
في بداية ثمانينيات القرن الماضي، ومع ترسخ ثورة الخميني في إيران، بدأت تتشكل استراتيجية الحكام الجدد لإيران، في التوسع والتغلغل داخل الدول العربية، تحت شعارات المقاومة، وكانت لبنان هدفًا للـ"حرس الثوري" الإيراني؛ وذلك اعتمادًا على الوجود الشيعي بها، والمحاولة الإيرانية لاختراق الفصائل الفلسطينية، والفلسطينيين في المخيمات اللبنانية.
ومن أجل استغلال القضية الفلسطينية، والتشدق بمقاومة الاحتلال "الإسرائيلي" في تمدد النفوذ الإيراني في لبنان، كانت مجلة «الوحدة الإسلامية» التي أصدرها تجمّع العلماء المسلمين (تجمع لشيعة لبنان) بدعم وتمويل من "الحرس الثوري" الايراني (خصوصًا سنوات التأسيس 1985-1988)، وهو ما أدى لتأثر الكثيرين من أبناء حركة «فتح» الفلسطينية بالتيّار الخميني، وبالتيار الجهادي الفلسطيني المشكّل على ضفاف التيّار المصري؛ لينتج في النهاية تنظيمات عديدة مقربة من إيران، تحمل التوجه الخميني، منها تنظيم «أنصار الله» الفلسطيني، بقيادة جمال سليمان، بعد رفضه تنفيذ تعليمات مؤسس وقائد حركة «فتح» الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، في زمن الحرب الأهلية اللبنانية والصراع بين حركة أمل و”حزب الله”، فقاتل «سليمان» إلى صف «حزب الله».
تأسيس "أنصار الله"
شكل النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي صراعًا بين حركة أمل (تتبع الشيعة العرب وموسى الصدر ابن حوزة النجف) بقيادة نبيه بري، و”حزب الله” اللبناني (يتبع ولاية الفقيه الخمينية)، بقيادة صبحي الطفيلي (أول أمين عام لـ”حزب الله”)، والتي شكلت مجزرة «ثكنة فتح الله» الإعلان الرسمي عن الحرب التي عُرفت تاريخيًّا باسم «حرب الإخوة»؛ وبدأت الحرب بين الطرفين عام 1985، واستمرَّت أسابيع، ووقعت مناوشات متكررة بين الفريقين حتى عام 1990، وفي هذه الحرب حاول مؤسس وقائد حركة فتح الفلسطينية ياسر عرفات، الوقوف إلى جانب حركة أمل، لكن جمال سليمان قائد كتيبة شهداء مخيم «عين الحلوة» التابعة لحركة فتح، وقف إلى جانب «حزب الله»، مخالفًا تعليمات قائد الحركة.
لم يكتفِ «سليمان» بالوقوف إلى جانب «حزب الله» ضد حركة أمل، لكن قائد كتيبة "شهداء مخيم «عين الحلوة»" وقف ضد بني وطنه، وضد حركة فتح، وضد ياسر عرفات نفسه، حين اندلع القتال بين الحركة و”حزب الله” في إقليم التفاح يناير 1990؛ الأمر الذي أدى إلى طرده من الحركة.
الدور الإيراني
يبدو من تغيرات الأحداث أن فصيل «سليمان» اخترق من قبل عناصر "الحرس الثوري" الإيراني و”حزب الله”، وهو ما يشكل أحد نجاحات إيران في اختراق الفصائل المسلحة، وتأسيس جماعات موالية لها، فكان جمال سليمان رجلها الذي أدى دورًا في أن يكون سلاح "الحرس الثوري" و”حزب الله” في تفتيت القوى الفلسطينية، وخنجرًا يطعن به أي تحرك فلسطيني في المخيمات ضد إيران و”حزب الله”.
بعد طرد «سليمان» من حركة فتح، وبدعم مالي وعسكري ولوجستي وغطاء سياسي وإعلامي كبير من “حزب الله” و"الحرس الثوري" الإيراني، أسس القائد الفتحاوي حركة «أنصار الله» المستمرة حتى اليوم، وأصبح «سليمان» الأمين العام لتلك الحركة.
وتحدث المسؤول العسكري لـ«أنصار الله» ماهر عويد، في 18 أكتوبر 2007 في تصريحات لصحيفة «النهار» اللبنانية، عن دعم “حزب الله” للتنظيم، مؤكدًا ارتباط «أنصار الله» أمنيًّا وسياسيًّا بـ«حزب الله»، واستغلت إيران صراع المخيمات، فجمعت الحركات الفلسطينية المعارضة لحركة «فتح» في مؤتمر بالعاصمة طهران انعقد لأيام عدّة في ديسمبر 1990، وخرج بقرارات انعكست مباشرة في مخيم عين الحلوة.
الانتشار والعدد
في عام 2005، بدأت حركة «أنصار الله» بما تدعوه «الانطلاقة الثانية»، فضمت عناصر جديدة، وشكلت مجلس شورى، يضم الأمين العام جمال سليمان، ونائبه الحاج محمود حمد، والمسؤول الإعلامي والتنظيمي والسياسي أبوأيوب (أسامة عباس)، وتم تشكيل المكتب العسكري الذي يرأسه ماهر عويد.
وتتركز حركة «أنصار الله» في مخيم عين الحلوة بجنوب لبنان، إلا أنها تمتلك امتدادات في مخيمات أخرى، مثل صور ومكاتب في مخيم «برج البراجنة وشاتيلا» و«المية مية».
وترتبط «أنصار الله» بمؤسسات «حزب الله» الاجتماعية كمؤسسة الشهيد والإمداد، وهي مؤسسات اجتماعية تمول النشاطات الاجتماعية للـ”حزب الله” وترعى أسرى قتلى “حزب الله”، أما عن عدد التنظيم فيُقَدّر بأكثر من 1000 عنصر، وهم من شاركوا في عرض عسكري في 2006.
يعتبر هدف الحركة الظاهر الذي أسست من أجله هو تحرير الأراضي الفلسطينية، بحسب كتاب «الحركات والقوى الإسلامية في المجتمع الفلسطيني في لبنان: النشأة، الأهداف، الإنجازات»، للباحث والكاتب الفلسطيني رأفت فهد مرة، والصادر عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت.
ورغم أن التنظيم سنّي المذهب، فإن «سليمان» تبنى عبر تنظيمه طروحات «“حزب الله”»، وولاية الفقيه الخمينية في السياسة، تحت شعار المقاومة، كما يحرص التنظيم على إحياء «يوم القدس» الذي أعلنه الخميني؛ حيث يُنظَّم عرض عسكري يجوب شوارع المخيم، وتُرفع خلاله شعارات وصوَر قادة النظام الايراني وحسن نصرالله زعيم “حزب الله” اللبناني.
خنجر ”حزب الله”
وفقًا لعمليات «أنصار الله» وسياسة لتنظيم، تَشَكّل أغلبها ضد خصوم “حزب الله” وايران في لبنان، فقد نفذ «سليمان» اغتيالات عدّة ضد قادة حركة طالت أكثر من 182 عنصرًا من حركة فتح، وحلفائها، في مقدمتهم قتل القيادي الفتحاوي راسم الغول.
وتعتبر «أنصار الله» جزءًا من جهاز المقاومة في “حزب الله”، تمويلًا وإشرافًا منذ نشأتها حتى اليوم، والتحقت مجموعة من «أنصار الله» بالقوى المقاتلة في المقاومة بجنوب لبنان، وفي العام 2004 اتهم «أنصار الله» بأنه نَصبَ صواريخ لقصف تلفزيون المستقبل اللبناني، وفي أبريل 2014 نفذ الأمين العام لحركة «أنصار الله» مجزرةً في مخيم «المية ومية» راح ضحيتها 7 أشخاص، كما اغتال القيادي في فتح، أحمد رشيد، وبعد قتل رشيد وإخوته بدم بارد، تم احتلال أملاكه من قِبل «أنصار الله»، بحسب صحيفة «النهار» اللبنانية.
كما اتهمت «أنصار الله» بالوقوف وراء جريمة اغتيال أمين سر حركة «فتح» في مخيّم «المية ومية» العميد فتحي زيدان «الزورو»، بتفجير عبوة ناسفة داخل سيارته في 12 أبريل 2016، بحسب موقع «النشرة» اللبنانية.
وفي 2017، حاولت جماعة «أنصار الله» اغتيال أحد المستشارين في السفارة الفلسطينية، والقيادي في حركة فتح، إسماعيل شرّوف، بحسب حركة فتح، وهو ما اعتبر محاولات مستمرة لاغتيال قادة الحركة وإنهاء الوجود الفتحاوي في المخيمات الفلسطينية بلبنان، وهو ما يصب في صالح المشروعات الإيرانية والتيارات الدائرة في فلك إيران و”حزب الله”.
وأخيرًا شهد أكتوبر الحالي اشتباكات واسعة في مخيم «المية ومية» بين «أنصار الله» وحركة «فتح»؛ أدى إلى مقتل وإصابة العشرات، وسط محاولات من القوى السياسية اللبنانية والفلسطينية من الهدنة وإنهاء الصراع.
إضعاف السلطة الفلسطينية
من جانبه، قال الباحث السياسي اللبناني، مكرم رباح: إن إيران تحاول السيطرة على القرار الفلسطيني عبر دعم الفصائل، وإضعاف السلطة الفلسطينية.
وأضاف «رباح»، في تصريح لـ«المرجع»، أن منظمة التحرير الفلسطينية تفتقر إلى الأموال والميزانية، ومن هنا يستغل الإيرانيون وضع السلطة في دعم الفصائل والقوى الفلسطينية، التي تدور في الفلك الإيراني.
وتابع الباحث السياسي اللبناني قائلًا: «كل الاشتباكات التي وقعت في المخيمات، تضع الفلسطينيين في وجه الدولة اللبنانية، رغم أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس رفع الغطاء السياسي عن كل المخيمات؛ لأنه في حالة وقوع صراع داخل المخيمات لا يؤدي إلى أزمة بين لبنان والسلطة»، مردفًا: «إيران المستفيد الأكبر من الأزمات والمشكلات المسلحة في المخيمات الفلسطينية».
فيما يقول الكاتب اللبناني، منير ربيع، عن الصراع بين "أنصار الله" وحركة فتح، في مقال له بعنوان «معركة مخيم المية ومية.. إصبع “حزب الله” وأموال الأونروا»، نشره «موقع المدن»: إن ما حدث من صراع هو استراتيجية نفذها “حزب الله” اللبناني تخوفًا من أي تحرك في المخيمات الفلسطينية ضده، بما قد يقطع طريق «الضاحية بالعاصمة بيروت- الجنوب اللبناني معقل حزب الله»، على خلفية تصاعد التوتر «السنّي- الشيعي» في لبنان.
المصدر : المرجع
19/2/1440
28/10/2018