أسامة شحادة
2015-12-17
اليوم وبعد 35 عاماً على الثورة الإيرانية نجحت إيران والشيعة بالتسلل إلى أفريقيا، فظهرت بؤر شيعية هنا وهناك، وأقيمت مؤسسات ثقافية واقتصادية تتبع قوى إيرانية وشيعية، وأصبح لإيران نفوذ وحلفاء بين دول القارة، ولكن أيضاً هناك مقاومة كبيرة لهذا التسلل وهناك حالة سخط شعبية ورسمية على كثير من نتائج هذا التسلل.
فقد قطعت بعض الدول علاقاتها بإيران كالمغرب ونيجيريا وغامبيا، وجرّمت بعض الدول التشيع كجزر القمر مؤخراً، فضلاً عن الغضب الشعبي لما تقوم به المؤسسات والشخصيات الشيعية من تعكير حالة السلم المجتمعي عبر استثارة الغالبية الساحقة بالسب والطعن في رموزها ومقدساتها، ولعل أبلغ مثال على ذلك ما حصل للمتشيع المصري حسن شحاته الذي تمادى كثيراً في الإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم بالطعن في زوجته أم المؤمنين عاشة رضي الله عنها، وبالطعن في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، مما أدى لقيام الجماهير الغاضبة بضربه حتى الموت، أثناء محاولته التبشير بالتشيع في إحدى القرى السنية بمصر.
في هذا المقال سأطوف سريعا حول المنافذ التى سلكها هذا التسلل الشيعي للقارة الأفريقية في العصر الحاضر بحسب التسلسل الزمني، إذ لم أجد من قدّم رؤية كلية لذلك على مستوى القارة، وإنما الذي وجدته إشارات جيدة لكن لمناطق محددة من القارة، والغاية من هذا وضع تصور كلي بداية لهذا التسلل وإطاره الزمني والجهات الراعية له، ومن ثم يمكن دراسة كل منفذ على حدة في دراسات قادمة، قد ينشط لها الباحثون.
1- جهود مراجع شيعة العراق للتسلل لمصر :
لعل مصر شهدت أولى محاولات التسلل الشيعية للقارة الأفريقية، فمنذ مطلع القرن العشرين قام المرجع الشيعي العراقي حسين البروجردي بإرسال دعاة شيعة لمصر لغزوها ونشر التشيع بين أهلها([1])، فأرسل في أواخر سنة 1353هـ وأوائل سنة 1354هـ أبا عبدالله الزنجاني، ثم عبدالكريم الزنجاني، وقد فشلا في مهمتهما، وكشف العلماء المحققون كالعلامتين محب الدين الخطيب ومحمد الخضر حسين حقيقة تعصبهما الشيعي وكرههما للصحابة، ثم أتبعهما البروجردي بثالث هو الشيخ محمد تقي القمي الذي نجح بتأسيس دار التقريب في القاهرة سنة 1366هـ، 1946م، ثم أصدر من خلالها مجلة «رسالة الإسلام»، واستقطب لها بعض العلماء والفضلاء، وخدعهم بفكرة التقريب ثم انتبه البعض ونفض يده منها مثل: الدكتور محمد البهي، والشيخ محمد عرفة -عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر-، والشيخ طه محمد الساكت؛ وأهم ما نتج عن تسلل القمي شيئان:
الأول: فتوى شيخ الأزهر شلتوت بجواز التعبد على المذهب الشيعي([2])، والتي اتخذها الشيعة مطية للرواج بين البسطاء.
والثاني: هو استمالة حسن البنا لقبول فكرة التقريب برغم اعتراض واستنكار أستاذيه العلامة رشيد رضا، والعلامة محب الدين الخطيب([3])، على التقريب والغزو الشيعي، وقد نتج عن هذا أن سهلت جماعة الإخوان للشيعة اختراق الجسم السني في كل الدول التي تواجدوا فيها، والأخطر هو تشيع بعض أفرادها في أكثر من بلد وتحولهم لرموز شيعية تقود الغزو الشيعي، ومنهم أحمد راسم النفيس، وكمال الهلباوي من مصر، ومبارك بعداش من تونس، وإدريس هاني بالمغرب، وغيرهم.
وبعد القمي جاء للقاهرة السيد مرتضى الرضوي صاحب مكتبة النجاح في النجف ، والذي تردد على مصر 30 مرة، وكان يحرص على اللقاء بالأدباء والعلماء وإهدائهم الكتب الشيعية، وكان القمي يعده من دعاة التقريب، وقد طبع 25 كتاباً شيعياً في مصر وجعل بعض المصريين يكتب لها مقدمات نظير أجرة مالية! وقد دوّن الرضوي لقاءاته مع المصريين في كتاب ضخم بعنوان "مع رجال الفكر في القاهرة"، وقد أثنى على جهده السيد محمد باقر الصدر مرجع حزب الدعوة العراقي بسبب نجاح الرضوي بتخصيص جناح لكتب الشيعة في دار الكتب المصرية.
ثم واصل قيادة التسلل الشيعي لمصر السيد طالب الرفاعي([4])،الذي استوطن مصر بطلب من المرجع العراقي محسن الحكيم والذي عينه وكيلاً عنه فيها سنة 1969، فأسس جمعية آل البيت سنة 1973م، والتي لجأ إليها د. فتحي الشقاقي – قائد حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية- ليبشر بالوحدة بين السنة والشيعة عقب الثورة الإيرانية([5]).
وطالب الرفاعي أصلاً جاء لمصر سنة 1967 من أجل إكمال دراسته الجامعية، فحصل على الماجستير سنة 1976م ومن ثم حصل على الدكتوراه سنة 1981م!
وأيضاً كان للمتشيع العراقي علي البدري جهود في نشر التشيع بالمناقشات وطباعة الكتب وتوزيعها، وهو جاء لمصر عام 1967 وبقي عدة أعوام فيها([6]).
ثم كان للطلبة العراقيين والخليجيين في مصر دور في هذا التسلل، ولما قامت الثورة الإيرانية فرح بها الإخوان والجماعة الإسلامية، وبعدها أصبح التشيع ينتشر قليلا قليلا في مصر([7]).
2- الجاليات اللبنانية في أفريقيا:
عرفت أفريقيا قدوم المهاجرين اللبنانيين وخاصة النصارى منهم قبل بداية القرن العشرين، وتوالت موجات الهجرة اللبنانية، وكان السبب في ذلك البحث عن فرص عمل أو هرباً من التجنيد الإجباري في الجيش العثماني، ثم أصبح للاستبداد السياسي دور في الهجرة، وكذلك كان لصراعات الطوائف ومن ثم الحرب الأهلية دور أيضا في هذه الهجرات، كانت مصر هي الوجهة الأولى، وقد استوطنتها النخب اللبنانية مثل العلامة رشيد رضا من التيار الإسلامي، أو روز اليوسف صاحبة المجلة المعروفة لليوم.
ثم تعدت الهجرة لدول أفريقيا الأخرى، وكان منهم لبنانيون شيعة، ولم يعرف لهم دور شيعي إلا قبيل الثورة الإيرانية بعقد تقريباً، وكان يهدف للحفاظ عليهم بداية.
وكان القائم على ذلك موسى الصدر اللبناني مؤسس حركة أمل، والذي زار أفريقيا عدة مرات، لكن زيارته لدول غرب أفريقيا سنة 1967 تعد أهمها، إذ عمل على زيارة الدول التي بها جاليات شيعية لبنانية، وحثها على التمسك بالتشيع والحرص عليه، وأرسل سنة 1969 مندوبا عنه ليقود شؤون الشيعة في السنغال، وهو الشيخ عبد المنعم الزين، الذي أسس سنة 1978 المؤسسة الإسلامية الاجتماعية، وقد نتج عن جهوده نشر التشيع في بعض دول أفريقيا المجاورة كموريتانيا، ولكن عمله في نشر التشيع بين السنغاليين كان عقب نجاح الثورة الإيرانية.
وأيضا قام اللبنانيون الشيعة في ساحل العاج سنة 1977 بإقامة (الجمعية الإسلامية الثقافية) بشاطئ ساحل العاج، وهذا بتأثير موسى الصدر قبل قيام الثورة الإيرانية، لكن عقب نجاح الثورة أصبحت الجاليات اللبنانية في أفريقيا هي أداة السفارات الإيرانية لاختراق المجتمعات الأفريقية، باستغلال علاقاتها مع النخب الحاكمة وسيطرتها الاقتصادية.
3- المدرسون والتجار العراقيون والسوريون واللبنانيون الشيعة:
منذ فترة الثمانينات سافر عدد من المدرسين العراقيين، ثم قدم سوريون ولبنانيون للعمل والتجارة في دول أفريقية مثل ليبيا والجزائر، وقد كان لهؤلاء المدرسين دور في تسلل التشيع لتلك البلاد من خلال احتكاكهم بالطلبة والناس.
4- المتعاطفون مع نجاح الثورة الإيرانية من أبناء الحركة الإسلامية – الإخوان المسلمون:
عقب سقوط نظام الشاه وتسلم الخميني للحكم في إيران عمت الفرحة كثيرا من قادة وأبناء الحركة الإسلامية، وبسبب الموقف السابق للأستاذ حسن البنا الداعم للتقريب بين السنة والشيعة، فقد تصاعدت النداءات للوحدة بين السنة والشيعة، وقامت قيادة جماعة الإخوان من دول متعددة بالسفر معاً لطهران لتهنئة الخميني بالنصر.
وقد كانوا يعدّون الخميني وحركته مساوية لهم تماماً، يقول حسن الترابي وراشد الغنوشي حول مفهوم الحركة الإسلامية: إنه "الاتجاه الذي ينطلق من مفهوم الإسلام الشامل، مستهدفاً إقامة المجتمع المسلم والدولة الإسلامية على أساس ذلك التصور الشامل، وهذا المفهوم ينطبق على ثلاثة اتجاهات كبرى: (الإخوان المسلمون، الجماعة الإسلامية بباكستان، وحركة الإمام الخميني في إيران)"([8]).
ومن ثم توالت بعض الوفود الطلابية من الحركة الإسلامية من دول أفريقيا وخاصة من السودان على زيارة طهران أو سفاراتها، وكان من هتافات طلبة الجامعات في السودان سنة 1981: "يا خميني رفعت الراية! أنت المشعل أنت هداية!"، ثم بدأ هذا التعاطف العام يتحول لدى البعض إلى تشيع عقدي في عدد من الدول الأفريقية.
5- نشاط تيار الشيرازيين في أفريقيا:
عقب سقوط نظام النميري في السودان سنة 1985، أرسل تقي المدرسي زعيم حركة الطلائع الرسالية التابعة للتيار الشيرازي ومرجعية محمد الشيرازي، أحمد الكاتب -الباحث المعروف- للتبشير بالتشيع في السودان، وذلك استغلالا للقابلية العالية لدى أبناء الحركة الإسلامية بقيادة حسن الترابي للتشيع، بسبب التعاطف الكبير مع دعاوى الوحدة والتقريب من جهة ومنهج الترابي العقلاني والمتميع في قضايا العقيدة والصحابة وأمثالها.
حيث قام أحمد الكاتب بتأسيس فرع لحركة الطلائع الشيرازية من بين المتشيعين، تحت غطاء حسينية الإمام القائم([9])، ومن ذلك الزمن وللشيرازيين نشاط كبير في أفريقيا.
ثم أكمل المسيرة علي البدري المتشيع العراقي، والذي بعد أن مكث في سوريا عدة سنوات عقب تركه مصر، عاد سنة 1986 لأفريقيا والسودان تحديداً، فطبع عددا من الكتب الشيعية فيها.
6- السفارات الإيرانية والمستشاريات الثقافية:
عملت السفارات الإيرانية في المرحلة الأولى على توزيع بعض المطبوعات والمجلات على المترددين عليها، وأيضاً عملت على تقديم المنح للطلبة الأفارقة للدراسة في الجامعات الإيرانية والحوزات، وقد تشيع عدد كبير من هؤلاء الطلبة وأصبح بعضهم رأساً في نشر التشيع بين قومه.
ثم تطور عمل هذه السفارات والمستشاريات في التسعينيات وأصبح يقوم بدور رعاية الشيعة من الجاليات اللبنانية والمتشيعين وإقامة المؤسسات لهم، وذلك بعد الانفتاح السياسي لإيران على أفريقيا، والتي دشنتها زيارة الرئيس الإيراني السابق هاشمي رفنسنجاني للسودان سنة 1991 ثم زيارة أخرى سنة 1996 لعدد من الدول الأفريقية، ثم تتالت زيارات الرئيسين السابقين خاتمي ونجاد لدول أفريقيا.
وأثمرت هذه الزيارات عن إقامة مصانع ومصافي بترول وعلاقات تجارية وسياسية وقواعد عسكرية، وهذا كله دفع عجلة التسلل الشيعي قدماً للأمام.
7- المتشعيين من الجاليات الأفريقية في الخارج وخاصة أوروربا:
كان للنشاط الشيعي في أوروبا مستغلا جهل هذه الجاليات بدينها دور في التسلل الشيعي لأفريقيا، وخاصة عند رجوعهم لبلادهم للزيارة أو الاستقرار، فضلاً عن تأثيرهم على عائلاتهم، وهذه الظاهرة موجودة في المغرب بشكل خاص.
خاتمة:
هذه هي المنافذ التي تسلل منها التشيع لقارة أفريقيا، ثم تمكن من تكوين بؤر انطلاق وعمل، فأسست عدد من المؤسسات الاجتماعية والثقافية، وأصبح لها مجلات وصحف ومدارس ومعاهد وجامعات، فضلاً عن نفوذ وعلاقات اقتصادية وسياسية مع حكومات الدول الأفريقية.
ولكن مع كل هذا لا يزال التسلل التشيعي طارئا على القارة الأفريقية وليس له جذور راسخة، وهو قائم بشكل كبير على جهل العامة به واستغلاله لفقرهم وحاجتهم.
ولذلك إن بقاء هذا التسلل واستمراره شبه مستحيل، لكن الركيزة في ذلك هو وجود وعي بهذا التسلل بداية، ثم وجود عمل فاعل للتحذير منه وإبطال خداعه، وهو ميسور للمخلصين، لأن الله عز وجل علّمنا (فأما الزبد فيذهب جفاءً وأمّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) (الرعد: 17).
المصدر : موقع الراصد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] - مجلة الفتح التي كان يديرها محب الدين الخطيب، ج 17، ص 709.
[2] - لفهم ملابسات هذه الفتوى راجع: الموسوعة الشاملة للفرق المعاصرة في العالم، التجمعات الشيعية في أفريقيا العربية، أسامة شحادة وهيثم الكسواني، مكتبة مدبولي، ص 21.
[3] - انظر: مجلة الفتح التي كان يصدرها محب الدين الخطيب، عدد 862، مقال (كلام صريح وكلام مبهم حول خرافة التقريب بين المذاهب)، وهو رد على حسن البنا شخصياً.
[4] - انظر مقالي: أمالي السيد طالب الرفاعي، بالراصد عدد 118،
http://alrased.net/main/articles.aspx?selected_article_no=6045
[5] - انظر مقالي: حركة الجهاد الإسلامي والهوى الشيعي الإيراني، الراصد عدد 51،
http://alrased.net/main/articles.aspx?selected_article_no=4888
[6] - المتحولون حقائق ووثائق، هشام قطيط، دار المحجة البيضاء، ص 79.
[7] - لمعرفة واقع التشيع في مصر، راجع الموسوعة الشاملة للفرق المعاصرة في العالم، التجمعات الشيعية في أفريقيا العربية، أسامة شحادة وهيثم الكسواني، مكتبة مدبولي.
[8] - الحركة الإسلامية والتحديث، حسن الترابي وراشد الغنوشي، ص 17.
[9] - أحمد الكاتب، سيرتي الفكرية والسياسية، على موقعه الشخصي.