الإخوان وإيران...المعتقدات المذهبية والحسابات السياسية
عصام زيدان
لم يكن مفاجئًا ذلك المقال الذي كتبه مسئول التنظيم الدولي للإخوان سابقًا والقيادي الذي ينتمي للرعيل الأول في الجماعة يوسف ندا عن الشيعة وتوصيفه لطبيعة الخلاف، وكونه خلافًا فرعيًا، ومن جنس الخلافات السياسية لا العقدية، بين إيران الشيعية والدول العربية السنية، ومن ثم تصوره كذلك لطبيعة العلاقة بين الجماعة وإيران.
عدم المفاجأة تأتي من كون هذه التصريحات سبقتها تصريحات المرشد العام لجماعة الإخوان الأستاذ مهدي عاكف، والتي عبر من خلالها عن عدم ممانعته للمد الشيعي في البلاد العربية والسنية، معللاً ذلك بأنها بلد واحد وسط أكثر من 56 دولة سنية.
وثمة أسئلة تطرح نفسها من ثنايا هذا المقال والتصريحات السابقة للمرشد الحالي عن طبيعة هذه العلاقة الجدلية بين الإخوان وإيران... هل بالفعل هناك ما يربط ما بين الإخوان وإيران؟ وهل هناك ما يرجوه الإخوان من وراء هذه العلاقة؟ وهل يمكن أن تستغل إيران هذه العلاقة لأغراض سياسية ومذهبية مستقبلية؟
هذه الأسئلة وغيرها والتي قد يصعب الإجابة عليها جملة واحدة ربما تعود بنا إلى الجذور الفكرية التي تحرك طرفي العلاقة بين الإخوان وإيران والحدود التي يمكن أن تجمع بينهما...
فمن الواضح الجلي أن الإخوان ينطلقون من أرضية سياسية، ويحكمون على إيران من هذه الأوجه، لأكثر من سبب منها:
أولاً: توهينهم للخلاف العقدي والمذهبي بين السنة والشيعة، فهذا الخلاف كما قال الأستاذ ندا في مقاله المنشور على موقع جماعة الإخوان الإلكتروني خلاف في الفروع، حيث اعتبر "الإثني عشرية" (شيعة إيران)، مذهبًا إسلاميًا، يجوز التعبد عليه، كما أن للمسلمين السنة أربعة مذاهب يتعبدون عليها.
ورغم اعترافه بتجاوزاتهم، بالخوض في عرض أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وفي كبار صحابة النبي الكرام طعنًا وتكفيرًا، واستنكاره عليهم أنهم يتعبدون بلعنهم، لم يعد مخالفاتهم مستوجبة للحكم عليهم بالكفر! وقال "إن المستقر في فكر "الإخوان" أن الخلاف في الفروع لا يُخرج من الملة"، وإن الخلاف مع الشيعة لا يتعلق بخلاف في قواعد الدين وأصوله، بل إنه خلاف سياسي على الولاية والإمامة، ويجب أن يحل سياسيًا لا بالاتهامات الشرعية.
ثانيًا: تغليبهم لوحدة الأمة، عن شعور صادق بأهمية هذا الأصل، على أي خلاف عقدي ينظرون إليه، على اعتبار أنه خلاف فرع لا يفسد علاقة الأمة ببعضها، خاصة وأن الجماعة ومنذ النشأة الأولى جعلت من أهم خصائصها "البعد عن مواطن الخلاف"(رسالة المؤتمر الخامس).
ثالثًا: الانخداع بالعداء الإعلامي الظاهر بين إيران والغرب خاصة الولايات المتحدة، واعتبار إيران دولة مناضلة في مواجهة قوى الاستكبار العالمي والشيطان الأكبر، وقد ترسخ ذلك الشعور بعد حرب تموز 2006 بين حزب الله المدعوم إيرانيًا، و"إسرائيل"، دون الالتفات إلى المصالح التي تجمع ما بين الطرفين، وما قدمته إيران من خدمات للاحتلال الأمريكي في العراق وأفغانستان.
رابعًا: الإعجاب بنموذج الثورة الإيرانية وقدرتها على تغيير الأوضاع الداخلية، في ظل وضع إقليمي وعالمي معقد، وهو ما قد فشلت فيه كل الجماعات والتيارات السنية في التاريخ المعاصر، لاسيما وأن "القوة" كمسار للتغير لم يُستأصل بعد من فكر الجماعة وإن كانت غائبةا عن سلوكياتها وممارستها العملية منذ فترة بعيدة.
وقد جاء في رسالة "بين الأمس واليوم"( أقول لهؤلاء المتسائلين: إن الإخوان المسلمين سيستخدمون القوة العملية حيث لا يجدي غيرها، وحيث يثقون أنهم قد استكملوا عدة الإيمان والوحدة، وهم حين يستخدمون هذه القوة سيكونون شرفاء صرحاء وسينذرون أولاً وينتظرون بعد ذلك، ثم يقدمون في كرامة وعزة ويحتملون كل نتائج موقفهم هذا بكل رضاء وارتياح).
على هذه الأرضية السياسة بدت للإخوان صورة الدولة الإيرانية، فالخلاف إن وجد فهو خلاف فرعي، ووحدة الأمة أوجب من الالتفات إلى مثل هذه الخلافات، خاصة مع دولة تقود الكفاح والنضال ضد القوى المستكبرة في العالم، وكل هذا يتنزل على أرضية وذهنية معجبة بنموذج تغييري فشلت في تحقيقه كافة القوى والجماعات السنية في التاريخ الحديث.
ماذا يريد الإخوان إذًا من إيران؟
هذا السؤال لا يستطيع أحد أن يجزم بإجابة واضحة وصريحة عليه، ولكنه يثير في الذهن تساؤلات محيرة: هل يعتقد الإخوان أن إيران يمكن أن تدعم بصورة أو أخرى تحركًا لتغيير وضعيات داخلية محددة؟ وهل يستشرف الإخوان وضعًا إقليميًا متغيرًا يمكن لإيران أن تلعب فيه دورًا هامًا يصح الركون إليه والاعتماد عليه؟ هل يسعى الإخوان من وراء هذا التقارب إلى الضغط على النظام الداخلي لإفساح المجال أمامهم للمشاركة السياسية المؤثرة وإنهاء إقصائهم السياسي المتعمد؟ هل يرى الإخوان في هذا التقارب تكتيكًا للوصول إلى أهداف إستراتيجية داخلية؟
لا يستطيع أحد، كما أسلفنا أن يجزم بإجابة واضحة، ولكن الراسخ الذي لا يقبل الجدل أن الإخوان في رهان إستراتيجي ضخم له ما بعده، خاصة إذا ما استحضرنا في المشهد الراهن علاقتهم المتوترة مع النظام السياسي الداخلي.
وماذا عن إيران؟
وإذا ما انتقلنا إلى الشق الآخر من المعادلة وهي إيران، فإننا نجدها وفي كافة ملفاتها الخارجية تنطلق من أرضية مذهبية بحتة، قد تكون مشوبة بالتقية أو متجردة عنها، ولكنها في النهاية تصب في نهر واحد، على اختلاف المسميات والأسماء التي تتولى الحكم في إيران إصلاحية كانت أو راديكالية.
وعلاقتها مع الإخوان، لا يمكن أن تخرج عن هذا الإطار المذهبي، وليس أفضل من الإخوان يمكن أن تتعامل معهم إيران في هذه المرحلة التاريخية لأسباب متعددة منها:
أولاً: رؤيتهم، كما أسلفنا، لطبيعة الخلاف، وكونه خلافًا فرعيًا، كما هو الحال بين المذاهب السنية الأربعة، وهذا لا يجعل حاجزًا عقديًا في التعامل مع دولة شيعية.
ثانيًا: الإخوان قوة لا يستهان بها في غالب المجتمعات العربية،وخاصة في مصر، وليس ببعيد عن الصواب من يقول إنها القوة الوحيدة المؤهلة لسد الفراغ في السلطة إذا ما قد وجد ذلك الفراغ يومًا ما، وهو ما يجعلها محط نظر من المتطلعين لتغيير الأوضاع في هذه البلاد العربية لوجهة يريدونها، ويرغبون في الإمساك بزمامها.
ثالثًا: القابلية للتعاون، فالإخوان يمكنها على قاعدة السياسة أن تتعاون مع إيران إذا ما وجدت في ذلك مصلحة آنية أو مستقبلية.
ولكن..
ماذا تريد إيران من الإخوان؟
يمكن لإيران أن تستغل تلاقيها مع الإخوان في عدة ملفات منها:
أولاً: تكرار تجربة سوريا مع الفصائل الفلسطينية، مع الأخذ في الاعتبار الاختلاف النسبي بين وضعيات هذه الفصائل وجماعة الإخوان، بحيث يشكل ذلك عنصرًا ضاغطًا على النظم الإقليمية الموجودة، وزيادة في نفوذ إيران الطامحة إلى دور الشرطي الإقليمي، والذي يسعى إلى جمع أكبر عدد ممكن من أدوات الإجبار والقهر والقوة الصالحة للاستخدام متى حانت الظروف.
ثانيًا: تخفيف الوجه المذهبي الإيراني، والذي يمكنها من التسلل إلى البلاد العربية والإسلامية تحت عباءة الإخوان التي خرجت الكثير والكثير من الجماعات والتيارات المتباينة الميول والتوجهات.
بمعنى أكثر وضوحًا من الممكن، ولو من الناحية النظرية حتى الآن أن تتخذ إيران الإخوان كقنطرة للوصول والتغلغل في البلاد العربية كواجهة سياسية ولتحقيق أغراض مذهبية.