محمد صفية
على مرمى أمل من المخيم ومن أقرب المنافي عنه يرصد "غسان"، من حي الزاهرة حيث يقيم، أخبار قوافل النهب والتعفيش في مخيم اليرموك؛ تدخل خماصا وتخرج محملة بكد فلسطينيين على مدار 63 عاما.
آخر مراحل تجريد المخيم من وجوده كانت تلك الصور التي بثها ناشطون لعمليات تدمير ممنهجة لأسقف المنازل السليمة، والتي لم تتضرر رغم القصف والمعارك، وسحب قضبان الحديد منها.
يقول غسان؛ والذي رفض الكشف عن اسمه الحقيقي، "تتسابق عصابات التعفيش على المخيم كالجراد ولا نعرف لأي جهة يتبعون ولا يستطيع أحد إيقافهم".
ويضيف في حديث لـ "قدس برس": "المضحك المبكي أن بحوزتهم موافقات لدخول المخيم وحصد كل ما فيه على مرأى ومسمع الحواجز الأمنية، بينما تأخذ الفصائل الفلسطينية وضعية المزهرية إزاء ما يحصل".
وتساءل: "من هي الجهة التي تمنح هذه الموافقات؟"؛ سؤال يعرف إجابته تمامًا لكن يخشى البوح فيه .. مستدركًا: "في الفترة الأخيرة بدأت مجموعات من الغجر يستبيحون المخيم لا نعرف من أين أتو".
وأوضح: "هؤلاء يعملون بالمياومة وبدأوا بهدم أسقف المنازل وسحب قضبان الحديد بعد أن نهب من قبلهم الأثاث والأبواب وأسلاك الكهرباء واقتلعوا البلاط والرخام، ويوجد لديهم مكبس للحديد في شارع الثلاثين في المخيم حيث يباع الحديد المسروق بالكيلو".
وشبه غسان المخيم بقطعة البسكويت يتناقص شيئا فشيئا نتيجة استمرار عمليات التعفيش.
من جانبها صرحت "إيمان"؛ (اسم وهمي للاجئة فلسطينية من مخيم اليرموك) لـ "قدس برس": "مع بداية الأحداث في المخيم انتقلت مع عائلتي إلى قدسيا وعبرت عن إزعاجها الشديد من مدى الاستهتار بأرزاق الناس والطريقة التي تتم فيه سرقة المخيم".
وقالت: "من أجل سرقة واجهة ألمنيوم كلفت صاحبها 100 ألف يُهدم حائط بأكمله لاستخراج الواجهة وبيعها بـ 5 آلاف ليرة!. ويُهدم سقف منزل كلف بناؤه مليون ليرة من أجل الحديد الذي فيه وبيعه بـ 20 ألفًا!.. ولك أن تتخيل حجم الخسائر التي يتكبدها الناس نتيجة هذا الأسلوب".
وأضافت: "مع كل هذا نرى الفصائل والمنظمة تلتقط صورا هنا وهناك عن تكريم أو توزيع مساعدات. بات الكل ناقم على هذه القيادات الفلسطينية".
وأوضحت أن "مناطق كاملة في المخيم سويت بالأرض كشارع الثلاثين وشارع العروبة. بينما مازالت مناطق أخرى محافظة على هياكل أبنيتها المتينة كيازور والمدارس وشارع اليرموك وشارع فلسطين".
وبيّنت: "حتى عندما قدم الناس شكاويهم على عمليات التعفيش كان الطلب يكلف 5 آلاف ليرة وبعد تقديم عدد كبير من الشكاوى لم يستفد منها أحد هذا غير التبرعات التي جُمعت زورا باسم المخيم".
واستطردت: "لا أحد له مصلحة بعودة المخيم حتى الأسواق المحيطة به انتعشت بعد تدمير أسواقه، والتي كانت تستحوذ على 40 % من مبيعات دمشق".
وتابعت: "الناس اكتوت وأرهقها أصحاب البيوت المؤجرة الذين يستغلون ظروفنا وأصبح حال الجميع أنهم مستعدون للعيش بين الركام في المخيم". مشيرة إلى أن أمل العودة للمخيم "بدأ يتحول إلى وهم مع تآكل المخيم شيئا فشيئا".
الكاتب الصحفي نزار السهلي، من مخيم اليرموك ويقيم في فرنسا، أوضح لـ "قدس برس"، أن "وهم العودة لليرموك كان له ما يخالفه على أرض الواقع منذ 8 أعوام".
وأضاف: "كثير من الشواهد والأدلة التي تبدد هذا الوهم، فمنذ قصف مسجد جامع عبد القادر وعملية النزوح الكبيرة ووضع الحواجز ورفع السواتر الترابية على مدخل المخيم، تبين لمعظم الفلسطينيين سقوط الحالة الرمزية لمخيم اليرموك، واستحالة العودة مجدداً مع تشديد الحصار والجوع وسقوط الضحايا واستمرار القصف والاعتقال؛ المخيم ذاهب إلى نقطة اللا عودة قبل العام 2011".
وأردف: "لقد شكل العمل العسكري وظهور فصائل متشددة جنوب دمشق ووصولها لليرموك ذريعة وغطاء للسياسة الرسمية الفلسطينية الواقعة تحت دائرة الإرباك في البداية ثم بلورة مواقفها بالانحياز الكلي لعملية تدمير المخيم وصولاً للتخلي عن الموقف العائم حيال ما يجري في سوريا عموما وفي اليرموك تحديداً".
وأكد أن من يتحدث عن وهم العودة لليرموك، هم ذاتهم من حملوا تحذيرات النظام للمخيم قبل قصفه بالطائرات وتدميره واعتقال المئات وقتل الآلاف وتشريد وضرب البنية الاجتماعية التي كانت قائمة، وخصوصا مع الخسائر الهائلة التي مني بها سكان المخيم على صعيد الأرواح والممتلكات التي أخذ الفلسطينيون في بنائها وحمايتها سبعة عقود.
متسائلا: "أي عودة ستمنح للأهالي وقد خسروا كل مقدراتهم الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية؟".
وأضاف: "مأساة مخيم اليرموك، فاجعة توازي النكبة وتتفوق عليها في بعض جوانبها إذا ما غصنا في تفاصيل رواية اليرامكة، إذا تحدثت عن المكتبات والوثائق والصور والذكريات وخسارة الشباب وتمزيق بنية مجتمع اللاجئين فهي كارثة كبرى".
وأشار إلى أنه في هذه الأيام تعاد كتابة تاريخ علاقة الشعب بثورته وفصائله، فمستوى الانحدار في الموقف كشفته مواقف معظم الفصائل والمنظمة ولم يعد للفلسطيني عباءة يتلحف بها سياسياً لتحميه، حتى نقول ما بوسع اللاجئين عمله لعودتهم.
وتابع: "في الماضي رفعت شعارات مذهبية عن تبرر تدخل "حزب الله" لحماية "مراقد وقبور" في سورية وعجزت الفصائل والمنظمة في تقديم خطاب يحمي السكان ومقابرهم من براميل النظام ومن تعفيشه".
وشدد على أن "مخيم اليرموك امتداد لمن بقي في الأرض الفلسطينية عام 48 الذين تم التخلي عنهم بعد أوسلو نهائيا على اعتبار انهم (قضية "إسرائيلية" داخلية) ولاجئو اليرموك هم قضية أسدية داخلية مصرح للنظام أن يفعل بمخيمهم ما فعل وهو ما تحقق له بدعم وإسناد فلسطيني رسمي".
واستدرك: "فكيف يفسر المرء حالة الجبن عن المطالبة بالكشف عن جثث مئات الفلسطينيين في فرع فلسطين وبقية فروع الأسد الأمنية، وكيف تفسر عملية التجابن والتواطؤ المستمر بعدم المطالبة بالكشف عن آلاف المفقودين والمعتقلين الذين كانوا يشكلون جزءًا مهمًا من الرابط والنسيج المجتمعي لمخيم يتوهم البعض العودة لحجارته دون ناسه وقد تشظى جلهم في أصقاع الأرض".
وشهد مخيم اليرموك عام 2018 بداية النهاية لأهم المخيمات الفلسطينية في الشتات؛ نهاية لم تنته فصول نكبتها بعد مع استمرار حالة التلاشي لكل تفاصيله على يد أمراء الحرب.
قدس برس انترناشيونال للأنباء
9/10/1441
1/6/2020