أركان الإسلام في المعتقد النصيري

بواسطة مركز التأصيل لدراسات والبحوث قراءة 1941
أركان الإسلام في المعتقد النصيري
أركان الإسلام في المعتقد النصيري

21-4-2014

يقول الدكتور "غالب عواجي" في كتابه فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام:

(يختلف النصيريون عن المسلمين في العبادات، بل وفي كل شيء، وهذا طبيعي؛ إذ إن تعاليم الإسلام لا يمكن أن تتفق مع التعاليم الوثنية مهما أظهروها بالمظهر الإسلامي، مثل استعمالهم الأسماء الإسلامية، كما قد يتسمون بالأسماء المسيحية أيضاً؛ لكنهم لا يسمحون لأحد منهم أن يتسمى بأفضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كأبي بكر وعمر.

ولأن مذهبهم خليط من شتى الأفكار والديانات، فإن ما ورد في عقيدتهم وكتبهم من كلمات الصلاة والحج والزكاة والصيام لا يريدون بها المقصود منها في الشريعة الإسلامية، بل أولوها إلى معان أخرى باطنية". (1) 

والحقيقة أن التأويلات الباطنية هي صفة بارزة وظاهرة عند جميع تلك الفرق الكفرية, ولا تختص بالنصرية فحسب, إذ حاول أعداء الإسلام من خلال تلك التأويلات وبواسطة تلك المذاهب تحريف الوحي الإلهي عن حقيقته التي نزل بها, وأن يجعلوا من الإسلام نسخة مكررة مما فعلوه في اليهودية والنصرانية من تحريف وتبديل لكلمات الله, ولكنهم غفلوا عن حقيقة حفظ الله تعالى لهذا الدين الخاتم, وحمايته للقرآن الكريم من أي تحريف أو تبديل, قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} الحجر/9

وتكمن أهمية معرفة المزيد عن ضلالات الطائفة النصيرية في هذه الأيام, وفساد عقيدتهم ومذهبهم والتي تؤدي بالنتيجة لفساد عباداتهم, لربطه بما يرتكبونه من جرائم بأهل السنة في بلاد الشام يشيب لها الولدان, والتي تشير إلى أثر العقيدة الباطلة والعبادات الفاسدة في سلوك هؤلاء, ووجوب عدم السكوت عن تغلغل تلك الطوائف الباطنية في المجتمعات الإسلامية بعد كل ذلك.

وفي هذا التقرير سأتناول موضوع العبادات عن النصيرية, والتأويلات الباطنية التي أدخلوها على الفرائض الإسلامية المعروفة والمشهورة بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان) صحيح البخاري برقم/8

تعريف النصيرية

وقبل البدء بذكر تأويلات النصيرية الباطلة في أركان الإسلام الخمسة المعروفة, لا بد أن أبين للقارئ الكريم تعريفا موجزا عن هذه الطائفة, فهي حركة باطنية ظهرت في القرن الثالث للهجرة، أصحابها يعدُّون من غلاة الشيعة الذين زعموا وجودا إلهيًّا في علي وألهوه به، مقصدهم هدم الإسلام ونقض عراه، وهم مع كل غاز لأرض المسلمين، ولقد أطلق عليهم الاستعمار الفرنسي لسورية اسم "العلويين" تمويها وتغطية لحقيقتهم الرافضية والباطنية. (2)

أركان الإسلام في المعتقد النصيري

بداية لا بد من توضيح نقطة في غاية الأهمية, ألا وهي اعتماد جميع الفرق الباطنية على التأويل المنحرف لنصوص الوحي الإلهي من قرآن وسنة, فلكل شيء في المعتقد النصيري -عقيدة وعبادة- ظاهر وباطن, فالظاهر لعوام الناس كما يزعمون, والباطن للخواص, ومن هذا الباب نجد الشاعر النصيري "المكزون السنجاري" يعلل ذلك الانحراف والتأويل الباطني بقوله:

قالوا تحث بالصحيح من الحديث بغير رمز *** فأجبتهم هل عاقل يرمي الكنوز بغير حرز (3)

ويرمي المكزون بهذه الأبيات إلى الزعم بأن علوم أهل البيت غير معلومة لعامة المسلمين, وأن لهم –آل البيت– علوما خفية كالجفر مثلا, وينسبون لأئمة آل البيت كلاما لم يذكروه ولم ينطقوا به البتة, وإنما هي أساطير ابتدعوها ما أنزل الله بها من سلطان.

ولعل خير مثال على ظاهرة الباطن والظاهر في العبادات عند النصيرية, ما ذكره حسن المكزون السنجاري النصيري المتوفى سنة 638هجرية في رسالته التي سماها: "تزكية النفس في معرفة بواطن العبادات الخمس", حيث ذكر فيها مقدمة وسبعة أبواب هي:

الباب الأول: في معرفة العبادة وبواطنها وأقسامها.

الباب الثاني: في معرفة باطن الإسلام وأقسامه ومستقر الإيمان ومستودعه.

الباب الثالث : في بواطن الصلاة ولوازمها ومعرفة أشخاصها.

الباب الرابع : في معرفة بواطن الصيام ولوازمه ومعرفة أشخاصه.

الباب الخامس : في معرفة بواطن الزكاة ولوازمها وأقسامها.

الباب السادس : في معرفة باطن الحج ولوازمه وأشخاصه.

الباب السابع : في معرفة الجهاد ولوازمه وأقسامه.

ومن غرائب وعجائب هذه الرسالة أن المكزون في معرض ذكره بواطن الصلاة والصيام والحج جعل لكل فريضة شخصا أو أشخاصا, ترتبط هذه الصلاة أو تلك بهم بشكل أو بآخر, وهو نفس الأمر الذي ينسحب على الصيام والحج, وبالعودة لفحوى الفصل الأول من هذه الرسالة التي جعلها المكزون لمعرفة أقسام العبادة وصفة باطنها, يستطيع القارئ أن يلحظ النزعة الباطنية في تأويله أركان الإسلام وعباداته الخمس, فالمعرفة الحقيقة عند النصيرية –كما يعرضها المكزون– هي شجرة ذات أصل ثابت وفرع باسق, لا تنال ثمرتها إلا برفع أيدي السؤال إلى فروعها الزكية: (فأصلها الأزل, وفرعها الأبد, وثمرها السرمد) ويستطرد الكزون قائلا: (وهذه الرتب الثلاث هي التي عبر عنها أهل التوحيد "بالمعنى" و "الحجاب" و "الباب") .

"فالمعنى" من هذه الرتب الثلاث هو الحق الأول حسب زعم المكزون, والحق الأول هو الذي ابتدع "الحجاب" الأول,  والحجاب الأول هو الذي خلق "الباب", والباب هو الذي اختص "الأيتام" بقدرة المشيئة الظاهرة فيه, وكذلك ظهرت "المقامات الخمس" من العالم الكبير النوراني رتبة رتبة, وعن الرتب الأخيرة تكونت سائر الموجودات مما دونهم.

يذكر أن المقصود بالأيتام الخمسة عند النصيرية بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم: المقداد وأبو ذر وعبد الله بن رواحة وعثمان بن مظعون, إضافة لقنبر بن دكان غلام علي رضي الله عنه, معتبرين أن سلمان الفارسي والأيتام الخمسة هم من خلق العالم والموكلون بأموره, فسلمان الفارسي رضي الله عنه -حسب زعمهم- هو النفس الكلية التي انبثقت من العقل -محمد صلى الله عليه وسلم- ويعتقدون أن سلمان أو النفس الكلية هي التي خلقت السماوات والأرض وخلقت كذلك الأيتام الخمسة, والمقداد باعتباره أول الأيتام الخمسة فقد خلق الناس ولذلك فهو رب الناس -تعالى الله عما يقولون– علوا كبيرا. (4)

اعتقادهم في الآذان

وإذا ما تكلمنا عن أركان الإسلام في المعتقد النصيري فإن القارئ سيجد العجب العجاب, فالأذان -الذي يعتبر إيذائنا لموعد الصلاة ودخول وقتها عند أهل السنة والجماعة- يختلف عند النصيرية عما هو عليه في الإسلام اختلافا جذريا, حيث جعلوا له قداسا أسوة بالنصارى في طقوسهم وقداساتهم.

وقداس الأذان عندهم هو: (الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيراً، الحمد لله كثيراً وجهت وجهي إلى محمد المحمود طالباً سره المقصود، المتقرب بتجلي الصفات وعيني الذات، وفاطر الفطر ذو الجلال، والحسن ذو الكمال، اتبعوا ملة أبيكم إبراهيم الخليل، هو الذي سماكم مسلمين حنيفاً مسلماً ولا أنا من المشركين (هكذا).

ديني سلسل طاعة إلى القديم الأزل، أقر كما أقر السيد سلمان حين أذن المؤذن في أذنه وهو يقول: شهدت أن لا إله إلا هو العلي المعبود، ولا حجاب إلا السيد محمد المحمود، ولا باب إلا السيد سلمان الفارسي، ولا ملائكة إلا الملائكة الخمسة الأيتام الكرام.ولا رب

إلا ربي شيخنا وهو شيخنا وسيدنا الحسين حمدان الخصيبي (5)، سفينة النجاة وعين الحياة، حي على الصلاة حي على الفلاح تفلحوا يا مؤمنون، حي على خير العمل بعينه الأجل الله أكبر والله أكبر، قد قامت الصلاة على أربابها وثبتت الحجة على أصحابها.

الله مولاي يا علي أسألك أن تقيمها وتديمها ما دامت السموات والأرض، وتجعل السيد محمد خاتمها، والسيد سلمان زكاتها، والمقداد يمينها، وأبا ذر شمالها، نحمد الله بحمد الحامدين، ونشكر الله بشكر الشاكرين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.

أسألك اللهم مولاي بحق هذا قداس الأذان، وبحق متَّى وسمعان، والتواريخ والأعوام، بحق يوسف بن من كان، بحق الأحد عشر كوكباً الذين رآهم يوسف بالمنام تحل في دياركم البركة بالتمام، يا مولاي يا علي يا عظيم). (6)

اعتقادهم في الصلاة والزكاة

تناول الدكتور "مصطفى الشكعة" في كتابه "إسلام بلا مذاهب" بعض انحرافات النصيرية في فرائض الإسلام الأساسية, فذكر أن النصيريين يصلون في خمس أوقات، إلا أنها تختلف في الأداء وفي عدد الركعات عن بقية المذاهب الإسلامية، وصلاتهم لا سجود فيها، وفيها بعض الركوع أحياناً.

كما ذكر أنهم لا يصلون الجمعة ولا يعترفون بها كفرض، ولا يتطهرون قبل أداء صلواتهم، ولا يصلون في المساجد، بل يحاربون بناء المساجد ولا يرضون بإقامتها، بل يجتمعون في بيوت معلومة وأوقات معينة، ويسمون هذا الاجتماع عيداً يقوم الشيوخ بتلاوة بعض القصص والأخبار والمعجزات الخرافية لأئمتهم، ويختلط الحابل بالنابل في هذه الاجتماعات رجالاً ونساءً.

ثم يقومون بأداء بعض الطقوس والصلوات المشابهة لقداسات وطقوس المسيحيين، ومن قداساتهم الكثيرة:

1- قداس الطيب لكل أخ وحبيب.

2- قداس البخور في روح ما يدور في محل الفرح والسرور.

3- قداس الأذان وبالله المستعان.

وكل قداس له ذكر خاص به وأدعية يتوسلون فيها بالإله "علي" والخمسة الأيتام وكبار مشايخهم -الذين جعلوهم أرباباً من دون الله؛ كالخصيبي وغيره- أن تحل في ديارهم البركة وأن ينصروا على أعدائهم. (7)

وعن معنى الصلاة والزكاة الباطني في معتقد النصيرية جاء في كتابهم "الهفت الشريف": إن جعفر الصادق قال للمفضل: (أتدري ما معنى قوله تعالى:  {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ}  مريم / 55,  قلت: يعني أهله المؤمنين من شيعته الذين يخفون إيمانهم وهي الدرجة العالية والمعرفة والإقرار بالتوحيد وأنه العلي الأعلى، فأما معنى قوله تعالى : {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ} فالصلاة أمير المؤمنين، والزكاة معرفته، وأما إقامة الصلاة فهي معرفتنا وإقامتنا. (8)

كما أن المعروف في اعتقاد النصيرية أنهم لا يعترفون بالزكاة الشرعية المعروفة لدى أهل السنة, وإنما يدفعون ضريبة إلى مشائخهم زاعمين بأن مقدارها خمس ما يملكون, وهم بذلك يشتركون في هذا الخمس مع جميع فرق الشيعة الأخرى.

اعتقادهم في الصيام والحج

الصيام حسب معتقد النصيرية ليس امتناعا عن الأكل والشرب وجميع المفطرات في نهار رمضان كما هو معلوم عن أهل السنة والجماعة, بل هو مجرد الامتناع عن معاشرة النساء طوال شهر رمضان.

وأما الحج إلى بيت الله الحرام فيعتبرونه –عياذا بالله– كفرا وعبادة أصنام. (9)

ورغم فداحة انحرافات النصيرية في أركان الإسلام وفرائضه, إلا أنها في الحقيقة نتيجة طبيعة لانحرافاتهم العقائدية, التي وصلت إلى حد تأليه البشر وإضفاء صفات الإلوهية والربوبية عليه.

إن ما يقوم به النصيريون والرافضة في بلاد الشام هذه الأيام ليؤكد أن تسامح أهل السنة مع أمثال هذه الطوائف المنحرفة والضالة لم يزدهم إلا حقدا على الإسلام وغلا على المسلمين, وأنه لا ينبغي بعد كل ذلك أن تعلو راية فوق راية الإسلام الحق في بلاد المسلمين, ولا أن نترك فرقة أو طائفة منحرفة عقيدة وعبادة تتحكم في مصير المسلمين وشؤونهم العامة.

المصدر : مركز التأصيل للدراسات والبحوث

الفهارس

(1) فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام  573

(2) الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة .

(3) معرفة الله والمكزون السنجاري 2/346

(4) معرفة الله والمكزون السنجاري 2/283-289  .

(5) الخصيبي : هو الحسين بن علي بن الحسين بن حمدان الخصيبي المولود سنة 206هـ , وهو مصري الأصل رحل مع شيخه عبد الله بن محمد الجنبلاني من مصر إلى جنبلا , وخلفه في رئاسة الطائفة , وعاش في كنف الدولة الحمدانية بحلب , حيث أنشأ للنصيرية مركزين أحدهما في مدينة حلب السورية , ورئيسه محمد علي الجيلي , والآخر في مدينة بغداد العراقية ورئيسه علي الجسري , وقد توفي هذا الخصيبي في حلب وقبره معروف بها , وله مؤلفات في هذا المذهب وهذا المعتقد النصيري , كما له أشعار في مدح آل البيت , وكان يقول هذا الخبيث بتناسخ الأرواح , وحلول الله في المخلوقات – عياذاً بالله تعالى-

(6) العلويون 109

(7) إسلام بلا مذاهب 312 نقلا عن طائفة النصيرية ص 57 .

(8) الهفت الشريف ص40

(9) طائفة النصيرية ص66

 



مقالات ذات صلة