حماس في مواجهة الإعصار

بواسطة حسن الرشيدي قراءة 559

حماس في مواجهة الإعصار

 

حسن الرشيدي

istratigi@hotmail.com

 

حماس في موقف لا تحسد عليه موقف أوقعتها فيه حسابات المحاور والأنظمة المتصارعة في المنطقة فلا شك أن هدف حماس الأساسي :هو تحرير فلسطين لتقيم عليه شرعة الرحمن و منهجه و يقول بيانها التأسيسي كما ورد في موقعها على الإنترنت: حركة حماس حركة جهادية بالمعنى الواسع لمفهوم الجهاد وهي جزء من حركة النهضة الإسلامية تؤمن أن هذه النهضة هي المدخل الأساسي لتحرير فلسطين من النهر إلى البحر وهي حركة شعبية إذ أنها تعبير عملي عن تيار شعبي واسع و متجذر في صفوف أبناء الشعب الفلسطيني والأمة الإسلامية يرى في العقيدة والمنطلقات الإسلامية أساسا ثابتا للعمل ضد عدو يحمل منطلقات عقائدية ومشروعا مضادا لكل مشاريع النهوض في الأمة وتضم حركة حماس في صفوفها كل المؤمنين بأفكارها ومبادئها المستعدين لتحمل تبعات الصراع ومواجهة المشروع الصهيوني. و عن دوافع النشأة تقول الحركة نشأت حركة المقاومة الإسلامية حماس نتيجة تفاعل عوامل عدة عايشها الشعب الفلسطيني منذ النكبة الأولى عام 1948 بشكل عام وهزيمة عام 1967 بشكل خاص وتتفرع هذه العوامل عن عاملين أساسيين هما : التطورات السياسية للقضية الفلسطينية وما آلت إليه حتى نهاية عام1987 وتطور الصحوة السلامية في فلسطين وما وصلت إليه في منتصف الثمانينات .

فالهدف المعلن كما تعلنه الحركة هدف محلي و لكن هذا لا يمنع وجود هدف إستراتيجي لا تعلن عنه الحركة لاعتبارات عديدة .

فضلا عن عدم الإعلان عن هدفها الإستراتيجي فإن حماس تختلف عن غيرها من الفصائل الجهادية في العالم الإسلامي في أنها استطاعت أن تجمع بين العمل العسكري و السياسي باقتدار و أقل قدر من الخسائر و الأخطاء .

و لكن حماس وقعت في بيئة تمتد إليها أيدي اليهود بكل خصائص هذه الكتلة الدينية و المعروفة تاريخيا :فاليهود يحملون في أعماقهم خصائص نفسية بالغة التعقيد  وتنطوي على أخلاق غاية في العوج والالتواء ولذلك تموج صدورهم بحقد طافح على الناس جميعا  فيسعون في الأرض فسادا  ولا يرون لأنفسهم راحة أو سعادة إلا على أنقاض الآخرين  ولا يستريحون إلا بالدس والكيد والتآمر والبغي  والتخريب والانتقام .و قد يقول قائل هذا كلام عاطفي غير عقلاني أو علمي و لكن عند النظر إلى شيخ المفكرين في الفكر الصهيوني و هو الدكتور عبد الوهاب المسيري و الذي اشتهر بمنهجيته العلمية و في مقال له كتب يقول: يوجد جانبان في اليهودية: واحد إنساني يقبل الآخر ويحاول التعايش معه وهو جانب أقل ما يوصف به أنه كان هامشيا وجانب آخر غير إنساني عدواني يرفض الآخر تماما.

و في نفس الوقت تواجدت حماس في لحظة تاريخية أصبح لليهود فيها السطوة و المكانة : فتذكر إحصائيات حديثة أن إسرائيل تنفق وحدها نحو 9.5 مليار دولار سنويا على التسلح.و في مجال التعليم مثلا يبلغ حجم الإنفاق على الفرد في إسرائيل نحو 1200 دولارا  في حين انه في العالم العربي يبلغ نحو 110 دولارات كما تشير الإحصاءات أن عدد المهندسين في إسرائيل هو الأعلى في العالم: 135 مهندسا لكل عشرة آلاف عامل. الولايات المتحدة في المكان الثاني مع 70 مهندسا ثم اليابان 65 وهولندا 53 وسويسرا 38. ومن ناحية العلماء وذوي الخبرة التقنية تدرج إسرائيل في المكان الأول مع 140 عالما وتقنيا لكل عشرة آلاف عامل الولايات المتحدة بعد إسرائيل مع 83 عالما وتقنيا .

كذلك وجدت حماس في بيئة إقليمية 

.....من محور عربي متخلي عنها :

فمصر في أضعف حالاتها فنظامها يتصف بعدة سمات أهمها: الجمود المتعمد أو التبريد السياسي سواء على مستوى الإستراتيجيات أو رسم السياسات متجنبة المبادأة والصدمات السياسية التي اتسم بها عصر السادات الانحناء للعاصفة عندما تهب حتى لا تقتلع النظام و هذا ناتج من جعل المحافظة على وجود النظام في حد ذاته وليس فاعليته أو أداءه كأولوية إستراتيجية للنظام السياسي و التطلع إلى استعادة أمجاد إقليمية تاريخية و جغرافية و لكن كثيرا من إمكانيات القوة الحالية مفقودة . و تعدد الأجنحة داخل الحكم و التي يتبنى كل منها رؤى مختلفة في التعامل مع الأزمات التي تمر بها البلاد و يزداد الخلاف بين هذه الأجنحة كلما تقدم العمر برأس الحكم و ترتخي قبضته على السلطة و الاستمرار في سياسة الإقصاء و التهميش للتيار الإسلامي .

و السعودية لها أيضا مشاكلها  و قضاياها  بداية من مرض ولي العهد و ظهور منافسات تتعلق هذا المنصب و ما يتبعه من استقطاب و تجاذبات تؤثر على السياسة الخارجية و استرضاء أطراف إقليمية و دولية .

......و  محور إيراني يحاور أن يدخلها كورقة مساومة ضمن أوراق أخرى :

فإيران : لها أطماعها في المنطقة و مخططاتها فهي قد ساعدت أمريكا في احتلالها لأفغانستان و العراق باعترافها نفسها و مدت أذرعها في لبنان و الخليج و تحاول مدها في كثير من الدول الإسلامية في آسيا و أفريقيا و في صفوف الجاليات الإسلامية في أوروبا و أمريكا و كلما سنحت لها الفرصة لتقنص ورقة لها في المنطقة استحوذت عليها و سارعت إلى اقتناصها كذلك طورت برنامجا نوويا متقدما و مع عودة اصطدامها مع أمريكا و إسرائيل و مع وجود إدارة جديدة في أمريكا ...هذه الإدارة التي أعلنت عن نيتها الدخول في مفاوضات مع إيران للتخلي عن برنامجها النووي فإن إيران سارعت للدخول بالورقة الفلسطينية كما أسلفنا في مقال سابق . و تشير مؤشرات كثيرة أن إدارة أوباما ربما تعطي إيران نفوذا أقوى في منطقة الخليج مقابل تخليها عن ملفها النووي .

أما سوريا ونتيجة لسياسات الأسد الابن العديم الخبرة فقد تقلص دوره في المنطقة و الذي عمل الأسد الأب على بناءه لعقود متتالية و ووقع في فخ المحكمة الدولية لقتلة الحريري فحاول كسر الطوق وله تمهيدا ليعود مجددا ليحصل على نصيبه في الكعكة الإقليمية فعمد إلى الدخول في مفاوضات مع إسرائيل مع إمساكه ببعض أوراق المقاومة العراقية و استضافة قيادات حماس في دمشق لتكون أوراق للتفاوض مع من يعنيهم الأمر لعودته إلى سابق عهده .

فالمحور الإيراني مد حماس بالسلاح الذي يمكنها من تحقيق أهدافه وهي ليست بالضرورة أهداف حماس.

أما الحرب بالنسبة لحماس فهي حرب بالأصالة عن نفسها ودورها المقاوم لإسرائيل ومشاريعها الإستراتيجية التي تتعلق بدورها كحركة إسلامية سنية .

فحماس تتجرع السم بالتعامل الاضطراري مع المحورين: محور يمدها  بالسلاح لأغراض مشبوهة و محور يتعامل معها بصلف و استعلاء و هو خاضع أيضا لأجندات داخلية و دولية .

هذا الموقع المرير لحماس هو موقع من يتصدى لبيئات إقليمية و دولية تلعب ضده و هي كمن يسبح ضد التيار . فالهدنة مع إسرائيل و التي تمت برعاية مصرية  أصبحت عبئا ثقيلا على حماس في ظروف الحصار الصعب و عجزها المتزايد عن تلبية الاحتياجات الأساسية للشعب الفلسطيني في غزة فكان لابد من إنهاءها . و لكن ما هو توقيت هذا الإنهاء الذي كان يعني للجميع بداية لحرب إسرائيلية قاسية ضد حماس ؟

يكاد يجمع المراقبون للأحداث على أن هذا التوقيت أي توقيت هذه الحرب لم يكن في صالح حماس بل في صالح طرفين فقط : هما إسرائيل و إيران و هو بين تولي إدارتين للرئاسة في الولايات المتحدة فإسرائيل مطلقة اليد لتفعل بالفلسطينيين كيفما تشاء و إيران تريد إثبات أوراقها أمام الإدارة القادمة . فعلى ما يبدو استدرجت حماس من قبل هاتين القوتين لتعلن وقف التهدئة و تطلق صواريخها على جنوب إسرائيل .

كذلك تبدو الأهداف التي أطلقتها حماس قبل الحرب فهي قد أعلنت عن كسر التهدئة لتجعل الصواريخ مقابل فك الحصار و فتح المعابر بينما المعادلة الإسرائيلية تقوم على التهدئة مقابل عدم إطلاق الصواريخ و فك الحصار مرتبط بقضية شاليط بينما ترى حماس أن قضية شاليط مرتبطة بإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.

لذلك قامت الحرب ليحاول كل طرف سواء الإسرائيلي أو الفلسطيني فرض معادلته .

يقول كارل فون كلاوزفيتس الإستراتيجي الألماني الأشهر في مؤلفه الموسوعي الشامل عن الحرب والذي يعد من أساسيات الكتب في علم الإستراتيجية أن الانتصار التكتيكي العسكري هو بالضرورة انتصار مرحلي ما لم يتوج بهدف سياسي أشمل يجعله انتصارا إستراتيجيا.

وحتى الآن لم يتبين أي من الطرفين قد فرض معادلته السياسية على الآخر و تبدو المعركة السياسية في التفاوض و التي تجري هذه الأيام  هي التي ستحدد أي من الطرفين قد فرض شروطه أو بعضها .

 



مقالات ذات صلة