'إسرائيل' والهلال الشيعي.. ماذا بعد 'الوهم الكاذب'؟
وليد نور
مفكرة الإسلام: بعد الضجيج الذي أثارته عملية 'الوعد الصادق' وما تبعها من حرب بين حزب الله وإسرائيل، لا تزال تلك الحرب التي دامت 34 يومًا تلقي بظلالها على الساحة السياسية العربية والإسلامية.
وبعيدًا عن الدوافع التي كانت وراء تلك الحرب والنتائج التي أسفرت عنها، إلا أنه ولا بد أن هذه الحرب في حقيقة الأمر لم يُرَد لها سوى أن تكون مقدمة لسلسلة من الأحداث السياسية الكفيلة بتغيير الخريطة السياسية اللبنانية وبتغيير قواعد اللعبة بين كافة الأطراف المشاركة فيها.
حرب طالت 34 يومًا, صاحَبَها من الأضواء الإعلامية ما كاد أن يفوق ما سبقها من حروب كانت أحد طرفيها 'إسرائيل'.
حرب طالت 34 يومًا, وخلّفت ما خلّفت من نتائج, إلا إن المتأمل فيما يجري يدرك أنها لم تكن حرب تحرير ولكنها حرب تحريك، فماذا حققت تلك الحرب للأطراف المشاركة من نتائج سياسية بعيدًا عن الحسابات العسكرية، هذا ما نحاول أن نجيب عنه، في ذلك المقال.
أي حرب تلك؟!!
أول سؤال يطالعنا عند الحديث عن تلك الحرب هو: تحت أية طائفة تندرج تلك الحرب؟!! هل كانت حرب تحرير، أم حرب مقاومة؟!! أم تراها لم تعد كونها حرب تحريك الهدف من ورائها تغيير قواعد اللعبة؟!
في الحقيقة، إن المتابع لهذه الحرب منذ بدايتها مع عملية 'الوعد الصادق' يدرك أنها كانت تهدف في المقام الأول إلى تغيير 'قواعد اللعبة' كما صرح بذلك 'حسن نصر الله' مرارًا، وفي لقاء له مع قناة الجزيرة 21/9/2006م عقب تلك الحرب تحدّث عن النصر الذي حققته تلك الحرب في رأيه فقال: 'نصر استراتيجي بمعنى أن نتائج هذه الحرب هي نتائج إستراتيجية، التعديلات والتغييرات التي ستطرأ على إسرائيل ككيان، على لبنان، على الوضع الفلسطيني، على الوضع العربي، على وضع المنطقة ككل، الشرق الأوسط, حتى على الوضع الدولي هي ليست تغييرات بسيطة أو متواضعة أو تفصيلية, وإنما هي تغييرات وتحولات إستراتيجية'.
وهذا التصريح يشير إلى أن الهدف من تلك الحرب ما وراءها من نتائج سياسية قد لا ترتبط بما تحقق على أرض الواقع، وإذا أضفنا إلى هذا التصريح من نصر الله تصريحه الآخر لفضائية 'New TV', والذي أشار فيه إلى أن تلك الحرب هي آخر الحروب مع إسرائيل، فإننا ندرك أن تلك الحرب لم تكن حرب مقاومة, فضلاً عن أن تكون حرب تحرير، بل كانت حربًا سياسية من المقام الأول؛ الهدف من ورائها تغيير قواعد اللعبة المتعارف عليها بين الطرفين.
ويؤيد صحة هذا الاستنتاج تصريح الرئيس السوري بشار الأسد عقب وقف إطلاق النار بين الجانبين، حيث قال: إن المعركة الحقيقية ابتدأت الآن, وعلينا أن نحوّل النصر العسكري إلى نصر سياسي. وقال: إن المقاومة ليست نقيضًا للسلام, بل هي والسلام جزء واحد.
وبعدها بأيام قال الرئيس الإيراني أحمدي نجاد أثناء افتتاحه لمنشأة أراك لإنتاج الماء الثقيل: إن إيران لا تمثل تهديدًا للدول الأجنبية ولا حتى لإسرائيل.
حرب من هي؟!!
وإذا كانت تلك الحرب حرب تحريك لتغيير قواعد اللعبة، برز السؤال الأهم: لمن كانت تلك الحرب؟! هل كانت للأمة العربية والمسلمة؟! هل كانت للمستضعفين في الأرض؟! يجيبنا 'حسن نصر الله' عن هذا السؤال بتصريحه في حواره مع قناة الجزيرة حيث قال: 'الذي يقول: أنا مع محور إيراني سوري، أنا لا أستحي من التحالف، وهم يتحالفون ويستحون بتحالفاتهم، أنا على رأس السطح, أقول: أنا صديق لسوريا وحليف لسوريا وأتعاون مع سوريا ويوجد أمور مشتركة بيننا وبينهم...'.
وهذا التصريح ينضم إلى دلائل كثيرة ليثبت أن العلاقة بين حزب الله وسوريا وإيران ليست علاقة تحالف فحسب, بل إنها تصل إلى درجة التبعية، ونستطيع أن ندرك ذلك جيدًا عندما نعلم أن حزب الله يؤمن بولاية الفقيه، والفقيه الذي يقصدونه هو ذاك القابع في طهران، وإن كان حزب الله يؤمن بولاية الفقيه وينسب انتصار المقاومة إلى الخميني ومن بعد الخامئني, فما كان له أن يتحرك إلا بإشارة من طهران، وهو أمر صرح به حسين شريعتمداري أحد كبار مساعدي مرشد الجمهورية الإيرانية على خامنئي ورئيس تحرير صحيفة كيهان, حيث كتب في مطلع شهر أغسطس يقول: إن حزب الله لا يقاتل من أجل السجناء ولا من أجل مزارع شبعا أو حتى القضايا العربية أيًا كانت في أي وقت، وإنما من أجل إيران في صراعها الحدودي لمنع الولايات المتحدة من إقامة شرق أوسط أمريكي.
فهذا تصريح كما كنا نودّ أن يرد عليه حسن نصر الله ورفاقه في لقاءاتهم المتكررة التي ما فتئوا يزعمون فيها أن هذه الحرب حرب الأمة المسلمة وحرب المستضعفين في العالم.
وإذا أضفنا إلى هذا التصريح، تصريحات بشار الأسد عقب وقف إطلاق النار أدركنا أن هذه الحرب لم تكن إلا حرب تحريك قادها حزب الله لصالح أطراف أخرى ليس من بينها لبنان ولا الأمة المسلمة ولا الأمة العربية.
ماذا تحقق للحلفاء؟!!
إذا كانت تلك الحرب من أجل تغيير قواعد اللعبة لصالح إيران وسوريا وحزب الله، فهل حققت تلك الأطراف ما تصبو إليه؟! يستطيع الناظر فيما يجري على الساحة الدبلوماسية العالمية من تصريحات متبادلة بين أطراف الصراع وجود ملامح صفقة بين كافة الأطراف تحقق لكل طرف ما يريده، خاصة إذا أدركنا أن التصريحات المعلنة تكون دومًا أقل مما يجري من خلف الكواليس.
فإذا بدأنا بإيران، نجد أن طهران نجت من العقوبات الدولية والتي كان موضوعًا لها موعد لمناقشتها هو 31 أغسطس, غير أن شهرًا مر حتى الآن ولم يحدث شيء, بل تؤكد المؤشرات أن واشنطن تركت الملف الإيراني لحلفائها الأوروبيين, والمعروف أنهم يفضلون حلاً دبلوماسيًا على بقية الحلول.
وإذا تتبعنا التصريحات الصادرة من الجانبين [طهران وواشنطن] عقب تلك الحرب نستطيع أن نلمس هذا الاعتدال وخفة الحدة التي ميزت تصريحات الجانبين، فالرئيس الإيراني صاحب التصريحات المشهورة يؤكد أن بلاده لا تمثل تهديدًا لإسرائيل.
وبوش في خطابه أمام الأمم المتحدة يستخدم عبارات لينة عندما يتحدث عن إيران, ويشير إلى أن أمريكا وإيران يمكنهما التحول إلى 'صديقتين وشريكتين تعملان معًا لتعزيز السلام'، بل ويؤكد بوش أن المسئولين الأمريكيين 'لا يعارضون سعي إيران للحصول على برنامج سلمي حقًا للطاقة النووية'، ثم تكشف لنا صحيفة واشنطن تايمز يوم 26/9/2006 أن إيران تقترب من التوصل لاتفاق يتضمن تعليقًا مؤقتًا لتخصيب اليورانيوم ويمهد الطريق أمام محادثات نووية, لكن طهران تريد إبقاء الاتفاق سريًا [كما تذكر الصحيفة، ولنا أن نتساءل كم هي الاتفاقيات السرية بين طهران وواشنطن؟!].
أما على الصعيد السوري فمنذ انتهاء الحرب، وسوريا تتبادل مع إسرائيل التصريحات عن السلام، حتى ارتفعت الدعوات داخل إسرائيل باستغلال تلك الفرصة والبدء في مفاوضات سلام مع سوريا، ودعا وزير الدفاع الصهيوني إلى إبقاء الباب مفتوحًا أمام الدعوات السورية، هذا ما أعلنه الجانبان ولا ندرى ما يجري خلف كواليس السياسة.
ماذا يجري في لبنان؟!
أما إذا توجهنا إلى لبنان لنرى ما حققه حزب الله من وراء تلك الحرب، فأول ما نلاحظه أن الحزب صمت لقرابة شهر ما بين لقاء أمينه مع فضائية 'New TV' وما بين مهرجان الاحتفال، ويبدو أن هذا الصمت كان لمنح الفرصة للحلفاء من أجل ضبط واقعهم والتوصل إلى اتفاق مع أمريكا وإسرائيل.
وإذا تابعنا خطاب 'حسن نصر الله' في مهرجان الاحتفال رأينا ما يريده الحزب في المرحلة القادمة، والذي يتمثل في محورين اثنين هما:
1- الدعوة إلى حكومة وحدة وطنية:
حيث دعا نصر الله إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية, معتبرًا أن الحكومة الحالية لا تشكل حكومة حماية ولا حكومة إعادة إعمار ولا حكومة توحيد للبنان.
وهاجم نصر الله بشدة حكومة فؤاد السنيورة، وأكد أن حزبه سوف يعمل على تشكيل حكومة جديدة، قائلاً: إذًا بناء دولة عادلة قوية قادرة يبدأ أولاً من حكومة وحدة وطنية جدية, وأنا هنا لا أرفع شعاراً للاستهلاك فليسمعوني جيداً، أنا هنا لا أرفع الشعار للاستهلاك ولا لتضييع الوقت ولا استرضاءً لحلفاء أو لأصدقاء.. هذا مشروع جدي.. سنعمل له بكل قوة في المرحلة المقبلة, والأمر الثاني في بناء الدولة العادلة القوية المقتدرة يبدأ من وضع قانون للانتخاب منصف تشعر فيه كل الطوائف وكل التيارات السياسية بأن أمامها فرصة واقعية للتمثيل الحقيقي ولا تشعر فيه أي طائفة أنها باتت تابعة لطائفة أخرى.
وكان نصر الله قد طالب في مقابلته مع الجزيرة بأن تضم حكومة المرحلة القادمة قوى سياسية لها وزنها في الشارع اللبناني، مثل التيار الوطني الحر بزعامة ميشال عون والنائب المسيحي السابق سليمان فرنجية.
وعلّق حسين رحال المسئول الإعلامي بحزب الله على تلك التصريحات بقوله: نحن أصحاب مشروع بناء الدولة الحقيقية, هذا أمر واضح من خلال كثير من تحركاتنا وأدائنا من خلال ورقة التفاهم الموجودة مع التيار الوطني الحر، دعونا بشكل واضح إلى مشروع بناء دولة, واليوم سماحة السيد تحدث عن هذا الأمر بشكل واضح وبديهي، لم تُبنَ دولة منذ العام 1943.
والناظر في هذه التصريحات يدرك أن نقمة نصر الله ورفاقه منصبة على سنة لبنان وليس غيرهم، فنصر الله عند حديثه عن الدولة القوية لم يجرؤ مثلاً على الدعوة إلى تغيير رئيس الدولة الماروني، كما أنه بالتأكيد ما كان ليدعو إلى تغيير رئيس البرلمان الشيعي، بل كان جل نقدها موجهًا تجاه الحكومة السنية, والتي جاءت بها صناديق الانتخاب ولم تأتِ تعيينًا أو فرضًا من أحد.
فلماذا هذا الحنق الموجه ضد أهل السنة؟! ولماذا عندما أراد نصر الله أن يرشح أسماءً لحكومته المقترحة لم يجد سوى أسماء مسيحية؟! أليس في هذه التصريحات والمواقف دافع للتساؤل: هل سيصبح فؤاد السنيورة آخر رئيس وزراء سني للبنان.
إن الناظر في حديث نصر الله عن الحكومة وعن قانون انتخاب جديد 'لا تشعر فيه أي طائفة أنها باتت تابعة لطائفة أخرى' يدرك أن نصر الله إنما يقصد بذلك الطائفة السنية، ويبدو أن الشيعة الذين لم يرضوا عن اتفاق الطائف لأنه حجّم من طموحاتهم يرون أن الفرصة سانحة ليحققوا حلمهم في جعل لبنان دولة شيعية, أو على الأقل يكون الصوت الأعلى فيها للشيعة، ولمَ لا ونصر الله يتحالف مع عون وفرنجية ليصنع بذلك خريطة سياسية جديدة للبنان يخرج منها أهل السنة.
2- نزع سلاح حزب الله:
أكد نصر الله في خطابه رفضه لنزع سلاح حزبه، غير أنه قدم مبررًا جديدًا لهذا الأمر، فقد كان حديث حزب الله دومًا عن سلاحه باعتبار سلاح مقاومة وتحرير, وفي لقاءات الحوار الوطني قبل 'الوعد الصادق' كان مبرر نصر الله الرافض لنزع سلاح الحزب هو المقاومة والتحرير، غير أن نصر الله في حديثه مع 'New TV' أشار إلى أن تلك الحرب هي آخر الحروب مع إسرائيل، وبذلك أسقط مبرر الاحتفاظ بذلك السلاح، إلا أنه خرج علينا في مهرجان الانتصار بمبرر جديد هو حماية لبنان، وهو مبرر يوسع من وجود حزب الله ومهامه، فبعد أن كانت مهمته مقتصرة على المقاومة في الجنوب، صار يرى نفسه ملزمًا بحماية لبنان في كافة أنحائها، يقول حسين رحال: '.. هذا السلاح له مسبباته, وهي عدم وجود دولة قوية قادرة على حماية لبنان.. بما أن الدولة لا تقوم بأحد وظائفها المهمة تجاه شعبها وهي وظيفة الحماية فمن حق هذا الشعب أن يقوم بهذه المهمة, وهذا أمر طبيعي وبديهي..'.
وهذا التصريح يفقد الدولة أهم مقوم من مقوماتها وهو الاعتراف بشرعيتها، فحزب الله لا يعترف بشرعية تلك الدولة ولا يعمل على تقوية تلك الشرعية، بل على النقيض من ذلك هو يعمل على نزع شرعيتها، كل ذلك من أجل أن يبرر حزب الله احتفاظه بالسلاح الذي ما عاد له ضرورة بعد آخر الحروب مع إسرائيل.
أين إسرائيل من كل هذا؟!
أما موقع 'إسرائيل' من كل هذه الحسابات، فمن الواضح أن إسرائيل ومن ورائها أمريكا تدركان من واقع التجربة التاريخية والواقعية أن المشروع الشيعي الممتد من إيران إلى لبنان مارًا بسوريا يبقي أفضل كثيرًا من المشروع السني إن استطاع أن يوجد لنفسه موطئ قدم، لذلك رأينا ما جرى في العراق من اتفاقات بين طهران وواشنطن، وعلمنا بما خفي عنا من تفاهمات نيسان بين حزب الله وإسرائيل، ويبقى 'حزب الله' على الرغم من الوعد الصادق أكثر مرونة واتزانًا من حماس وبقية حركات المقاومة الفلسطينية، ويكفيه [حزب الله] شهادة وزير الدفاع الصهيوني له بعدم وجود أي مقاتل لحزب الله على الحدود بعد وقف إطلاق النار.
لذلك نستطيع أن نصف ما جرى فيما مضى وما يجري فيما يستقبل، بأنه لقاء بين هلال شيعي وثقب أسود يدعى 'إسرائيل'، وبين هذا الهلال وذاك الثقب ضاع القمر السني.