دونالد ترمب والعصا الخادعة

بواسطة تلفزيون سوريا قراءة 763
دونالد ترمب والعصا الخادعة
دونالد ترمب والعصا الخادعة

حسن النيفي

شاعر وكاتب سوري

لا جديد في الحديث عن المبالغة في قسوة العصا الأميركية التي تلوّح بها تجاه إيران، منذرةً تارةً، ومهدّدةً تارة أخرى، إلى درجة بات يتخيّل بها كثيرون أن دونالد ترمب ليس إلّا ذلك الوحش المتحفّز الذي يوشك أن ينقضّ على طهران في أيّة لحظة، وهذا بالفعل ما يحاول الإعلام الأمريكي تعزيزه في الأذهان.

إلّا أن المتتبّع لتاريخ العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية، وإيران – في ظل حكم الملالي – يجد أن إيران هي الدولة الوحيدة – من جملة الدول المتمردة وفقاً للإعلام الأمريكي – التي ظلت بعيدة عن أي شكل من أشكال الاستهداف الأمريكي المباشر، وما العداء الأمريكي الاستراتيجي المزعوم لطهران سوى استراتيجية مزعومة، تحاول الحكومات الأمريكية المتعاقبة تعزيزها في أذهان شعوب المنطقة، ذلك أن واشنطن ليس لها عدو ثابت، فأعداء الأمس هم أصدقاء اليوم، ومن كان تصنيفه ضمن قوائم الإرهاب، قد يغدو حمامة سلام، فالعداء والصداقة – وفقاً للأمريكان – مقرونان على الدوام بمصلحة مادية آنية، وليس بأيّ وازع قيمي، مهما بلغ شأنه، فجميع مشتقات تنظيم القاعدة التي فرّخت وانتشرت من أفغانستان، إنما كانت نشأتها برعاية أمريكية، وبذريعة مقاومة وطرد الوجود السوفياتي من أفغانستان، وحزب الاتحاد الديمقراطي (pyd(، وهو الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني، والذي مازالت أمريكا تصنفه ضمن القوى الإرهابية في العالم، هو اليوم الحليف الأكثر قرْباً للولايات المتحدة، إلّا أنه يمكن القول، وبكل تأكيد، إن لدى أمريكا صديقاً استراتيجياً ثابتاً وحيداً لا يتغيّر هو "إسرائيل"، ولا صديق سواه.

 

ثمة شعاران يختزلان السياسة الأميركية الراهنة في الشرق الأوسط، الأول هو محاربة الإرهاب المتمثل بالتنظيمات الإسلامية المتطرفة، والثاني هو محاربة إيران

 

ثمة شعاران يختزلان السياسة الأمريكية الراهنة في الشرق الأوسط، الأول هو محاربة الإرهاب المتمثل بالتنظيمات الإسلامية المتطرفة، والثاني هو محاربة إيران، باعتبارها مصدر خطر على المصالح الأمريكية أولاً، ثم إنها مصدر خطر – أيضاً – يهدد أمن وسلامة الشرق الأوسط برمته. إلّا أن الترجمة العملية لتداعيات هذين الشعارين، تقوّض مصداقية ما تعلنه الإدارة الأمريكية من جهة، كما يدعو إلى إعادة النظر بمفهوم طبيعة ما هو (استراتيجي) بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى.

لم يكن وصول الخميني إلى السلطة عام 1979 باعث قلق كبير للأمريكان، وذلك على الرغم من جميع أطياف الخطاب الإعلامي الناري التي تفنّنت ملالي طهران في صياغته وتدبيجه، والذي قوبل – في الوقت ذاته – بريبة وقلق مصطنعين من جانب أمريكا و"إسرائيل" معاً، فعلى مدى أربعين عاماً من الحرب الإعلامية الحامية بين طهران من جهة، وأمريكا و"إسرائيل" من جهة أخرى، لم تصل هذه الحرب الكلامية الضروس إلى أي تجسيد فعلي على أرض الواقع، بل إن المسارات العملية للعلاقة بين الطرفين كانت تشهد تواؤماً باطراد.

رغبة إيران في الهيمنة الإقليمية، والتدخل في شؤون الدول الأخرى، والعبث بمصائر الشعوب، لم تك وليدة عهد ترمب، بل هي النهج الاستراتيجي لحكومة طهران، والتي اتضحت معالمها بعد وصول خميني إلى السلطة بشهور قلائل، إذ بدأ بحربه على العراق، تجسيداً لمفهوم (تصدير الثورة)، ولم يقبل بالانصياع لوقف الحرب إلّا عندما تجرّع (كأس السم) على حدّ تعبير خميني نفسه.

وعلى الرغم من كل ما قيل، ويقال، عن سياسة (الاحتواء المزدوج) التي كانت تمارسها واشنطن حيال العراق وإيران معاً، طيلة سنوات الحرب (1980 – 1988)، إلّا أن نهايات هذا الاحتواء كانت أحادية ولم تكن مزدوجة، أعني أنها كانت لصالح إيران، فعلى مدى ثماني سنوات من الحرب، لم تزوّد الولايات المتحدة الأمريكية العراق – وذلك على خلاف ما يقال – بأيّ سلاح نوعي، بل إن مجمل السلاح الذي حارب به العراق كان مصدره الاتحاد السوفياتي، بالإضافة إلى طائرات فرنسية الصنع، بينما لم تجد واشنطن – آنذاك – أيّ غضاضة من تزويد "إسرائيل" لإيران بالسلاح، ولا أعتقد أن صفقة (إيران كونترا) 1986، باتت خافية على أحد. وعلى أعقاب نهاية تلك الحرب، كان مطلوباً من الولايات المتحدة الأمريكية الإجهاز على أحد الطرفين المتحاربين، وبعيداً عن الأسباب المباشرة، (احتلال الكويت)، فقد كان خيار الأمريكان هو الانقضاض على العراق، وبعد حصار دام 12 عاماً، 1991 - 2003 أقدم بوش الابن على احتلال العراق عام 2003، ومن ثمّ تسليمه كاملاً للميليشيات الطائفية ذات المرجعية الإيرانية، وهكذا نالت إيران – بفضل السياسات الأمريكية – ما عجزت عن تحقيقه خلال ثلاثة وعشرين عاماً.

اليوم، ربما تبدو المفارقة أكثر إثارةً، حين ترتفع عقيرة ترامب ليل نهار، محذراً تارةً، ومهدّداً تارة أخرى، من الخطر الإيراني على شعوب المنطقة، بل وعلى الاستقرار والأمن العالميين، إلّا أن المراد أو الرادع الأمثل – بالنسبة إلى ترمب – هو التلويح بالعصا فقط، ليس إلّا لاستثمار الخطر الإيراني، كمصدر ابتزاز بجميع الأشكال، لدول المنطقة، وفي طليعتها دول الخليج، التي بات أمنها الوطني والإقليمي يصاغ وفق المصالح المباشرة للولايات المتحدة الأمريكية.

لعلّ الأكثر جرأةً على تكذيب ترامب، وفضْح بهلوانياته هي إيران ذاتها، وربما يبدو صحيحاً أن طهران هي في أمسّ الحاجة إلى تنشيط حالة العداء مع طرف خارجي، يسهم في امتصاص احتقان الداخل الإيراني، ويوجهه نحو العدو التاريخي الوهمي، إلّا أن مبادرتها لإسقاط طائرة أمريكية مسيّرة (بدون طيار) يوم 20 – 6 – 2019 ، قد فجّر لدى الرئيس ترمب نوازع إنسانية لم تك معروفة من ذي قبل، وهذه النزعة الإنسانية المباغتة للجميع هي التي منعتْ ترمب من الرد على العدوان الإيراني، لأن الرجل اكتشف أن ردّه العسكري سوف يودي بحياة ( 150 ) إيرانيا من المدنيين.

 

لقد جسّد، فيما مضى، وجود إيران ضرورة استراتيجية بالنسبة إلى أمريكا و"إسرائيل" معاً، كعامل استنزاف للأمن القومي العربي

 

ليس مهماً ما يبديه ترمب من مبررات في مهادنته لإيران، ووحشيته، بآن معاً، على العرب والمسلمين، بل الأهم من ذلك موقف حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة العربية، من حرص ترامب على أرواح المدنيين الإيرانيين، مقارنة بابتذاله للدم العربي، وهل تحتفظ ذاكرتهم بمقتل (400) من النساء والأطفال العراقيين بليلة واحدة أثناء القصف الأمريكي لملجأ العامرية ليلة 13 من شباط 1991، أو هل يذكرون مقتل (800) مدني بطيران التحالف في مدينة منبج خلال شهر آب 2016، منهم 220 خلال أقل من ساعة، ليلة 19 من تموز 2016؟ أو لم يروا أن ركام آلاف الجثث في مدينة الرقة هم من المدنيين العزّل وليسوا دواعش؟

لقد جسّد، فيما مضى، وجود إيران ضرورة استراتيجية بالنسبة إلى أمريكا و"إسرائيل" معاً، كعامل استنزاف للأمن القومي العربي، وحين أنجزت إيران هذه الغاية، أصبح وجودها يخدم استراتيجية لا تقل أهمية عن الأخرى، أحد تجلياتها استنزاف المال والكرامة العربية بآن معاً.

لا تبدو أعذار ترمب أو مبرراته في عدم استهداف إيران مفاجئة، بقدر ما تعزز استمراء حلفائه العرب للإهانة والإذلال، ذلك الإذلال الذي لم تكن تداعياته تطالهم وحدهم فحسب، بل يتطاير رذاذه القذر علينا جميعاً.

 

المصدر : تلفزيون سوريا

25/10/1440

28/6/2019

 



مقالات ذات صلة