أسرار وخفايا مكتب المرشد الأعلى للثورة والنظام الايراني
السبت 18 سبتمبر 2010
منذ نشوب أزمة الصراع بين أجنحة النظام الايراني و التي اندلعت عقب الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي جرت في 29حزيران العام الماضي ‘ والتي يتهم فيها جناح ما يسمى بالتيار الإصلاحي جناح المتشددين بتزوير نتائج تلك الانتخابات لصالح الرئيس الحالي احمدي نجاد المدعوم من المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي ‘ فقد اخذ الجناح الإصلاحي يطلق على مكتب المرشد أو ما يسمى بيت القيادة ‘ ‘تسمية " الغرفة الظلماء لرسم سياسة البلاد "، وذلك نتيجة تدخل موظفي مكتب المرشد في القضايا السياسة الهامة للبلاد عامة وتدخلهم المباشر في تغير نتيجة تلك الانتخابات خاصة.
ومقر مكتب مرشد الثورة أو ما يطلق عليه " بيت القيادة " ما هو إلا منظمة كبيرة تتألف من مجموعة مباني ومكاتب متصلة ببعضها البعض .وتقع المباني الرئيسية لمكتب المرشد في وسط العاصمة طهران ‘ بما فيها مباني المقر الخاص له. ويمتد مكتب المرشد على مساحة واسعة جدا ‘ فمن الشمال يقع على شارع "آذربيجان"، ومن الشرق على" شارع فلسطين " و من الجنوب على " شارع پاستور "ومن الغرب يتصل بشارع "خوش زبان" .
وتتصل بعض مباني مكتب المرشد‘ من الجهتين الشرقية و الجنوب الغربي ‘ بعدد من مباني الأجهزة الحكومية. فمن الشرق مثلا تتصل بالمبنى المركزي لمجلس الأمن القومي الايراني ‘ ومن جهة الجنوب تتصل بمكتب رئاسة الجمهورية ‘ ومن جهة الغرب تتصل بأحد المباني التابعة للرئاسة .
يتولى مسؤولية حماية مكتب المرشد الأعلى وحدة خاصة من الحرس الثوري تسمى "حرس ولي الأمر" وتنتشر هذه القوى أطراف المباني التابعة لمكتب المرشد و مسكنه الخاص‘ والمقر الرئيسي لهذه القوى يقع داخل مجمع المباني التابعة لمكتب المرشد و يجري عملها بالتنسيق مع المدعو " حجازي "المسؤول الأمني لما يسمى بـ "بيت القيادة" .
ويجدر بالذكر ان مسؤولية حماية القيادات العليا للنظام الايراني ( قادة السلطات الثلاثة ‘ الوزراء ‘ أعضاء البرلمان ‘ وغيرهم ) تقع على عاتق وحدة خاصة من الحرس الثوري أيضا وتسمى " حرس حماية أنصار المهدي " ‘ إلا ان من بين كل قادة ومسؤولي النظام ينفرد المرشد الأعلى بقوة حراسة خاصة تسمى " حرس ولي الأمر " .
وفيما يتعلق بالأخبار والمعلومات السرية المتعلقة بمكتب خامنئي ‘ فانه بين الآونة والأخرى يجري تسريب بعض المعلومات الخاصة ولكن يحدث أحيانا ان الفصل فيها بين الحقيقة الخيال غير واضح ‘ غير ان ما هو مؤكد ان هناك شخصيات معينة في داخل مكتب المرشد لها أدوارا مهما في تسيير بعض الإدارات الحكومية و في إدارة شؤون البلاد عامة.
وقد نشر مؤخرا تقريرا حضا باهتمام واسع لدى المراقبين نظرا لاحتوائه على معلومات غاية في الأهمية تدعم رأي القائلين بتدخل العاملين في مكتب المرشد في شؤون بعض الدوائر الحساسة والوزارات السيادية. و يعد هذا التقرير الأهم من بين التقارير السابقة حيث سلط الضوء على هوية و مهام بعض الأشخاص ذو النفوذ داخل مكتب المرشد‘سواءا ممن يشغلون مناصب رسمية أو غير رسمية . فالجزء الاول من التقرير يتناول تعريف هوية ومهما عددا من الشخصيات الرئيسية في مكتب المرشد وأبرزهم ‘ اصغر حجازي ‘ مجتبى خامنئي ‘محمد محمدی گلپایگانی‘آقا وحيد .
الاول‘ اصغر حجازی، وهو رجل دين غامض جدا ويشغل منصب المسؤول الأمني لمكتب المرشد أو ما يسمى " بيت القيادة "‘ و يتخطى نفوذه حدود صلاحيات منصبه ‘ حيث يعد واحد من أهم المتنفذين في مكتب مرشد الأعلى . وعلى الرغم من ان جميع الذين يترددون على مقر المرشد ‘سواء من المسؤولين الحكوميين أو الزوار الآخرين‘ يشاهدون حجم النفوذ الذي يحضا به " حجازي" غير انه دائما يتحاشى الأماكن التي توجد فيه آلة تصوير ولا يسمح لأحد بالتقاط صور منه .
شغل حجازی، في عهد رئاسة خامنئي لجمهورية في ثمانينيات القرن الماضي‘ منصب مساعد وزير الاطلاعات "الاستخبارات" للعمليات الخارجية . وفي عهد رئاسة الرئيس السابق محمد خاتمي ‘ قوي نفوذ حجازي وذلك بعد ان شكل بالتعاون مع نائب قائد الحرس الثوري آنذاك العميد " محمد باقر ذو القدر" قوة من عناصر مليشيا الباسيج " قوات التعبئة " لدعم ما يسمى جماعة " أنصار حزب الله " التي كانت تقوم بمهاجمة تجمعات الإصلاحيين والتجمعات الطلابية المعارضة.
وزاد نفوذ حجازی في مكتب مرشد الثورة في تلك الفترة والسبب في ذلك يعود الى ان عمل حكومة خاتمي في المجالين الثقافي والأمني ( خاصة بما يتعلق في تعاملها مع المعارضين ) ‘ كان مخالفا لوجهات نظر خامنئي ‘ و لذلك قام " حجازي" و بالتعاون مع عدد من عناصر الحرس الثوري والسلطة القضائية ‘وبعض الموظفين السابقين في وزارة الاستخبارات ممن يحضون بثقة المرشد وكان قد تم تسريحهم من عملهم نتيجة تورطهم بعملية الاغتيالات المنظمة التي استهدفت عددا كبيرا من ابرز المثقفين والسياسيون المعارضين للنظام آنذاك‘ بجمع هؤلاء و شكل منهم جهاز مخابرات سري موازي لوزارة الاستخبارات . و في أواخر رئاسة خاتمي (1997-2004) قويت شوكت هذا الجهاز حتى صار يتجسس على أعضاء حكومة خاتمي دون ان يستطيع احد مسائلته. وكان ذلك من الأسباب التي أدت الى نفوذ حجازي الى مكتب المرشد وتعينه المسئول الأمني لبيت القيادة . وتؤكد التقارير ان اكتساب حجازي نفوذه في مكتب خامنئي يعود الى الدور الهام الذي لعبه في تخطيط وتنفيذ عملية الاغتيالات المنظمة التي طالت عددا من الشخصيات الثقافية والسياسية البارزة في أواخر التسعينيات حيث انه كان من العناصر الأمنية المقربة لـ " سعيد إمامي" نائب وزير الاستخبارات و المتهم الرئيسي بالوقوف وراء تلك الاغتيالات والذي جرت تصفيته في المعتقل و أشيع انه انتحر. وتؤكد بعض المصادر ان سبب تعلق المرشد علي خامنئي بـ " أصغر حجازي" لاعتقاده بان الأخير يمتلك قدرات ومواهب استخباراتية وسياسية عالية جدا ولهذا فقد أوكل إليه مهمة تدريب وتأهيل نجله " مجتبى " الذي يعد اليوم احد المدراء المتنفذين في مكتب المرشد .
الثاني ‘الشيخ محمد محمدی كلبایكانی، رئيس مكتب المرشد‘ وهو أيضا والد زوج أبنته الكبرى السيدة ( بشرى ) .
من جهة المراتب الوظائفية الرسمية يعد منصب رئيس مكتب المرشد من أعلى المناصب‘ ولكن من الناحية العملية فهو الأقل نفوذا قياسا بما يتمتع به كل من " أصغر حجازي و آقا وحيد" من نفوذ وقدرة في هذا الجهاز الهام .
و كان الشيخ محمد محمدی كلبایكانی قد شغل في عهد تولي خامنئي كرسي رئاسة الجمهورية (1981-1989م) ‘ منصب مساعد وزير الاستخبارات لشؤون البرلمانية ‘ وهو متزوج من ممرضة ايرلندية كان قد تعرف عليها اثنا احد رحلات العلاج الى لندن . وعلى الرغم من تمثيله المرشد في بعض المناسبات من قبيل توديع أو استقبال رئيس الجمهورية عند قيام الأخير بالسفر الى الخارج أو عودته من السفر ‘ وقراءته أحيانا للبيانات الرسمية الصادرة عن خامنئي في المناسبات الرسمية ‘ إلا انه نادرا ما يعبر علانية عن وجهات نظره السياسية المتعلق بالشؤون الداخلية للبلاد. و رغم تحفظه الشديد إلا ان كانت له بعض الانتقادات الحادة لعمل الصحافة في عهد رئاسة خاتمي . و على الرغم من علاقة المصاهرة التي تربطه بالمرشد ‘ إلا ان أهمية محمد محمدی كلبایكاني بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة لم تكن كما كانت عليه سابقا و بات نفوذه يتقلص لصالح أشخاص أكثر منه حيوية ونشاطا في مكتب المرشد ‘ وهذا بالرغم من علاقته القوية بالرئيس محمود احمدي نجادي. و يعتقد المراقبين ان السبب في ذلك يعود الى رغبة المرشد في ان يتولى إدارة شؤون مكتبه من هم أكثر شبابية وحيوية و يتمتعون بمهارات سياسية وأمنية عالية .
ثالثا ‘ سيد مجتبى خامنئي ‘ النجل الثاني لمرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي ‘من مواليد عام 1970م ‘ومن الناحية التعليم الديني فهو تلميذ كل من ‘ الشيخ مصباح اليزدي ( الأب الروحي للرئيس احمدي نجاد ) والسيد محمود الشاهرودي ( الرئيس السابق لسلطة القضائية) و السيد محمد باقر خرازي زعيم جماعة حزب الله الإيرانية . وعلى الرغم من انه من الناحية الرسمية لا يعد من مدراء أو موظفي مكتب المرشد ‘ إلا انه من الناحية العملية يعد احد الأشخاص النافذين فيه و يتولى أدارة الأعمال التجارية والشؤون المالية التابعة لـ بيت القيادة . وهو الوحيد من بين أبناء خامنئي الذي يشارك نيابة عن والده في الجلسات غير الرسمية و يعبر عن آراءه في تلك الجلسات .
يرتبط مجتبى خامنئي بعلاقات وطيدة مع قادة الحرس الثوري وقادة مليشيات الباسيج ( التعبئة ) ويحضا بنفوذ عالي بينهم و لديه رغبات كبيرة في لعب ادوار في المسائل السياسية والأمنية . وكان مجتبى في الانتخابات الرئاسية عام 2006م قد دعم في الوهلة الأولى ‘ماليا ومعنويا‘ ترشيح رئيس بلدية طهران الجنرال محمد باقر قاليباف ولكن غير رأيه وتوجه لدعم احمدي نجاد الذي فاز في تلك الانتخابات .
وعلى اثر ذلك أشتكى الشيخ مهدي كروبي ‘احد قادة تيار الاصلاحي المعارض واحد لمرشحين لتلك الانتخابات ‘ في رسالة بعث بها الى خامنئي من تدخل نجله مجتبى في مجريات الانتخابات الرئاسية ودعمه الواضح لأحد المرشحين‘ إلا ان جواب خامنئي على رسالة كروبي كان حادا جدا حيث قال له‘ أنني لن اسمح لأحد بتوتير الأجواء وخلق المشاكل ومن كان له أي اعتراض على الانتخابات فليذهب الى مجلس صيانة الدستور المسؤول عن تلك الأمور.
ولهذا فان اغلب الذين تربطهم علاقات بمكتب المرشد الأعلى ‘ فإنهم يأخذون تدخل مجتبى في إدارة شؤون مكتب والده على محمل الجد ويعيرون لها أهمية خاصة . ويعتقد بعض المعارضين للنظام الايراني ان علي خامنئي يرغب في تولي نجله " مجتبى " الخلافة بعد موته وقد سرت شائعة كبيرة في الشارع الايراني بهذا الشأن الموضوع مما دفع المشاركين في المظاهرات الاحتجاجية العام الماضي الى ترديد شعارات عديدة ضد مجتبى ‘ من ضمنها " مجتبى ‘ مجتبى تموت ولن تنال الزعامة ". غير ان بعض المراقبين يعتقد ان مؤهلات مجتبى خامنئي في مجال العلوم الدينية ‘وقلت سوابقه في العمل السياسي الرسمي والحزبي لا توفر له حظوظا في نيل ثقة مجلس خبراء القيادة لانتخابه خليفة لوالده .
و رغم مكانته الخاصة إلا ان مجتبى مازال يخضع لنفوذ وتأثير المسؤول الأمني لـ " بيت القيادة " ‘ اصغر حجازي.
رابعا ‘ آقا وحيد ‘ وهو ضابط من الحرس الثوري و يعتقد البعض ان اسمه الحقيقي " وحيد حقانيان أو حقاني " ويعمل مساعد رئيس مكتب المرشد ويوصف بأنه ظل القائد وذلك لالتصاقه الشديد به فهو يشغل منصب السكرتير الخاص للمرشد ولهذا يتمتع بنفوذ قوي داخل " بيت القيادة "‘ ومنذ إجراء الانتخابات الرئاسية الأخيرة وما أعقبها من أحداث ‘ازداد ظهور "آقا وحيد " في وسائل الإعلام وهو يقف الى جانب المرشد في جميع المناسبات . ورغم الشائعات العديدة التي كتبت حوله في مواقع الانترنيت إلا انه لا توجد معلومات دقيقة عن تاريخه أو خلفيته السياسية ‘ ويبقى ظهوره المفاجئ في مكتب المرشد أمرا مثيرا للدهشة في ظل الأجواء السياسية التي تعيشها إيران .
كان أول ظهور علاني لـ " آقا وحيد" في وسائل الإعلام ‘ أثناء مرافقته للمرشد الأعلى " علي خامنئي " خلال سفره الى إقليم كردستان العام الماضي عشية الانتخابات الرئاسية‘ وكانت ابرز صوره التي لفتت انتباه المراقبين ‘ وقوفه الى جانب علي خامنئي في مراسم القسم الذي أداه رئيس الجمهورية محمود احمد نجاد في "بيت القيادة " أمام المرشد حيث قام " آقا وحيد" بتسليم كتاب الحكم الصادر بشأن ذلك الى المرشد و من ثم قيام الأخير بتسليمه لاحمدي نجاد أمام عدسات التصوير. والصورة الاخرة التي جلبت انتباه المراقبين أكثر من سابقتها هي ‘ حضور " آقا وحيد" في مراسم القسم التي أدها رئيس الجمهورية أمام أعضاء البرلمان ‘ حيث درجت العادة ان لا يحضر المرشد هذه المراسم ولكن الملفت ان " آقا وحيد " حضر تلك المراسم وكان يجلس في الصف الاول الذي اعد لأعضاء القيادة العليا للقوات المسلحة وكان يقف تحديدا بين قائد قوات الحرس الثوري وقائد قوات الأمن . وهذا ما فسره على ان دوره أكثر من مجرد موظف كبير في مكتب المرشد .
ويتهم أعضاء المكتب الانتخابي لـ " مير حسين موسوي " المرشح الخاسر في الانتخابات الرئاسية‘" آقا وحيد" بأنه احد أعضاء اللجنة المسؤلة عن تزوير نتائج تلك الانتخابات و انه احد المعدين للعملية الانقلابية التي قادها الحرس الثوري للإطاحة بالإصلاحيين وتنصيب احمدي نجاد رئيسا للبلاد لدورة ثانية رغم خسارته في الانتخابات. وهناك العديد من القرائن التي عرضها التيار الاصلاحي والتي تتحدث عن نفوذ آقا وحيد في " بيت القيادة " ودوره في رسم السياسات والقرارات الصادرة من قبل مكتب المرشد .
والى جانب هؤلاء المسؤولين أصحاب النفوذ في مكتب المرشد الأعلى الثورة الإيرانية ‘ فان هناك مسئولون آخرون في هذا المكتب لا يقل نفوذهم عن نفوذ الأشخاص المتقدمة أسماءهم أعلاه ‘ ومن بين هؤلاء يمكن ذكر كل من ‘ رئيس البرلمان الأسبق ‘ الشيخ علي اكبر ناطق نوري ‘ الذي يشغل منصب المفتش الخاص التابع لمكتب المرشد الأعلى ‘ الدكتور علي اكبر ولايتي وزير الخارجية الإيرانية الأسبق ويعمل حاليا مستشارا خاصا لمرشد الثورة للشؤون الخارجية ومبعوثه الخاص . ‘ الجنرال يحيي صفوي‘ القائد السابق لقوات الحرس الثوري ويعمل حاليا مستشار لـ " علي خامنئي " للشؤون العسكرية .
ولكل واحدا من هؤلاء نفوذه في مكتب المرشد الأعلى للثورة ودورا خاصا في توجيه سياسة البلاد التي يتم رسمها في "بيت القيادة " أو ما بت يطلق عليه الغرفة الظلماء .
صباح الموسوي
كاتب من الأحواز