جنبلاط ... والدور المشبوه

بواسطة حسن الرشيدي قراءة 2785

جنبلاط ... والدور المشبوه

السبت 10 من جمادى الثانية1429هـ 14-6-2008م

 

حسن الرشيدي

istratigi@hotmail.com

 

منذ أن بدأت الاحتكاكات والصراع بين العالم الإسلامي والغرب المسيحي تأخذ شكلاً مختلفًا منذ منتصف القرن التاسع عشر حتى يومنا هذا كان من أبرز سمات تلك الحقبة من الصراع والتي بدا فيها الغرب منتصرًا أن كثيرًا من المعلومات والحقائق باتت شبه مغيبة عن المسلمين.

فكثير من الخطط والمكائد الموجهة للمسلمين تحاك في الحجرات المغلقة بعيدًا عن وسائل الإعلام، وأصبح البحث عن المعلومات الموثقة حول كثير من الظواهر السياسية من الصعوبة بمكان، واستعيض عن نقص المعلومات بأنواع من أدوات التحليل السياسي لربط الأحداث ومتابعة تسلسلها المنطقي.

ويتفرع من حجب المعلومات الحديث عن دور الباطنيين في السياسة العربية منذ أكثر من خمسين سنة، فتسليط الضوء على تلك الفترة يفسر بعض أسباب الهزائم والنكسات والنكبات العربية في تلك الحقبة المظلمة.

فالطبيعة الباطنية قائمة على أن المواقف المعلنة خلاف المواقف السرية الباطنية، ولسنا هنا في مقام تتبع هذه المواقف أو رصد جميع الأحداث التي شارك فيها الباطنيون وبيان أساليبهم وخططهم، إنما سنورد مثالاً واحدًا في هذا التاريخ الطويل المليء بالغموض والمؤامرات.

ومن أبرز هذه الأمثلة والتي تستحق تسليط الضوء عليها هوالظاهرة الجنبلاطية في السياسة العربية خاصة ما يتعلق بلبنان.

وقد يسأل سائل: وما علاقة أفعال وليد جنبلاط السياسية بعقيدته الدرزية الباطنية؟

والجواب: إن القراءة التاريخية لتاريخ الدروز منذ نشأتهم في مصر وهروبهم إلى لبنان، والمتتبع كذلك لمفردات عقائدهم يلحظ هذه السمة الباطنية في تصرفاتهم وأفعالهم وأنهم يبطنون خلاف ما يظهرون، وهذا ما سنحاول تتبعه في سياسات جنبلاط وما قام به خاصة في الأحداث الأخيرة التي جرت عندما استباح الشيعة بيروت السنية.

ففي معلومات صحفية أوردها موقع الجريدة الكويتية أنه في بداية هذا العام طرق وليد جنبلاط أبوابًا عدة لإعادة المياه إلى مجاريها بينه وبين سورية بعد أن أدرك أن المشروع الأمريكي للبنان في طريقه إلى الفشل حسب ما ورد في الموقع، وكان آخر باب طرقه هو باب الرئيس العراقي الكردي جلال الطالباني الذي تربطه بوالده وبه أيضًا علاقات قديمة ثابتة، ووفق هذا الموقع فقد ظهرت بوادر نجاح وساطة الطالباني مع دمشق حين أوقف جنبلاط حملته على سورية وراح يغازل أنصارها اللبنانيين من بعيد، ولكن فجأة ألقى جنبلاط بقنبلته الصوتية المدوية شارحًا للعالم خطورة جهاز الاتصالات التابع لحزب الله ومطالبًا بالوقت نفسه بإقالة مدير أمن المطار ذي الميول والصلات المعروفة بحزب الله وحركة أمل، وبقيادة المعارضة، بل اتهم السفير الإيراني بأنه من يقود المعارضة اللبنانية وطالب بطرده من لبنان واستلم السنيورة هذه الكرة النارية وحوّلها إلى القرارين اللذين كانا بمنزلة الطلقة الأولى في أحداث بيروت والجبل الدامية. فلماذا أقدم جنبلاط على فعلته هذه بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى من العودة إلى سربه القديم؟ تلك هي الحلقة المفقودة.

ولكن نحن نتساءل: هل يمكن أن نفسر ما حدث على النحو التالي وهو أن سوريا قد عفت عن جنبلاط واشترطت له أن يؤدي لها خدمة نظير هذا العفو وهو عودة نفوذها إلى لبنان؟ فأدى جنبلاط هذا الدور بدفعه للأحداث إلى ما جرت به، ومما يدعم هذا الاحتمال شيئان:

الأول: أن هناك معلومات متواترة على أن الحريري والسنيورة كانا مترددين في إصدار القرارات التي اتخذها حزب الله ذريعة لدخول بيروت، ولكن جنبلاط ضغط على قوى 14 آذار لقبولها ووصل الضغط إلى أن هدد بسحب وزرائه من الحكومة فاستجاب السنيورة وأصدر هذه القرارات.

الثاني: طبيعة شخصية جنبلاط التي تتمتع بنوع من البراجماتية السياسية الشديدة التقلب والميل حيث الأشرعة تسير والرياح تميل، وكما يصفه أحد خصومه بأن جنبلاط بلا منازع الشخصية الأكثر إثارة للجدل في الأوساط السياسية اللبنانية وربما العربية. ومواقفه المتناقضة مادة دائمة للانتقاد والتعجب

 فجنبلاط الذي ينابذ الوجود السوري قد قضى فترة طويلة من حياته مرتديًا الجلباب السوري محتميًا بجيشه مطيعًا لأوامره، فهو الذي كون مع الميليشيات المؤيدة لسوريا جيشًا زحف على طرابلس الشمال في منتصف الثمانينات عندما بدا منها استقلال عن الأوامر السورية، ودكت مدافعه بالاشتراك مع هذه الميليشيا منازل وبيوت الآمنين من أهل السنة، كما اجتاحت ميليشيات جنبلاط بالتعاون مع ميليشيات بري بيروت الغربية لسحق ما وصفوه بـ (تمرد السنة) بزعامة المرابطين، وهو التنظيم السني الوحيد المسلح في خضم الحرب الأهلية اللبنانية، ولكن لأن النظام السوري على نفس الطينة والجبلة فإنه كان من المستحيل أن يرضى عنه وبات متوجسًا من تقلباته بالرغم من أنه قد سبق وأن قدم كثيرًا من فروض الولاء لذلك، وفي أول إشارة لمح جنبلاط أن اتجاه الريح في المنطقة خاصة مع قدوم الجيوش الأمريكية لغزو العراق  يدور في عكس الهوى السوري بدأ في التمرد على الوصاية السورية والالتحاق بركب رفيق الحريري ليحصد المغانم ويسترجع الزعامة خاصة بعد مقتل الحريري وقيادته لما يعرف بثورة الأرز، تلك التي أخرجت ألد أعداء جنبلاط وهو النظام السوري الذي يدرك جنبلاط جيدًا أنه هو الذي وراء اغتيال والده في السبعينات؛ لأنه تجرأ وأوعز إلى التحالف الفلسطيني اللبناني إلى دخول أحد المعاقل المارونية ولكن جنبلاط بطبيعته المتقلبة والتي تعرف من أين تؤكل الكتف سارع إلى التعاون ثم الانقلاب، ثم يئول الأمر مرة أخرى إلى بوادر من التعاون حيث الوهن الأمريكي أو بوادر الصفقة الأمريكية الإيرانية الإسرائيلية السورية المنتظرة، فالأجواء تسير غير ما تشتهي ولابد أن يميل مع الأشرعة حيث تتحرك، ولا عجب أن مارس جنبلاط دورًا خفيًا آخر في قمة الدوحة؛ حيث ينقل مراقبون أنه كان من أكثر الناس ضغطًا على الحريري للقبول بالاتفاق وخاصة بقانون الانتخابات والذي تنازل الحريري بموجبه عن بعض الهيمنة السنية على بيروت.

ولكن يبدو أن هناك ثغرة في هذا السيناريو وهو لماذا هاجمت الميلشيات الشيعية معاقل جنبلاط في الجبل بعد اجتياحها بيروت السنية؟

يبدو أن الشيعة وخاصة حزب الله لم يكونوا راضين عن هذا الاتفاق السوري الدرزي الغير معلن، وحاولوا السيطرة على معاقل جنبلاط المحصنة في الجبل والذي يقف وراءها جنوده المتمرسون على القتال، ومما يعزز من هذا الاتفاق أن الأمير أرسلان حليف سوريا وقف بجانب جنبلاط في القتال ضد الشيعة كما لم يتحرك جنبلاط للدفاع عن الحريري وحراسه عندما داهمتهما عصابات حزب الله وحركة أمل، وبذلك استطاع جنبلاط عبر محاولة إحياء التحالف مع الأسد إنقاذ رقبته بعد بدء عودة النفوذ السوري إلى لبنان.

 



مقالات ذات صلة