صفقة حزب الله ـ إسرائيل.. نصر الله في الموعد تمامًا

بواسطة وليد نور قراءة 2008
صفقة حزب الله ـ إسرائيل.. نصر الله في الموعد تمامًا
صفقة حزب الله ـ إسرائيل.. نصر الله في الموعد تمامًا

صفقة حزب الله ـ إسرائيل.. نصر الله في الموعد تمامًا

 

وليد نور

 

"المفاجأة" صفة تكاد تكون ملازمة لجميع أفعال وتحركات "حزب الله"، وصفة المفاجأة التي يتسم بها حزب الله ليست في أفعاله وسياساته، ولكن في التوقيت، ففي الوقت الذي يغلف الهدوء العلاقات بينه وبين الكيان الصهيوني، وبينما تثني الصحف العبرية على أداء "حزب الله"، نجده يشن هجومًا على الكيان الصهيوني يجر حربًا لا يزال يتردد صداها حتى الآن.

 وفي الوقت الذي يتوقع فيه الكثيرون أن العلاقات بين الطرفين يشوبها التوتر، نجد "حزب الله" يعقد صفقة تبادل مع "إسرائيل"، يصفها "حزب الله" نفسه بأنها "بادرة حسن نوايا".

 هذه المفاجأة التي تطبع تحركات "حزب الله" قد يعتبرها البعض دليلاً على "حنكة" الحزب السياسية، غير أنها في واقع الأمر دليل على أن أمر "حزب الله" ليس بيده، وأنه ورقة بأيدي آخرين تستخدمه متى شاءت وفي أي غرض شاءت.

 حزب الله.. وتاريخ من الصفقات:

 قبل الإجابة عن سؤال: لماذا الآن؟، وما يجنيه الحزب من وراء تلك الصفقة؟، نسرد هنا بشيء من الاختصار تاريخ صفقات التبادل بين إسرائيل وحزب الله:

 1-    تمت الصفقة الأولى في مطلع يوليو 1996 حيث أعاد حزب الله لإسرائيل رفات جنديين، مقابل الإفراج عن رفات 123 لبنانيًا، وفي نفس اليوم أطلق حزب الله سراح 25 جنديًا من عملاء جيش لبنان الجنوبي، فيما أفرجت تل أبيب عن 25 سجينًا من معتقل الخيام بجنوب لبنان.

 2-    الثانية في 25 يونيو 1998 أعاد لبنان جثة الجندي الإسرائيلي إيتمار إيليا، مقابل تسليم إسرائيل رفات حوالي 40 من عناصره، بالإضافة إلى أسرى لبنانيين.

 3-    الثالثة في 26 ديسمبر 1999 تمَّ الإفراج عن خمسة من عناصر حزب الله كانت تل أبيب تحتجزهم منذ أكثر من 10 سنوات.

 4-    الرابعة في 25 أغسطس 2003 تسلّم حزب الله من إسرائيل جثتيْ عنصرين من عناصره؛ بغرض التوصل لاتفاق بين الطرفين وتفعيل المفاوضات.

 5-    الخامسة في 29 يناير 2004 وكانت أكبر صفقة تبادل للأسرى. وضمت 23 أسيرًا لبنانيًا و12 أسيرًا عربيًا، منهم (سوريان وليبي و3 مغاربة و3 سودانيين) و400 فلسطيني، بالإضافة إلى أسير ألماني، ورفات 59 مقاومًا لبنانيًا، وفي المقابل تسلَّمت تل أبيب من حزب الله "الحنان تننباوم" العقيد في المخابرات وجثث 3 جنود.

 أما الصفقة الأخيرة، فهي الصفقة السادسة في تاريخ الصفقات؛ وبذلك يتضح لنا أن قنوات التفاوض بين "حزب الله" وإسرائيل لم تقف يومًا، رغم التصريحات العنترية التي يطلقها "حسن نصر الله" بين الحين والآخر، وفي خضم تلك التصريحات لا نستطيع أن نتجاهل ما صرح به "نصر الله" عقب الحرب من وجود مفاوضات مع "إسرائيل"، مشيرًا إلى أنه اشترط على المفاوضين من الجانبين التكتم على سير المفاوضات وتفاصيلها؛ وهو الأمر الذي يلقي بتساؤلات عن حقيقة ما اشتملت عليه الصفقة الأخيرة من اتفاقات.

 نصر الله.. في الموعد تمامًا:

 لا يجيد "نصر الله" شيئًا مثلما يجيد اختيار الوقت المناسب للإعلان عن تحركات حزبه السياسية، وأوضح مثال على ذلك تلك الصفقة الأخيرة، والتي تأتي في الوقت الذي يعاني فيه الحزب من تدهور شعبيته داخل لبنان، حيث تسبب "حزب الله" في موقفه المعارض للحكومة اللبنانية في شل الحياة السياسية داخل البلاد، وانسحب ذلك بدوره على الحياة الاقتصادية؛ خاصة مع احتلال "حزب الله" لوسط بيروت.

 إضافة إلى ذلك فإن "حزب الله" حتى الآن، على الرغم من كل تلك المعارك والضجيج الذي يثيره، لم يقدم رؤية سياسية واضحة للمستقبل اللبناني، وكل ما قدمه هو المعارضة والرفض لكل ما تقترحه الأكثرية دون تقديم البديل، بل إن من تابع خطاب "نصر الله" الذي سبق عملية التبادل يدرك أنه فشل في تقديم تصورات واضحة للمرحلة المقبلة، على الرغم من أن البلاد تقترب من استحقاق انتخابي هو الأخطر في تاريخها، ووضح من تحركات "حزب الله" وخطاب "نصر الله" أن الحزب يحرص على الإبقاء على حالة الفوضى السياسية التي تشهدها لبنان، حتى تأذن "الظروف الخارجية" بانتهاء تلك الحالة.

 لذلك؛ فإن حزب الله بالصفقة الأخيرة برهن على أنه لا يزال على قيد الحياة السياسية، وأنه وإن ترك ملف "المقاومة" فقد جني من ورائه المكاسب السياسية التي كان يسعى إليها، ويكفيه الحضور الأممي في صفقة التبادل؛ مما يكسب الحزب المزيد من الشرعية السياسية الدولية التي يرغب فيها، ولا يأبى أن يضحي في سبيلها بمبادئ المقاومة والصمود.

 حزب الله والرسائل السياسية:

 لم يهدف "حزب الله" من وراء صفقة التبادل إلى مخاطبة الداخل اللبناني فقط، بل كانت عينه على الخارج أيضًا، ويبدو أن الحزب أراد أن يبعث برسالة إلى الخارج تؤكد بأن التعامل مع حزب الله أفضل كثيرًا من التعامل مع أي مشروع آخر، خاصة لو كان مشروعًا سنيًا، وأن حزب الله وإن خرج إبان الحرب عن القاعدة فذلك لأسباب وقتية، التي لا تمنع من التفاوض والاتفاق في نقاط ومصالح أخرى؛ لذلك أكثر "نصر الله" في حديثه عن "حسن النوايا"، و"المبادرات الإنسانية".

ولم يكن عجبًا أن يُكافئ "حزب الله" على تلك الخطوة؛ فقد اعتبرها الوزير الصهيوني "شاؤول موفاز" خطوة إيجابية تنطوي على إمكانية بناء الثقة بين الجانبين.

وفي الوقت الذي يعلن فيه عن صفقة التبادل، يعلن في الوقت ذاته عن اعتقال شبكة لشن هجمات على قوات "يونيفيل"، ويتضح أن الشبكة كلها من الفلسطينيين "السنة"؛ وبذلك تصل الرسالة واضحة للأطراف المعنية، فالتعامل مع حزب الله "الشيعي" أفضل كثيرًا من التعامل مع مشروع "سني" آخر.

متى تشهد بيروت "حسن النوايا"؟:

وصف "حزب الله" عملية التبادل بأنها "تعبير عن حسن النوايا بين الطرفين"، هكذا وبكل سهولة، يستطيع "حزب الله" أن يجد طريقًا لحسن النوايا مع عدو دمر لبنان وشرد أبناءها، عدو كان يهدد "نصر الله" أمس بتدميره، الآن "نصر الله" نفسه يبادره بتقديم "حسن النوايا"، بينما اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي أن الصفقة تأتي في إطار الابتزاز الذي تتعرض له الحكومة الصهيونية، وهكذا بكل سهولة يمسح "نصر الله" مآسي لبنان "بحسن النوايا".

غير أن العجيب والمحيّر، والسؤال الملح، هو متى تشهد بيروت "حسن النوايا" مع الفرقاء السياسيين؟، كيف يجد "نصر الله" طريقًا لحسن النوايا مع الكيان الصهيوني، ولا يستطيع أن يجد طريقًا مماثلاً لحسن النوايا مع الأكثرية اللبنانية السنية، ويرفض كافة العروض والمبادرات التي قُدمت لإنهاء الأزمة السياسية التي تعصف بلبنان منذ الحرب.

كيف يجد "نصر الله" طريقًا لحسن النوايا مع "العدو"، ولا يجد طريقًا لرفع المعاناة عن شعب بيروت الذي يعاني من الشلل الاقتصادي بسبب احتلال "حزب الله" لوسط بيروت.

إن السؤال الذي يجب على "نصر الله" الإجابة عليه، هو متى يعلن عن "حسن النوايا" مع بيروت وأبناء لبنان؟، مثلما أعلنه مع "إسرائيل" وأبناء شارون.

 



مقالات ذات صلة