مَن لمعتقلينا في السجون العراقية؟!
أيمن الشعبان
4/1/2012
في بلد ادعى وتظاهر قادته وساسته الجدد؛ أنهم يَنشدون الحرية والتحرر وحقوق الإنسان والقانون، حتى أطلقوا على احتلال العراق عام 2003 على يد الأمريكان ومن جاء معهم" تحريرا" لأنهم يطلبون الكرامة والعزة كما يزعمون، فإذا بهم يقعون بنقيض ما أرادوا بل أشد وأنكى!!
قد يعاني البعض منا تأخر منحه الإقامة في بلد اللجوء الجديد، وآخر يتذمر لأن المدة المحددة لمنحه جنسية ذاك البلد انقضت دون الحصول عليها، وعوائل عانت الأمرين في الهند وماليزيا تنتظر الفرج وإعادة توطينهم في بلد جديد كغيرهم، والآن بدأت هجرة بل مغامرات عكسية للمجهول لأهلنا في جزيرة قبرص، والقاطنين في مخيمات الهول والوليد يمرون بظروف قاسية للغاية، أضف إلى ذلك معاناة من نوع آخر لأهلنا في إيطاليا والبرازيل وتشيلي.
بل حتى المتواجدين في سوريا بدأت ملامح الترقب تخيّم على أذهانهم وأصبح الحليم فيهم حيران، فهل يتلقوها من الأنروا أم المفوضية أم ممثلية المنظمة وسفارتها أم ماذا؟! وهكذا قد نسمع أو لا نسمع بمآسي جماعية أو فردية، بسبب انعكاسات المجتمعات الجديدة على مجريات حياتنا اليومية، وهكذا دواليك تتفاقم الهموم والإشكاليات بمختلف أماكن التواجد.
بعيدا عن هذه المنغصات والابتلاءات؛ لو تأملنا أحوال عدد من الفلسطينيين، المعتقلين ظلما وزورا وبهتانا، في السجون والمعتقلات العراقية، لسمعنا الأعاجيب في هذا العالم الخفي المقهور؛ من انتهاكات تطيش لها العقول واضطهاد يندى له الجبين وتعذيب تدمى له القلوب وإهانة وذل تدمع لها العيون!!
أضف لذلك أن أصل الاعتقال تعسفي طائفي بامتياز، عنصري فئوي لا أخلاقي ينتهك أدنى حقوق الضيافة للاجئين الفلسطينيين، بعيدا عن أي مستند قانوني، وانعدام القضاء العادل والمحاكمة النزيهة والتعامل الشفاف! فهل تذكّرنا أولئك الأبرياء المعتدى على حقوقهم وحريتهم، وهم بين قريب لنا أو جار أو صديق أو حبيب، أو على أقل تقدير هم من أبناء جلدتنا.
السؤال البريء الفطري العفوي الذي يطرح نفسه: ما الذي قدمناه وفعلناه أو ننوي القيام به، إزاء معتقلينا في السجون والمعتقلات العراقية ؟! وبعضهم تجاوز الأربع والخمس سنوات، وآخرين منذ سنتين أو سنة أو حتى بضعة أشهر لفّقت لهم تهم أصبحت مألوفة ( إرهاب، الإعداد لتفجيرات، اغتيالات ضباط وقادة أمنيين، تفجير في المنطقة الفلانية، تفخيخ وتجهيز سيارات لتفجيرها، وهلم جرا ) تُهم لها أول ليس لها آخر، فتفجير البرلمان قام به فلسطيني! وتفجيرات الموصل نصفهم فلسطينيين! ومعظم تفجيرات بغداد كذلك! وكأن الفلسطينيون في العراق لديهم إمكانيات وأعداد وعُدد تطال كل بقعة ومكان في العراق بمساحته الشاسعة وعدد سكانه الكبير!
أعداد من المعتقلين قضوا سنوات في معتقلات وأقبية الداخلية العراقية، علمنا بعضهم ولم نعلم آخرين، كان شعارهم " الداخل مفقود والخارج مولود" ألصقت بهم تهم مفبركة وبعضهم تم عرضه على قناة العراقية والفرات الطائفيتين، وتحت الإكراه والتعذيب أدلوا باعترافات وجرائم لم يرتكبوها، كانت سبب رئيسي في استهداف تجمعات الفلسطينيين ممن لم يشملهم الاعتقال التعسفي، بين صريع ومختطف وجريح ومُهجّر، ومستضعف حياته مهددة وعرضة لجميع المخاطر بأي لحظة.
بالإضافة لكل تلك المعاناة الحسية والمعنوية، فإن معتقلينا بالضبط ينطبق عليهم المثل المصري" موت وخراب ديار" لأن ذويهم يُستنزفون ماديا وبأشكال لا تصدق، حتى أصبح هنالك سماسرة وتنسيق بين تلك الأجهزة الأمنية وأفراد منتفعين جراء تلك الاعتقالات، حتى أضحت بعضها اعتقالات مادية بامتياز، لأن العديد من العناصر الميليشياوية دخلوا تلك الأجهزة، وسابقا كانوا يختطفون ويطلبون الفدية، وغالبا عندما يدفع ذوو المختطف الفدية لقاء جثمان مخطوفهم!!
ولأن المرحلة الآن مرحلة قانون ودستور وشفافية، فتلك المبالغ يجب أن تُستحصل باسم القانون وبطرق رسمية، فكان للمُخبر السري الذي لا يرقب في أحد ذمة ولا خُلق ولا عهد، حتى صار شعارهم " مصائب قوم عند قوم فوائد" وإلا ماذا نفسر اعتقال عدد من أصحاب رؤوس المال والتفنن باختراع التهم لهم، وإطالة مدة اعتقالهم لسحب أكبر المبالغ من ذويهم والوقائع كثيرة تشهد بذلك.
من خرج من معتقلينا كأنه ولد من جديد، لكن ما الذي قدمناه لهم؟! أين سلطتنا الفلسطينية وجميع الفصائل؟! لماذا لم يقوموا بتوثيق حالات التعذيب والانتهاكات بحقهم؟! ولماذا لم تُشكل لجنة فلسطينية حقوقية لمتابعة أحوالهم وجمع إفاداتهم والمطالبة بفتح تحقيقات دولية في ملابسات وظروف اعتقالهم؟! لا سيما وهم لاجئين في العراق لا ناقة لهم ولا جمل مما يحصل، ونحن على يقين أن مَن أطلق سراحهم أبرياء فَمن طالب الحكومة العراقية بالاعتذار على أقل تقدير؟! فضلا عن التعويض عن الأضرار المادية والمعنوية!
عندما كنت في زيارة لأحد المراكز الإسلامية في الدنمارك صيف 2011، أخبرني بعض المسلمين أنه تم تعويض من تم اعتقاله ولم يثبت عليه أي شيء، بمبالغ حسب فترة الاعتقال بحسب قوانينهم! وأميركا لا زالت تطالب الكويت بتعويضات بعض المهندسين الذين تضرروا جراء حرب الخليج الثانية.
أين ما تسمى مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية؟! أين الإعلام الفلسطيني؟! أين جميع المراكز والجمعيات والروابط الفلسطينية في أوربا، لاسيما هنالك مؤتمر سنوي يعقد باسم " مؤتمر فلسطينيي أوربا" لماذا هذا الإهمال وتضييع تلك الحقوق؟! أم أننا فلسطينيون من الدرجة العاشرة ما جعل الجميع يتخلى عنا بل يستنكف أن يتحدث بقضيتنا!
من بقي من المعتقلين الآن من يتابع قضاياهم؟! ما هو دور السفارة الفلسطينية هناك بهذا الصدد؟! وهي ممثل السلطة الفلسطينية في العراق، وكثير من سفارات الدول لها دور فعال في أي مشكلة تواجه مواطنيها في تلك الدولة، هل سمعتم بما قام به الرئيس التشيلي سباستيان بنيرا الذي حضر عملية إنقاذ 33 عاملا بعد تهدم منجم للفحم تحت الأرض نصف ميل أواخر عام 2010؟!
ألا يستحق معتقلينا وقفة جدية فعلية مع قضيتهم، ولو بحملة إعلامية فمن منا لا يمتلك صفحة في الفيس بوك؟! ومن منا لا يستطيع إرسال نبذة عن تلك المعاناة لأي جهة حقوقية في أوربا أو أستراليا أو كندا أو أميركا؟! لماذا لا نقوم برصد وتوثيق وأرشفة ما يتعلق بهم بجميع التفاصيل وكلٌ من موقعه ومكانه؟!
معسكر أشرف والمعارضة الإيرانية في العراق تعرضوا لانتهاكات، فضجت الدنيا وكان هنالك مؤتمر في 6 يناير 2012 في فرنسا حضره كبار المسؤولين من أميركا وفرنسا وألمانيا وكولمبيا وغيرهم، ونحن لا نرضى بالظلم ونقف مع المظلوم أيا كانت هويته، لكن أين موقعنا من الأعراب وخصوصا معتقلينا الذين يذوقون الأمرين في السجون العراقية؟!
لماذا لم تُشكل رابطة لحد الآن باسم" رابطة معتقلي فلسطينيي العراق " تضم كل من تم اعتقاله بعد عام 2003 سواء على يد قوات المحتل الأمريكي أو القوات الحكومية العراقية أو الميليشيات الصفوية، تطالب هذه الرابطة بحقوق جميع المعتقلين سابقا وحاليا، هدفها توثيق كل حالات الاعتقال وظروفهم والمطالبة دوليا وإقليميا وعربيا وفلسطينيا بحقوق كل معتقل وتفعيل قضيتهم في جميع المحافل والمناسبات.
أين منظمة العفو الدولية؟! أين هيومن راتس ووتش؟! أين مفوضية شؤون اللاجئين ولجنة حقوق الإنسان فيها؟! أين الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي؟!! ألا يستحق معتقلينا منا نحن أصحاب المعاناة استحضار مأساتهم وذويهم على أقل تقدير بالدعاء الخالص لهم بتنفيس كربتهم وتفريج همهم؟!
لماذا لا يتحرك المعتقلون سابقا وقد غادروا العراق؟! ولماذا لا يكون هنالك تواصل وتنسيق فيما بينهم مع المهتمين والمختصين من الهيئات والقانونيين وتوثيق شهاداتهم؟! ألا يستحق منهم وقفة جدية للمطاللبة بحقوقهم وحقوق من ذاقوا معاناتهم؟!
هذه دعوة حقيقية لكل معتقل وذويهم ومحبيهم والمؤازرين لهم، وجميع أهلنا في الشتات الجديد، أن تكون لنا جميعا وقفة فعلية وتحرك إعلامي حقوقي وقانوني واسع، وإلا إذا لم ننصف هؤلاء فهل نتوقع من غيرنا إنصافهم؟!! وإذا لم نطالب بحقوقهم فمن سيطالب بها؟! وكما يقال: ما ضاع حق وراءه مطالب.