د.خولة حسن الحديد
يقول بشار الأسد في حواره مع وكالة فرانس برس : “إن أهم أهداف مؤتمر جنيف هو محاربة الإرهاب ” .. صدق الأسد لأول مرة في حياته ، نعم يُريد السوريون من مؤتمر جنيف محاربة الإرهاب و بل اقتلاعه من جذوره، و لكن أي إرهاب ؟ وليس هناك إرهاب على امتداد العالم اليوم كإرهاب و شبيحته و مرتزقته .. و للأسد تاريخ طويل مع الإرهاب، و على وجه خاص الإرهاب الذي يدّعي اليوم محاربته “إرهاب القاعدة – داعش”، ولا يحتاج الأمر لإطالة شرح تاريخ الأسد مع هذا الإرهاب تحديدا، فقط يمكن الاستعانة بشهادات حلفاء و أصدقاء الأسد اليوم، أعداء الأمس ” الحكومة العراقية و رئيسها المالكي ” .
عن إرهاب الأسد نظامه في العراق في أعقاب التفجيرات الدامية التي وقعت في بغداد في التاسع عشر من آب (أغسطس) عام 2009، وأسفرت عن سقوط حوالي مائة قتيل و600 جريح، اتهمت الحكومة العراقية نظام الأسد بإيواء المخططين للهجمات وطالبت بتسليمهم إليها، ويتذكر العراقيون والسوريون و العالم كله تلك التصريحات العديدة لرئيس الحكومة نوري المالكي، و اتهامه النظام السوري إيواء وتدريب وإرسال الإرهابيين إلى العراق وتسهيل مهمة عبورهم الحدود المشتركة، و هذا كله موثق إعلاميا و سياسيا في سجلات الأمم المتحدة وحكومتي سوريا و العراق، و شنّ حينها المالكي هجوماً لاذعاً على دول الجوار التي وصفها بأنها “حاضنة للإرهاب وتحاول إفشال العملية السياسية” في بلاده، مستغرباً احتضانها “قتلة ومجرمين” متهماً بعضها بشن “حرب مفتوحة” على العراق، بوقوفها وراء تفجيرات الأربعاء الدامية، وهدد المالكي حينها بالقدرة على “القيام بعمل مماثل، لولا قيمنا وحرصنا ورغبتنا في التوصل إلى اتفاق مع هذه الدولة للتخلص من هؤلاء الذين يؤونهم”، متوعداً المرتبطين بأجندات خارجية بـ “حرب لا هوادة فيها” .
لم يتوقف اتهام حكومة العراق لنظام الأسد بدعم الإرهاب على الاتهام السياسي أو الإعلامي، بل كلّف المالكي في ذلك الوقت وزارة الخارجية بمطالبة مجلس الأمن اعتبار ما يجري من تفجيرات في العراق “جرائم حرب، وتشكيل محكمة جنائية دولية لمحاكمة مجرمي الحرب الذين خططوا ونفذوا جرائم حرب وجرائم إبادة ضد الإنسانية بحق المدنيين العراقيين”، و عندما اعتبر بشار الأسد أن هذا الاتهام ” غير أخلاقي” و أن “هذا الاتهام سياسي ولكنه بعيد عن المنطق السياسي، وإنه “عندما تتهم سورية بدعم الإرهاب ولا يوجد دليل فهذا خارج المنطق القانوني أيضا” و طالب الحكومة العراقية بتقديم الأدلة، فاعتبر المالكي ” طلب السوريين أدلة محاولة للقفز على الحقائق”، مشيراً إلى أن “العراق سبق وإن بعث وفداً رسمياً قدم أدلة ووثائق إلى الجانب السوري عن معسكرات التدريب، و وجود المجموعات الإرهابية وطريقة عبورها من الأراضي السورية إلى العراق”، وأضاف إنّه “لا جدوى من الذهاب إلى دمشق أو تقديم أدلة أخرى لأن الحكومة السورية تحاول المماطلة خصوصاً وإن تفجيرات الأربعاء ليست القضية الأولى”، ورداً على وصف بشار الأسد تلك الاتهامات أنها “لاأخلاقية” أخرج المالكي حينها تظاهرات لأنصاره في عدد من المحافظات العراقية شارك فيها المحافظون، و رفع المتظاهرون لافتات كتب على واحدة منها “اللاأخلاقية تعني قتل الأبرياء بدم بارد يا بشار”، ثم سارع وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو بالذهاب إلى بغداد بهدف إجراء وساطة لترطيب الأجواء بين بغداد ودمشق و إقناع الحكومة العراقية بعدم اللجوء إلى الأمم المتحدة ، كان رد المالكي على تلك الوساطة ” إن موقف العراق هو المضي بمطالبة الأمم المتحدة بتشكيل محكمة جنائية دولية، لمحاكمة مرتكبي هذه الجرائم البشعة التي استهدفت أمن واستقرار العراق، وسلامة شعبه وأودت بحياة العديد من الأبرياء” مؤكدا في الوقت ذاته أن 90 في المائة من الإرهابيين يتسللون من سورية، وأكد المالكي مطالبة “الجانب السوري بتسليم المطلوبين الرئيسيين في هذه الجريمة (محمد يونس الأحمد وسطام فرحان) وبقية المطلوبين الذين صدرت بحقهم مذكرات قبض بواسطة الشرطة الدولية (الإنتربول) ، وأضاف “نطالب بإخراج الإرهابيين والبعثيين والتكفيريين الذين يتخذون من الأراضي السورية مقرا ومنطلقا للقيام بأعمال إجرامية داخل العراق”.
و صدر حينها بيان نقلاً عن المالكي يقول بأن العراق قدم منذ عام 2004 معلومات ووثائق وأدلة الى الجانب السوري حول “أنشطة مسلحة تقوم بها جماعات تكفيرية تتسلل عبر الأراضي السورية، ومعلومات أخرى عن القيادات البعثية التي تلتقي على الأراضي السورية وتخطط لإعادة الدكتاتورية إلى البلاد”، وعرضت السلطات العراقية تزماناً مع البيان تسجيلاً مصوراً أمام صحفيين، يظهر فيه رجل قيل إنه سعودي الجنسية يعترف بتلقي تدريب عسكري في معسكر بسورية، تديره المخابرات السورية والجيش السوري، فقامت الحكومة العراقية إثر ذلك باستدعاء سفيرها من سوريا رغم أنه لم يكن قد مضى على توليه منصبه سوى ستة أشهر، وردت دمشق بسحب رئيس بعثتها الدبلوماسية من بغداد أيضاً.
اعترافات الإرهابيين على مدى أيام و أسابيع كانت وسائل الإعلام العراقية و التلفزيون الرسمي تبث اعترافات إرهابيين تم القبض عليهم ، ومنهم سوريون وغيرهم من الجنسيات ، تتحدث عن السوريين بشكل خاص و بينهم ضابط مخاابرات سوري أذيع اعترافه وغيرهم ممن تم تجنيدهم من قبل النظام السوري، وكيف يتم دخولهم الى العراق وما هو الهدف من دخولهم ومن أين يتم تمويلهم، و كانت وسائل الإعلام توضح حينها أن ما يُبث ليس سوى ( نقطة في بحر ) من الأدلة لدى الحكومة العراقية على إجرام بشار الأسد الذي كانت توجه له الاتهامات مباشرة، وتبين بالتفاصيل دور المخابرات السورية في تصنيع المجموعات الإرهابية و تزويدها باللوسائل اللازمة للإرهاب و تصديرها عبر الحدود، و كُشف يومها عن شاحنة مُحمّلة بالأحزمة الناسفة على الحدود مع سورية، شاحنة بأكملها يتم تحميلها بأحزمة ناسفة وتمشي من داخل سورية الى الحدود السورية وتخرج بكل سهولة من دون أن يوقفها أحد، ليتبين أنه تمّ تصنيعها في المصانع و المعسكرات السورية الحكومية، كما تم عرض “إرهابي سوري” تدرب في منطقة قرب مدينة حمص وكان يريد تفجير نفسه في حسينية الزهراء بمدينة كركوك بتاريخ 2/5/2009 اعترافات أبو عمر البغدادي : عرض الناطق باسم خطة فرض القانون في الحكومة العراقية ” قاسم عطا” جزءاً من اعترافات الإرهابي “أبو عمر البغدادي” أمير مايسمى دولة العراق الإسلامية، وقال البغدادي في تسجيل بث في مؤتمر صحفي عقده عطا في تلك الفترة إن اسمه أحمد عبد احمد خميس المجمعي من مواليد 1969 وكان يعمل في هيئة التصنيع العسكري، وانتمى لتنظيم القاعدة عام 2005، ثم إلى دولة العراق الإسلامية عام 2006″.
وأضاف:” إنّ هناك تمويلاً داخلياً وخارجياً للدولة ولتنظيم القاعدة ، والتمويل الداخلي يأتي من السلب والنهب والسرقة والضرائب التي تفرض على بعض الأشخاص بينما التمويل الخارجي يأتي من ثلاث دول هي مصر والسعودية وسوريا”، وأوضح البغدادي : ” إن التعليمات من الخارج تأتي ممزوجة بين حزب البعث وتنظيم القاعدة”، وأشار إلى إنه كان جزء من تنفيذ المخططات الخارجية في العراق، وإن أحد الأشخاص في تنظيم القاعدة قال له إنه التقى أبو مصعب الزرقاوي، وبين له قبل تنفيذ تفجيرالمرقدين في سامراء إنذه يسعى للاقتتال بين السنة والشيعة لعزل السنة وإقامة دولة العراق الإسلامية.
المالكي و الأسد شركاء صناعة الإرهاب برعاية إيرانية أقدم النظام السوري منذ بداية الثورة السورية على إطلاق عدد من سجناء القاعدة وفروعها، حتى أصبح جميع السجناء على خلفية التطرف خارج السجون خلال السنة الأولى للثورة، كما هرب المئات منهم من سجون حكومة المالكي بطريقة مشبوهة ليُعلن عن تواجدهم في سوريا بعد أيام من هروبهم، دون أي إشارة إلى عملية ضبط الحدود التي طالما اشتكى منها النظام العراقي، و غالبية هؤلاء تربطهم روابط وثيقة مع إيران، و لم يعد خافياً على أحد الروابط التي أقامتها طهران مع بعض قيادات القاعدة واستضافتها لهم وهم في طريق الذهاب أو العودة من وإلى أفغانستان، و منهم مطلوبون لحكوماتهم و ترفض إيران تسليمهم كالمطلوبين السعوديين.
و من العراق و سوريا إلى لبنان و حزب الله ذراع إيران الطولى يستمر تصنيع الإرهاب ، إذ نجد داعش تعلن مسئوليتها في 5 يناير/ كانون الثاني عن تفجير الضاحية الأخير، والذي وقع في الضاحية قبل ثلاثة أيام من تبنيها له، وذلك بهدف تأجيج الحرب الأهلية في لبنان، ومنح نظام الأسد ذرائعة أخرى و ميليشيات حزب الله تبريرا لتدخله ضد الثورة السورية، كما لا يمكن تجاهل دور كتائب عبد الله عزام التي ظهرت قبل داعش والنصرة كأحد تفرعات اسم تنظيم القاعدة في بلاد الشام، و التي تغيب و تظهر فجأة كلّما لزمت الحاجة إليها، هذه الكتائب التي أعلنت مسؤوليتها عن استهداف السفارة الإيرانية في بيروت في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، و قد قتل قائدها ماجد الماجد في إحدى المشافي اللبنانية بعد توقيفه من قبل الجيش اللبناني في 2 يناير الماضي، و من المعروف أن مؤسس هذه الكتائب صالح القرعاوي ارتبط بعلاقات وثيقة بإيران التي أقام فيها فترة قبل تسليم نفسه. الإرهابي عندما يرفع فزاعة الإرهاب !! بعد أن بدأت العلاقات بين نظام الأسد و نظام المالكي تعود للحميمية في بداية الثورة السورية، نشرت أوساط إعلامية موالية للأسد تسريبات تبين امتلاك بشار الأسد لمكالمات تعود لسياسيين عراقيين يطلبوا منه فتح الحدود من أجل إسقاط العملية السياسية في العراق، و ما كان ذلك إلاّ تمرير رسائل إيجابية للمالكي نتيجة مواقفه الداعمة له، و التي عبّر عنها صراحة برسالة مكتوبة بقوله للأسد ” لا تخاف نحن معك و لست وحدك “، متناسياً المالكي بذلك كل تاريخ بشار الأسد مع الإرهاب الذي أودى بحياة آلاف العراقيين، و لازالت العلاقة الوثيقة بين الطغاة و الإرهاب الذي يدّعون محاربته تتضح حتى وصلت حد التماهي، و للتغطية على كل ممارساتهم الإرهابية، يقوم هؤلاء بتصنيع الإرهاب و دعمه و نشره في البيئات التي ثارت ضدهم لاستخدامه فزّاعة، ولشيطنة معارضيهم و كسب التعاطف الدولي و تغيير المواقف الدولية الحساسة جداً حيال قضايا الإرهاب.
و هذا ما قام به نظام بشار الأسد الفاشي باختراقاته الكبيرة للجيش الحر، و بحيث لم تظهر ولا مرة واحدة مواجهة حقيقية بين قواته و بين هؤلاء الإرهابين في حين تُمارس قواته شتى أنواع الإرهاب ضد المدنيين، و تترك مقرّات الإرهابيين و قواعدهم و قوافلهم المتحركة على الطرقات المكشوفة تتحرك بكل حرية، بينما يستهدف هؤلاء المنشقين عن الجيش والمنضمين للثورة ضده، و الناشطين المدنيين و الإعلاميين و الأطباء، و على المقلب الآخر أيضا يقوم المالكي بمجرد قيام حراك شعبي ضد حكومته الطائفية بتنفيذ الاستراتيجية ذاتها، و تعود العشائر العربية الآن لمواجهة الإرهاب والقاعدة في العراق و مواجهة الاستبداد الطائفي الذي تمارسه حكومتهم ضدهم، و يدّعي المالكي كما الأسد محاربة الإرهاب و القاعدة وهو الذي كان ضد تسليح الجيش الأمريكي لقوات “الصحوات” من أبناء العشائر الذين قاتلوا القاعدة خلال الاحتلال الأمريكي في العراق، وسعى لنزع سلاحها وتشتيت عناصرها وقوادها و اغتال أبرز قاداتها، و يعود اليوم لمواجهة المد الشعبي ضده لإحياء القاعدة من جديد وليصبح العراق ساحة صراع يُعتبر الأكثر دموية في تاريخه.
تحدث بشار الأسد في بداية الثورة السورية عن حرب أهلية و صراع طائفي ، و يتحدث المالكي عن حرب أهليه قد تتعرض لها سوريا في حال سقط نظام بشار الأسد الفاشي، وهو ما يؤكّده دائما أيضاً بخصوص العراق مشيراً إلى أن العراق سيغرق في حرب أهليه في حال سقط نظامه في العراق، يسعى باستماتة كل من نظامي المالكي و الأسد في وضع مواطني العراق و سوريا بين أن يكونوا إرهابيين أو تحت سيطرتهم وبين استمرار حكمهما، و تقوم القاعدة ممثلة بداعش و غيرها من الفروع بوظيفة أساسية في هذا المجال، و تسوّق آلة إعلامية كبرى تُصرف عليها ملايين الدولارات صورة المالكي و الأسد كمحاربين للإرهاب، في حين تُحاصر بيئات الثورة و الحراك الشعبي بين سندان إرهابهما و مطرقة إرهاب القاعدة و فروعها، و ما حوار الأسد يوم 20 -1- 2014 عشية جنيف مع فرانس برس إلا جزء من هذه الآلة الإعلامية التي ما زلت تمنح المجرمين و الطغاة منابر، و حتى أنه ينبري صحفيون كبار على مستوى العالم لتسويق هذه الصورة و أبرزهم ” روبرت فيسك ” الكاتب البريطاني الشهير في صحيفة “الإندبندنت” البريطانية بطل التغطية الإعلامية لمجزرة “داريا” التي دخلها على ظهر الدبابة السورية التي قصفت بيوت “داريا” فوق رؤس أهلها، و هاهو يكتب اليوم ( 20 -1-2014 ) في الاندبندنت : ” “الفريق أول عبد الفتاح السيسي نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع والإنتاج الحربي في مصر، والرئيس السوري بشار الأسد فى سوريا، ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، والرئيس الإيراني حسن روحاني وحتى الرئيس اللبناني ميشال سليمان، هم من يقاتلون الآن الإرهابيين”، ولا شك أن ” فيسك” يُدرك حجم الإساءة و الإدانة التي يوجهها لعبد الفتاح السيسي و ميشيل سليمان عندما وضعههما في سلة واحدة مع الأسد و المالكي و روحاني، أكبر ممولين و داعمين للإرهاب في المنطقة و العالم ، و كل ذلك مقصود بهدف التعويم و بهدف كسب الرأي العام الغربي، و ما زال الأسد الإرهابي يتحدث عن الإرهاب ..
المصدر : كلنا شركاء