بقلم: أ. د. خالد سنداوي
ترجمة: د. حمد العيسى
تقديم المترجم: هنا بحث نادر ومهم للغاية للبروفيسور خالد سنداوي عن التشيع في سوريا. نشر البحث في يونيو 2009 ضمن مشروع «اتجاهات حالية في الفكر الإسلامي» التابع لمؤسسة بحثية أمريكية مرموقة غير حزبية وغير حكومية، ومكرسة للبحوث والدراسات التحليلية المبتكرة التي تعزز الأمن العالمي والازدهار والحرية.
أما المؤلف أ. د. خالد سنداوي فهو باحث وأكاديمي فلسطيني مرموق متخصص في الأدب العربي والدراسات الإسلاميةّ بصورة عامة، أما التخصص الدقيق فهو «أدب الشيعة» والذي يعتبر من التخصصات النادرة في العالم. وهو من مواليد قرية الجـشّ الفلسطينية في منطقة الجليل الأعلى عام 1965.
ويعدّ السنداوي حالياً من دارسي الإسلام الشيعي البارزين والنادرين على الصعيدين العربي والعالمي من حيث عقيدة الشيعة وفكرهم وأدبهم. أصدر عشرة كتب آخرها وأهمها «معجم مصطلحات الشيعة»، كما ألف ما يزيد على 60 مقالة علمية في تخصصه نشرها في مجلات عالمية محكّمة. وكان قد حصل على شهادة الدكتوراه في عام 1999 عن أطروحته: «مقتل الحسين بن علي في الأدب الشيعي».
وقد كتب البروفيسور السنداوي هذا البحث بناء على جولة ميدانية قام بها بنفسه داخل سوريا كما سيلاحظ القراء حيث زار سوريا في أواخر عام 2008 وبداية عام 2009 أي قبل الحرب الأهلية بسنوات حيث تجول في المحافظات التي دخلها التشيع وتحدث مع أعيانها ورصد الأساليب والحكايات ليكتب هذا البحث النادر من قلب الحدث.
وهذا البحث يشكل الفصل الخامس من أصل عشر فصول في كتابي المترجم القادم عن «الصراع الإستراتيجي الجديد في الشرق الأوسط بعد الحرب الباردة» والذي سيصدر خلال عام 2014 بحول الله.
* زمن الشيعة: حقائق وأرقام عن التشيع في سوريا (3/3)
وأحياناً لا تنجح كل المحاولات الرامية إلى توسيع التشيع عبر المحافظات؛ فعلى سبيل المثال، قام المبشر العراقي الشيخ عبد الحميد المهاجر في عام 1996، برحلة عبر المحافظات السورية، وزار مراكز التشيع، بما في ذلك مسجد عمار بن ياسر. وأمرت السلطات السورية الدعاة والطلاب بحضور خطبة ألقاها المهاجر، ولكن محتواها أثار غضب بعض رجال الدين السنة الذين نجحوا، بمساعدة من بعض زعماء القبائل المقربين من النظام، في وقف تجواله في أنحاء البلاد كافة.
وفي عام 1998، زارت مجموعة من رجال الدين الشيعة مفتي دير الزور خلال عطلة عيد الفطر. هاجموا المذهب السني، وعندها قال المفتي لهم: «كنت مع الرئيس حافظ الأسد منذ يومين فقط، وقال لي إنه لا يريد أي فتنة طائفية هنا». ونجحت هذه الكلمات في إحباط خطتهم للعن أصحاب النبي (ص).
وبالمثل، في عام 2003، زار وفد من رجال الدين الشيعة من دمشق مسجد خالد بن الوليد في ضواحي دير الزور. وأبلغوا إمام المسجد أن لديهم تصريحاً رسمياً للبحث عن قبور أشخاص من عائلة الرسول(ص) ورعايتها بشكل صحيح. ثم طلبوا أن يتعاون معهم ويسمح لهم بالإشراف على المسجد. وعندما رفض، حاولوا مضايقته واشتروا الأرض التي حول المسجد، حيث يخططون لبناء حسينية كبيرة. ولكن محاولاتهم لم تنجح.
في عام 2006، أراد بعض المتشيعين الأغنياء بناء حسينية في قرية عين علي. ولكن بعد يوم واحد من وضع القواعد، قام القرويون بإزالتها. وحتى لحظة الكتابة لم تتم إعادة محاولة بناء تلك الحسينية.
* التشيع في محافظة درعا:
تشير مصادر معلوماتية محلية مطلعة إلى أن بعض البلدات في درعا، مثل بصرى الشام، كان فيها سكان شيعة أصليين منذ قرن من الزمان، ولكن هؤلاء الشيعة يعلنون أنهم سنة. وكانت هذه هي الحال حتى عام 1997، مع وصول زيدان غزالي في العام نفسه، وهو صهر وابن عم الجنرال رستم غزالي، الرئيس السابق للاستخبارات السورية في لبنان.
وكان قد تخرج في الجامعة وانضم إلى جماعة الإخوان المسلمين وفي ما بعد حركة المرتضى، ولكنه تشيع علناً وبدأ التبشير بالمذهب الشيعي. كان يتلقى دعماً مالياً من إيران، ويقدم إغراءات للشباب، خصوصاً الكاش (النقد الفوري)، والأثاث، والكتب والملابس. كما شجع أيضاً الزواج المؤقت (المتعة) مع الفتيات الصغيرات من أجل تلبية الاحتياجات الجنسية للرجال من دون التورط بزواج دائم.
وكان كل من يعترض عليه يجد نفسه في السجن أو مهدداً من قبل قوات الأمن السورية، التي كان غزالي وثيق الصلة بها نظراً إلى مركز صهره.
حالياً يتولى غزالي منصب إمام وخطيب مسجد علي بن أبي طالب في حي الزهيرة من مدينة درعا، وهو مسجد سني استولى عليه غزالي قسراً.
وهناك جالية شيعية عراقية في محافظة درعا كانت قد استقرت فيها قبل سقوط بغداد في عام 2003، واستمرت في النمو. وهناك في مدينة درعا شارع كامل يحتله التجار الشيعة العراقيين. لقد بنوا حسينية وبها مرافق، حيث يستطيع جميع المتشيعين هناك الاستفادة من تلك المرافق: كروضة الأطفال، وغرفة الكمبيوتر ومكتبة الأطفال.
وقد كان لشخص اسمه أبو جعفر العراقي، تأثير عميق في عملية التشيع في هذه المنطقة. أبو جعفر العراقي اشتغل في العمل التبشيري بين الأثرياء، وكذلك المهنيين الميسورين كالأطباء، الذين كان يعرض عليهم رحلات مجانية إلى إيران، ويقدم الهدايا والمال نقدا للطلاب الفقراء.
وكان يرتب اجتماعات يتم خلالها لعن الصحابة واتهام زوجة النبي (ص) عائشة بـ (...). وقام بتوزيع مئات من الكتب التبشيرية الشيعية في جميع أنحاء المحافظة وأصبح خطيباً في مسجد الرسول الأعظم الذي شيد مؤخراً في درعا.
غادر أبو جعفر العراقي سوريا إلى العراق بعد سقوط بغداد؛ وأخذ مكانه كاظم التميمي، وهو مبشر شيعي أيضاً، ولكنه أقل نشاطاً من سلفه. ولهذا السبب تم استدعاء أبي جعفر العراقي مرة أخرى، ولكنه لأسباب غير معروفة غادر مرة أخرى بعد شهرين من عودته.
لقد كان بناء الحسينيات مؤشراً على تزايد فعالية عملية التشيع في محافظة درعا، وكذلك أداة لمحاولة تحويل المزيد من السوريين إلى المذهب الشيعي. تم بناء أول حسينية في مدينة درعا في عام 1976، بالقرب من المطار، إلى جانب اثنين من المساجد السنية.
وزارها باستمرار رجال دين شيعة من إيران والعراق ولبنان وسوريا، ولا سيما عبد الله نظام، رئيس المدرسة الحسينية في دمشق، وهو رجل دين سوري شيعي قوي وقيادي يشارك في كل محفل لرجال الدين الشيعة في سوريا. كما توجد حسينيات في بلدات أخرى، يتراوح سكانها من 5-33 ألف نسمة.
وفي بعض الحالات، مثل بلدة المليحة الغربية، أدى بناء الحسينية إلى عزل طوعي بين الشيعة والسنة، ويستعمل الشيعة أسماء جديدة وعادة شيعية لمتاجرهم.
وقد حصل التحول إلى المذهب الشيعي أيضاً في العديد من البلدات والقرى التي لا توجد فيها حسينيات؛ ففي بلدة السورة، على سبيل المثال، تشارك عائلة شيعية بنشاط في العمل التبشيري، وتوفير الحوافز للشباب ليتحولوا.
وذكرت مصادر معلوماتية محلية مطلعة أن الأب يعرض باستمرار ابنته الجميلة لزواج المتعة من أجل جذب الشباب للتشيع. الابنة وهي طالبة في السنة الثالثة في حوزة السيدة زينب، قيل إنها عقدت أكثر من 50 زواجاً مؤقتاً في غضون بضعة سنوات.
* التشيع في محافظة الحسكة:
وتشير عدد من المصادر المعلوماتية إلى أن المبشرين الشيعة في محافظة الحسكة (التي معظم سكانها من الأكراد) بدأوا ينشطون كثيراً مؤخراً. وقد تم توزيع منشورات تدعو الناس إلى التحول، وتستهدف أساساً الشباب والعاطلين عن العمل، وجرى التوزيع في المحلات التجارية في مدينة الحسكة، وتعد هذه الكتيبات براتب شهري يتراوح بين 5-10 الآف ليرة سورية (حوالى 200 دولار) للمتشيعين.
المبشرون الشيعة يستغلون الفقر في المنطقة، مع علم كامل للسلطات المحلية. ووفقاً لبعض المصادر، يرعى هذا النشاط الإيرانيون، من خلال الملحق الثقافي في حلب، بالتعاون مع أجهزة الاستخبارات السورية. الملحق هو رجل دين اسمه آية الله عبد الصاحب الموسوي، وهو إيراني عربي رفيع التعليم، ويتحدث العربية بطلاقة.
ويُزعم أن قادة الحركة التبشيرية في المحافظة قاموا بتدريب عدد كبير من الناس، إما من خلال إرسالهم إلى إيران بمنح دراسية كاملة، لغرض دراسة العقيدة الشيعية، أو عن طريق تمويل رحلات لزيارة أقارب في جنوب لبنان. المبشرون يتمتعون بحماية السلطات السورية، الذين تسمح لهم بالاستفادة الكاملة من المساجد في المحافظة وتمنحهم حرية كاملة في الحركة.
ويقوم قادة حركة التشيع أيضاً بشراء الأراضي لبناء حسينيات. وكانت آخر صفقة شراء في مدينة القامشلي الكردية. مؤخراً، أيضاً، حيث تم بناء حسينية آل البيت في النشوى، ومولها رجل أعمال شيعي من الكويت.
الشيعة في كلية الحسكة الدينية يروجون تلاوة الأدعية الشيعية في ذكرى ميلاد الأئمة، ويؤكد بعض مدرسي الكلية أيضاً أن الزواج المؤقت شرعي.
ومن أهم المبشرين الشيعة في المحافظة محمود نواف الخليف، والدكتور حسن الأحمد المشهداني. ولعل أبرزهم، ذو العمامة السوداء أبو فراس الجبوري (مصطفى خميس)، إضافة إلى عبد محسن عبد الله السراوي، وهو مؤلف كتاب «القطوف الدانية في المسائل الثمانية». وهناك على الأقل واحد من المبشرين الشيعة في المحافظة يملك مكتبة كبيرة، حيث يتم عقد اجتماعات أسبوعية لإغراء الناس بالتشيع.
* التشيع في اللاذقية:
بدأ التحول إلى المذهب الشيعي في مدينة اللاذقية في الثمانينيات، بتحريض من جمعية المرتضى. هذه الجمعية شيدت 76 حسينية في منطقة اللاذقية، أكبرها في منطقة دمسرخو، وهي ذات مساحة هائلة تبلغ 6,000 متر مربع، وأصغرها، في قرية عين التينة، ومساحتها 40 متراً مربعاً فحسب؛ في الماضي لم تستخدم هذه الحسينيات للنشاط التبشيري مطلقاً، بل كانت بمثابة أماكن اجتماع للشيعة.
ولكن بعد وفاة الرئيس حافظ الأسد، وعندما مكّن ابنه بشار طهران من كسب نفوذ متزايد في سوريا وبخاصة بعد سقوط بغداد، بدأ الإيرانيون إدارة شؤون الشيعة في اللاذقية. تم تدشين هذه المرحلة الجديدة ببناء «حوزة الرسول الأعظم» في حي الأزهري باللاذقية، على قطعة أرض تابعة لديوان الوقف السني. وكان مدير الحوزة رجل دين عراقي، وهو ممثل لخامنئي، اسمه السيد أيمن الزيتون.
وتم بناء مركز ثقافي في حي الزراعة توظف فيه أكثر من 300 عراقي ولبناني، والذين تتمثل مهمتهم في مخالطة الناس وتقديم الحوافز ليتحولوا إلى المذهب الشيعي.
ويزور المسؤولون الإيرانيون المحافظة بانتظام. وأثناء زيارة وزير الإسكان الإيراني للمنطقة ذات مرة، قدم 300 شقة جديدة إلى المتشيعين الجدد في اللاذقية. وحتى رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام في إيران، رفسنجاني زار المنطقة ودعا السكان إلى زيارة إيران مجانا.
ولا يذهب حاكم المحافظة ولا سكرتير الحزب فيها، وهما أعلى مسؤولين في المنطقة، إلى أي مكان من دون السيد أيمن الزيتون، الذي غالباً ما تظهر صوره في الصحف اليومية. ولزيتون كلمة مسموعة في كل التعيينات الإدارية في المدينة، ويعد علناً بوظائف للمتشيعين.
وفي اجتماع مغلق ذات مرة تباهى قائلاً: «الغرب يعتقد أننا سنهاجم من صيدا وصور، ولكننا سوف نفاجئهم من اللاذقية وطرطوس». قادة الشيعة في اللاذقية يعدون الشباب بالوظائف والقبول في الجامعات وحتى بالزوجات. ويتم إرسال من يرغبون في الجهاد إلى جنوب لبنان.
وتظهر آثار النفوذ الإيراني أيضاً على الجامعات والكليات السورية؛ فعلى سبيل المثال، خصص رئيس جامعة تشرين في اللاذقية مبنيين في الحرم الجامعي لإيران في مارس 2007، لغرض إنشاء كلية دينية شيعية داخل الجامعة.
* التشيع في حلب:
حلب، أيضاً، تشهد ظاهرة التشيع، مع وجود عدد من السكان البارزين العاملين كمبشرين. المركز الشيعي الرئيس في مدينة حلب هو «مسجد النقطة» قرب جبل حوشان (حيث توجد في المسجد صخرة يُفترض أن عليها نقطة من دم الحسين). وبالقرب من المدينة هناك قريتان شيعيتان، نُبُلْ والزهراء، والتي ينشط سكانها في الشؤون الشيعية.
الشيعة يسيطرون على الهلال الأحمر، كما إن مستشفى الهلال الأحمر في حلب إيراني. القنصلية الإيرانية في مدينة حلب، التي يرأسها عبد الصاحب عبد الواحد الموسوي، تشارك بنشاط كبير في العمل التبشيري بين طلاب الجامعات. القنصلية قريبة جداً من الحرم الجامعي وتقدم وجبات للطلبة على أمل حثهم على التشيع. الشيعة في حلب يقيمون عادة احتفالات كبيرة في المولد النبوي، وميلاد الإمام السادس جعفر الصادق، وخلال أسبوع الوحدة الإسلامية.
وكمثال للأخير كان الاحتفال في 30 مايو 2002، والذي جرى في «مسجد النقطة» والذي حضره حوالي 5000 من الرجال والنساء الشيعة، ومعظمهم من قرى نبل والزهراء، وكذلك حضر بعض السنة.
تم ترتيب الاحتفال بواسطة القنصل الإيراني في حلب، بما في ذلك وضع شاشة كبيرة ليشاهد الحفل أولئك البعيدون عن المنصة، وكذلك وضعت مكبرات صوت وأجهزة عرض أعدت بعناية فائقة. وغطيت الجدران بصور كبيرة تحتوي على زخارف ومدائح للنبي (ص) وأهل بيته. وافتتح الاحتفال بتلاوة بعض الآيات القرآنية.
وكان وجود حزب الله كبيراً هناك. ووضعت صورة حسن نصر الله بجانب صور الخميني وعلي خامنئي. ومَثَّلَ الحزب نائب نصر الله، الشيخ نعيم قاسم، الذي تحدث عن إنجازات حزب الله في جنوب لبنان. وتلاه الشاعر الشيعي، عبد الكريم تقي، الذي ألقى قصيدة يمدح فيها التحول إلى المذهب الشيعي.
وفي نهاية الاحتفال تحدث الملحق الثقافي الإيراني، الموسوي، وذكر عدداً من الكتب التي قد تكون مفيدة لتعزيز إيمان الناس، مثل نهج البلاغة و الصحيفة السجادية.
ولكن ربما كان أهم حدث في ذلك الاحتفال هو طقس الزواج الجماعي، حيث تم تزويج 60 من الأزواج على نفقة السفارة الإيرانية (كما أعلن مذيع الحفل). كما أعلن الموسوي أن كل عريس سوف يحصل على هدية من السفارة الإيرانية ومكتب خامنئي.
* التشيع في إدلب:
وحدثت أنشطة تشيع مماثلة في محافظة إدلب. ونحو نهاية عام 2006، افتتحت كلية شيعية دينية في المحافظة. وكان منهجها إيرانياً خالصاً، وقدمت العديد من الحوافز للمتشيعين المحتملين. المبشرون الشيعة نشيطون جداً في المحافظة. ويقدم بعضهم إغراءات نقدية عجيبة، مثل منح مبلغ 2,500 ليرة سورية، لمن يسمي ابنه الحسن أو الحسين.
أحد أبرز مراكز النشاط الشيعي في المحافظة هي قرية زرزور، وهي قرية بالقرب من الحدود التركية. وتشير مصادر معلوماتية محلية مطلعة إلى أن أول حالة تشيع في القرية وقعت في عام 1945، على يد محمد ناجي غفري، الذي كان بنفسه قد تحول إلى المذهب الشيعي.
ودُعمت أنشطته التبشيرية من قبل السفارة الإيرانية في دمشق، التي حافظت على اتصال منتظم معه وساعدته في بناء حسينية.
واليوم أصبح ربع (25 في المائة) سكان القرية هم من الشيعة. تحولت عشائر بأكملها، بما في ذلك طريمش، المنجد، والسيد. والآن انتشرت عملية التشيع أيضاً إلى بعض القرى المجاورة، ولكن بأعداد أقل.
* التشيع في حمص والساحل:
في حمص هناك كثافة شيعية كبيرة في حي البياضة، الذي يحمل أحد شوارعها اسم إيران. وهناك أيضاً مسجد شيعي كبير. كما إن قرية الحميدية، وهي غير بعيدة عن حمص، شيعية كذلك.
الشيعة الإيرانيون والعراقيون ينشطون أيضاً على طول الساحل السوري. سيطر جميل الأسد تجارياً على الموانئ السورية والمناطق القريبة منها بدعم وتشجيع من أخيه حافظ الأسد. كما كان يمارس أيضاً العمل التبشيري في هذه المناطق لتحويل العلويين إلى المذهب الشيعي.
وكان أحد نجاحاتهم الباهرة هو مدير الأوقاف في طرطوس، الدكتور محمد عبد الستار السيد، الذي يساند علناً العقيدة الشيعية، كما جاء على الصفحة الأولى من مجلة «المنبر» الإيرانية، وهي مجلة مكرسة للمتشيعين (وهو وزير الأوقاف حاليا).
* ماذا عن المستقبل؟
يشكل الشيعة اليوم أكثر قليلاً من 1 في المائة من مجموع سكان سوريا (18 مليون نسمة).
والعديد من الظروف في الوقت الحاضر -الجغرافية والسياسية والتاريخية، والمالية، وبدرجة أقل الدينية أو المذهبية– تتضافر لتسبب زيادة في التحول إلى العقيدة الشيعية. كانت نسبة الشيعة في سنة 1953، لا تزيد على 0.4 في المائة من سكان سوريا.
العدد المتزايد من التحولات هو، أولاً، نتيجة للجغرافيا والتاريخ. الشيعة في سوريا اليوم يمتلكون عدداً كبيراً من المؤسسات والأضرحة، وأهمها مقام السيدة زينب، مقام سكينة بنت الحسين، و«مسجد النقطة» في حلب. ويزور كل هذه المواقع العديد من الحجاج الشيعة من الخليج «الفارسي» والعراق وإيران.
المهاجرون الشيعة العراقيون وكذلك الحجاج الإيرانيون الذين يأتون لزيارة الأضرحة الشيعية في سوريا، يشكلون جيشاً بشرياً كبيراً مشبعاً بالعقيدة الشيعية، ويساعدون في نشر أفكار ومبادئ المذهب الشيعي.
الإغراءات المقدمة لتحفيز التحول للمذهب الشيعي، صنعت جاذبية للمتحولين المحتملين.
الشيعة يبنون مساكن للدراسة بجوار الأضرحة ويؤسسون سلطات دينية هناك ما أعطاهم استقلالية في ما يتعلق بالزعامة الدينية وقيادة المجتمع. إضافة إلى ذلك، يحتفل الشيعة بالعديد من العطل، بما في ذلك عاشوراء، الغدير، وميلاد ووفاة الأئمة الشيعة الاثني عشر، وغيرهم. ويدعى السنة إلى هذه الاحتفالات، وبالتالي يتعرضون لتأثير الأفكار الشيعية.
وقد أدت السياسة دوراً مهماً في تعزيز عملية التشيع؛ فبعد وصول بشار الأسد إلى السلطة في عام 2000، زاد النفوذ الإيراني في سوريا كثيراً، بدعم وتشجيع من قبل النظام السوري.
ونتيجة لذلك تجنس العديد من الإيرانيين والعراقيين وأصبحوا مواطنين سوريين بالتجنس، وبذلك زادت وتيرة التحول إلى المذهب الشيعي، وخصوصاً بين العلويين، الذين كان لديهم رغبة في الانتماء إلى أقلية أكبر حجماً وأكثر قوة إقليمياً.
وكانت السفارة الإيرانية والملحقية الثقافية في دمشق نشيطتين في التبشير بالعقيدة الشيعية في سوريا وتعملان على نشرها في كل محافظات البلاد، عن طريق الإغراءات المالية، والمنح الدراسية للجامعات الإيرانية، والرعاية الطبية المجانية، والرواتب الشهرية، وغير ذلك.
إضافة إلى ذلك، عززت حرب لبنان عام 2006، المشاعر المناهضة للغرب في وسائل الإعلام السورية، التي تعارض وجود إسرائيل وتدعم حركات المقاومة في الضفة الغربية وقطاع غزة وفي لبنان.
وهو ما أثار موجة من الإعجاب لحسن نصر الله، وكانت النتيجة أن العديد من السوريين تشيعوا بسبب هذا الإعجاب لا بل زادت الأنشطة الشيعية في سوريا بكثافة.
هذا النوع من المظاهر الموالية للشيعة (من خلال إظهار الإعجاب بحسن نصر الله) قد تكون لحظية فحسب، لأنها رد فعل عاطفي وليس قناعة دينية عميقة الجذور. ولكن مهما كانت طبيعة الدوافع، فالحقيقة هي أن الميل نحو التشيع في سوريا لا يزال قائماً.
انتهى البحث..
قريبا وخلال بضعة أيام تطالعون ترجمتنا لتقرير شامل (8000 كلمة) من الرياض
للصحفي الأمريكي الشهير (ديفيد بي أوتاوي) بعنوان:
)سباق السعودية ضد الزمن لتجنب «انفجار شبابي»)، وهو تقرير يهم كل طلاب وطالبات الجامعات السعوديين، ويهم كذلك الإخوة الشيعة..
المصدر : مجلة العصر