اقتراح إيراني باحتلال العراق!
للأستاذ: علي باكير
في أغرب طرح من نوعه على مستوًى رسمي، قامت إيران خلال تواجدها في مؤتمر اسطنبول لدول جوار العراق (عقد في 3-11-2007) وعبر وزير خارجيتها "منوشهر متكي"، باقتراح يقضي بإرسال قواتها إلى العراق بدلاً من القوات الأمريكية؛ لتحقيق الأمن والاستقرار !!
لم تكتف إيران بالحديث عن نفسها، بل سعت إلى إدخال دول عربية أخرى معها في هذه المهزلة؛ للتغطية على هدفها الرئيسي، فاقترحت أن يكون التحالف قائمًا مع سوريا، وبإمكان عدد من الدول العربية الفاعلة أيضًا المشاركة بقواتها!!
ومما جاء في المقترح الإيراني المقدّم على هامش المؤتمر، بند يتحدّث عن دمج الميليشيات في أجهزة الجيش والشرطة ومنح العفو لتلك المجموعات التي لم تتعاون مع الإرهابيين، وذلك بعد تسليمهم لأسلحتهم.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا، من هم الإرهابيون في تعريف طهران؟ ومن هي الميليشيات التي تريد دمجها وضمها إلى الجيش؟ ومن هي المجموعات التي لم تتعاون مع الإرهابيين؟! سؤال يجعل المراقب يقف حائرًا أمام هذا الطرح الملتوي وهو يعرف المقاصد الإيرانية كيف توجّه.
من غير المنطقي أن نفسّر الطرح الإيراني بأنه يستهدف اعتبار "جيش المهدي" التابع للصدر، ورجال "فيلق بدر" التابعين للحكيم، ميليشيات يجب العفو عنها، فهذا إن حصل تأويل لما لا يقبل التأويل، وليّ للمعروف فيما لا يحتمل اللّيّ. فالمقصد الإيراني هنا دمج ميليشيات الصدر وجيش المهدي في أجهزة الشرطة والجيش والعفو عمّن لا يريد ذلك منهم، وذلك تحت بند أنه لم يتعاون مع القاعدة، أمّا المجموعات السنّية المقاومة فلا يشملها العفو، ولا يجب استيعابها في الجيش والشرطة؛ لأنها تلاقت بشكل أو آخر في قتال الأمريكي المحتل والحكومة العراقية الموالية لإيران، مع القاعدة في مكان ما من هذه المعادلة.
ألا يكفي العراق ما عاشه في ظل الاحتلال الأمريكي؟ حتى تأتي طهران وتنصّب نفسها حاميًا له بعد أن شاركت بتدميره عبر ميليشياتها وأدواتها الغير خفيّة على أحد، ومتحدّثة باسم غيرها أيضًا بطرح أشبه بإعطاء هذا الغير نصيبًا من الكعكة العراقية بعد رحيل الأمريكي.
مرامي طهران من وراء هذا الطرح، اقتراح أبعد من مجرّد تصنيف الجماعات بين موالٍ ومعادٍ لأمريكا، فهي تحضّر للسيطرة على العراق بشكل مباشر بعد الخروج الأمريكي، وتريد أن تضمن أن لا يعود الجيش العراقي السابق الذي وقف سدًا منيعًا أمام طموحاتها التوسعية في المنطقة. وخير وسيلة لضمان عدم عودته تكمن في جعله عبارة عن تجمع لمجموعة من الميليشيات واللصوص والقتلة والمهربين على أن تكون مرجعيتهم جميعًا في طهران.
وأسرع طريقة لذلك تكمن في استيعاب جيش المهدي وفيلق بدر في هذا الجيش بالكامل.
ويكفينا أن نستذكر تصريحات الرئيس الإيراني أحمدي نجاد لنعلم أن هدف إيران النهائي "ابتلاع" العراق بشكل مباشر أو غير مباشر، خاصّة مع التركيز على مرحلة ما بعد انسحاب أمريكا وضرورة قطع الطريق على المقاومة العراقية؛ وذلك من أجل استغلال هذه اللحظة التاريخية في تحقيق طموحات إيران الإقليمية.
ومن تصريحاته ما نقله بتاريخ 27-11-2006, أمام حشد من "الحرس الثوري" من أنّ "الأمة الإيرانية باستطاعتها تخليص أمريكا من المستنقع العراقي بشرط الانسحاب وعندها فإن أمم المنطقة بقيادة الأمة الإيرانية مستعدة لإظهار طريق الخلاص"، و ما ذكره أيضًا بتاريخ 28-8-2007 عن استعداد إيران لملئ الفراغ الذي سينتج عن انسحاب أمريكا من العراق وهي نفس نظرية المستعمرين القدامى البريطانيين والفرنسيين والأمريكيين من بعدهم.
وعلى الرغم من أن الحكومة العراقية قد رفضت الاقتراح الإيراني في اسطنبول، إلا أنه سرعان ما انكشف أنّ الرفض كان مجرّد إجراء شكلي يتعارض مع ما يتم تكريسه على أرض الواقع.
إذ سارع المالكي في خطوة مفاجئة باستصدار قرار بدمج 81 الفًا من المليشيات بالمؤسسة العسكرية وخاصة أفراد ميليشيات جناح حزب الدعوة الذي يترأسه المالكي وفيلق بدر الذي يشرف عليه المجلس الأعلى الإسلامي التابع للحكيم، وذلك في وزارات الداخلية والدفاع والأمن الوطني برتب تتراوح بين نقيب ومقدم، علمًا بأنّ كثيرًا منهم لا يحملون أي شهادة أو مؤهل علمي، ومن دون التأهيل والدراسة في الكلية العسكرية وفقًا لما ذكره الخبير العراقي الفريق "توفيق الياسري" الذي قال: "إنّ من شأن ذلك أن يحول الجيش إلى كيان ضعيف وغير عسكري ويُخضع المؤسسة العسكرية إلى ولاء الأحزاب والكيانات التي يتبع لها أفراد الميليشيات".
أحسنت هيئة علماء المسلمين في العراق - عندما سارعت إلى التنديد بهذا الاقتراح وفكرة حلول تحالف "إيراني-سوري" مكان الوجود الأمريكي، - حيث أشارت إلى أنّ "الوجود الإيراني غير مرحَّب به بأي شكل من الأشكال، وعلى هذه الدولة أن تفكر في سحب أذرعها من أرض العراق، بدلاً من أن تفكر في دعم نفوذها فيه وتعزيز وجودها على أرضه".
المميز في توجه هيئة العلماء المسلمين منذ احتلال العراق وحتى اليوم، موقفها المبدئي من عدم تجزئة الاحتلال والمحتلين، فالاحتلال احتلال، بغضّ النظر عن مسمياته والأغطية والأقنعة التي يلبسها باسم الدين أو الجنس أو غيرها من الحُجج...وفي هذا الإطار تبدو هيئة العلماء المسلمين واعية لخطورة الدور الإيراني في هذا المجال ومراميه التي لا تقل سلبية عن الدور الأمريكي في العراق وفي المنطقة من ناحية التخريب والتقسيم وتفتيت المكون العربي.
ويبدو أنّ أطرافًا أخرى بدأت ترى ذلك بشكل واضح وجلي، منها ما نقلته بعد المصادر، ومنها صحيفة "الوطن" عمّا جرى بين "منوشهر متّكي" ووزير خارجية المملكة العربية السعودية "سعود الفيصل"، في مؤتمر اسطنبول، حيث قام الأوّل بتوزيع قائمة على الحضور تتضمن كشفًا بالمساعدات الإيرانية للعراق لدحض المزاعم بأنّ إيران تقوّض الاستقرار في العراق، فيما لفت الانتباه وزيرُ الخارجية السعودية، عندما سأل الحضور عن المكان الذي تذهب إليه ما تسمى بـ"الـمساعدات الإيرانية" في العراق؟ فكانت الإجابة: للبصرة، والنجف، وكربلاء، وعندما تصل إلى بغداد تكون في مدينة الصدر، ذات الغالبية الشيعية، لماذا سأل الأمير سعود؟.
إيران تتحفنا ليل نهار بالدعوة إلى الوحدة الإسلامية وإلى نبذ الفرقة، و و.. تتحدث باسم الأمة داعية إلى مواجهة المخططات الأمريكية والصهيونية، فيما يكون كلامها في اتجاه، تكون أفعالها في الاتجاه المعاكس.
إنّ تركيزها على الجانب المذهبي السياسي منه بالأخص من خلال دعم الشيعة يؤسس لأكبر فتنة ممكن أن تشهدها المنطقة، وقد بات الجهد الإيراني في هذا الخط ملحوظًا على امتداد الوطن العربي في لبنان والعراق واليمن وباكستان وغدًا في البحرين والكويت وغيرها من البلدان، والمنطقة في غنى عن جهود تدميرية لأسباب توسعية استغلالية عنصرية تضاف إلى الجهود الأمريكية والإسرائيلية.