وقفة بعد أربعة أسابيع من الحرب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد،
الحرب الإسرائيلية على لبنان كانت مفاجأة لجميع الأطراف حتى الطرفان الرئيسيان حزب الله وإسرائيل.
لقد قام حزب الله بأسر الجنديين في عملية عسكرية محدودة، وكان يتوقع كما صرح غير واحد من قادته رد فعل عسكري محدود، تتبعه مفاوضات سياسية.
وكانت المفاجأة الأولى في رد الفعل الإسرائيلي التي رأت أن الفرصة مواتية لضرب حزب الله ضربة اجهاضية خاطفة في ثلاث أو أربع أيام، وهنا كانت المفاجأة الثانية بقدرة حزب الله على تحمل الضربات لمدة أربع أسابيع وليست أربعة أيام وبدأت تلوح في الأفق بوادر تسوية للأزمة، ولكن كل طرف يريد فرض قدر من الشروط يمكن معها إعلان انتصاره، وليس هذا هو الذي يعنينا الآن ولكن الذي يعنينا هو موقف الإسلاميين من هذه الحرب على اختلاف توجهاتهم.
بادئ ذي بدء نقرر أن كل الاتجاهات الإسلامية قد اتخذت موقفاً عفوياً تلقائياً نابعاً من مقررات سابقة، ومتأثرة بالتكهنات التي كانت تصب جميعها في صالح أن هذه المواجهة هي إحدى المناوشات بين حزب الله وإسرائيل رغم كبرها النسبي وعلى ذلك كانت ملخص هذه المواقف كالتالي:
أولاً:- موقف الدعاة الذين يتبنون كفر الروافض بالعموم منذ زمن بعيد كالشيخ ابن جبرين وكذلك الدعاة الذين تبنوا هذا الموقف أو ازداد تمسكهم به بعد الممارسات الفظيعة التي مارستها الشيعة في العراق بمعاونة الأمريكان، إلى الدرجة التي تساوى فيها رصيد الشيعة من ضحايا أهل السنة مع رصيد الأمريكان بواقع مائة ألف قتيل على يد كل من الطائفتين.
وبطبيعة الحال رأى هؤلاء أن هؤلاء الشيعة أكثر شراً من اليهود والنصارى أو مثلهم على أحسن الأحوال.
ومن ناحية التحليل الواقعي انقسم هؤلاء إلى فريقين:
الأول: من يرى أن هذا الصراع ما هو إلا تمثيلية كبرى بين الشيعة واليهود لتمكين الشيعة من رقاب أهل السنة، وأيدوا ذلك بوقائع سابقة أقربها المواجهات الكلامية والتحرشات الشكلية التي دارت بين "حسن نصر الله العراقي" أعني مقتدى الصدر، وبين الأمريكان والتي أعقبها تحالف الفريقان ضد أهل السنة كما أسلفنا.
والفريق الثاني: يرى أن هذا الصراع حقيقي وأنه لا يمنع من أن تتحالف قوتان في مكان وتتصارعان في آخر، مع القطع التام لدى هذا الفريق بأن الصراع بين حزب الله وإسرائيل هو حرب بالوكالة عن الصراع الإيراني الأمريكي.
ثانياً:- وعلى النقيض تماماً كان موقف بعض الاتجاهات الإسلامية المعروفة بسعيها بين التقريب بين السنة والشيعة، والذين يقدمون التحالفات السياسية على الثوابت الشرعية، ومن ثم جاء موقفهم مؤيداً وداعماً لحزب الله، وبلغت الحماسة ببعضهم إلى التشكيك في أن الشيعة قد سبوا الصحابة يوماً من الدهر أو أنهم أظهروا عداءً لأهل السنة بأي صورة من الصور، بل وبلغ الأمر بهم كذلك إلى نفي الحاصل من التحالف الإيراني الأمريكي في العراق، بل ونفي المذابح الشيعية لأهل السنة في العراق، أو تبريرها بأن هذه المذابح ليست نابعة من العقيدة الشيعية بقدر كونها نابعة من ممارسات النظام العراقي في السابق كما صرح بذلك بيان جماعة الإخوان المسلمين، وقد أضفى هؤلاء على عملية حزب الله أهدافاً لم يدعها الحزب نفسه منها تحرير القدس وتخفيف الوطأة عن الفلسطينيين، رغم أن الهدف الذي أعلنه الحزب من هذه العملية هو تبادل الأسرى ليس إلا.
وقد رفض هؤلاء حتى مناقشة العملية من باب المصالح والمفاسد الذي من المفترض أنه متفق عليه بين جميع الاتجاهات في تقييم عمل عسكري كهذا، ورفضوا مناقشة الأسئلة الكثيرة حول هل حققت هذه العملية أهدافها التي أعلنها حسن نصر الله؟ أو هل حققت شيئاً من الأهداف الأخرى كتخفيف الضغط على الفلسطينيين؟
لقد رفض هؤلاء كل الأسئلة التي سألوا أكثر منها للمجاهدين المنتسبين إلى السنة في الجملة في أماكن أخرى من ساحات القتال، بل ربما كانت إجاباتهم غالباً سلبية في حق المجاهدين سواء عندهم من أصاب أو من أخطأ.
وممن يمكن اعتبارهم صورة أكثر وسطية من هذا التيار هؤلاء الذين يرون وجود خلاف عقدي حقيقي مع الشيعة ومع ذلك يرون التقريب وإن كان صعباً إلا أنه لا مانع من السعي إليه مع تقديم بعض التنازل من قبل أهل السنة لاستقطاب عقلاء الشيعة، وهؤلاء دعوا إلى تأجيل الكلام تماماً عن مسألة السنة والشيعة في الوقت الذي يقاتل فيه حزب الله اليهود، ومن هؤلاء الشيخ سلمان العودة.
ويؤخذ على هذا الاتجاه عموماً محاولة وضع النظم السياسية في البلاد السنية مع دعاة السنة في خندق واحد كما يفعل أهل السنة مع الشيعة مع أن القاصي والداني يعلم أن الأمور ليست كذلك وأن إيران ومن ورائها حزب الله ترجع إلى مرجعية دينية شيعية صريحة، بخلاف الدولة السنية. وبين هؤلاء وهؤلاء كان لنا بفضل الله عز وجل موقفاً وسطاً قائم على النقاط الآتية:
1- اعتبار أن الروافض من شر أهل البدع لسبهم الصحابة- رضي الله عنهم-، ولكن هذه البدعة بمفردها ليست كفراً مع شناعتها مع إثبات الخلاف في تكفير من كفر أبا بكر وعمر وجماهير الصحابة نقلة القرآن والشريعة والراجح أنه كفر بالنوع وأما المعين فلابد من إقامة الحجة.
2- وأن هذا المذهب وحده داخله عقائد كفرية كدعوى تحريف القرآن وتصديق الإفك في عائشة- رضي الله عنها- وتأليه علي- رضي الله عنه- أو غيره من البشر مما علم بالضرورة من دين الإسلام كفر معتقد ذلك، ولكن كثيراً منهم متى سأل عن هذه العقائد نفاها ورغم علمنا بعقيدة التقية عند الشيعة إلا أننا ما زلنا ملتزمين بقاعدة إجراء الأمور على الظاهر والله يتولى السرائر ومن ثم لا يمكن تكفير الروافض بالعموم وقد ملنا في التوصيف الواقعي إلا أن القتال الشرس الدائر بين حزب الله وإسرائيل هو خلاف حقيقي تحركه المصالح الإيرانية من جهة حزب الله وتحركه العداوة الدائمة لكل من انتسب إلى الإسلام من جهة إسرائيل.
وبناء عليه وحيث أننا لا نملك إلا التمني فإننا تمنينا أن يذل الله اليهود ويعذبهم بأيدي من شاء ولو كانوا من أهل البدع مع التحذير من شر الروافض والخوف من أن ينخدع الناس ببطولاتهم في أرض المعركة فيروج عليه الباطل.
لقد كانت هذه المواقف تلقائية ممن اتخذها، ومع طول أمد الحرب إلى أربعة أسابيع، والإلماح إلى إمكان طولها أكثر من ذلك تتيحه تعسر المفاوضات اضطر الكثيرون إلى مراجعة مواقفهم حتى الشيخ ابن جبرين- حفظه الله- صاحب واحد من أكثر المواقف شدة على الروافض فقد أصدر فتوى أخرى بين فيها أن الفتوى التي نشرت لم تنشر تامة، وأن نص الفتوى الأصلي كان فيه كفر الروافض بناء على عقيدتهم في تحريف القرآن، وتصديق الأفك في عائشة- رضي الله عنها- (مما يفتح باب عدم تكفير من لم يعتقد ذلك منهم) كما أشارت الفتوى الجديدة إلى خطر اليهود وأنه الخطر الأكبر الآن مع التحذير من خطر الروافض.
كما أصدرت جماعة الإخوان المسلمين مناشدة للسيستاني الذي يمثل المرجعية الشيعية الكبرى في العراق أن يسعى بقوة إلى منع الميلشيات الشيعية- التي تواتر النقل عنها بقيامها بأعمال تصفية طائفية على حد وصف البيان- من مواصلة عدوانها على أهل السنة كما ناشدوا أهل السنة في العراق بالسعي إلى الإتحاد أمام الاحتلال الأنجلوأمريكي، وهذا البيان رغم تأخره الشديد ورغم لغته الشديدة الهدوء والتي لا تتناسب مع مائة ألف قتيل سني على يد المليشيات الشيعية لاسيما إذا قارنته بالبيان الرنان الطاعن في المخذلين عن نصرة حزب الله- وليس السافكين لدمائه- إلا أنه يمثل تغيراً ظاهرياً في موقف جماعة الإخوان.
وكذلك بدأ موقع "إسلام أون لاين" والذي يشرف عليه الشيخ القرضاوي بنشر بعض المقالات التي تتبنى موقفاً متحفظاً على حزب الله سواء من جهة العقيدة أو من جهة الإستراتيجيات، كان من أبرزها حوار " موقف علماء السعودية من حزب الله".
وقد كان الموقف الذي تبناه موقفاً وسطاً من أول الأمر بناء على عقيدة أهل السنة والجماعة وموقفهم من الرافضة ومعرفة دائرة الخلاف السائغ في ذلك. اقرأ الفتوى
وبعد ثلاث أسابيع من الحرب وبعد أن اتسع نطاق إجرام اليهود ليشمل النساء والأطفال ووجدنا أن كثيراً من إخواننا يرون أن اليهود رغم أنهم الأشد عداوة إلا أن خطرهم واضح لعامة الناس، بينما خطر الشيعة وإن كان دون خطر اليهود إلا أنه لخفائه على عامة الناس فيجب أن يعطى مساحة أكبر لبيان حقيقة الرافضة في مثل هذه الظروف مما قد يترتب عليه أن يكون هواهم شيعياً على عكس المقصود من التحذير ، ولذلك ناشدنا الدعاة إلى أن يتوازنوا في عرض الأحداث وأن يعطوا خطر اليهود حجمه الحقيقي وخطر الشيعة حجمه الحقيقي وأن يراعى أن لكل مقام مقالاً وأنه كما قال على- رضي الله عنه- " ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة".
هذه وقفة بعد أربع أسابيع من الحرب لعل الله أن ييسر لنا وقفة أخرى بعد انتهاء الحرب نأخذ فيها العبرة من أحوالنا ومن أحوال غيرنا نسأل الله إلى أن يوفقنا إلى ما يحب ويرضى وأن ينصر الإسلام ويعز المسلمين.
www.salafvoice.com
موقع صوت السلف