أسامة شحادة
تباينت المواقف، رفضاً وقبولاً، من فقاعة العرض الإيراني تزويد الأردن بالنفط مجاناً لمدة 30 عاماً، رغم أن السفارة الإيرانية أصدرت تكذيبا للخبر، واتهمت فضائية "جوسات" بالترجمة الخاطئة لحديث السفير (هل قلدت جوسات إيران في تحريفها لخطاب الرئيس محمد مرسي في قمة عدم الانحياز؟) ولم تعقب الفضائية على بيان السفارة فيما أعلم!
ما يهمنا هنا مناقشة حقيقة فكرة السياحة الدينية التي تعتبر إحدى ركائز السياسة الإيرانية الخارجية، والتي تحرص إيران عليها مع الدول التي تتطلع إلى التغلغل فيها. ذلك أن السياحة الدينية الإيرانية/ الشيعية في حقيقتها هي الوجه الآخر لتصدير الثورة الإيرانية، والتي تم تلطيفها باسم التصدير الثقافي للثورة الإيرانية!
فإيران، ومنذ سنوات طويلة، تحاول فتح المجال أمام السياحة الدينية الإيرانية إلى الأردن. وقد طلبت تخصيص خط طيران مباشر بين الأردن وطهران لهذا الغرض. وكان أوج ذلك في سنوات الحصار على العراق، وبدء العراقيين الشيعة في الأردن التجمع في عاشوراء ببلدة المزار بمحافظة الكرك، قرب قبر جعفر الطيار رضي الله عنه.
والملاحظة الأولى هي أن جعفر الطيار، رضي الله عنه، لا علاقة له بالشيعة أبداً؛ فهو استشهد في معركة مؤتة العام 8هـ، والشيعة لم تظهر بداياتها إلا في منتصف خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد العام 36هـ. إذن، التمسح بقبر جعفر هو نوع من البحث عن مسمار جحا! وهو نوع من البحث عن أي ذريعة للتغلغل في الدول العربية. ففي حلب بسورية مثلاً، أقاموا مقاماً يسمى مقام النقطة، حيث زعموا أن رأس الحسين رضي الله عنه لما أرسل من كربلاء في العراق إلى دمشق، ومرورا على حلب -بعد أيام طبعاً- في طريقهم، استراحوا ووضعوا رأس الحسين على حجر فسقطت عليه نقطة دم من رأس الحسين، فجعلوه مقاماً!
أما الملاحظة الثانية، فهي أن السياحة الدينية الإيرانية سياحة استيطانية، مثل السياحة اليهودية لفلسطين في القرن التاسع عشر الميلادي. ففي العام 1878، قامت مجموعة من اليهود بشراء 3375 دونما من أراضى قرية ملبس قرب يافا. وفي العام 1881 وصل حوالي 3000 يهودي من أوروبا الشرقية، تمكنوا من إنشاء عدد من المستوطنات في الفترة 1882-1884. وتوالت فيما بعد عمليات الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية بالشراء أو الاستئجار. وهذا هو واقع السياحة الدينية الإيرانية/ الشيعية.
ففي الكرك، سكن بعض الشيعة العراقيين، حاول بعضهم شراء أو تخصيص مكان لهم في المقبرة هناك. وقام سلطان البهرة (زعيم الشيعة الإسماعيلية) بشراء بيت له هناك منذ سنوات طويلة. ومؤخراً، كانت هناك محاولة لإقامة عمارة خاصة بزوار البهرة، مما أثار المواطنين، فتم إيقاف المشروع. ولولا تراجع أعداد الشيعة العراقيين في الأردن بسبب عودتهم إلى بلادهم بعد الاحتلال الأميركي، لكانت بلدة المزار اليوم نسخة مصغرة من حي السيدة زينب في دمشق.
فتطور العلاقات الإيرانية-السورية في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي جعل إيران تطلب رعاية وترميم بعض المقامات في سورية، والسماح بقيام الإيرانيين بزيارات سياحية دينية لسورية. وكانت البداية بمدينة الرقة؛ حيث بحثت إيران عن مسمار جحا، فوجدت قبر عمار بن ياسر رضي الله عنه في مقبرة الرقة، فاستولت على المقبرة السنية وما حولها، وطردت الأحياء والأموات منهم، وتحولت إلى مركز شيعي كبير!
واستمر المسلسل بالبحث عن أي مقام قد يكون له صلة بالتاريخ الشيعي للاستيلاء عليه. وفي العام 1999، شُيّد مقام للسيدة سكينة في مدينة داريا، ومقام للسيدة رقية في حي العمار الجوانية. ومن ثم تم الاستيلاء بالكامل على مقام السيدة زينب في دمشق، بعد أن بدأ المشوار بالحوزة الزينبية العام 1976 على يد حسن الشيرازي. فتحولت منطقة السيدة زينب إلى مستعمرة شيعية أو قم الصغرى، وخاصة بعد قدوم العراقيين الشيعة إلى سورية في سنوات التسعينيات! وهكذا انتشرت فيها الحوزات الشيعية العام 1995، إذ شهدت نشأة خمس حوزات جديدة، وجمعيات شيعية ثقافية، ومكاتب سياحة دينية، وفنادق مخصصة للزوار الشيعة، ومطاعم شيعية، وأسواق توفر مستلزمات الزوار الشيعة. وأصبحت اللغة الفارسية مسموعة في المنطقة وتظهر على لوحات المحال التجارية! ونتج عن هذا تشييع قطاعات سورية بسبب الاحتكاك والعمل المشترك، والولائم والدعوات والمناسبات التي تستقطب الفضوليين. وهذا ما يتوقع حدوثه إذا فتحنا الباب للسياحة الدينية.
واليوم، تحاول إيران وبعض الميلشيات الشيعية العراقية تبرير وجود قوات لها في سورية بأنها تحرس المقامات الشيعية من الإرهابيين في الثورة السورية! أما دماء السوريين والمساجد السنية فلا حرمة لها ولا كرامة !
كذلك في العراق، تم تحت غطاء السياحة الدينية للعتبات المقدسة في النجف وكربلاء، دخول آلاف العناصر من الحرس الثوري الإيرانى، للقيام بالعديد من الأنشطة العسكرية والسياسية التي مكّنت إيران من السيطرة على العراق وجعله دمية في يد طهران.
وفي بداية العام 2011، صدر قرار عن وزارة الداخلية العراقية بالسماح للشركات الإيرانية العامة في مجال الحماية بمرافقة قوافل السياحة الدينية، ليكون ذلك غطاءً قانونياً لوجود المسلحين الإيرانيين علناً في العراق!
أما بالنسبة لشيعة السعودية، فقد كانت زيارة المراقد الشيعية في سورية والعراق هي الغطاء والبوابة التي يدلف منها شباب الشيعة إلى معسكرات التدريب والتجنيد لمصلحة إيران. وقد سطّر لنا عادل اللباد في كتابه "الانقلاب.. بيع الوهم على الذات" تجربة شاب سعودي في معسكرات عسكرية شيعية بإيران.
وحتى الحج إلى مكة المكرمة تم استغلاله في الأعوام 1986 و1987 و1989، إذ اندسّ عناصر الحرس الثوري وأعضاء حزب الله الكويتي وبين أمتعتهم المتفجرات والقنابل.
ولما تخلت إيران عن التفجيرات، ركزت على جعل مخيمات الحجاج في منى، والفنادق في مكة والمدينة المنورة التي يقيم فيها الإيرانيون، بؤراً للالتقاء بالشيعة السعوديين والشيعة من مختلف دول العالم. ويكفي أن تطالع في موسم الحج المواقع الشخصية للمراجع الشيعية والإيرانيين، وتتابع لقاءاتهم في موسم الحج، لتعرف حجم النشاط الذي يقومون به من خلال السياحة الدينية!
الملاحظة الثالثة هي أن هذه السياحة الدينية خاضعة لسيطرة الحكومة الإيرانية وليست لرغبة الإيرانيين الفردية، ودليل ذلك تعهد إيران بقدوم أعداد ضخمة من السياح. وقد عرضت إيران على مصر قبل الثورة بأشهر إرسال نصف مليون سائح إيراني! ما يسهل معه القيام بأنشطة عسكرية أو تجسسية بفضل هذا الغطاء القانوني والضخم (40 ألف سائح شهرياً)، كما حدث في مكة وبغداد من قبل.
أما الملاحظة الرابعة، فهي أن السياحة الدينية الإيرانية والشيعية تقوم بالانعزال عن المحيط؛ فهي تستأجر أو تشتري فنادق خاصة بها، وتقوم بتوفير كل ما يلزم لسياحها من خلال أماكن محددة تتبع لهم أو لأصدقائهم وحلفائهم في الدول المقصودة. وهذا ملموس للمعتمرين في مكة، حيث يأخذ الإيرانيون فنادق كاملة طوال السنة، وفي مصر للبهرة فندق خاص بهم. والذي يسعى لتسويق السياحة الإيرانية في مصر علاء أبو العزايم، شيخ الطريقة العزمية الصوفية المتشيعة. وفي الكرك حاولوا بناء سكن خاص بزوارهم وفشلوا.
وهذا يجعل من سياحها أسرى برنامج الحكومة الإيرانية، وتحت سيطرتها من جهة، ومن جهة أخرى هو يخلق دولة مصغرة لا يستفيد منها تجارياً إلا من يجاريهم، وهو ما يفتح بابا لاستقطاب الفضوليين والطماعين، وهم من تحرص السياحة الدينية على اصطيادهم ليكونوا رأس جسر لنشر التشيع بين أهلهم وأصدقائهم.
وفي الختام، فإن ما نراه من طائفية مقيتة في العراق وسورية هو من نتائج السياحة الدينية الإيرانية فيهما؛ فليست إيران جمعية خيرية توزع النفط على الدول المحرومة بالمجان وبلا مقابل لوجه الله، بل هي في الحقيقة تاجر البازار الذي لا يختلف عن "تاجر البندقية"!
صحيفة الغد