أنشطتها النووية منذ عام 2003.
4- التحسن في العلاقات بين طهران والدول الخليجية وتوج هذا التحسن بزيارة نجاد للمملكة العربية السعودية ثم دعوته لقمة دول مجلس التعاون.
5- شبه التوافق في لبنان بين الأكثرية والمعارضة على اختيار "ميشيال سليمان" رئيسٍا للبنان، رغم الصعوبات التي تواجه هذا التوافق.
هذه التطورات دفعت القيادة المصرية إلى إعادة النظر في علاقتها بإيران، ووافقت على مد الجسور بين البلدين، وهذا ما يفسر التسارع في النشاط الدبلوماسي بين البلدين مؤخرًا.
ساعد على ذلك إغراءات إيرانية، بالتعاون الاقتصادي بين البلدين ـ افتتح وزير الصناعة الإيراني خلال زيارته الأخيرة للقاهرة مصنعًا للسيارات الإيرانية ـ وتنشيط السياحة في مصر التي تضم العديد من المشاهد والأضرحة المقدسة عند الشيعة ، حيث من المتوقع أن يزور مصر 3 ملايين سائح إيراني سنويًا بما يمثل مصدرًا إضافيًا للدخل المصري الذي يعاني من التعثر.
لكن يبقى السؤال هل من مصلحة مصر حقيقة إعادة علاقتها بإيران، أم أن عودة هذه العلاقات سيزيد من تهميش دور مصر الخارجي الآخذ في التآكل، ويعمق من الأزمات الداخلية التي يعاني منها المجتمع المصري؟