داود البصري
يدور في العراق اليوم همس حائر، لأصوات مسموعة حول نية الإدارة الأمريكية، وهي في شهورها الأخيرة، إحداث تغييرات نوعية في قلب المعادلة الداخلية العراقية، وإدارة أمور ملف الصراع العراقي الداخلي نحو طرق ونهايات مختلفة عن المعالجات السابقة! وبما سيصحح الأوضاع العراقية المعوجة التي وصلت أحوال العراق خلالها وبعدها لطريق مسدود من الاحتقان الطائفي والفشل الحكومي والتخبط في مختلف المجالات.
وتتحدث أطراف داخلية وخارجية عراقية عديدة عن وصفة أمريكية عاجلة لحزمة متغيرات إصلاحية قادمة ستشمل منع الميليشيات الطائفية وحظر نشاطاتها وسحب المظاهر المسلحة من الشارع العراقي! وهو ما يعني ضمنا الصدام مع النظام الإيراني علنا فوق الأرض العراقية، ولعل انسحاب المرجعية الدينية الشيعية من العمل السياسي الداخلي، كما أعلن الناطق بلسان السيستاني يعني فيما يعني بأن تلك المتغيرات القادمة قد تمت تهيئة الأرضية والمناخ المناسب لها!، ولكن بين التحركات والأجندات الأمريكية الغامضة، ومثيلتها الإيرانية الواضحة تبدو الأوضاع العراقية متأرجحة، وتبدو الحكومة العراقية من خلال رئيسها العبادي متذبذبة، حائرة، ولربما تعيش في منزلة بين المنزلتين، فلا هي قادرة على الوقوف بوجه الإرادة الأمريكية إن قرر الأمريكان شيئا؟ ولا هي تستطيع مقاومة ومعارضة الأوامر الإيرانية إن صدرت!
لذلك كان حديث وخطاب حيدر العبادي في مؤتمر ميونخ الأمني الأخير حول شرعية الحشد الطائفي مع استثناء بعض الجماعات المنفلتة فيه!! هو موقف وسطي لا يقتل الراعي ولا يفني الغنم! ولا يقيم الدنيا الطائفية في العراق ضده في وقت هو وغيره ليس على استعداد لمواجهتهم ميدانيا!، فليس سرا أن الميليشيات المسلحة هي من تهيمن على مراكز السلطة الحيوية في العراق؟ فالأجهزة الأمنية والعسكرية تحت تصرفهم بالكامل، ووزارة الداخلية العراقية هي وزارة ميليشياوية بامتياز تأخذ أوامرها ونواهيها من الحرس الثوري الإيراني!! فالوزارة من حصة جماعة (بدر) وهي تنظيم تابع للحرس الثوري يقوده هادي العامري العميد في ذلك الحرس! كما أن وزير الداخلية محمد الغبان هو أحد المقاتلين السابقين في الحرس الثوري الإيراني ضد الجيش العراقي في ثمانينيات القرن الماضي!! إضافة إلى السيطرة العسكرية الواسعة للمدعو أبو مهدي المهندس، القائد الفعلي والميداني لحشود الحشد الطائفي وهو مطارد أمريكيا وكويتيا ومحكوم بالإعدام غيابيا في دولة الكويت!! ولم تسقط التهمة عنه حتى اليوم؟
إذن في ظل المعطيات السابقة فإن أي تغيير فعلي يمكن للولايات المتحدة فرضه في العراق لابد أن يرافقه حالة مواجهة وصدام عسكري مع الجماعات الطائفية المسلحة، وبما يعني مواجهة غير مباشرة مع النظام الإيراني!! وهو سيناريو لا أعتقد أن الأمريكيين يتلهفون أو يسعون لحدوثه في العراق في الوقت الراهن لأنه سيخلط الأوراق بشكل كبير على مستوى إدارة ملفات الصراع في الشرق القديم بأسره! والميليشيات تعلم بتلك الحقيقة وتتقوى تحت ظلال التناغم الأمريكي/ الروسي في الحقبة الراهنة على الأقل أي في الشهور الأخيرة من حكم الرئيس أوباما!، لذلك فجميع أطراف الصراع في العراق تحتشد وتتهيأ وتحفر خنادقها، وتؤسس مواقعها تمهيدا لمواجهات مستقبلية، ربما لن تكون حتمية ولكنها ضرورية لصياغة أوضاع جديدة!
حجم الخراب في العراق مريع ومأساوي وأي محاولة للإصلاح والتغيير لابد أن تصطدم بحيتان الفساد وبمافيا السلطة الطائفية وبمواقع متفجرة عديدة، تبدو الأجواء الإقليمية غير مناسبة لها حاليا، ولكن ثمة حقيقة مركزية تتمحور حول استحالة تطبيق أي متغيرات ما لم تتم المباشرة بإجراءات صعبة على الأرض وأهمها حظر الميليشيات وتجريدها من أسلحتها ومطاردتها بل وتفعيل المذكرات القانونية باعتقال قادتها كأبي مهدي المهندس مثلا!!، وهو أمر يعتمد تماما على حلحلة الملف السوري! فالتقدم في ذلك الملف عبر إزاحة النظام السوري يعني تلقائيا انهيار الجماعات المسلحة في العراق، والتي لن تترك الساحة أبداً من دون مواجهة عسكرية حتمية لكون مشروع تأسيس وإقامة (الحرس الثوري) بنسخته العراقية قد وصل لمرحلة الحصاد وقطف النتائج. وحدها الولايات المتحدة تستطيع عرقلة ذلك المشروع الإيراني/ الطائفي. فهل تفعلها فعلا وتطارد قادة الميليشيات ليستطيع التغيير الداخلي الفعلي أخذ مداه؟. أم أن العملية بأسرها مجرد بالونات اختبار لوضع عراقي يقف على حافة البركان..؟ هذا ما ستكشفه الأيام المقبلة؟
المصدر : نوافذ