داود البصري
ثمة حقيقة إستراتيجية أفرزتها حالة الحرب السورية الطاحنة، والتي تحولت اليوم لنزاع أممي تجاوز كثيرا شعارات تغيير النظام السوري التي انطلقت قبل خمسة أعوام، لتصل لحالة نشوء وانبثاق وحتى اختفاء نظام دولي جديد !
تلك الحقيقة العارية التي تقول بأن اختلاط أوراق الصراع وتداخل أطرافه في العمق السوري قد أديا لتدويل الأزمة السورية بشكل متوحش وفظ من خلال استدراج مختلف ضباع الدنيا للحقل السوري، فبداية التدخل الأجنبي كانت من خلال أفواج الميليشيات الطائفية الإيرانية والعراقية واللبنانية ثم الباكستانية والأفغانية التي رفعت شعارات ومبررات طائفية رثة للتدخل بشكل واسع لحماية ما أسموه المراقد والأضرحة !!
رغم أن الثورة الشعبية السورية كانت ضد النظام الإرهابي المجرم المستبد وليس ضد ضريح أو قبر أو معلم تاريخي !!
وكان النظام الإيراني يدير قواعد الاشتباك والتدخل من خلال تلكم الرؤى المريضة، حتى وصلت الخسائر البشرية في جموع الميليشيات لدرجة مقلقة، فقرر الإيرانيون توسيع وتطوير التدخل والحماية من خلال الزج المباشر بقوات الحرس الثوري الإيراني وتحديدا قيادة فيلق القدس العقائدية التي يقودها السردار قاسم سليماني الذي حاولت آلة الدعاية الإيرانية تصويره كأسطورة سوبرمانية لا تقهر من خلال تسليط الأضواء على تحركاته العسكرية في العراق والشام واليمن ولربما دول خليجية أخرى!؟، ولكن ما حصل بعد ذلك كان كارثة مضافة أيضا، إذ وصلت الخسائر البشرية والمادية في صفوف قوات الحرس الثوري لأرقام مرعبة بعد أن خسروا نخبة قياداتهم من أمثال اللواء حسين همداني وغيره، حتى أن قائد الفيلق وهو سليماني نفسه قد أصيب مؤخرا إصابات بالغة في معارك ريف حلب الجنوبي أبعدته عن مركز القيادة المباشر وظل مصيره غامضا في ظل تضارب الروايات حول خطورة إصابته !
وبصرف النظر عن كل الجوانب المادية فإن هزيمة قوات الحرس الثوري الإيراني في الشام هي الحقيقة المركزية الراسخة التي ثبت تحققها ميدانيا وأضحت المعبرة عن تصرفات القيادة الإيرانية ومنهجيتها في التعامل مع الحالة السورية، فبعد الدخول الروسي العسكري المباشر على خط المشكلة السورية تعقد الوضع الإقليمي بشكل خطير ولكن الحلف الإيراني/ الروسي قد تعزز عبر صفقات تسلح صاروخية روسية لإيران وعبر تخفيف الضغط العسكري على الحرس الثوري الذي يعاني من استنزاف دموي قاتل في معارك الجبهة السورية !
ولكن حجم ودرجة التوسع الإيراني والانغماس والتورط في ملفات المنطقة يجعل من الإيرانيين في حالة قلق دائم وجاهزية مستمرة من أجل إدامة الحشد وإدارة الحرب، فقد أعلن قائد القوات البرية الإيرانية الجنرال بودستان عن إمكانية توسيع إطار المشاركة الإيرانية في الحرب الكونية السورية المصغرة، وذلك من خلال إشراك الجيش الإيراني وسلاح الجو وحتى القوات البرية وهو ما يتجاوز كثيرا مشاركة قوات النخبة في الحرس الثوري التي استنزفت بالكامل؟ أي أن الوجود الإيراني سيتجاوز كثيرا مرحلة المساعدة المعلنة للنظام السوري ليدخل في إطار وجود احتلالي عسكري مباشر للأرض السورية وبطريقة فجة وغير مسبوقة في تاريخ العلاقات الدولية في الشرق الأوسط !
الإيرانيون يعلمون علم اليقين بأن هزيمة واضمحلال النظام السوري معناه في نهاية المطاف توجيه ضربة قاصمة لمجالهم الحيوي الشرق أوسطي الذي بنوه بالتضحيات والدماء طيلة أربعة عقود من العمل التبشيري المستمر ومن التحالف الإستراتيجي مع نظام آل الأسد!، وهذا الانهيار سيرتد وتتردد أصداؤه المدمرة ي العمق الإيراني وبما يجعل صانع القرار الإيراني عاريا بالكامل أمام اتجاهات الرياح الدولية المتضاربة !؟
لذلك كانت التصريحات الرسمية الإيرانية تؤكد دائما على كون بشار أسد خط أحمر لا يمكن تجاوزه من وجهة نظرهم! وبما يعبر عن إشكالية سياسية وأخلاقية حقيقية في مواجهة الشعب السوري وإرادات دول المنطقة الفاعلة، التهديد بتدخل الجيش الإيراني المباشر في النزاع السوري أمر لن يجدي ولن يغير في موازين القوى أبدا، بل ستزداد الخسائر الإيرانية المباشرة وبالقدر الذي قد يحرك الشارع الإيراني ويضرب في الصميم قواعد الاقتصاد الإيراني الهشة وصفقات التسلح المليارية مع الحليف الروسي لن تنقذ أبداً الأوضاع المتهاوية.. الحقائق الميدانية تقول إن الإيرانيين في مواجهة كارثة حقيقية لن يخفف من وطأتها الشعارات الرنانة التي سحقت تحت أقدام ثوار الشام الأحرار.
يقين نت + وكالات