12-10-2015
في بداية الأمر وقبل الحديث عن العلاقات الإيرانية مع السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس و المصالح والمفاسد من هذه العلاقة ينبغي التذكير أن الحرب العراقية الإيرانية كانت نهاية "زواج متعة" بين منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة ياسر عرفات و الثورة الخمينية , حيث كان هناك علاقات متبادلة استفاد منها الطرفان جيدا توّجت بتسليم السفارة الإسرائيلية في طهران لمنظمة التحرير الفلسطينية لتكون مقرا للمنظمة، لكن موقف ياسر عرفات من الحرب الإيرانية على العراق جعله يخسر إيران نهائياً. بالنسبة لإيران فإن القضية الفلسطينية تعتبر "تيرمو متر" علاقاتها بالمجتمع الدولي مثلها مثل أي دولة إقليمية ,فكلما زاد تأثيرها في هذه القضية زادت أهميتها للمجتمع الدولي بخلاف ذلك فإن إيران تأثيرها على المستوى الفلسطيني الداخلي يساوي "صفر".
بعد أن وقعت إيران الاتفاق المبدئي مع الدول الكبرى حول الملف النووي بدأت تصريحات إعلامية مختلفة تخرج عن مسؤولين في السلطة الفلسطينية برام الله حول تطوير العلاقة مع إيران، وفي بداية أغسطس الماضي زار اليساري أحمد مجدلاني طهران وصرح بأنه قابل مسؤولين إيرانيين كبار و تحدث معهم عن تعميق العلاقات الفلسطينية الإيرانية لا سيما و أن إيران أصبحت جزء من المنظومة الإقليمية. إن التحرك الفلسطيني الدبلوماسي جاء نتيجة تلقائية للتحرك الأمريكي إزاء إيران فلن تجرؤ السلطة الفلسطينية على الخوض في علاقات مع إيران حرمتها الأعراف الدبلوماسية الأمريكية، لكن على مستوى الصراع فإن إيران لن تحقق الكثير من علاقاتها مع السلطة كون السلطة الفلسطينية لديها رؤية خاصة بالمحافظة على السلام مع إسرائيل بعكس ما تنادي به إيران وإن كان لا يتعدى الشعارات فقط.
لم تكن زيارة مجدلاني هي الأولى من نوعها ففي يناير/2014 التقى المسؤول الفلسطيني اللواء جبريل الرجوب ، مع محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني في طهران، اعتبرت صفحة البداية في العلاقات بين طهران والسلطة.
وقال نائب أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح جبريل الرجوب لوكالة فرانس برس في اتصال من طهران "التقيت مع كل من وزير الخارجية الإيراني لمدة ساعة بحثنا فيها العلاقات الثنائية الفلسطينية الإيرانية والتطورات السياسية في المنطقة". لم يكن ذلك هو العرض الأول الذي يقدمه الرجوب على مستوى العلاقات الإيرانية مع السلطة الفلسطينية فقد التقى في أبريل/2013 بصفته نائب أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح و بوساطة من سفير السلطة في لبنان أشرف دبور ،مع السفير الايراني في لبنان غضنفر ركن آبادي ,و قال حينها إن اللقاء الذي عقد في مقر السفارة الفلسطينية في بيروت ناقش الأوضاع في المنطقة. على صفحته على فيسبوك أيضا نشر جبريل لرجوب صورة له مع السفير الإيراني في تونس الدكتور بيماني جبلي، بتاريخ/3/9/2014 .. جبريل الرجوب الذي يقود حالة التوتر بين المملكة العربية السعودية و السلطة الفلسطينية بصفته رئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة الفلسطيني، على خلفية أزمة انعقاد مباراة كرة قدم بين المنتخب الوطني السعودي و نظيره الفلسطيني ضمن تصفيات آسيا لكأس العالم، يريد أن يصعد قدر المستطاع ليس بهدف إثبات الحق الفلسطيني باللعب على أرضه ,بل من أجل إحراج المملكة العربية السعودية التي لا ترتبط بعلاقات مع إيران، فبالرغم من صدور قرار من "الفيفا" بنقل المباراة لملعب محايد إلا أن الرجوب نقض القرار و أصر على أن يأتي المنتخب السعودي للعب في القدس، إن ما يجري من مهاترات حول مباراة لكرة القدم الغاية منه تصعيد فجوة العلاقات الفلسطينية مع المملكة العربية السعودية ,لا سيما وأن المملكة العربية السعودية ومنذ تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم لم تستقبل السعودية رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس سوى مرة واحدة خلال تقديمه واجب العزاء بوفاة الملك عبدالله بن عبد العزيز رحمه الله بالإضافة إلى أن ذلك يخدم إيران و إسرائيل بنفس الطريقة.
جبريل الرجوب كان سابقا مديرا لجهاز الأمن الوقائي و كان هذا الجهاز الذي تقاسم على رئاسته مع القيادي السابق في حركة فتح محمد دحلان بمثابة أداة القمع الأكثر تأثيرا على قمع العمل الفلسطيني المقاوم ضد إسرائيل، وهو الأكثر قرباً من الأجهزة الأمنية الصهيونية و الأمريكية، لذلك فإن الأجندة التي يتحرك بها الرجوب ليس كروية بريئة خصوصاً و أن تاريخه الرياضي لا يذكر، لذلك فإن ما يحركها أجندة أمنية سياسية بحثة يقف خلفها أعداء هذه الأمة. و لضمان قاعدة تحافظ على عباس في منصبه تم إرضاء جبريل الرجوب بلعب دور رجل النهضة بالنسبة للرياضة الفلسطينية ,لكن في الحقيقة منصبه في المجلس الأعلى للشباب و الرياضة سمح له الدخول و الخروج من جميع الأبواب المغلقة بالنسبة للسياسة العربية و الإسلامية ,و باسم قضية شريفة لطالما تعلق بها العالم الإسلامي.
بعد الرجوب لابد التطرق لدور جيش التحرير الفلسطيني الذي أنشأته و دعمته العراق لتحرير فلسطين في ستينات القرن الماضي و اليوم تحول لأداة من أدوات النظام السوري لقمع المخيمات الفلسطينية و المدن السورية، فهو يضم عشرات الآلاف من المقاتلين و تموله السلطة الفلسطينية عن طريق مؤسسات منظمة التحرير في سوريا، وفي سياق الحديث عن قوات جيش التحرير الفلسطيني في سوريا، لابد من الإشارة إلى أن الفترات الأطول من الخدمة الميدانية لهذه القوات تمت في الأردن ولبنان إلى العام 2000 حيث انسحب الجيش السوري من لبنان.
تعداد هذه القوات على الأراضي السورية والأردنية والمصرية واللبنانية والفلسطينية، لعام 2009 حوالي 350 ألف مقاتل، جدير بالذكر أن هذه القوات تدين بالولاء إلى حزب البعث - تنظيم فلسطين وهو الجناح السياسي منظمة الصاعقة الفلسطينية ,وولاؤها المطلق للنظام السوري. ويخضع اللاجئون الفلسطينيون في سوريا وحدهم من بين كل الفلسطينيين في الشتات للتجنيد العام في صفوف جيش التحرير الفلسطيني.
بالعودة إلى الحديث عن تطور العلاقات بين السلطة الفلسطينية و طهران، فإن التصريحات الصاخبة الذي ثارت في اغسطس الماضي عقب زيارة مبعوث محمود عباس لطهران، أحمد مجدلاني، و تبشيره بفترة مزدهرة في العلاقات، حتى اللحظة لم تثمر، فقد بشر مسؤولون في السلطة عن زيارة مرتقبة سيقوم بها عباس لطهران لكن لم تتم هذه الزيارة، فقد نقلت صحيفة الرسالة الفلسطينية عن مسؤول إيراني بأن إيران غير مهتمة بالزيارة كون السلطة بعيدة عن خيار المقاومة التي تعتبره إيران روح ثورتها الخمينية.
اعتبرت هذه الخطوة من قبل السلطة الفلسطينية في عدة اتجاهات أولها تعقّد العلاقات بين حركة حماس و طهران، و آخرها المشهد العالمي المختلف ,حيث أصبحت إيران تقترب أكثر من الأجندة الأمريكية في المنطقة، لكن على الصعيد الفلسطيني الداخلي فإن إيران لن تزيد عمّا يقدمه العالم العربي و الإسلام السني للشعب الفلسطيني، بقدر ما روجت إيران لنفسها على أنها الداعم الأبرز للقضية الفلسطينية ,فإن ذلك يكذبه الواقع، فقد مرت غزة بحروب عدة لم تحرك إيران مليشياتها في سوريا أو لبنان دفاعاً عن غزة ضد إسرائيل بينما حركتها لمقاتلة الجماعات السنية في سوريا و لبنان و اليمن و العراق. كذلك في الوقت الذي تضخ فيه المملكة العربية السعودية مئات ملايين الدولارات لخزينة السلطة الفلسطينية لم نسمع يوماً أن إيران أرسلت دولاراً واحداً، كذلك على صعيد الدور الإنساني و الإغاثي فإن ما تقدمه إيران في هذا المجال لا يتعدى صفرا مقارنة بما تقدمه الجمعيات الخيرية السنية.
يجب هنا أن نذكر أن السلطة الفلسطينية تلعب دوراً وظيفياً في العلاقات مع الأطراف الإقليمية ,و لا يحرك هذا الدور إلا أجندة إسرائيلية أمريكية خالصة ,و يرتبط ذلك بأي بعد وطني فلسطيني باستثناء أن القضية الفلسطينية هي الراية التي يلوح بها الجميع، و السجل التاريخي و الأمني لمنظمة التحرير حافل بذلك، لذا ما يجب قوله في محرك العلاقات الإيرانية الفلسطينية بأن تلك العلاقات لن تخرج إلى العلن طالما أنها ستخدم إيران سراً، في حال حصلت السلطة على مبالغ مالية مقابل خدمات قد تقدمها إيران و أولها أن تصنع فجوة ضخمة بين المملكة العربية السعودية بصفتها الحاضنة العربية السنية للقضية الفلسطينية و الشعب الفلسطيني، فقد فعلت منظمة التحرير ذلك سابقاً وستفعله دائماً. ومن المعلوم أن آخر زيارة قام بها عباس لطهران عام 2012 للمشاركة في مؤتمر دول عدم الانحياز، وفي تلك الفترة رفضت إيران استقبال وفد حركة حماس على خلفية موقفها من القضية السورية.
المصدر : المثقف الجديد