أكثرهم نكبة .. مآسي في الذاكرة
أكاد لا أبالغ إذا قلت أن أكثر من خمسة آلاف نكبة - بقدر عدد العوائل الفلسطينية في عام 2003 – تعرض لها الفلسطينيون في العراق بعد الاحتلال ، إذ لم تنج عائلة من محنة أو مأساة أو نكبة أو ضائقة أو نكسة ، بكل ما تحمله هذه الكلمات من معاني .
إلا أن الأمر مختلف في نوعية المأساة وطبيعة الفاجعة ولون النكبة ، فهنالك أحداث وحالات وعوائل أصبحت مثلا يضرب لما حل بنا من مآسي ونكبات ، بل بعضها عندما تُذكر أو يُذكر اسمها لابد من ذكر تلك الفاجعة أو المصيبة التي مروا بها في يوم من الأيام ولازالت آثارها متراكمة لحد الآن .
ونحن نتأمل الحال التي وصلنا إليها من شتات وشرذمة وفرقة وضعف وتبعثر ، نعيد الذكريات ونرجع قليلا إلى الوراء لا نجد بدا من ذكر أكثر العوائل نكبة مع أن الجميع منكوب ، لكن من يرى مصائب غيره تهون عليه مصيبته ، نسأل الله الثبات والصبر والأجر والثواب.
وفائدة ذكر تلك العوائل والمرور على مأساتهم أننا نستصغر الشرور التي مررنا بها نحن مقارنة مع أولئك وهذا دافع للعمل والصبر وعدم اليأس ، ومن جهة أخرى نستذكر تلك الفواجع وما حل بنا من نكبات ومآسي ومظالم ومدى فداحة هذه الانتهاكات وإثم تلك الميليشيات وحقدهم على الوجود الفلسطيني في العراق ، حتى فاقوا ما ارتكبه اليهود من مجازر في أرضنا المغتصبة .
كلنا يذكر الصاروخ أو قذيفة الهاون التي سقطت ليلة عيد الأضحى من عام 2004 وراح ضحيتها الشاب أحمد إحسان ووالده إحسان مناع ومعهم الفقيد سامي عباس وجمال صالح وبعض الجرحى ، ولن تغيب عن بالنا هذه اللحظات عندما فُجع أهالي المجمع بهذه الحادثة وتجمع الناس في المسجد والغضب ظاهر على وجوه الجميع ، نحن كنا في نفس اليوم قد وصلنا من الصحراء بعد مضي ستة أيام عند الحدود السعودية بعد منعنا من أداء فريضة الحج لهذا العام ، وكنت حينها أسكن منطقة المشتل ورغم خطورة الوضع حضرنا مباشرة في منتصف الليل وشاهدت الحشود من الناس ممتعضين مما حصل مندهشين من الفاجعة ، لكن هذا أمر الله وقدره ولا حول ولا قوة إلا بالله .
ما هي إلا أشهر حتى حضرنا وشاهدنا بأعيننا أعظم فاجعة وأكبر نكبة عرفها الوجود الفلسطيني في العراق ، عندما اقترفت أيادي الشر والإثم والحقد الطائفي الصفوي الشعوبي جريمتهم النكراء بحق خمسة من عائلة واحدة بتاريخ 2/10/2004 في منطقة الصدرية وهم كل من الأشقاء ظافر وغسان ورشاد أبناء الحاج دواس – كان الله في عونه وصبره على هذه المحنة – وعمهم حسن امبدى وقريبهم علي مفلح ، وسرعان ما انتشر الخبر وتوافد الناس إلى مستشفى الكندي لنقف مع مشهد ليس من السهل نسيانه ، جثث ممدة في السيارة التي كانوا فيها ، موقف عصيب ولحظات ثقيلة على النفوس حتى فُجع الناس بهذه المحنة .
وتستمر الحكاية وتتوالى الضربات وما نذكرهم في هذا المقام – من باب الشيء بالشيء يذكر في نفس العام - عائلة الفقيد حسين أمين بدوان أبو خليفة الذي لقي مصرعه كمدا في فراشه بعد مصرع ولده وفلذة كبده الفقيد أمين بتاريخ 17/5/2009 ، حيث تم اعتقاله مرتين من قبل ميليشيا متنفذة في الحكومة العراقية ونال أشد أنواع التعذيب إذ فارق الحياة بتاريخ 7/6/2004 فرحمه الله ورحم ولده وجميع الشهداء بإذن الله ، لتصاب هذه العائلة بصدمة كبرى ومحنة عظمى ثم تذوق معاناة التشرد والشتات التي يكاد لم ينج منها إلا قلة قليلة .
عائلة الفقيد أمير عثمان رحمه الله حيث بعد اختطافه في طرقه لمنزله بتاريخ 27/11/2005 ودفع الفدية للخاطفين تم تصفيته والعثور على جثته بتاريخ 8/12/2005 لتعاني عائلته الغربة والشتات ، وبعد أقل من عام وأثناء الهجوم العنيف بقذائف الهاون على مجمع البلديات سقط صريعا شقيقه الفقيد عامر عثمان فرحمهم الله جميعا وصبر ذويهم .
من العوائل الفلسطينية التي لا تقل نكباتهم ومآسيهم ، وما فتئوا أن ينتهوا من محنة حتى تتوالى الأخرى ، وقد تكون هذه العائلة من العوائل المنسية في مجتمعنا ومن واجبنا إظهار معاناتهم ومن تعرضوا له ، حيث بدأت أولى الابتلاءات في أواخر عام 2004 عندما اقتحمت قوة أمريكية كبيرة بوشاية منزل الفلسطيني عباس سعيد الزبن في منطقة البلديات ( على بعد
وفي اليوم المشهود الذي ارتكبت فيه ميليشيا الحقد والشر أبشع المجازر بتاريخ العراق على الإطلاق ، بعد هدم وإحراق العديد من المساجد وقتل وتعذيب الأئمة والمصلين وعوام أهل السنة ( 22/2/2006 ) ، كان للفلسطينيين نصيب من ذلك حيث اختطف زياد ونزار عبد الرحمن شقيقي السفير الفلسطيني السابق من منزلهما في حي الأمين وتعرضوا لأبشع أنواع التعذيب والتصفية الجسدية .
في صباح يوم هادئ اقتحم عدد من الطائفيين مجمع البلديات في سابقة تكاد تكون جديدة وانعطاف خطير ، وبعملية سريعة اغتالوا الفلسطينية فاطمة سعيد ( أم أيمن ) وولدها حسين حسني بتاريخ 9/6/2006 ، لتفجع هذه العائلة وجميع أهالي المجمع بتلك الحادثة وتفرق بقية أفراد العائلة لتضاف إلى سجل العوائل الأكثر نكبة ومآسي .
وإن أنسى فلن أنسى الفلسطينية ( أم مهند ) من سكنة منطقة الزعفرانية عندما فجعت بولدها مهند بتاريخ 26/6/2006 وعندما ذهب والده الفلسطيني صلاح حسن وأخواله كل من موسى وعيسى محمد مرعي لجلب الجثة تم اختطافهم وتصفيتهم ، لتفقد في يومين ولدها وزوجها واثنين من أشقائها ، فهل سمعتم بإجرام كهذا ؟!! نسأل الله لها الثبات والأجر والثواب والصبر على هذا المصاب .
الشقيقان عامر عبد القادر ذيب الملحم الذي لقي مصرعه بسقوط قذيفة هاون على جامع في الزعفرانية بعد صلاة الجمعة بتاريخ 28/7/2006 ، وشقيقه أيضا الحاج ذيب عبد القادر ذيب الملحم الذي اختطف بتاريخ 30/5/2007 ولم يعثر له على أثر .
عائلة أخرى في الذاكرة وقد اطلعت على نكبتهم عن قرب ، وتكاد تكون منسية لأنهم كانوا يسكنون في منطقة المحمودية ، إذ اعتقل أحد أبنائهم من قبل الأمريكان في منطقة هيت ، واعتقل لواء الذيب ظلما وعدوانا خمسة من الأشقاء في هذه العائلة بتاريخ 4/6/2005 وقد نالوا في المعتقل أشد أنواع العذاب والظلم والاضطهاد وإجبارهم على الإدلاء باعترافات وجرائم لم يرتكبوها ( كما في قصة تفجيرات بغداد الجديدة ) وأظهروهم على التلفاز ، وبعد الإفراج عنهم تباعا تم اعتقال أحدهم مرة ثانية وتوفيت والدتهم جراء تلك الاقتحامات ، ولقي اثنين من أشقائهم مصرعهم الأول فؤاد خليل عبد الرحمن بتاريخ 2/7/2006 بإطلاقات عرضية في منطقة الدورة ، والآخر عادل خليل عبد الرحمن عندما اختطفته ميليشيا مسلحة من منطقة المحمودية بتاريخ 17/7/2006 ليعثر على جثته بتاريخ 20/7/2006 وعليها آثار التعذيب .
المآسي كثيرة والذكريات مريرة يكاد يتفطر القلب من شدتها وتحزن النفس ، لكن عزائنا أن الله عز وجل أول ما يفصل يوم القيامة في الدماء ويقتص من القاتل ، وحتى لا أطيل سأختم بثلاث عوائل كل منهم فقد اثنين من أبناءه :
الفقيدان موسى ومحمود أحمد حمو إذ تم إعدامهما من قبل ما يسمى الحرس الوطني في منطقة الفضل بتاريخ 1/12/2006 ، لتفجع هذه العائلة بفقدهما .
الحاج حسين صادق أبو نوفل فقد أحد أبناءه وهو محمد بتاريخ 13/3/2006 عندما اختطفته عناصر من جيش المهدي في منطقة الشعلة وقتلته خنقا ، وشقيقه عمر حسين صادق أبو نوفل تم اغتياله في محل عمله في نفس منزله بتاريخ 11/3/2007 ، لتتفرق وتتشرد تلك العائلة لعدة أماكن .
الفقيد أنور يوسف نصار اختطف بتاريخ 5/9/2006 وتم تعذيبه وقتله على يد ميليشيا جيش المهدي ، وبعد قرابة شهرين ونصف وتحديدا بتاريخ تم اختطاف الفلسطيني أمين يوسف نصار وتعذيبه وتصفيته ليضاف إلى سجل الشهداء بإذن الله تعالى .
هذه وقفات سريعة وتذكرة عابرة ومآسي في الذاكرة وما خفي كثير ، وقد تكون هنالك عوائل منكوبة وحالات كارثية قد نسيناها ، فلعل هذه نماذج مما نستحضر من الانتهاكات الكثيرة التي تعرضنا لها ، ولا تزال آثارها لم تنته لحد الآن ، لكن الأيام دول ويوم لك ويوم عليك فما كان منها لك أتاك على ضعفك ، وما كان منها عليك لم تدفعه بقوتك .
4/7/2009
أيمن الشعبان
باحث متخصص بشأن الفلسطينيين في العراق