احتراق إيران في لهيب الثورة السورية

احتراق إيران في لهيب الثورة السورية
احتراق إيران في لهيب الثورة السورية

 د. أيمن محمد هاروش – كاتب من سوريا

من يرمق الثورة السورية عن كثب ويحلل أحداثها يدرك أنها ثورة تتميز بخصائص لم تكن موجودة فيما قبلها من ثورات الربيع العربي، بل أكاد أقول: ولا في ثورات التاريخ البشري، لأنها الثورة الأولى التي لن يسقط بنجاحها نظام واحد بل أنظمة، ولن تتغير فيها معالم دولة بل معالم دول، وقد يكون هذا هو السبب الأهم في تشرذم الموقف الدولي تجاهها، واشتداد الصراع العالمي حول اتخاذ قرار موحد بشأنها؛ والذي أريد أن ألقي الضوء عليه هنا هو تأثير الثورة السورية وما سيعقبه من تغيير في ملامح الجغرافية السياسية في المنطقة على إيران.

ملامح المشروع الإيراني

النظام الإيراني نظام يقوم على منظومة دينية، وهي مبادئ الشيعة الإمامية الإثني عشرية، ومن المعلوم أن النظم الدينية والأديولوجية تتسم بالتشدد والتعصب لمبدئها وتوجهها، ويزداد التعصب كلما كان المذهب أو الدين متطرفا، وقد يوافقني القول كل من درس المذهب الشيعي الإثني عشري بأنه من أكثر المذاهب تطرفا وتعصبا إن لم يكن أشدها، والذي أعنيه بالتطرف هنا هو الغلو في سياسة الإقصاء للمخالف والتدين باضطهاده وسحقه.

ولذا اتبعت إيران سياسة تصدير الثورة للدول السنية، وسياسة ونشر التشيع ومحاربة أهل السنة في كل مكان دينا وأشخاصا، وهي لا تفتأ تتخذ كل حيلة وسبيلة لمد نفوذها الشيعي وتجيد التعامل مع خصوصيات كل بلد، ولربما سخرت من طاقاتها  لهذه الغاية أضعاف ما سخرت لمحاربة اليهود، هذا إن سلمنا بأنها حاربت أو تحارب اليهود، لأن من قرأ أدبيات الشيعة ونظر بعين ثاقبة إلى الأحداث يدرك أن اليهود في المرتبة الثالثة في قائمة الأعداء لإيران، فالعدو الأول هم السنة ثأرا للحسين – الذي قتله شيعة الكوفة!- واسترجاعا للخلافة المنهوبة منهم، كما يزعمون بهتانا وزورا، وتحريرا لمكة والمدينة من أيدي أهل السنة، والعدو الثاني هم العرب ثأرا لأمجاد فارس التي أطاح بها العرب وهو ما تستشفه من كتبهم وتصريحاتهم، ثم العدو الثالث: اليهود استرجاعا للقدس ليكون في حوزتهم، وبما أن العدوين الأوليين موجودان فالثالث في خانة الأصدقاء، ولذا فهي تريد السيطرة على العالم السني العربي لتحقق مكاسبها قبل سيطرتها على فلسطين.

دور إيران في سوريا

منذ أن نجحت ثورة الخميني في إيران سارع النظام النصيري في سوريا لمباركتها مع أن النصيرية والإثني عشرية على خلاف عقيدي معلوم، لكن جمَعهم الكره للسنة والولادة من رحم التقديس لأهل البيت المزعوم.

كما سارع الخميني ومن قبل نجاح الثورة الإيرانية لاعتبار النصيرية من الشيعة، كما جاء في كتاب (وجاء دور المجوس) "أن سماحة العلامة السيد حسن مهدي الشيرازي قام على رأس وَفْدٍ من علماء الشيعة الإيرانيين بزيارة لمناطق النُّصَيرية في جبلهم، والساحل المنكوب الذي تسلَّطوا على بعض أحيائه، ومنطقة طرابلس الشام حيث هاجر إليها بعضهم من الجبل، وخلال هذه الزيارة التقى الشيرازي بعلماء النصيرية ووجهائهم وأهل الرأي فيهم، وتبادَل معهم الخُطَب والأحاديث وتوصَّلوا إلى النتائج التالية:

1- أن العلويين هم شيعةٌ ينتمون إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بالولاية، وبعضهم ينتمي إليه بالولاية والنسب كسائر الشيعة الذين يرتفع انتماؤهم العقدي إلى الإمام علي، وبعضهم يرتفع إليه انتماؤه النَّسبي أيضًا.

2-  أن العلويين والشيعة كلمتان مترادفتان مثل كلمتي الإمامية والجعفرية، فكل شيعي هو علوي العقيدة، وكل علوي هو شيعي المذهب.

هذا هو خلاصة البيان الذي وقَّع عليه أكثرُ من سبعين شيخًا ووجيهًا ومثقَّفًا يمثِّلون مختلَف قبائلهم وتكتُّلاتهم، وصدر هذا البيان تحت عنوان: (العلويُّون شيعة أهل البيت)"([1]).

وفي عام 1974م استصدر موسى الصَّدر قانونًا في لبنان أصبح النصيريون الذين يقطنون في شمال لبنان بموجبه شيعة جعفريين، وأقام لهم مفتيًا خاصًّا بهم في سنة 1978م([2]).

 وبدأ الحلف النصيري الشيعي في محاربة أهل السنة، ونشر التشيع في سوريا وبدأ النفوذ الإيراني في سوريا ينشط من خلال عدة قنوات:

1- الدعاية الإعلامية المروجة لإيران على أنها عدوة لإسرائيل ونصيرة للعرب وهو ما لقي قبولا في المجتمع السوري، ولا سيما وأنه مجتمع لا يعرف حقيقة الشيعة لأسباب كثيرة لعل أهمها تقصير المنابر العلمية الشرعية في تعريتهم وذلك لغلبة الصبغة الصوفية عليها، ومحاربة النظام لأي شكل من أشكال الحديث عن الشيعة تحت ستار نبذ الطائفية.

2- وضع يد إيران على المعالم الدينية الشيعية في سوريا حيث استولت على السيدة زينب وأقامت مسجدا ضخما على الطريقة الإيرانية فيها كما اقتطعت الدولة لها جزءا من أراضي البلدة حول المقام، ورافق بناء المسجد إقامة حوزة علمية ومركز دعوي ينشر الكتب المعرفة بالمذهب، وفعلت مثل هذا في مقام السيدة رقية في دمشق القديمة واستولت على مساحة كبيرة من حي المشلب في الرقة لبناء مسجد ومركز دعوي في مدينة الرقة على شهداء صفين لكن توقف المشروع لعدد من السنوات لأسباب غير ذات بال ثم جدد في عام 2002 وأصبح قريبا من مقام السيدة زينب.

وكانت تقام فيها المحاضرات العلمية للتعريف بالتشيع وإقامة طقوس الشيعة من لطم وضرب ومسيرات في الشوارع، ولم يخلُ الأمر من ترويج لزواج المتعة،  كما كانت تقام فيها نشاطات سياسية للتحريض على صدام وتأييد الخميني، ورأيت ذلك بعيني وسمعته بأذني في السيدة زينب بدمشق، مما أدى إلى انتشار التشيع في تلك المناطق.  

لكن ظل تشيع السوريين قليل وبطيء الانتشار بينهم، إلى أن جاء دور بشار وانهيار جدار صدام حسين - الذي كان يشكل مانعا قويا من انتقال التشيع لسوريا- وصار العراق مستعمرة لإيران وأصبح التشيع يصول ويجول في سوريا، وأضافت إيران إلى الوسائل السابقة وسائل أخرى منها:

1- التركيز على العشائر من خلال استقطاب شيوخها والتأثير عليهم ليقبلوا التشيع وينشروه بين أبناء عشائرهم وسوقت لهم ذلك بتقديم المغريات المالية وتقوية نفوذهم في الدولة بسوريا، فقد حدثني أحد شيوخ العشائر الذين أرسلت لهم ايران لزيارتها برفقة وفد عشائري أنهم بعد سياحة في معالم إيران وتقلبٍ بالنعيم، عرضت عليهم إيران التشيع ونشره في عشائرهم وأنها ستقدم لهم كل ما يحتاجونه من مال وأن شؤونهم في الدولة السورية سترتفع ونفوذهم سيقوى، كما حاولت أن تقنع العشائر التي تنحدر من آل البيت بأن أصولها شيعية كعشائر البقارة والنعيم والبوسرايا، واقتنع البعض بذلك أو أقنعته الأموال.

2- بث دعاة ومبشرين للتشيع، فقد اعتمدت مبشرين لها يسكن كل واحد منهم منطقة معينة ويقومون بالانخراط مع الناس في أفراحهم وأتراحهم وسهراتهم ويبثون الفكر الشيعي بالتدريج مصحوبا بدعم مالي لمن يتشيع، حتى دخل في التشيع عدد كبير ولا سيما في المحافظات الشرقية (الرقة والحسكة ودير الزور).

3- مساعدة الحكومة السورية لها وذلك:

 أ- بالسماح بإقامة كليات شرعية ومعاهد تدرس المذهب الشيعي كما حدث في السيدة زينب وإدلب واللاذقية والرقة.

ب- محاربة كل من يتكلم على الشيعة ولا سيما السلفيين تحت اسم مكافحة الإرهاب حتى امتلأت السجون بالسلفيين وما عاد أحد يجرؤ على أن ينتقد فكرة شيعية أو يدعو لفكرة سلفية.

كل هذا شكّل لإيران عصرا ذهبيا في سوريا وصل خيره ونعيمه لحزب الله في لبنان بلا شك فتحقق الهلال الشيعي الذي كانت تحلم به إيران وأصبحت الخطوة القادمة أن تمتد إلى الخليج في طريقها للسيطرة على مكة، فما الذي حدث؟

شبح الثورة السورية

وكان أن ثار الشعب السوري، ونادى بإسقاط النظام، وأي نظام؟ نظام خدم إيران أكثر من أبنائها ومر التشيع في ظله - ولا سيما بعد انهيار جدار صدام حسين- في أزهى صوره، ومن هو النظام القادم؟ بلا أدنى شك نظام سني، ستخسر فيه إيران كل ما اكتسبته في نظام الأسد، وسيعود الجدار لكن هذه المرة في سوريا وليس في العراق، وسينقطع الحبل السري بين إيران وحزب الله، وستعود إيران ربما إلى ما قبل الصفر في تحقيق مشروعها الكبير، هذا إن لم يقم النظام البديل بمحاربة التشيع ومنْح جوٍ من الحرية يعيش فيه الفكر السلفي الكفيل بأن يسنن الشيعة الأصليين فضلا عن إعادة المتشعين بالحجة والبرهان.

إذن فالثورة السورية في الحقيقة ثورة على إيران والخاسر الأكبر فيها هي إيران، من هنا أجلبت إيران بخيلها ورجلها، واستنفرت لواءها المتقدم في لبنان، وحركت حلفاءها الروس والصينيين تستحلفهم بما بينها وبينهم من مصالح أن ينقذوها من هذا المقتل الخطير، فاستكملت حلقات المؤامرة على الثورة السورية، وتشكل الخطر المخيف للدول الغربية من أن تفكر بليبنة سوريا.

وأعلن مراجعها الجهاد في سوريا فانهال من جنود حزب الله وجيش المهدي وأبناء الطائفة النصيرية ليدافعوا أو ليجاهدوا حتى تبقى إيران في سوريا. ولكن رغم كل هذه الجهود لم تستطع إخماد الثورة السورية، وبوادر هزيمتها تلوح في الأفق.

فرصة الخليج

وأمام هذه الأحداث لابد للسنة في العالم عامة وفي الخليج خاصة أن ينبروا للدفاع عن الثورة السورية ودعمها، فهي ليست ثورة سورية بل ثورة السنة قاطبة، فالسوريون يجاهدون بالوكالة عن كل أهل السنة، وقد لاحت لكم الفرصة يا أهل الخليج لتقلموا أظفار إيران وتفشلوا لها مشروعها الكبير.

فأين مواقفكم التي تليق بالحدث، وأخيرا أقول لكم: إن لم تنصروا السوريين لأنهم إخوتكم في الإسلام وإخوتكم في العروبة، فانصروهم لأنهم يدافعون عن وجودكم المهدد من إيران، ولئن فشلت الثورة السورية - لا قدر الله- فاعلموا أن المرحلة القادمة من المشروع الإيراني هي الخليج لأن العراق وسوريا ولبنان صارت بيدها، وجاء دور الخليج، فحصنوا بقاءكم بمساعدة الشعب السوري.

ولأن السوريين يدركون حجم الثورة التي يقومون بها فكان ذلك من أكبر العوامل التي منحتهم الإصرار والثبات، لأنها إن فشلت فسلام على السنة وتجهزوا للتشيع المسيس ولحياة تبدأ بالذل وتنتهي به، وما أقبح حياة الذل، لذلك قالوا: الموت ولا المذلة.

المصدر:الراصد

 

[1] - وجاء دور المجوس ص 397- 400.

[2] - المرجع السابق

 



مقالات ذات صلة