فلسطينيو العراق بين إهمال العرب وإزدواجية الغرب!

بواسطة أيمن الشعبان قراءة 1649

فلسطينيو العراق بين إهمال العرب وإزدواجية الغرب!

 

استقبلت فرنسا مساء يوم 8 نوفمبر/تشرن الثاني 37  جريحاً أصيبوا في الهجوم الذي استهدف كنيسة للسريان الكاثوليك وسط العاصمة العراقية قبل أكثر من أسبوع.

ووصلت الطائرة التي تقل 57 شخصا بينهم ذوو الجرحى الى مطار أورلي في باريس. هذا وكانت فرنسا قد عرضت عقب الهجوم على 150 عراقيا منحهم حق اللجوء.

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن دبلوماسي فرنسي في المطار قوله إنه تم اختيار الجرحى تبعا لخطورة إصابتهم بالتنسيق بين السفارة الفرنسية ومطرانية السريان الكاثوليك في بغداد. من جهته، قال جاجة "إنها عملية إنسانية طارئة تندرج ضمن إطار التقاليد الفرنسية". (1)

كذلك أعلن وزير الهجرة الفرنسي اريك بيسون استقبال مجموعة ثانية من 93 شخصا يجري حاليا اعداد لائحتهم، "خلال الاسابيع القادمة".  (2)

بعيدا عن السياسة وتعرجاتها والاضطراب الحاصل في العراق، واختلاط الأوراق والجهات المستفيدة جراء تلك الأوضاع، ومن الخاسر والرابح في تلك المنازلات؟؛ تأملت قليلا في موقف فرنسا – الإنساني – من استقبال جرحى كنيسة النجاة ومنح آخرين حق اللجوء، جاء ذلك مباشرة بعد تلك الأحداث الدامية! وبدأت أقارن بالوجه الذي تعاملوا به مع قضيتنا، بالإضافة للإهمال الكبير من قبل العرب، الذين هم أولى وأحرى من غيرهم في تلك الحالات.

قد لا نستغرب هذا الموقف لأن ربنا جل وعلا يقول } وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ (3) ، ولا اعتراض أصلا على هذا التصرف الإنساني ، لكن الغريب في الأمر بحسب تصريحات فرنسا وجميع دول الغرب وغيرهم ممن يتغنون بحقوق الإنسان، ومعاداة العنصرية وإنصاف المظلومين المضطهدين المستضعفين، نجد ازدواجية واضحة ومحاباة جلية وتناقض في التصرفات، لاسيما إذا تعلق الحدث أو الأمر بمسلم وتحديدا مأساة الفلسطينيين في العراق!

لماذا لم تبادر فرنسا استقبال فلسطينيين من داخل العراق تعرضوا طيلة سنوات لانتهاكات؟! وهل غفلت فرنسا عن العديد من الجرحى والحالات المرضية والذين ذاقوا الأمرين في الصحراء وما حالة أخونا عامر ملحم عنا ببعيد؟! لماذا اكتفت فرنسا بعدد قليل وزهيد جدا من الفلسطينيين بعد معاناة ومقاساة سنين من الظروف الصعبة، وفرقتهم بمدن وقرى متباعدة لتحكم عليهم بالضياع الاجتماعي؟!

لطالما القضية إنسانية وتندرج تحت التقاليد الفرنسية بحسب تصريحاتهم، إذا لابد أن تشمل حالات مماثلة بعيدا عن الديانة والجنسية والعرق والتقيد بجنس الإنسان! إلا أن الواقع مناقض ومنافي للادعاءات والتصريحات، على الأقل لو قارنا بين كارثة باكستان بهذه الحادثة وكيفية التعامل، وكذلك بما حصل من زلزال في هاييتي ، وكيف تعاملت معه راعية حقوق الإنسان في العالم أمريكا إيجابيا في حين إهمال واضح في كوارث أخرى!!

الآن في تلك اللحظات هنالك مئات من اللاجئين الفلسطينيين يرزحون في صحراء الوليد داخل الأراضي العراقية، والهول داخل الأراضي السورية، بعضهم لهم أكثر من أربع سنوات!! فأين دول الغرب وفرنسا عنهم؟! أليس هذا موت بطيء وهنالك حالات وفاة عديدة قد وقعت؟ أم ينتظرون حصول كارثة جماعية ودماء وأشلاء حتى يتحركوا وقد حصل في التنف ولم يُحركوا ساكنا!!

قد يقول قائل بأن جميع الفلسطينيين المهجرين من العراق في تلك المخيمات، قد استوعبتهم دول أوربا وأمريكا وكندا وأستراليا وغيرها من الدول، فلِمَ الاعتراض؟ نقول نعم هذا ما حصل مع الإجحاف في التعامل والازدواجية في المقاييس، وانحراف المعايير واضطراب التوقيتات وإهمال في العديد من الحالات، لكن تعجبنا من سرعة المبادرة لفئات وطوائف معينة، وإهمال واضح وكبير واستغفال للفلسطيني وغيره في العديد من المواقف، وما يحصل في قبرص من عنصرية واضحة بدأت أنيابها تلوح في الأفق وتتبجح ليس عنا ببعيد.

بطبيعة الحال هنالك تعاطف ديني وعرقي وعنصري، بين تلك الدول وأبناء جلدتهم لاسيما النصارى منهم، وهذا أمر فطري وجبلي مهما ادعوا خلاف ذلك وصرحوا، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: أين أمة العرب والإسلام من هذا التعاطف والتآلف والتآزر مع أنهم أحق بذلك من غيرهم؟!!

من هنا نعلم حقيقة مأساتنا، ولماذا يعتصر القلب كمدا ويتملكه الحزن والأسى، مع أننا لم نطلب من أي دولة عربية أو إسلامية إرسال طائرة لنقل الجرحى، أو إغاثة مفجوع أو إيواء مشرد ونصرة مظلوم على الفور، مع أن هذا أقل الواجب وأدنى الإنصاف وأسوأ الاحتمالات، وتلك هي شيم العرب وتعاليم الإسلام، لكن:

سارت مشرقة وسرت مغربا *** شتان بين مشرق ومغرب

العرب لديهم المساحات الشاسعة والثروات والموارد، وهم أهل الأصالة والشجاعة والنخوة ومكارم الأخلاق، فلماذا كل هذا الإهمال لأقلية فلسطينية مستضعفة مهجرة مشتتة مغلوب على أمرها، تعرضت لأبشع أنواع الضياع والإذابة والانصهار والاندثار؟!!

ولماذا لم يحذُ أي منهم حذو فرنسا وغيرها من دول الغرب تجاه أقلياتهم؟! مع أن العرب أولى وأحرى بنصرة الملهوف وتفريج الهموم وتنفيس الكربات، أم أن ضعف الوازع الديني بل حتى العروبي أوصلهم لتلك النتيجة!! كما أن الغازي والمحتل بعد أن نجح في وضع حدود اصطناعية بين الدول، تفوّق وبجدارة لطمس أواصر التلاحم، وتلاشي مبدأ الإحساس بالغير، وإنعدام الحس الديني والقومي والوطني بل حتى الإنساني!

نحن نعيش حقبة مظلمة، وزمن مليء بتغيّر القيم، وإنعدام الحد الأدنى من مبادئ وشيم وأخلاق العرب الأصلاء، وإلا فقد ضُرِب المثل بكرم حاتم الطائي في عصر الجاهلية، وشجاعة عنترة، أما الآن فبأي قاموس سيدخل العرب وقد خذلوا وتخلوا عن ( 25000 فلسطيني )!! لا زالت الصحراء العربية تشهد بمأساتهم، وكلٌ يقول نفسي نفسي!!

لو استعرضنا النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، التي تحث على وحدة الأمة الإسلامية، وضرورة نصرة المظلوم، وإغاثة الملهوف، وتنفيس الكرب وتفريج الهموم، حتى وصل الحال لاعتبار ذلك أمرا خطيرا وخطا أحمرا كما يقال، ويترتب عليه أصل عظيم من أصول الإيمان؛ لطال بنا المقام لكن نذكر بتلك الأحاديث العظام، إذ يقول عليه الصلاة والسلام في الأحاديث الصحيحة:

-         لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه  . ‌

-         و الذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره ما يحب لنفسه  . ‌

-         و الذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير  . ‌

السؤال الملح الهام العاجل النابع من قلب ولسان وعقل وجوارح كل فلسطيني ومسلم مستضعف، في ظل تلك المعطيات وما يحصل: هل يعتَبِر العربُ والمسلمون " فلسطينيو العراق " أخوة لهم بالدين والعروبة؟! وهل استشعروا تلك الأخوة في ظل ما حصل؟! وهل أنصفوهم مما حل بهم؟! وهل بقناعتهم قدموا لهم ما تمليه عليهم شريعتهم وعروبتهم بل وإنسانيتهم؟!!

أسئلة قد يسهل الجواب عليها، لكن يصعب تطبيقها عمليا، فكثير من أثرياء العرب والمسلمين ينعمون بالقصور والأموال والعقارات والمساحات الشاسعة، بل أدنى من ذلك من التجار العاديين، ناهيك عن المسؤولين وأصحاب الأحزاب والتنظيمات والجمعيات وغيرها، فهل تأمل أحدهم تلك الأحاديث واستحضر حقيقة إيمانه نتيجة إهمالها مع ثلة مستضعفة مقهورة؟!

الحديث ذو شجون، والتاريخ يكتب ويسطر ما يكون، وقد تفوق تلك المرحلة جاهلية العرب، من التخلي والخذلان وعدم استشعار المسؤولية، حتى كأن لسان حال من تغنى بالعروبة في ظل التقهقر والخنوع والازدواجية والإهمال يقول: بلاد الغَرب- بدلا من العُرب - أوطاني من أمريكا لليونان!!

ما ذكرناه جزء من الحقيقة المرة، وما خفي أعظم، وتستمر الحكاية بين إهمال العرب اللامحدود، وازدواجية الغرب المتناقض، وكأنهم يطبقون علينا المثل العراقي " انشوفكم الموت حتى ترضوا بالسخونة " ! وأي سخونة ارتضوها لنا؛ الضياع والتهجير والشتات والانصهار وإن شئت فقل زلزال ما بعده من زلزال وحكم ٌ على المجموع بالإعدام، نعوذ بالله من الخذلان.

 

أيمن الشعبان

باحث متخصص بشأن الفلسطينيين في العراق

11/11/2010



1- موقع" روسيا اليوم ".

2- موقع" البوابة " .

3- ( الأنفال: 73 ).



مقالات ذات صلة