الجوزو: لبنان يدفع ثمنًا باهظًا لطموحات إيران!

بواسطة الإسلام اليوم قراءة 1818

الجوزو: لبنان يدفع ثمنًا باهظًا لطموحات إيران!

 

الإسلام اليوم / لا يكفّ الشيخ محمد علي الجوزو- مفتي جبل لبنان- عن توجيه الاتهام لكلٍّ من سوريا وإيران بالمسئولية عن الفراغ الدستوري والبرلماني الذي يعاني منه لبنان منذ عدة أشهر، ويؤكد على اتهام سوريا بالارتماء في أحضان إيران، ضاربةً انتماءَها العربي بعُرضِ الحائط، مستبعدًا في الوقت نفسه حلًّا قريبًا للاستحقاق الرئاسي اللبناني.

ويُحَمِّل الجوزو "حزب الله" المسئولية الكاملة عن عودة البوارج الأمريكية في المنطقة قُبَالَةَ سواحل لبنان، بعد انقلاب حزب الله المسلح في بيروت، وحديث حسن نصر الله عن الحرب المفتوحة مع إسرائيل، وما سبقه من حديث الرئيس الإيراني أحمدي نجاد عن زوال الدولة العبرية، لافتًا النظر إلى أن واشنطن استغلت ذلك لتبرير وجودها العسكري، سعيًا منها لإثبات قدرتها على حماية إسرائيل من أي خطر أو تهديد.

لم يَدَعِ الجوزو الفرصة تفوت دون توجيه الاتهام لواشنطن بالمسئولية عن تعاظم النفوذ الإيراني في المنطقة، عبر تحالفها مع طهران لاحتلال العراق، وإعطائها الضوء الأخضر لإيران للتحرك بحرية في العديد من دول الجوار، وهو ما أغرى الإيرانيين بتكرار السيناريو العراقي في بعض الدول الأخرى، وما يحدث في لبنان ليس ببعيد!

وفيما يلي النص الكامل لحوار شبكة "الإسلام اليوم" مع الشيح محمد على الجوزو مفتي لبنان:

فضيلة الشيخ، يسود قلقٌ شديدٌ داخل الساحة العربية على مستقبل لبنان بعد مرور عدة أشهر على الفراغ الرئاسي، فما تعليقكم على هذا الأمر الخطير ؟

ما نشهده في لبنان حاليًا من أزمة سياسية يأتي كثمرة لتصاعد النفوذ الإيراني في المنطقة العربية، وهو نفوذٌ بدأ بالعراق، ومَرّ بلبنان، ومُرَشَّحٌ أن يضرب المنطقة العربية بأسرها، وتسعى إيران حاليًا من خلال عملائها في لبنان إلى عرقلة الاستحقاق الرئاسي اللبناني، وإشاعة أجواء فراغ دستوري ورئاسي؛ لإيصال رسالة لواشنطن مفادها: إنّ لطهران نفوذًا متعاظمًا في العديد من الدول العربية وفي المنطقة، وأنها تستطيع من خلاله التأثيرَ بقوة على المصالح الأمريكية، وإشعال الاضطراب في العديد من البقاع التي يُشَكِّلُ الاستقرار فيها أهمية كبيرة لإدارة بوش.

لذا فأنا أقول بملء الفم: إن إيران هي اللاعب الأساسي في عرقلة اختيار رئيس للبنان، وهي اللاعب الأساسي المتسبب في هذه الأزمة، التي بدأت مع مغادرة لحود قصر الرئاسة. غير أنني لا أستطيع- وأنا أتحدث عن النفوذ الإيراني في المنطقة- ألَّا أُحَمِّلَ واشنطن مسئولية ذلك، فقد ارتكبت إدارة بوش خطأً فاحشًا بالتحالف مع طهران لإسقاط نظام صدام حسين، وتغيير هوية العراق العربية، وإلحاقه بالمخطط الفارسي، وهو الأمر المرشح للتكرار في العديد من الدول العربية، لا سيما التي تضم أخلاطا طائفية مختلفة( سني، وشيعي، وغيرها من الملل والنحل والأعراق الأخرى)، وهو الأمر الذي يمثل كارثة، علينا جميعًا التنبه لمخاطرها، قبل البكاء على اللبن المسكوب كما يفعل البعض!

تحالف شيطاني!

أراك تحمل إيران الدور الأهم في عرقلة الاستحقاق الرئاسي، وكأن سوريا لم تعد الرقم المهم في لبنان؟

نعم! إيران تلعب الدور الأهم حاليًا في السياسة اللبنانية، وكان لها نصيب الأسد في الوقوف وراء إجهاض المبادرة العربية حول لبنان؛ حيث أسهمت كذلك في إفشال الجهود التي بذلتها الجامعة العربية، والجولات المكوكية التي قام بها الأمين العام للجامعة، في خطوةٍ إيرانية تستهدف تأكيدَ عدمِ قدرةِ العربِ على حلّ المعضلة اللبنانيةِ، وضرورة الرِّهَانِ عليها وحدَها كسبيل لهذا الحل؛ لإجبار واشنطن على تقديم تنازلات خاصة بها في الملف النووي، بمعنى أن لبنان يدفع الثمن غاليًا من أمنه ورفاهية شعبه من أجل الطموحات النووية لإيران.

وفي هذا المجال، فإيران ليست وحدها، بل إن النظام السوري قد أبرم التحالف معها، وارتمى في أحضانها، من أجل فرض إرادته على الشعب اللبناني من خلال حزب الله والمعارضة المذهبية، وطبعًا هذا الأمر يهدد لبنان بكارثة، ويعرضه لحرب جديدة على أراضيه، لن يستطيع تحمُّل تبعاتها أبدًا.

لكن سوريا قدمت الدعم للمبادرة العربية الداعية لاختيار العماد ميشيل سليمان رئيسًا توافقيًا؟
كن دقيقًا، سوريا تظاهرت بدعم المبادرة العربية، ولكنها لم تُقْدِم على أية خطوات من شأنها إنجاح المبادرة، بل وضعت العراقيل لإفشالها، وخرج ساستها مثل "الشرع" ، و"المعلم" للتأكيد على أن مصالح سوريا أهم من نجاح القمة العربية، ومِن ثَمّ قامت بالإيعاز إلى عملائها لقلب الطاولة، وانتزاع الأمر من يد الأغلبية، بالإصرار على حكومة "مثالثة" بين الأغلبية والمعارضة والرئيس، وهو ما يُعدّ تعسفًا في تفسير المبادرة العربية، ومخالفةً للدستور اللبناني، رفضًا لجميع الجهود التي بذلها الأمين العام للجامعة العربية.

ولذا فسوريا ضالعة بقوة في تعطيل الاستحقاق الرئاسي، ووقف العمل بالدستور، ومنع المجلس النيابي من القيام بمهامه بوضع العصا في الدواليب، سعيًا لجَرِّ لبنان إلى أزمة سياسية، مما قد يجبر بعض الأطراف على التدخل، وإشعال حرب جديدة ضد لبنان.

دعمت سوريا في أول الأمر اختيار العماد ميشيل سليمان رئيسًا للبنان، غير أنها تراجعت عن هذا الأمر وطالبت فرنسا باستبداله بمرشح آخر؟

نعم، كانت دمشق وحلفاؤها يدعمون هذا السيناريو، غير أنها ربطت استمرار هذا الدعم بضرورة تعهُّدِ سليمانَ لها بأَلَّا تقترب المحاكمة الدولية الخاصة بالحريري من مُساءلة أي مسئولين سوريين، وهو ما لا يملكه سليمان أو غيره. بل طالبت دمشق قائد الجيش بضرورة تحديد شكل الحكومة، ورئيس وزرائها، والقانون الانتخابي الجديد قبل انتخابه، عملًا بقاعدة "البيضة قبل الفرخة"!

ولم تتوقف دمشق عند هذه المطالب، بل سَعَتْ لتحديد شكل الخارطة السياسية والأمنية والعسكرية في لبنان، بمعرفة مَنْ سيُكَلَّفُ بقيادة الجيش، وبمسئوليات الأمن العام، وربَطَتْ بين الوفاء بالاستحقاق والحصول على فدية مالية عربية لإصلاح أوضاعها الاقتصادية، وتكرار السيناريو الذي كان يلجأ إليه الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد كثيرًا، عندما كان يوعز لياسر عرفات بانتقاد العالم العربي؛ لابتزازه، والحصول على مساعدات اقتصادية ضخمة، وهو ما أصبح يجيده الأسد الابن بجدارة!

في ظل العراقيل التي توضع أمام الاستحقاق الرئاسي، هل تتوقع قرب وجود رئيس في القصر الرئاسية بـ"بعبدا"، وهل من جدوى في عودة عمرو موسى للبنان لاستئناف جهوده المكوكية؟

أعتقد أن موسى استنفذ كل المساعي لحل الأزمة، بسبب إصرار إيران وسوريا وعملائهما على منع الوصول لحلٍّ قبل تنفيذ أجندتهما، وسعي المعارضة لتغيير ثوابت الساحة اللبنانية؛ حيث يلتزم الدستور ورئيس الجمهورية بالتشاور مع جميع الثوابت لاختيار رئيس الوزراء، أو التشاور مع الأخير لاختيار الوزراء، وهو ما يحاول العملاء المصادرةَ عليه بتحديد شكل الحكومة ورئيس الوزراء قبل اختيار الرئيس، وهو ما يُعَدّ انقلابًا يجعلنا بعيدينَ جِدًّا عن حلٍّ قريب لهذه الأزمة؛ حيث لن تدعم سوريا وإيران مثل ذلك الحل قبل ضمان تكرار السيناريو السابق، ووجود رئيس يُعدّ نسخةً بالكربون من لحود.

مسئولية نصر الله

جدَّدَ وجودُ البارِجَةِ الأمريكية "كول" في المياه الإقليمية قُبَالة لبنان اتهامَ البعض لتيار الأكثرية النيابية بالتبعية للمشروع الأمريكي..ما تعليقكم؟

الأغلبية في لبنان ليست المسئولة بأي شكل من الأشكال عن وجود هذه البارجة، إنما المسئول عنها هو تصريحات الأمين العام لحزب الله "حسن نصر الله"، حول المواجهة المفتوحة مع إسرائيل، وانقلابه المسلح في بيروت ، وما سبقها من تصريحاتٍ للرئيس الإيراني أحمدي نجاد، حولَ قرب زوال الدولة الصهيونية، وهو الأمر الذي أرادت أمريكا الردَّ عليه بتحريك بوارجها العسكرية في المنطقة، والتهديد بإشعال حرب سيدفع لبنان وحده الثمن الغالي لها.

أما عن ارتباط الأغلبية اللبنانية بواشنطن فمردود عليه؛ فإن سوريا وإيران وعملاءهم هم مَن أجبروا الأكثرية على التعامل مع الأمريكيين عندما دعموا اغتيال الزعماء السياسيين اللبنانيين، بدايةً من الحريري ورفاقه الشهداء، وهو ما جعلنا نلجأ للأمم المتحدة لمعرفة القاتل، فضلًا عن ضرورة التأكيد على أن هذه العلاقات لم تُفِدِ الأكثريةَ بل أضرّت بها بشدة؛ فواشنطن لم تقدم الدعم التسليحي أو المالي للحكومة، ولم تَقُم بتدريب الجيش اللبناني كما تفعل إيران مع حزب الله.

ثم دعني هنا أردّد تساؤلًا: لماذا يعيب البعض علينا العلاقةَ مع واشنطن، في وقتٍ تسعى فيه سوريا لِخَطْبِ وُدّ الأمريكيين والإسرائيليين؟! إضافة لسعيهم لإبرام اتفاقية سلامٍ مع إسرائيل، فضلًا عن أنّ إيران تقيم حوارًا مع واشنطن حول العراق، فلماذا الكيل بمكيالين، واتهام الأغلبية بمسايرة المشروع الأمريكي، وتخوينها؟

تحملون كثيرا على سوريا رغم قيامها بتوجيه دعوة لرئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة لحضور القمة العربية، فلماذا لم تشارك لبنان في القمة؟

أعتقد أن الحكومة اللبنانية قاطعت هذه القمة نتيجة الإهانة التي وُجِّهت لها، عبر توجيه سوريا الدعوة للسنيورة، وتسليمها لوزير الخارجية المستقيل فوزي صلوخ، كأن سوريا تريد توصيل رسالة مفادها: أنها لا تعترف بالسنيورة ولا بحكومته، ومن ثَمّ فإن مقاطعة لبنان للقمة كانت أفضل كثيرًا من المشاركة منها.

ألا ترى أن تحذيركم الدائم من الخطر الإيراني على المنطقة، يصطدم بدعوة البعض للتقريب بين السنة والشيعة؟

الخطر الإيراني يهدّد الأخضر واليابس في المنطقة، لاسيما أن أسطورة تصدير الثورة الإيرانية قد عادت بقوة هذه الأيام؛ حيث تسعى طهران للتحول لدولة إقليمية عظمى، تفرض سيطرتها على دول المنطقة بإثارة الشيعة المنتشرين في أغلب دول المنطقة، والذين يحملون ولاء لإيران دون دولهم، وهو ما يحولهم إلى دولة داخل الدولة، كما يفعل حزب الله في لبنان، حيث تبقى المصلحة والأجندة الإيرانية عنده كأولوية أولى، ضاربًا عُرضَ الحائط بمصالح لبنان وهويته العربية، وهو خَطَرٌ مُرَشَّحٌ للانتقال إلى العديد من الدول العربية.

ونذكر هنا قصة حدثت في الأيام الأولى للثورة الإيرانية، حينما لبَّيْنا دعوةً وجهها الشيخ محمد مهدي شمس الدين لزيارة طهران لتهنئة الخوميني بالثورة، وأثناء لقائنا بالخوميني فوجئت بمطبوعة باسم "الشهيد"، تؤكد أن الثورة القادمة ستحدث في العراق، وهو أمرٌ يجب أن يجعلنا نُوَحِّدُ صفوفنا للتصدي لهذا الخطر الفارسي الذي يهدد الجميع.

 



مقالات ذات صلة