وبعد أن حوّل الشنقيطي الخائن ابن عمار الذي أنقذ بخيانته الوجود الصليبي بأكمله في بلاد الشام من الدمار في فجر وجوده إلى بطل ورمز فريد بالكذب والتزوير ، بدأ في ص 156 الحديث عن أحد وجهاء حلب ويُدعى ابو الفضل بن الخشاب (الميت سنة 519 هجرية 1125م ) فسلب الشنقيطي البطولة والفضل من أمير ماردين إيلغازي بن ارتق بطل معركة ساحة الدم " البلاط " وحوّلها لصالح ابن الخشاب.
وكان الشنقيطي قد مهّد في مقدمة كتابه " أثر الحروب الصليبية على العلاقات السنية الشيعية " لهذا التزوير الفاضح والكذب المقيت فقال في مقدمته ص 17 ما نصه : ( وقد بيّنّا في الفصل الثالث المعنون: " اكتشاف وحدة المصائر : السنة والشيعة الإمامية في مواجهة الفرنجة " أن أهل السنة والشيعة الإمامية واجهوا الصليبيين صفاً واحدا في المجمل ، على عكس ما يُذاع في الجدل الطائفي اليوم. وقدّمنا نماذج من ذلك ، منها مقاومة طرابلس حصار الصليبيين لها عدة سنين بقيادة الأمير الإمامي فخر الملك بن عمار ودعم القادة السنة في دمشق وحمص، وتعبئة القاضي الإمامي ابي الفضل بن الخشاب جيشاً سنّياً تركياً من ماردين إلى معركة سرمدا أو " حقل الدم " الحاسمة ضد القوات الصليبية ، ثم استدعاؤه الأمير السنُّي آق سنقر لاستلام حلب من أيدي الأمراء العاجزين).
وفي ص 157 - 158 يتحدث الشنقيطي عن التهديد الصليبي لحلب التي اصبحت مطوقة من جانب الصليبيين وعلى وشك السقوط في قبضتهم وذهب الكثير من اهل حلب الى بغداد يستنجدون بالخليفة العباسي والسلطان السلجوقي وكان ضمن هؤلاء المستنجدين بالخليفة والسلطان " رجل من الأشراف الهاشميين من أهل حلب..." والمصادر لم تذكر البتة اسم هذا الشريف ولا عقيدته. لكن الشنقيطي يستنتج في ص 159 من عبارة "رجل من الأشراف" انه شيعي بدون أي سند او دليل تاريخي. وهذا هو الهوى ولا شيء غيره.
يقول الشنقيطي في استنتاجه ما نصه : ( لم يحدد المؤرخون العرب بوضوح هوية أعضاء الوفد الحلبي الذي جاء الى بغداد مستنجدا، لكن ابن القلانسي ذكر أن رجلاً من الأشراف - أي أنه منتسب إلى آل البيت النبوي - كان يقود الوفد. وهذا مؤشر قوي على أنه من أسرة بني زهرة ، وهي عائلة من نبلاء الشيعة في حلب احتكرت التمثيل السياسي لآل البيت لدى حكام حلب على مدى قرون) .. ولا أظن الأشراف يقبلون هذا الاستنتاج من الشنقيطي بدون نص من مصدر تاريخي.
وقبل الحديث عن ما جرى في معركة ساحة الدم نعطيكم لمحة عن بطل هذه المعركة إيلغازي بن أرتق. فهو ابن القائد أرتق بن اكسب من التركمان ، وكان من كبار قادة السلطان ملكشاه واسهم في فتح الأناضول وهو جد الأراتقة الذين حكموا في حصن كيفا وماردين وخرتبرت ومناطق أخرى في أعالي الجزيرة.
وكان ابنه إيلغازي مع اخيه سقمان بن أرتق يحكمان القدس حين وصلت الحملة الصليبية الى انطاكية في بلاد الشام.
واستغل الوزير الفاطمي الأفضل انشغال القوى السلجوقية الممزقة بحصار الصليبيين لأنطاكية ومحاولة انقاذها فجاء من مصر بجيش كثيف وحاصر الاراتقة في القدس ونصب عليها أربعين منجنيقاً ودك أجزاء من سورها بالمنجنيقات . ولم يكن بمقدور سقمان وأخيه إيلغازي الصمود في القدس فسلماها للأفضل في شعبان سنة 491 هجرية أي بعد سيطرة الصليبيين على أنطاكية مباشرة . ونزح الأخوان نحو الجزيرة وسيطر سقمان على ماردين. ولما أراد الزعماء الصليبيون التوسع في منطقة الجزيرة تحالف سقمان مع أمير الموصل التركي جكرمش والتقوا بالصليبيين في معركة حرّان سنة 497 هجرية وانزلوا بهم هزيمة ساحقة وأسروا بلدوين لي بورج أمير الرها الصليبي وجوسلين أمير تل باشر وفرّ بوهمند أمير انطاكية وابن اخته تانكرد من ميدان المعركة الى أنطاكية.
وإذا كان إيلغازي انقذ حلب سنة 513 هجرية فلأنه عاصر الحروب الصليبية من بدايتها وأدرك خطر الصليبيين وكان يطمح ان يضم حلب الى ماردين التي ورثها بعد موت أخيه سقمان ، كما أنه ادرك أن سيطرة الصليبيين على حلب سيجعلهم يفصلون بين ثلاثة بلدان من بلاد المسلمين فصلاً تاماً هي فصل أسيا الصغرى عن العراق وعن الشام.
وقد طوق الصليبيون حلب. وادرك اهل حلب بمن فيهم ابن الخشاب أن استيلاء الصليبيين على مدينتهم تعني لهم - على الأقل - القتل الذريع والنهب المريع والسبي والهتك للنساء والأطفال وبيعهم في أسواق الرقيق وقد اقترف الصليبيون في المعرة والقدس وقيسارية في فلسطين وغيرها أكثر من هذا الافتراض . كما ادرك اهل حلب انه لا جدوى من الاستنجاد ببغداد في ضوء تجربتهم السابقة معها.
فاستنجدوا بإيلغازي أمير ماردين. وقد تحدث الأستاذ الدكتور سعيد عبدالفتاح عاشور بالتفصيل عن إيلغازي ومعركة ساحة الدم في الجزء الأول من كتابه : الحركة الصليبية من ص 515 حتى ص 522 وليس فيها البتة حتى ذكر إسم ابن الخشاب. ولكن سأنقل لكم هنا اقتباسات من كتاب رنسيمان : الحركة الصليبية ج 2 تثبت وتبرهن ان الذي قام بجمع الجيش وتعبئته وقاده بنفسه وخاض به المعركة هو إيلغازي وليس ابن الخشاب حسب زعم الشنقيطي في مقدمته.
قال رنسيمان ج 2 ، ص 234 - 235 ما نصه: ( على أن مدينة حلب المنكودة الحظ اضحت بالغة العجز عن منع اعتداء الفرنج ، منذ انتصار روجر أمير أنطاكية في تل دانث ، إذ وضعت نفسها على كره منها تحت حماية إيلغازي الأرتقي غير أن استيلاء روجر على البزاعة سنة1119م " = 513 هجرية " أدى إلى تطويق حلب من ثلاث جهات ، فإن ضياع البزاعة كان خسارة ليس بوسع إيلغازي أن يتحملها...).
وسأنقل لكم هنا شرح رنسيمان لكيفية حشد إيلغازي جيشه الأمر الذي ينسف بالكلية قول الشنقيطي الآنف الذكر ان ابن الخشاب هو الذي قام بتعبئة ذلك الجيش التركي السني من ماردين.
قال رنسيمان ج 2 ص 236 ما نصه : وفي أثناء ربيع 1119م ، طاف إيلغازي بأملاكه ، يحشد عساكره من التركمان ، ويتجهز لاستقبال ما يقدم عليه من الكتائب المؤلفة من الكرد النازلين بالشمال ، ومن القبائل العربية الضاربة ببادية الشام. وراى إيلغازي من الناحية الشكلية ، ان يطلب المساعدة من السلطان محمود ، غير أنه لم يتلقّ ردا عل طلبه. غير ان حليفه طغتكين وافق على أن يقدم عليه من دمشق ، ووعد بنو منقذ امراء شيزر ، بأن يحملوا روجر امير أنطاكية على الانصراف الى جهة أخرى ، بأن يزمعوا على مهاجمة الاطراف الجنوبية لممتلكاته. وفي نهاية شهر مايو زحف جيش الاراتقة الذي بلغ عدده ،فيما يقال ، أربعين ألفا من الجند الاشداء.
وحدثت المعركة قبل ان يتلقى روجر المساعدات من جانب ملك بيت المقدس وأمير طرابلس. فقد طوق إيلغازي بجيشه جيش انطاكية الذي لا يزيد عن خمسة آلاف بقيادة روجر وأباده بأكمله وقتل روجر. وغنم المسلمون كل ما كان مع جيش روجر ودخل إيلغازي حلب وتسلمها واحتفل فيها بانتصاره.
ولن يستطيع الشنقيطي تزوير وتحريف حقائق هذه الواقعة لأنها موثقة مسجلة في المصادر العربية والصليبية القديمة وفي دراسات ورسائل حديثة يصعب سردها او حصرها.
ولكن ما كتبه الشنقيطي عنها مزورا للحقائق تبين تعصبه للشيعة الإمامية ومحاولته اختراع أدوار بطولية لبعض شخوصها ، في ميدان الجهاد زمن الحروب الصليبية بهدف إيجاد شرعية تاريخية لنظام خميني.
هذه الفترة (فترة تهديد حلب ونجدتها من جانب إيلغازي وآقسنقر البرسقي) التي تحدث عنها الشنقيطي فترة تدهور وتمزق وانحسار للمسلمين ، وتوسع مستمر للصليبيين في بلاد الشام ، وميزان القوى كان يميل بصورة كبيرة لصالح الصليبيين ، والدليل على هذا ، الجيش الذي جاء به إيلغازي ، فهو ليس جيشه الخاص بل جمعه من الكرد والعرب ومن التركمان الذين كانوا لا يخضعون إلا لمقدميهم " فلكل جماعة أوعشيرة تركمانية مُقدّم يأتمرون بأمره " وهذه حقيقة يعرفها كل دارس لتاريخ ظهور السلاجقة. والدليل أيضا انه بعد إبادة جيش روجر أمير أنطاكية وقتله أصبحت هذه الإمارة بلا جيش ولا أمير، ولو كان الجيش منظماً وتابعاً لإيلغازي لأستطاع فتح أنطاكية ، لكن تلك الجماعات التي جاءت مع إيلغازي اكتفت بما حصلت عليه من غنائم في نصر سريع في ساحة الدم "سرمدا " ، وعادت إلى بلادها. والدليل الأخير أنه لم يبق مع إيلغازي إلا قوته الخاصة ولذلك هُزِمَ أمام الصليبيين في معركة هاب في السنة نفسها التي حدثت فيها معركة ساحة الدم ، وبعدها بأسابيع رغم أن أمير دمشق طغتكين انضم بقواته الى إيلغازي في هذه المعركة ، انظروا رنسيمان ج2 ص 243 - 244 . ولم يتم تحقيق توازن القوى بين المسلمين والصليبيين إلا بعد ظهور عماد الدين زنكي بسنوات وبذله جهودا مضنية في سبيل توسيع مملكته بضم سنجار وحران ونصيبين وحلب وحمص وحماة وبعلبك وغيرها من البلاد ، وبناء جيش منظم يتبعه مباشرة يستطيع الوقوف طويلا أمام المدن الحصينة - مثل الرها - حتى يفتحها.
وهذه حقائق يجهلها الشنقيطي لأنه لا يريد معرفتها ، فهو يسعى لتحريف وتزوير حوادث صغيرة تافهة لا قيمة لها البتة في عملية الجهاد والاسترداد ضد الصليبيين بهدف إيجاد شرعية جهادية للشيعة الإمامية حتى تتكئ عليها الخمينية الحالية في هجمتها المدمرة على العالم الإسلامي.
والآن : سأعرض عليكم تعليق الشنقيطي على هذه الفترة( فترة استنجاد أهل حلب بإيلغازي ثم بآقسنقر البرسقي) ثم أعرض تعليق الأستاذ الدكتور سعيد عبدالفتاح عاشور رحمه الله على الفترة نفسها الذي ينسف تعليق الشنقيطي من أساسه.
قال الشنقيطي في صفحة 162 ما نصه : ( وتدل هذه الأحداث على تلاحم سُنّي إمامي صلب ضد الصليبيين وضد الحشاشين ، تجاوز خطوط الطائفية خدمة للمصير المشترك ، فوجود القائد الشيعي ابن الخشاب وابن بديع في خندق واحد " ابن بديع كان قائداً لشرطة حلب " يدل على مستوى عميق من الانسجام بين السنّة والإمامية في حلب فرضه تحدِّي الصائل الفرنجي ، والنخر الباطني الذي كان يمثله الحشاشون آنذاك).
ثم يقول الشنقيطي ص 164 ما نصه : (ولولا روح الوحدة والتعاضد بين السنة والشيعة الإمامية لما كان ذلك النصر المؤزر " معركة ساحة الدم ، او سرمدا " الذي رفع معنويات المسلمين بعد عقدين من الهزيمة والانكسار أمام اندفاعة الفرنجة الأولى). إنه لا يعرف انتصارات كمشتكين بن دانشمند على ثلاث حملات صليبية كبرى في الأناضول سنة 494 هجرية / 1101م ، ولا انتصار سقمان بن أرتق وجكرمش على الصليبيين في معركة حران وأسر أثنين من كبار قادتهم التي أشرنا إليها سابقا.
أما تعليق الدكتور سعيد عاشور على هذه الفترة فهو قصير جدا لكنه ينسف أكاذيب الشنقيطي السابقة نسفاً كلياً. قال رحمه الله ما نصه : ( وهكذا لعب الصليبيون دورهم بمهارة في تفرقة صفوف المسلمين ، وضرب العرب بالأتراك ، والشيعة بالسنة ، لإضعافهم جميعاً ).
والآن أعرض لكم قمة من قمم الكذب والتزوير التاريخي التي لم أرها في كتاب تاريخي من قبل:
يقول الشنقيطي ص 164 ما نصه : ( ثم تكرر مسار مشابه لمسار سرمدا " سرمدا اسم المكان الذي وقعت فيه معركة ساحة الدم حسب بعض المصادر العربية ومصادر أخرى تُسمي المكان البلاط " عام 518 هجرية1125م حينما حاصر ملك بيت المقدس الفرنجي بالدوين مدينة حلب مدعوماً بحلف عريض من الصليبيين والمرتزقة المسلمين. وهو أسوأ حصار شهدته حلب خلال الحقبة الصليبية كلها ) ثم يعرض الشنقيطي نصاً من ابن العديم يوضح أن اهل حلب أكلوا الكلاب الميتات.
لكن دعونا نتوقف هنا ونسأل المزور الشنقيطي من هم المرتزقة المسلمين؟؟؟؟؟ ولماذا لم يذكرهم بالإسم؟؟؟؟
وانا سأجيبكم : إنهم ألوف مؤلفة من الشيعة الإمامية الذين جاءوا من العراق مع زعيمهم دبيس بن صدقة بن مزيد صاحب الحلّة في العراق٠ فقد استقبل ملك بيت المقدس الصليبي بلدوين سفارة من دبيس بن صدقة تعرض عليه التحالف مع دبيس وشيعته الإمامية لاحتلال حلب ويصبح دبيس نائبا للصليبيين بها. واستغل بلدوين هذه الفرصة السانحة فوافق على عرض إمامية العراق ، وانضم إليه أيضا سلطان شاة بن رضوان ملك حلب الذي انتزع الاراتقة حلب منه وسجنوه وتمكن من الفرار من سحنه ولجأ الى بلدوين وبعد ابرام الاتفاق بين مبعوثي دبيس بن صدقة وبلدوين جاء دبيس بجموعه من الشيعة الإمامية واتحدت قواته مع قوات بلدوين وبقية قوات الإمارات الصليبية وزحفوا جميعا نحو حلب . وهنا اخفى الشنقيطي إسم أسلافه في المذهب الإمامي وسماهم المرتزقة لانه لا يريد معرفة القارئ للمزيد من خيانات هؤلاء القوم كما لا يريد التشويش على الصورة البطولية التي يقوم برسمها بمبالغة عجيبة لإبن الخشاب . انظروا التفاصيل في : د. سعيد عاشور ، ج 1 ص 534 - 535وانظروا أيضا رنسيمان ج 2 ص 275 - 276.
ويقول الشنقيطي في ص 164 ما نصه : ( وقد أعاد ابن الخشاب مآثرته السياسية أثناء هذا الحصار المرير فبعث وفدا - من ضمنه جدّ المؤرخ ابن العديم يستنجد بأمير الموصل السني التركي آق سنقر البرسقي يستحثه على انقاذ حلب قبل السقوط ).
والحق ان المصادر اجمعت على ان اهل حلب هم الذين ارسلوا يستنجدون بالبرسقي وليس ابن الخشاب وحده ولكن الشنقيطي يصر على ذكر ابن الخشاب ويجعلها مأثرة له وحده متناسيا ان حلب حينذاك كانت تابعة للأمير تمرتاش بن إيلغازي بن أرتق. الذي ذهب الى ماردين وترك لنوابه في حلب وعسكره مهمة حماية المدينة. ومتناسيا ان ابن الخشاب من أهل حلب وفيها اسرته وسلالته ، ومن الطبيعي ان يشارك اهل حلب الخوف من مصير جارتهم المعرة التي أباد الصليبيون سكانها بل وطبخوا وشووا بعض الجثث وأكلوها.
وقد لبى آقسنقر الدعوة فجاء بجيشه لإنقاذ حلب. ولما اقترب آقسنقر من حلب خاف بلدوين وحلفائه ( فتفككت عُرى حلف الفرنجة والمرتزقة المحاصر لحلب ) كما قال الشنقيطي ص 165 ولم يذكر حشد الشيعة الإمامية بقيادة دبيس وإنما أعاد تسميتهم بالمرتزقة كما فعل في الصفحة السابقة.
فهل شهدتهم مثل هذا التزوير؟؟؟؟؟؟؟؟
والحق أنه توجد ترجمة مفصلة عن آقسنقر البرسقي في عشر صفحات كاملة في كتاب " بغية الطلب في تاريخ حلب " لابن العديم. ج 4 ص 528 - 537 . من منشورات معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية ، في المانيا ، التي أشرف على نشرها فؤاد سزكين. سنة 1409 للهجرة/ 1989م. وهذه الترجمة المفصلة - التي لا يوجد مثلها في مصدر - آخر تُبين أن ابن الخشاب ليس هو صاحب الفضل في استدعاء البرسقي وأنه مجرد عضو صغير في وفد كبير من أعيان ووجهاء حلب ذهبوا أولاً إلى ماردين مستنجدين بأمير حلب تمرتاش بن إيلغازي. ولما خذلهم ذهبوا إلى الموصل لطلب النجدة من البرسقي.
وبعد أن زوّر الشنقيطي كثيرا من الحقائق كما راينا. وجعل الفضل في حماية حلب وانقاذها من السقوط سنة 518 هجرية إلى ابن الخشاب ، ذكر في ص 166 قصة اغتيال آقسنقر البرسقي في جامع الموصل سنة 520 هجرية. وغاب عنه - أو تعمّد إغفاله - أن آقسنقر البرسقي عاش بعد وفاة ابن الخشاب سنة 519 هجرية/ 1125م اكثر من سنة وعاد إلى الشام لجهاد الصليبيين مرتين ، واعترف بزعامته أشهر أمراء الشام المستقلين في ذلك الحين وهو طغتكين صاحب دمشق ، و بعد وصوله في المرة الأولى هاجم إمارة أنطاكية الصليبية وانتزع منها مدينة كفرطاب فاستنجدت أنطاكية بملك بيت المقدس بلدوين الثاني فهب لنجدتها ومعه أمير طرابلس بونز بقواته وأمير الرها جوسلين دي كورتناي والتقوا بآقسنقر البرسقي عند عزاز وهزموه. ثم وقّع الطرفان على هدنة احتفظ بموجبها آقسنقر البرسقي بكفرطاب التي انتزعها من أنطاكية وعاد إلى الموصل بعد أن ترك في حلب حامية لحمايتها.
واستغل بلدوين الثاني رجوع آقسنقر البرسقي إلى الموصل وشدد الضغط على القوى الإسلامية الممزقة في بلاد الشام بهدف التوسع على حسابهم أكثر وأكثر فهاجم طغتكين في دمشق وأنزل به الهزيمة ، ثم حاصر الصليبيون حمص واحتلوا رفنية فاستنجدت تلك القوى الهزيلة بآقسنقر البرسقي مرة أخرى فنهض البرسقي بقواته للمرة الثانية - بعد موت ابن الخشاب - ومعه في هذه الأخيرة ابنه عزالدين مسعود ، فأرسل ابنه مسعود بفرقة عسكرية لصد الصليبيين عن حمص ، وسار هو ببقية عسكره نحو إمارة أنطاكية وهاجم الأثارب التابعة لها. عندئذ أرسل بلدوين الثاني ملك بيت المقدس إلى آقسنقر البرسقي يعرض عليه الهدنة وأن يعيد الصليبيون رفنية إليه ، فوافق آقسنقر البرسقي على العرض وعاد بقواته إلى الموصل فوصلها في يوم الجمعة التاسع من ذي القعدة سنة 520 هجرية/الموافق 26 نوفمبر 1126م. وذهب فورا إلى جامع الموصل الكبير لاداء صلاة الجمعة فاغتالته عصابة من عشرة أشخاص من الباطنية بخناجرهم أثناء مسيره إلى المنبر لسماع خطبة الجمعة.
انظروا تفاصيل أكثر عن هذه الحوادث : د. سعيد عاشور ؛ الحركة الصليبية ج 1 ص 536 - 539 . والمصادر التي اعتمدها عاشور هي: ابن الأثير ؛ وزبدة الحلب لأبن العديم ؛ وابن القلانسي " بالإضافة إلى المراجع الغربية.
وقد أوردت لكم هذه المعلومات التي أغفلها الشنقيطي لأنه يريد القيام بأكبر عملية تزوير وكذب في الكتاب لينطلق منها إلى أفدح تشويه ، يقترفه ، لسيرة المجاهد العظيم العادل نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي بن قسيم الدولة أقسنقر الحاجب ( المتوفى سنة 487 هجرية. أي أن جد نور الدين الحقيقي مات قبل اغتيال آقسنقر البرسقي ب ثلاث وثلاثين سنة ).
وإليكم ما كتبه الشنقيطي من كذب وتزوير فادح!!! : قال في ص 165 - 166 ( وكان دخول آق سنقر - البرسقي - إلى حلب فاتحة عصر جديد في المقاومة الإسلامية للحملات الصليبية. فقد أمَّن حلب من أي غزو فرنجي ، ومهَّد لتوحيد حلب والموصل مستقبلا تحت قيادة نجله عماد الدين زنكي ، وحفيده نور الدين محمود ، لكن خناجر النزاريين غدرت بهذا الرجل النبيل وهو في أوج مجده الجهادي ) .
وقبل أن أواصل النقد لهذا التزوير والكذب المفضوح دعوني أعطيكم لمحة مختصرة عن قسيم الدولة آقسنقر الحاجب والد عماد الدين زنكي ، وجد نور الدين محمود.
هو قسيم الدولة آقسنقر الحاجب بن عبدالله . وينتمي إلى آل ترغان من قبيلة الساب يو التركمانية. وكان آقسنقر - كما يقول ابن العديم في بغية الطلب - مملوكا للسلطان ملكشاة ومن المقربين إليه. وقد نشأ معه ورافقه في طفولته وصباه. ولما تولىّ ملكشاة عرش السلطنة سنة 465 هجرية اعتمد على آقسنقر في كثير من الأمور. وعندما جاء السلطان ملكشاة الى الشام سنة ٤٧٩ هجرية عهد بولاية حلب لصديقه آقسنقر الحاجب. ثم قتله تتش شقيق ملكشاة بعد معركة جرت بينهما سنة 487 هجرية أثناء الحرب الأهلية السلجوقية التي اندلعت بعد موت ملكشاة سنة 485 هجرية. انظروا ترجمة آقسنقر الحاجب في : بغية الطلب ؛ المصدر السابق ج 4 ص 516 - 526 وتبلغ تلك الترجمة احدى عشرة صفحة كاملة . وتتلوها مباشرة ترجمة آقسنقر البرسقي في عشر صفحات كاملة.
وحين مات آقسنقر الحاجب كان عمر ابنه زنكي احدى عشرة سنة فكفله كربوجا أمير الموصل. ولما بلغ سن الرشد أصبح عماد الدين زنكي جنديا محترفا في جيش الموصل. وكان ضمن جيش جكرمش أمير الموصل الذي تحالف مع سقمان بن أرتق امير ماردين وهزما الأمراء الصليبيين في معركة حرّان سنة 497 هجرية كما كان ضمن جيش مودود الذي هزم ملك بيت المقدس بلدين الأول في معركة طبرية ، التي تُسمى أيضا معركة الصنبرة. وفي هذه المعركة أبدي زنكي من ضروب البسالة والبطولة ماأثار إعجاب زملائه فلقبوه بلقب زنكي الشامي. وقد آثار انتباه سلاطين السلاجقة فولوه على ولاية البصرة ثم اسندوا إليه وظيفة الشحنة في بغداد وهي وظيفة تشبه وظيفة صاحب الشرطة. ولما أغتيل آقسنقر البرسقي سنة 520 ذهب وفد من أهل الموصل إلى السلطان السلجوقي وأشاروا عليه بتولية عماد الدين زنكي على الموصل فاستجاب لطلبهم وعينه على الموصل سنة 521 هجرية. ثم هدد الصليبيون حلب مرة أخرى فاستنجد أهل حلب بزنكي سنة 522 هجرية فسار إلى حلب وتسلمها وطرد الصليبيين من محيطها. وهذا الاستنجاد وتلبيته هو الذي غير مجرى الحروب الصليبية كما هو معروف. وكل التفاصيل عن زنكي وأبنائه وأسرته كلها تجدونها بالتفصيل في التاريخ المفصل الذي جعله المؤرخ ابن الاثير خاصا بتاريخ هذه الأسرة وعنوانه " التاريخ الباهر في الدولة الأتابكية " - والذي لم يعتمده الشنقيطي البتة –.
وبعد ذلك يبدأ الشنقيطي في تشويه صورة العادل نور الدين فيقول في ص 166 ما نصه : ( وحينما سيطر نور الدين على حلب عام 543 هجرية / 1146م ) - لاحظوا التاريخ خطأ فنور الدين سيطر على حلب بعد وفاة والده سنة 541 هجرية وليس سنة 543 – ( وهو حفيد الأمير المغدور آقسنقر - بدأ حملة تصفية شاملة ضد الشيعة الإمامية والنزارية على حد سواء ، وبدعم فقهاء سنة في حلب ، ألزم الشيعة في مساجدهم بتغيير الآذان في مساجدهم إلى الصيغة المعتمدة لدى أهل السنة ، كما نفى عددا من أعيان الشيعة الحلبيين بمن فيهم والد المؤرخ الحلبي يحيى بن أبي طيّ.قال أبو شامة : " فإن نور الدين رحمه الله تعالى كان قد أذلّ الشيعة بحلب وأبطل شعارهم وقوّى أهل السنة وكان والد ابن ابي طيّ من رؤوس الشيعة فنفاه من حلب").
فأين التصفية الشاملة التي قام بها نور الدين أيها الأفاك الأثيم حين تصفه بهذه العبارة الحقودة الباغية؟؟؟؟ لماذا لم تذكر القتلى الذين قتلهم نور الدين من الشيعة والمذابح التي أجراها فيهم؟؟؟؟؟؟؟ فلا توجد تصفية البتة. فالتصفية الشاملة هي التي تشبه ما قام به واقترفه أسيادك الخمينيين في العراق ضد أهل السنة في ديالى وفي مدن الانبار وفي الموصل وغيرها. وتشبه ما فعلوه في سوريا في الزبداني القصير وحمص وحماة وحلب والمعرة ومدن الغوطة وغيرها.
وفوق هذا وذاك جعلته يقوم بهذه المزاعم الكاذبة التي تسوقها ثأراُ وانتقاما لمقتل جد لا صلة نسب له به البتة ، وكررتها كثيرا في كتابك - كما سنرى - . ولاغرابة في ذلك فدينك ودين أسيادك الخمينيين كله مبنيُ على الكذب.
قناة حركة التاريخ
للأستاذ : الدكتور / علي محمد عودة الغامدي