السؤال: يا شيخ لقد سمعت أحد أئمة المساجد يقول : لو جازت الصلاة أن تُقرأ بغير القرآن : لقُرئ بحِكَم ابن عطاء الله السكندري . أولاً : ما حُكم من يقول مثل هذا الكلام ؟ . ثانياً : هل تجوز الصلاة خلفه أم لا ؟ . ثالثاً : وهل - كما يقول بعضهم - الصوفية تنقسم إلى قسمين : صوفية معتدلة ، وصوفية فيها غلو ، أم أن كل الصوفية مذمومة ، وكل من انتمى إلى الصوفية وقال : أنا صوفي وافتخر بذلك : مشكوك في أمره على الأقل ، إن لم نقل هو ضال ؟ .
الجواب : الحمد لله
أولاً:
ابن عطاء الله السكندري هو : أحمد بن محمد بن عبد الكريم ، أبو الفضل ، وهو من أهل التصوف الغلاة ، يسير على الطريقة الشاذلية الضالة ، وهو من أشد خصوم شيخ الإسلام ابن تيمية ، وقد ادَّعى عليه عند السلطان ، وألَّب عليه السفهاء ، ت سنة 709 هـ .
ثانياً:
والكلمة المنقولة في السؤال أنه لو جازت الصلاة بغير القرآن : لقرئ ما في كتاب ابن عطاء الله السكندري المسمَّى " الحكَم الإلهية " : هي كلمة قبيحة ، ولا يمكن أن تصدر من عالِم موحِّد ، ولذا وُصف قائلها بأنه من أدعياء العلم ! ؛ لما تحتويه تلك الرسالة من مخالفات شرعية كثيرة ، ومن قبح تلك الكلمة أنه قدَّم كلام ذلك الصوفي على أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ، وكلام الصحابة ، ودرر التابعين .
وأما الصلاة خلفه : فلا تُمنع ؛ لأننا لا نمنع من الصلاة إلا خلف من وقع في الكفر المخرج من الملَّة ، وليس أمر ذلك القائل كذلك ، بل هو جاهل ضال .
ثالثاً:
كتاب " الحكَم الإلهية " قد تتبع ما فيه من ضلالات الشيخ محمود مهدي الإستانبولي رحمه الله ، وذلك في كتابه الماتع " كتب ليست من الإسلام " ، ونقتطف منه قوله رحمه الله :
أ. أقوال يؤيد فيها نظرية وحدة الوجود القائلة بأن الخالق والمخلوق واحد ، ومثلها نظرية الاتحاد والحلول ، وكل ذلك كفر ! .
= " أنت مع الأكوان ما لم تشهد المكوَّن ، فإذا شهدته : كانت الأكوان معك " .
= " ما العارف مَن إذا أشار وجد الحق أقرب إليه من إشارته ، بل العارف مَن لا إشارة له لفنائه في وجوده ، وانطوائه في شهوده " .
= " لولا ظهوره في المكونات : ما وقع عليها أبصار ، ولو ظهرت صفاته : اضمحلت مكوناته ".
= " الفكرة فكرتان : فكرة تصديق وإيمان ، وفكرة شهود وعيان ! فالأولى لأرباب الاعتبار ، والثانية لأرباب الشهود والاستبصار " .
ب. أقواله في النهي عن دعاء الله ، مما يصادم أصول الشريعة :
= " سؤالك منه اتهام له " .
ويستدلّ ابن عطاء الله على ذلك بحديث باطل على لسان إبراهيم عليه الصلاة والسلام : " حسبي من سؤالي علمه بحالي " ، وهو مخالف للآيات والأحاديث الكثيرة التي تحض على دعاء الله كقوله تعالى : ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي ) أي : عن دعائي ( سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) غافر/ 60 .
= " من عبده لشيء يرجوه منه ، أو ليدفع عنه ورود العقوبة منه : فما قام بحق أوصافه" .
هذا الكلام هو كقول رابعة العدوية المنحرف ـ إن صح عنها ـ : " ما عبدتك خوفاً من نارك ، ولا رغبة في جنتك ، ولكني عبدتك لأنك أهل للعبادة " وهذا مخالف لعبادة الملائكة الذين يخافون ربهم من فوقهم ، وعبادة الأنبياء الذين يعبدون الله سبحانه رغباً ورهباً ! .
= " ربما دلهم الأدب إلى ترك الطلب " .
ليت هذا الجاهل علم أن الأمر بالعكس ، فإن ترك الطلب هو العصيان ، وقلة الأدب ! .
= " إنما يُذَكّر مَن يجوز عليه الإغفال ، وإنما ينبه من يمكن منه الإهمال " .
تُرى لماذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يُكثر من الدعاء ويأمر به إلى درجة الإلحاح ! .
= " أنت إلى حلمه إذا أطعته ، أحوج منك إلى حلمه إذا عصيته " .
هذا الكلام تشجيع على ارتكاب الذنوب ، فما فتح سبحانه باب الطاعة إلا ليكافئ عليها ، جاء في القرآن العظيم : ( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ) الأنبياء/ 101 .
ج . أقوال تشجع على تعطيل المواهب والعزائم وتدعو إلى التماوت وترك التدبير :
= " أرح نفسك من التدبير ، فما قام به غيرك عنك : لا تقم به لنفسك " .
= " سوابق الهمم لا تخرق أسوار الأقدار " ؟.
فما أدرانا بهذه الأقدار ؟! وقد علَّمنا الخليفة الراشد عمر بن الخطاب أن نفِرَّ من قضاء الله إلى قضاء الله ، وقد حضنا الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله : ( احرص على ما ينفعك ولا تعجز ) – رواه مسلم - .
هـ. أقوال متناقضة ، وسخيفة :
= " جلَّ ربُنا أن يعامله العبد نقداً فيجازيه نسيئة ! " .
إذا كان الأمر كما قال : فما الفائدة من الآخرة ؟! .
= " إنما جعل الدار الآخرة محلاً لجزاء عباده المؤمنين ؛ لأن هذه الدار لا تسع ما يريد أن يعطيهم ، ولأنه أجلَّ أقدارهم عن أن يجزيهم في دار لا بقاء لها " .
ينظر : كتب ليست من الإسلام ، محمود مهدي الإستانبولي (91-101) .
فهل مثل هذا الكتاب يُمدح ، ويُثنى عليه ، ويُقال في حقه إنه لو جاز قراءة شيء غير القرآن لقرئ به ؟! .
رابعاً:
طريق التصوف فيه مخالفات شرعية كثيرة ، ولا يرضى موحِّد عاقل بأن ينتسب لتلك الطرق المبتدعة ، لا سيما في هذا الزمان ، حيث أصبح الجمع بين التصوف واتباع السنة ، العلمية والعملية ، كالجمع بين الضب والنون ، والماء والنار ، وأصبح الكلام على التصوف الذي عليه مشايخ الطريق المنتسبين إلى السنة والأئمة ، أصبح أمرا نظريا ، لا يؤيده واقع القوم وأعمالهم ، ومن خبر كتبهم وأقوالهم وأحوالهم ـ في هذا الزمان ـ عرف ذلك حق المعرفة .
والله أعلم
المصدر : موقع الإسلام سؤال وجواب