رحلة المهاجر الفلسطيني أحمد الحردان من بغداد إلى النرويج
شاب فلسطيني اسمه أحمد اشتهر بين الناس بلقبه المعروف " أبو راس " تميز بشجاعته ومواقفه في مجمع البلديات وجرأته في الدفاع عن أهله وأصحابه وأبناء جلدته في المجمع ، بل عمل في حراسة جامع القدس عندما كان يتعرض لهجمات الغربان السود وعناصر الشر الطائفي الصفوي.
الشاب أحمد محمد سعيد الحردان من مواليد ( 28/9/1981 ) اضطر لمغادرة العراق بعد زواجه بعشرة أيام ، وبعد رحلة طويلة ومأساة ومعاناة حصل بعد ظهر الجمعة الموافق 24/4/2009 على الإقامة الدائمة في النرويج مع عائلته المتكونة من زوجته وطفلته آية ( سنة وست شهور ) وبكر ( خمس شهور ) .
لكن دعونا نمر وبشكل موجز على أهم مراحل تلك الرحلة الشاقة من بغداد إلى النرويج ؛ حيث خرج الشاب أحمد أبو راس مع زوجته من بغداد بتاريخ 19/11/2006 باتجاه إحدى الدول العربية بعد مضي عشرة أيام على زواجه وبعد عقد قران دام سنتين - تشرفت بإبرام العقد الشرعي آنذاك عندما كنت إمام وخطيب جامع القدس - وبسبب الضائقة المادية وظروف العمل الصعبة واستكمال بناء شقة متواضعة فوق سطح إحدى العمارات في المجمع ، ناهيك عن كثرة الهجمات التي كان يتعرض لها المجمع من قصف بقذائف الهاون ومحاولات خطف واعتقالات عشوائية وقتل مباشر ، إذ يتذكر أبو راس العديد من رفاقه وأصحابه وأقربائه ممن استشهدوا - بإذن الله - جراء تلك الأعمال العدوانية ضدهم لاسيما عم زوجته الفقيد إسماعيل فريد إبراهيم برصاص الغدر بتاريخ 26/6/2006 أثناء الهجوم العنيف على المجمع .
عائلة الشاب أحمد متكونة من والده المولود في البصرة عام ( 1949 ) وينحدر من قرية إجزم إحدى قرى قضاء حيفا شمال فلسطين الحبيبة المحتلة ؛ ووالدته المولودة في بغداد عام ( 1955 ) وأربع شقيقات وأخوين آخرين .
اضطر والده ووالدته وإحدى شقيقاته مغادرة العراق إلى إحدى الدول العربية مطلع 2006 بسبب تدهور الوضع الأمني في البلاد ، إلا أن هاجس الإقامة في بعض الدول العربية أصبح كالشبح الذي يلاحق عدد من العوائل .
محمود الأخ الأكبر لأحمد غادر العراق عام 1996 إلى الأردن عسى أن يكون له نوع من الاستقرار إلا أن صعوبة الإقامة وعدم استقراره اضطره لمغادرتها إلى نيوزيلندا عام 2001 ، وقد مر أيضا برحلة قاسية ومحنة كبيرة في طريقه ، إذ بقي في البحر قرابة ثلاثة شهور وقد فقد أثره حتى أتت سفينة حربية أنقذتهم وهو الآن مقيم في نيوزيلندا مع زوجته هناك .
مصطفى الأخ الأصغر لأحمد متواجد حاليا في اليونان حاول الوصول إلى بلد آخر طلبا للاستقرار إلا أن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن وظهرت بصمته ( الدبلن ) هناك ولازال مصيره مجهول ومنقطع عن بقية أفراد عائلته .
إحدى شقيقات أحمد وصلت مؤخرا مع أطفالها إلى النرويج طلبا للجوء والإقامة ، وشقيقته الأخرى مع عائلتها في ألمانيا منذ ثلاث سنوات ينتظرون الإقامة التي قد تتيح للجميع زيارة بعضهم البعض ، ويكاد يكون هذا نموذج مصغر لأغلب العوائل الفلسطينية التي كانت تعيش في العراق قبل عام 2003 .
عودا إلى ما كنا قد بدأنا به من رحلة شاقة للشاب أحمد الذي يتمنى لم شمل عائلته بعد هذا الفراق والتشتت وأمله بالله كبير في تحقيق ذلك ، ولما فكر بالخروج من بغداد لما أسلفنا من التضييقات المستمرة قرر السفر إلى إحدى الدول العربية على أمل البقاء فترة من الزمن ، وبعد قرابة خمسة شهور غادر بتاريخ 31/4/2007 إلى تركيا مرورا بالأردن حيث لابد من المبيت ليلة كاملة هناك ولم يتم السماح لهم بدخول فندق الترانزيت واضطر أن يبيت مع زوجته في صالة الانتظار .
بعد ليلة شاقة وصل إلى إسطنبول وبحث عن فندق رخيص الثمن حتى وجد الليلة ( 15 دولار ) ثم اتصل بشخص يتم من خلاله نقلهم إلى اليونان وهو المهرب ليطلب منهم القدوم إلى أزمير للذهاب إلى اليونان عبر البحر لكن لم يحل هذا لأن المهرب لم يصدق معهم ما اضطرهم الرجوع إلى إسطنبول .
يروي أحمد جانب من تلك الرحلة الشاقة والمعاناة حيث يقول : بقينا في شوارع إسطنبول إلى منتصف الليل لأنه لم يكن بحوزتي مال ، لأننا وضعنا المال عند أحد الأصدقاء من الفلسطينيين ، لكن وجدنا فندق الدفع فيه بعد المغادرة وفعلا أقمنا فيه واتصلت بشخص واتفقت السفر معه إلى اليونان عبر البحر وطلب منا مبلغ ( 1500 دولار ) للشخص الواحد ، وفعلا غادرنا تركيا يوم 24/5/2007 عبر البحر وقد تعطل القارب مرتين أثناء الرحلة ، بعدها وصلنا إلى جزيرة ساموس في اليونان ما بين العصر والمغرب لتبدأ المأساة .
يقول أحمد : نزلنا من القارب التجأنا إلى الجبال وبقينا نمشي صعودا ثلاث ساعات وبعد التعب الشديد والإعياء والعطش - وكانت زوجتي حامل في الشهر الخامس - وجدنا في الطريق مطعم جلنا بعض الوقت هناك شربنا الماء وأكلنا بعض الطعام ثم رأيت صاحب المطعم يستخدم الهاتف فتركنا المطعم بسرعة وفي الطريق أمسكت بنا الشرطة ، وضعونا في سيارة نوع ( van ) وذهبوا بنا إلى مركز الشرطة حيث التعامل القاسي وكان معنا أحد الأشخاص وتعرض للضرب لعدم تحدثه اللغة الإنكليزية كي يخبرهم بتاريخ ميلاده بشكل صحيح .
يواصل أحمد تذكر فصول هذه الرحلة قائلا : كان الشرطة لا يقتربون منا بل يقرفون ويتكلمون معنا من بعيد ، وبعد ذلك أخذوا أسمائنا ثم نقلونا إلى المستشفى للفحص والتأكد من سلامتنا وخلونا من الأمراض ، ثم وضعونا في السجن وهو عبارة عن بناية صغيرة فيها 300 شخص لا يوجد فيها نافذة للتهوية يختلط فيها الرجال والنساء ، والطعام سيء جدا والخبر أيضا ، والتعامل أيضا سيء للغاية من شتائم وإهانات وضرب ، إذ كانت أيام عصيبة جدا .
سجن أحمد وزوجته والجنين الذي في بطن أمه ثم أخذت بصماتهم ليفرج عنهم بعد ( 15 يوما ) ثم انتقلوا إلى أثينا عن طريق البحر قرابة ( 13 ساعة ) بعدها ذهبوا إلى أمونية وسط أثينا بحثا عن فندق رخيص الثمن إلا أن الفنادق كانت غير جيدة مكثوا فيها ( 15 يوما ) .
بتاريخ 21/6/2007 غادروا إلى الدنمارك وفي المطار بدأ يسأل كيف الذهاب إلى مالمو ، فقابل أحد الأشخاص العراقيين طلب منه المساعدة فرفض إلا مقابل مبلغ من المال فرفض أحمد ذلك وقال له أتوكل على الله أفضل منك ، ثم سأل شخص آخر أجنبي فأرشده إلى القطار ثم وصل مالمو وقد أوصله أحد العراقيين إلى فندق آرلوف .
قدم أحمد ( أبو راس ) طلبا للجوء في السويد واستمرت الأمور طبيعية من تاريخ 21/6/2007 لغاية 13/11/2007 حيث استلم قرار الرفض مع التسفير الفوري ، ثم استأنف وتم رفضه أيضا ، بقي هكذا لغاية 20/2/2008 حيث ذهب إلى النرويج لوجود قانون عدم التسفير إلى اليونان .
تم وضعهم في كمب تانوم لغاية 3/3/2008 ثم انتقلوا إلى كمب آخر اسمه " لورين " يقع في أوسلو وبعد أسبوعين ذهبوا إلى الكمب الدائمي وهو عبارة عن شقة صغيرة لا بأس بها تقع في غرب النرويج ( عشر ساعات عن أوسلو ) وبعد مرور سنة وشهرين وخمسة أيام حصل على الإقامة الدائمية في النرويج .
رحلة شاقة ومأساة حقيقية مر بها العديد من اللاجئين الفلسطينيين مع اختلاف في بعض الجزئيات ، ولسان حال الشاب أحمد متى سيلتئم شملنا مع أهلنا وأحبابنا وهل حقا سنعود إلى أرضنا المغتصبة بعد كل تلك المسافات المليئة بالمحن والآهات ؟ أم أن الحق لابد أن يرجع لأصحابه الشرعيين طال الزمان أو قصر ومهما تنوعت الفتن والابتلاءات .
26/4/2009
أيمن الشعبان