من "الثلث المعطل" إلى "الفيتو" الشيعي الصريح.. و"المثالثة" المقنّعة
نصير الأسعد
قيل الكثير في الساعات الماضية بشأن أهمية المبادرة التي أقدم عليها الرئيس المكلف سعد الحريري أول من أمس، إذ قدم صيغة حكومية تتمتع بكل مزايا الميثاقية والتوازن والعدالة إلى رئيس الجمهورية ميشال سليمان.
بيد أن الأهمية "الاستثنائية" لمبادرة الرئيس الحريري هي في كونها أتت تكشف بالملموس نوايا فريق 8 آذار الفعلية، ومع النوايا، الطبيعية الحقيقية للصراع الذي يدور في البلد منذ سنوات، ويبلغ في هذه الآونة محطة خطيرة جداً.
أولى النوايا رفض للمبادرة
رفضت "المعارضة" التشكيلة الحكومية المقترحة وأبلغت رفضها هذا إلى رئيس الجمهورية. وبعض هذه "المعارضة" أعلن مسبقاً رفض التشكيلة، وجاهر ـ البعض ـ بأنه سيرفضها حتى من دون حاجة إلى الإطلاع على ما تتضمنه. هكذا "في المبدأ"!
رفضت "المعارضة" التشكيلة بالرغم من أنها تُعطي فريق 8 آذار حقائب وزارية "دسمة" وأساسية، وذلك باعتراف العديد من المراقبين المحايدين والموضوعيين. بل أكثر من ذلك، ثمة من لاحظ أن تشكيلة الحريري تعطي التكتل العوني حقائب أكبر مما يستحق قياساً الى تلك التي تُعطيها لمسيحيي 14 آذار، على الرغم من أن مسيحيي 14 آذار يشكلون الأكثرية المسيحية نيابياً وشعبياً.
إختبار "الفيتو"
إذاً، إن "المسألة" أبعد من "مسألة حكومة".
علّلت "المعارضة" رفضها بأنه لا يحق لرئيس الجمهورية ولرئيس الحكومة المكلف إصدار مرسوم تشكيل الحكومة إلا بعد موافقة الأطراف المدعوين إلى المشاركة فيها على الأسماء وعلى توزيع الحقائب. وبحسب "المعارضة" فإن الإستشارات التي يجريها الرئيس المكلف لتأليف الحكومة إنما هي إستشارات ملزمة له، وليست إستمزاجاً وحواراً. وبحسبها، فإن على الرئيسين أن يمهرا بتوقيعهما "الدستوري" ما تتفق عليه الأحزاب أو ما تمليه الأحزاب!
إن "الإختبار" الذي تخوضه "المعارضة" إذاً، هو إختبار ممارسة "الفيتو" على مرسوم تشكيل الحكومة وجعل هذا "الفيتو" أمراً طبيعياً قبل تشكيل الحكومة ثم في داخلها. وواقع الأمر، صاغت "المعارضة" رفضها التشكيلة المقترحة من الرئيس المكلف بمواقف لا تُخفي النية في إظهار أنها تمارس "الفيتو".
"فيتو" طائفي ـ شيعي
في ظاهر الأمر إن "الفيتو" على تشكيل الحكومة، سياسي ـ حزبي. غير أنه في الواقع "فيتو" طائفي.
فإذا أخذت في الإعتبار حقيقة أن الفريق العوني لا يمثل سوى جزء من التمثيل المسيحي، الماروني خاصة، ولا يمكن له تالياً أن يدّعي أن اعتراضه الحزبي هو اعتراض طائفته.. وإذا أخذت في الإعتبار أيضاً حقيقة أن "الآمر الناهي" في 8 آذار هو "حزب الله"، يصبح مما لا شك فيه أن "الفيتو" موضوع البحث هو "فيتو" طائفي شيعي، بما أن "حزب الله" يماثل بينه وبين الطائفة الشيعية وبما أنه شيئاً فشيئاً يكسر حتى "الثنائية" لصالح أحاديته.
من أزمة حكومية إلى أزمة نظام
لا مفر من الإقرار إذاً بأن تشكيل الحكومة يواجه "نقضاً" شيعياً ـ حزبياً شيعياً ـ كان جرى التمهيد له خلال السنوات المنصرمة إلى أن "باح" أحد قياديي "حزب الله" في الآونة الأخيرة بـ"نظرية" تعتبر أن الحكم في لبنان بموجب إتفاق الطائف! ينبغي أن يكون إئتلافاً لـ"الأكثريات الطائفية" أو "الأكثريات في الطوائف". وغني عن القول إن هذه "النظرية" هي "البذرة التأسيسية لـ"الفيتو".
غير أنه لا مفرّ من الإقرار أيضاً بأن "المعارضة" ـ أي "حزب الله" ـ تنتقل بـ"مناسبة" تشكيل الحكومة إلى إسقاط النظام السياسي. أي تعمل على إطالة أمد أزمة التشكيل من أجل تحويل "الأزمة الحكومية" إلى "أزمة نظام". أي زعم عجز النظام السياسي نظام الطائف، وزعم أن هذا النظام "ولاّدة" أزمات وينبغي تغييره.
لا شك في أن تعامل "المعارضة" مع المسألة الحكومية هو تعاملٌ فوق أنه غير ديموقراطي بتجاوزه نتائج الإنتخابات، هو غير دستوري و"خارج" إتفاق الطائف من الألف إلى الياء.
"فيتو" 2006 و"ثلث الدوحة"
ليس في ذلك أي "إكتشاف". بمعنى أن لإنتقال "المعارضة" ـ أي "حزب الله" ـ راهناً إلى إسقاط الطائف ونظامه، جذراً في تجربة السنوات الماضية.
في خريف 2006، مارس "حزب الله" ـ وفريقه ـ "فيتو" صريحاً ضد حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الأولى بعد الإنسحاب منها. وإستمرّ هذا "الفيتو" إلى أن تمّ تكريسه "ثلثاً معطّلاً" في "إتفاق الدوحة" وحكومة ما بعد "إتفاق الدوحة" في 2008. و"الثلث المعطّل" هو "الفيتو" بعينه. وما يحصل الآن هو إنتقال صريح من "مسمّيات" شتى وإشتقاقاتها نحو المجاهرة بـ"حقّ الفيتو". إنه عنوان "المثالثة" ـ بدلاً من المناصفة ـ يطلّ برأسه من جديد.
السلاح.. ودمشق ـ طهران
بالتأكيد، ما كان ممكناً لـ"حزب الله" ليس أن يطرح تعديل النظام، وهو حقّ يمكن ممارسته ضمن الدستور والمؤسسات، بل أن يفرض تغييراً واقعياً للنظام لولا أنه حزب مسلّح. وبالتأكيد أيضاً، إن "حزب الله" ـ على رأس فريقه ـ يشارك في صنع أزمة حكومية ويستغلّها في آن على تقاطع تخريب سوري ـ إيراني للإستقرار في لبنان ولمجمل الاستقرار الإقليمي. وكل ذلك للإنقضاض على الميثاق والدستور والنظام والجمهورية. فلا هو يخفي ولا من يدور في فلكه أن المطلوب "دوحة2" أو "طائف2" أو "دمشق1" أو "طهران1".
إن "فضيلة" الخطوة التي أقدم عليها الرئيس سعد الحريري أول من أمس، هي أنها أخرجت الموضوع برمّته من دائرة "المنمّقات" أو "الطلاسم" أو "النفاق" فوضعت البلد كله أمام حقيقة الخطر على الجمهورية والنظام الديموقراطي.. الخطر على العيش المشترك بكل معنى الكلمة.
أحرجت خطوة الحريري "المعارضة" فكشفت ما عندها. شكراً لـ"وضوحها"!