الإمبراطورية الأمريكية وإيران والعداء الزائف

بواسطة تقرير خاص قراءة 796
الإمبراطورية الأمريكية وإيران والعداء الزائف
الإمبراطورية الأمريكية وإيران والعداء الزائف

 

الإمبراطورية الأمريكية وإيران.. العداء الزائف

 

تقرير خاص بموقع "إي آ إري نوتيثياس" الأرجنتيني

ترجمة: مروة عامر

 

إن من يحللون القوة العالمية "كأبيض وأسود" قد اعتادوا على النظر للإمبراطورية الأمريكية "وأعدائها" دون ألوان أخرى أو تناقضات؛ فنجد الصحافة "المعادية لبوش" (ليست المعادية للرأسمالية وإنما "المعادية لبوش") تصور كل من يواجه "الإمبراطورية" من خلال الخطابات والتصريحات، كما في حالة الرئيس الفنزويلي "أوجو تشابيث" أو إيران (التي لازالت حتى الآن حربها مع الشيطان "حرب إعلامية" فقط)، كما لو كان "عدوًا" أكيدًا لقوة الرأسمالية الصهيونية.

بل وأيضًا يكفي أن ينتقد أحدهم بوش و"الإمبراطورية" (بالرغم من عدم مساسه بالنظام الرأسمالي) حتى يصبح على الفور "ثوريًا" كما في حالة الرؤساء "التقدميين" الذين تتحكم البنوك والشركات متعددة الجنسيات للإمبراطورية الرأسمالية في الأنظمة الاقتصادية-الإنتاجية لدولهم.

وتعد هذه الرواية المصقولة "للخير والشر" (دون تحليل التناقضات المنطقية) هي ما تبيعه وتشتريه الصحافة "التقدمية" و"اليسارية الجديدة"، الذين لا يحللون علاقات القوة الرأسمالية العالمية على مستوى استراتيجي (الحقيقة المنطقية بمتناقضاتها)، وإنما تبرز صورة "عدو" الإمبراطورية"، وإن كانت زائفة، كما في حالة الرؤساء "التقدميين" الذين يتحدثون باليسار ويحكمون باليمين.

وفي ظل هذه "النظرة الثورية" (التي تحلل العالم من منطلق مؤيدي بوش و"معارضيه") لم تعد إيران تمثل نظامًا دينيًا-أصوليًا يحكمه رجال الدين الشيعة، وإنما غدت نوعًا من "قبلة جديدة للثورة".

فبمجرد إدراج الولايات المتحدة لإيران في "محور الشر"، تلك الدولة التي يحكمها رجال دين أصوليون وحيث يتم إعدام وقمع المعارضين بوحشية وتتم ممارسة التفرقة بشتى الطرق، أصبحت إيران رمزًا "للثورية يُقتدى به".

ومنذ مثول الرئيس العراقي السابق "صدام حسين" في قفص الاتهام وإدانته بالموت لارتكابه "جرائم ضد الإنسانية"، "هنأ" النظام الديني الإيراني، بشتى الطرق والخطابات، خضوع "الدكتاتور" "للعدالة" في النهاية، دون توضيح أن العدالة التي تم إخضاع صدام لها هي عدالة الغازي الإمبريالي، الذي تؤكد منظمة بريطانية أن ذلك الغازي قتل خلال أكثر من ثلاثة أعوام أكثر من 150 ألف عراقي وفقًا للأرقام الرسمية، و 650 ألف وفقًا للأرقام غير الرسمية.

وما يثير العجب هو أن الشريك المتميز لغزاة العراق كان ولا يزال إيران ! التي يحكمها رجال الدين الشيعة، والتي تعاونت مع الغزو و"تشارك" الاحتلال اليوم في الحكم من خلال الحكومة الدمية التي تضم رجال دين وسياسيين شيعة مواليين لإيران.

وقد نشرت الوكالة الإيرانية الرسمية "إيرنا" يوم الأحد الماضي (الموافق 7 يناير) مقالاً تؤكد فيه أن إعدام صدام حسين "لم يثبت فقط أن الطغاة يتلقون يومًا تلو الآخر عقوبات أكبر، بل أثارت الطريقة التي تم تطبيق عقوبة الإعدام عليه بها كذلك جدلاً كبيرًا بشأن حقوقه الخاصة"، حيث يشير المقال إلى أنه "كان لطريقة الشنق أثرًا كبيرًا في لفت الأنظار عن "جرائم" صدام لتتحول إلى الأخطاء التي شابت إعدامه".

ويضيف المقال "إلا أن ما قد يصعب تغييره في عصر عولمة العدالة هو عدم تساهل المجتمع الدولي مع أسوأ منتهكي حقوق الإنسان، فإن الحصانة من العقوبة تأخذ في الانتهاء من خلال عدالة، للمفارقة، قد تبدو انتقامية ومبالغ فيها".

إلا أن رجل الدين الشيعي "أحمد خاتمي" قد تجاوز كذلك ثناء الوكالة الرسمية الإيرانية "لعدالة الغزاة"، حيث ذكر يوم الجمعة الموافق (5 يناير) خلال خطبته "لقد كان إعدام صدام حسين من بين الأنباء الجيدة التي نُشرت الأسبوع الماضي".

وأضاف خاتمي "كانت إحدى أجمل اللحظات عندما وضعوا الحبل حول عنق هذا "السفاح"، هذا "السفاح" الذي إثر الحكم عليه بالإعدام بات يرتجف وكان عليهم أن يقدموا له مهدئات. ربما يكون هذا "السفاح" هو رئيس الدولة الوحيد الذي عامل شعبه بتلك الوحشية".

 

الازدواجية المثيرة للجدل

للوهلة الأولى، نجد النظام الإيراني ينضم ظاهريًا ينضم للمحور المعادي للولايات المتحدة إلى جانب روسيا وفنزويلا وسوريا وكوريا الشمالية، إلا أن تلك الصورة قد تختلف عندما يتم تسليط الضوء على دور إيران في التخطيط لاحتلال الولايات المتحدة العسكري للعراق وتنفيذه، حيث يعد رجال الدين الإيرانيين شركاء ومتعاونين فاعلين في العراق، من خلال نفوذهم على رجال الدين والحكومة الشيعة.

فعقب ساعات من معرفة قرار حكم الإعدام، ذكر المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية "سيد محمد علي حسيني" أن "عقوبة الإعدام هي أقل ما ينبغي أن يؤخذ في الاعتبار لدى محاكمة صدام حسين"، على خلاف موقف روسيا وفنزويلا اللذين انتقدا القرار.

ثم أضاف المتحدث "وذلك لا يعني أنه لا ينبغي تناول باقي "الجرائم" التي ارتكبها صدام، مثل الحرب التي فرضها على إيران خلال الفترة ما بين عامي 1980-1988".

إلا أن المتحدث لم يذكر أن صدام حسين كان يحظى في تلك الحرب بدعم الولايات المتحدة، نفس القوة التي قصفت العراق عقب ذلك في حرب الخليج عام 1991 ثم قامت بغزو الدولة عسكريًا عام 2003، حاظيةً بدعم حكومة طهران ورجال الدين والسياسيين الشيعة الخاضعين لنفوذها.

فقد كان آيات الله الإيرانيين الشركاء الاستراتيجيين للصقور، في المحاولة الفاشلة (في حرب الخليج الأولى بقيادة بوش الأب) وفي غزو العراق في مارس 2003، فقد شاركت أجهزة المخابرات الإيرانية وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) والموساد و جهاز المخابرات البريطاني إم-16 في تسليح وتدريب جماعات حاولت اغتيال أو إسقاط صدام حسين حتى تتمكن القوات الأمريكية من الاستيلاء على العراق دون إطلاق رصاصة واحدة.

وتفاوض رجال الدين الشيعة عقب ذلك مع واشنطن على "مغادرة إستراتيجية" لقوات الاحتلال موليين رجال الدين والسياسيين الشيعة حكومة احتلال أمريكي مدنية.

وتنطلق من وزارة الداخلية العراقية، التي يسيطر عليها الشيعة المواليين لإيران، يوميًا كتائب الموت التي تنفذ تعليمات طهران لتغتال وتعذب مقاتلي ومؤيدي المقاومة العراقية السنية الأصل.

وهكذا، فلم يفعل الغزاة الأمريكيون في العراق سوى قلب الوضع السابق: فقد آل العراق من هيمنة السنة من خلال جيش صدام حسين إلى هيمنة الشيعة من خلال الجيش الغازي للولايات المتحدة.

فقد تم تشكيل "القوات المسلحة وقوات الأمن الجديدة" الموالية للاحتلال من شيعة وأكراد، ليصبحوا جنودًا مستجدين يتم تدريبهم على أيدي ضباط أمريكيين، حيث تتزود منهم "كتائب الموت"، التي تتشكل في معظمها من قوات "إسرائيلية" خاصة، والتي تعمل بشكل رئيس على ملاحقة أهل السنة المؤيدين لمقاومة الاحتلال الأمريكي.

فعندما وطأت القوات الغازية الأراضي العراقية، في أبريل 2003، أصبح الحلفاء القدامى لواشنطن (ما تًدعى "بالمعارضة العراقية في المنفى" والتي تحظى بالمساندة الإيرانية) هم من يحكمون الدولة، شانين مذبحة وحشية ضد العسكريين السابقين الموالين لصدام حسين وضد زعماء حزب البعث.

فقد زودت شخصيات خبيثة تحظى بالحماية الإيرانية مثل "إياد علاوي" و"أحمد شلبي"، الصعاليك القدامى لCIA والمفضلين لدى واشنطن، العمليات القمعية الوحشية للجيش الأمريكي وحملاته ضد أهل السنة بمعلومات استخباراتية واسعة، تلك العمليات التي تم خلالها سجن وتعذيب وقتل الآلاف من أهل السنة "المشتبه" في اتصالهم بالقوات السابقة لصدام.

وقد استغل رجال الدين والزعماء الشيعة، المتواطئين مع الغزو والاحتلال الأمريكي، الكراهية القديمة بين الشيعة والسنة ليبثوا بين جاليتهم أمل "بدء ديمقراطية" سوف تقود لتشكيل حكومة إسلامية ممثلة لكل الشيعة.

وفي 3 أبريل 2004، عندما حمل رجل الدين الشيعي "مقتدى الصدر" ـ الذي يتمتع بنفوذ كبير على طائفته ـ السلاح ضد الولايات المتحدة [لأهداف شخصية تتعلق بنفوذه]، ظهرت لبضعة أشهر جبهتان متقاربتان للمقاومة المسلحة، حيث اتفق جزء من الشيعة مع أهل السنة في نفس كراهية الاحتلال الأمريكي ومقاومته [وإن اختلفت وجهة كل منهما فمقاومة الاحتلال ليست جزءًا أصيلاً في سياسة مقتدى].

واستمرت "مغامرة التمرد" لمقتدى الصدر حتى قرر رجال الدين الشيعة المحابيين لإيران والمواليين لواشنطن عزله عن الجالية الشيعية، حيث دعموا سرًا القوات الأمريكية التي قامت طائراتها وصواريخها ودباباتها بإبادة عسكرية في مدينة النجف بهدف اعتقال مقتدى ومقاتليه.

وعمل "آية الله السيستاني"، الذي زرعه النظام الديني الشيعي الإيراني في العراق والحليف الأكبر لواشنطن في الطائفة الشيعية، على إقناع مقتدى الصدر بتسليم المدينة والأماكن المقدسة للقوات الأمريكية في مقابل انسحاب مقاتليه بحرية.

وانضم الصدر في النهاية إلى الحكومة الشيعية كقامع للسنة، حيث تحول رجاله إلى اغتيال وتعذيب أهل السنة، ليصبحوا "كتائب الموت"، وفي يوم السبت الموافق 30 ديسمبر، تم إعدام صدام حسين في بغداد تحت سيطرة جيش الميليشيات الشيعية لمقتدى الصدر، ومن بينهم الجلادين الذين أهانوا الرئيس العراقي السابق قبل شنقه.

وعقب فرار مقتدى من ساحة مقاومة الاحتلال الأمريكي، بقيت المقاومة السنية وحدها على أرض المعركة ضد الغزاة، بينما شاركت الجالية الشيعية، متأثرةً برجال الدين المواليين لإيران، في "الانتخابات الحرة"، تلك المحاكاة الساخرة التي دعت لها واشنطن والحكومة الدمية لإياد علاوي.

وانتهى حلم اشتراك السنة والشيعة في الكفاح في صف واحد ضد الغازي الأمريكي، ليظل العراق منقسم ومحتل، حيث يتحدث كل طرف لغة مصالحه الخاصة.

 

"كتائب" إيران

وكما يقول بعض العراقيين ذوي الخبرة والحكمة: في اليوم الذي فضل فيه الغزاة الأمريكيون الطائفة الشيعية على السنية، أرسوا قواعد الحرب الأهلية، التي تثيرها الآن كتائب الموت التي تديرها CIA، والتي تتشكل من بِنى الحكومة الشيعية الموالية لإيران.

وتشير الاستخبارات السنية إلى أن كتائب الموت تتخلل (أو تتنكر في) أجهزة الأمن التي تديرها وزارة الداخلية العراقية، والتي تسيطر على أنشطتها تشكيلات سياسية دينية شيعية توالي النظام الإيراني، مثل الدعوة والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق.

وتوجد تلك المنظمات تحت قيادة رجال الدين والزعماء الشيعة، مثل "السيستاني"، الذين تعاونوا مع الغزو الأمريكي والذين يشكلون اليوم غالبية الحكومة العراقية الموالية للاحتلال.

وتثير تلك الكتائب، التي ترتبط مع إيران بعلاقات مباشرة، والتي يتم تجنيدها من بين الميليشيات الشيعية المسلحة ويتولى تدريبها ضباط أمريكيون و"إسرائيليون"، نزاعًا مسلحًا مع المقاومة السنية الأصل والتي تضم أعضاء سابقين في حزب البعث وأجهزة الأمن لنظام صدام حسين السابق.

وقد تم تشكيل تلك الأجهزة غير القانونية من أجل القيام بمهمة مطاردة زعماء وقادة وتشكيلات المقاومة السنية وحزب البعث وتصفيتهم "بشكل انتقائي" من خلال عمليات خفية مشابهة للنهج الذي يمارسه الجيش "الإسرائيلي" في فلسطين والشرق الأوسط.

وترتبط هذه الجماعات مع CIA والموساد والمخابرات البريطانية بعلاقات مباشرة، تلك الصلات التي ترجع إلى عصر المعارضة العراقية في المنفى، حيث كان المجلس الأعلى للثورة الإسلامية ومنظمات دينية شيعية أخرى يعملون جنبًا إلى جنب مع المخابرات اليهودية-الأمريكية من أجل إسقاط أو اغتيال صدام حسين.

ولقد كان لتحالف "المعارضة العراقية في المنفى"، الذي كانت تموله CIA ووزارة الخارجية الأمريكية، قدمًا في واشنطن والأخرى في طهران، حيث كانت تكمن مهمته في اغتيال صدام وإعداد المنطقة للغزو العسكري الأمريكي.

وقد كانت القواعد الفعالة واللوجيستيكية لذلك التحالف تعمل في الولايات المتحدة ولندن في آن واحد، وكان من بين أبرز زعمائه رئيس الوزراء السابق "علاوي"، و"الشخصية المفضلة" السابقة لدى البنتاجون "شلبي"، والسيستاني نفسه، الذي يمثل ذيل النظام الإيراني في العراق.

وتتمثل وظيفة ومهمة تلك الجماعات اليوم، التي تمت صياغتها الآن في "كتائب الموت"، في مطاردة واغتيال مقاتلي السنة وإثارة جو "الحرب الأهلية" من خلال مهاجمة مؤسسات ومراكز دينية شيعية، تلك الهجمات التي تتم نسبتها عقب ذلك للمقاومة السنية.

ففي تنفيذ لذلك الهدف عملت تلك الكتائب للمرة الأولى يوم 22 فبراير الماضي، حيث قامت بشن عملية تصفية خاطفة للسنة عقب تدمير مسجد شيعي، تلك العملية التي شملت عمليات اختطاف وتعذيب.

إلا أن خطة سياسيي ورجال الدين الشيعة للهيمنة على العراق من خلال حكومة أصولية موالية لإيران والتزود بالقنبلة النووية سوف تقودهم لزيادة الاصطدام يومًا تلو الآخر مع مصالح المحور الصهيوني واشنطن-تل أبيب، حيث يصطدم النظام الديني الإيراني الآن ببساطة، بسبب مشروعه لتطوير برنامجه النووي وتسليح "إمبراطوريته الإسلامية" في المنطقة، مع حياة شركائه السابقين في غزو العراق، "إسرائيل" وواشنطن، اللذين يرون هيمنتهم الإمبريالية في الشرق الأوسط مهددة.

وكما أسقط صقور البيت الأبيض صدام عقب استغلاله في حرب من أجل الاستيلاء على النفط الإيراني، فسوف يسقطون الآن النظام الديني الإيراني من أجل إصابة عصفورين بطلقة واحدة: القضاء على مركز الأصولية "المعادية للصهيونية" ومحاولة السيطرة في الوقت ذاته على النفط الإيراني من خلال حكومة حليفة تضم "إصلاحيين" مناهضين للنظام الديني.

وفي الطرف الآخر من طاولة اتحاد رجال الدين الإيرانيين مع غزاة العراق، تحتفظ الولايات المتحدة، في تناقض انفصامي، بخطة عسكرية معدة من أجل القصف "الوقائي" للمعامل النووية الإيرانية.

وهكذا، فنحن بصدد "الألوان" التي لا يراها منتهجو سياسة التحليل "كأبيض وأسود".

 



مقالات ذات صلة