د. سـامح عبـاس
حرب وشيكة، سيناريو الحرب القادمة بين إسرائيل وحزب الله ، حزب الله يتأهب لمواجهة إسرائيل، صيف ساخن بين حزب الله وإسرائيل" كل هذه العناوين والمنشطات التى تعج بها الصحف الناطقة باللغة العربية وغير العربية مع بداية فصل الصيف من كل عام خلال السنوات الماضية، يمكنها أن يصبح أي منها عنوان لمسرحية الحرب المختلقة بين إسرائيل وحزب الله، والتى باتت مسرحية مكررة ورتيبة، بل وتدعو إلى الريبة والاشمئزاز فى آن واحد منذ انتهاء العدوان الصهيوني على لبنان فى يونيو2006. ووجه الريبة يتمثل فى وجود اتفاق ضمني أو سري بين المنظمة الشيعية اللبنانية الموالية لإيران مع إسرائيل لتكرار هذه المسرحية السخيفة مع صيف كل عام جديد، لأهداف وأغراض خبيثة يضمرها الطرفان؛ أما وجه الاشمئزاز فيتمثل فى تحالف وإلتقاء مصالح القوى المعادية للأمة العربية رغم ما يظهرانه من عداء وكراهية متبادلة.
وفى واقع الأمر لا يمكننا أن نغفل حقيقة أن الساحة اللبنانية شهدت تحولات كثيرة منذ الإنسحاب الصهيوني من جنوبها المحتل، وأصبحت ميداناً لتصفية الحسابات بين أطراف عديدة، وتحولت لحلبة صراع بين قوى إقليمية مختلفة تريد فرض سيطرتها وهيمنتها فى منطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي أسهم وبشكل فعال فى عدم استقرارها وجعلها دائما تعيش فوق صفيح ساخن حتى كتابة تلك السطور.
وليس هناك شك فى أن الصراع بين حزب الله المتحدث العربي باسم الحرس الثوري الإيراني وممثل نظام الملالي فى الوطن العربي، وبين الكيان الصهيوني أحد أبرز صور الصراعات التى تدور على أرض لبنان، لكن الصراع هنا ليس من أجل قضاء كل طرف على الآخر والتغلب عليه بالضربة القضية، بل إنه صراع لخدمة المخططات والمؤامرات الصهيوفارسية ضد الأمة العربية. فمسرحية الحرب السنوية بين إسرائيل وحزب الله، تبدو هذه المرة مملة وغير مقنعة، فالطرف الذي يريد حرباً لا يقول بأنه سيدخل حرباً، والطرف الذى يقول بأنه مستعد لحرب فهو لا يرغب مطلقاً فى الحرب. وهذا ما ينطبق على حزب الله وإسرائيل، فكلاهما لا يريدا حرباً أو حتى مناوشات حربية، بل يريدا فقط تسخين فصل الذي يعتبره البعض فصل الأجازات السنوية والاستجمام، فمصالحهما المشتركة- وإن بدت متضاربة ومتناقضة- تملي عليهما القيام بهذه المسرحية. ويبدو أن كلاهما اتفقا على موعد فصل الصيف من كل عام على أساس أن الاعتداءات الصهيونية ضد لبنان كانت تتم تقريباً خلال شهور الصيف، فالغزو الصهيوني للبنان كان فى 6 يونيو 1982 ، كما كانت عملية عناقيد الغضب التى استهدفت البنية التحتية للبنان فى إبريل من عام 1996عندما كان الصهيوني شميعون بيريز رئيساً للوزراء، أما حرب لبنان الثانية فقد كانت فى ذروة الصيف فى يونيو2006 لكن السؤال المطروح ما هى الأسباب التى تجعل حزب الله وإسرائيل يقومان بهذه المسرحية الهزلية كل عام...الإجابة على هذا السؤال مرتبطة بالتغييرات السياسية والاقتصادية والأمنية التى تشهدها منطقة الشرق الأوسط منذ بداية الألفية الجديدة، والتى برزت فيها بشدة إيران عقب احتلال العراق وإسقاط نظام الرئيس صدام حسين، ويمكننا رصد الأسباب والدوافع وراء قيام حزب الله وإسرائيل بإداء هذه المسرحية، دون أن يعترض طرف مصالح الطرف الآخر، ونجملها فى النقاط التالية :
أولاً الأهداف الإسرائيلية:
* تسعى إسرائيل من خلال التلويح بالحرب ضد لبنان إلى صرف أنظار المجتمع الدولي عن مطالبتها برفع الحصار الغاشم الذي تفرضة على قطاع غزة منذ أكثر من ثلاث سنوات متتالية، وبذلك يمكن لتل أبيب أن تجهض الجهود الدولية لرفع هذا الحصار، خاصة بعد اعتدائها الوحشي على أسطول المساعدات التركي" أسطول الحرية"، وقتلها لعدد من الناشطين.
* التهديد بالدخول فى حرب وشيكة ضد حزب الله ونشر السيناريوهات الإسرائيلية لهذه الحرب يهدف فى المقام الأول إلى توجيه رسالة للفلسطينيين والمقاومة الفلسطينية بالأخص فى قطاع غزة، بأن قوة الردع الإسرائيلية لازالت قائمة رغم عجزها فى كسر صمود ومقاومة الشعب الفلسطيني خلال العدوان الأخير على قطاع غزة، وفشل الآلة العسكرية الصهيونية فى هزيمة حركة حماس وإقصائها عن السلطة.
* التهديد بالحرب ضد لبنان يتعلق بأسباب واعتبارات خاصة بالساحة السياسية الداخلية فى إسرائيل، حيث اعتاد قادة الجيش الاسرائيلي خلال السنوات الماضية على الزعم بوجود مؤشرات حرب جديدة ضد حزب الله بهدف منع تقليص الميزانية الضخمة المخصصة للجيش ووزارة الحرب الصهيونية والتى تقدر بأكثر من 55مليار دولار سنوياً، حيث تطالب الأحزاب الصهيونية مع مناقشة الميزانية الاسرائيلية بتقليص مخصصات الجيش لإنفاقها فى مجالات أخرى تعاني من عجز كبير فى ميزانيتها، وكأن التهديد بأمن واستقرار لبنان بات مستباح للصهاينة من أجل حفنة من الشيكلات.
* تعمد إسرائيل فى إثارة الحرب المختلقة مع حزب الله فى صيف كل عام يهدف فى المقام الأول إلى الإضرار بالاقتصاد اللبناني الواعد والمنافس الأكبر للاقتصاد الاسرائيلي فى المنطقة، وضربه فى مقتل . لأن مثل هذه التهديدات تؤثر بالسلب على كافة المرافق الاقتصادية اللبنانية، وبخاصة البورصة والسياحة.
ثانياً أهداف حزب الله :
* التهديد بالاستعداد للدخول فى حرب مدمرة جديدة مع إسرائيل يخدم أهداف حزب الله ومن ورائه إيران فى بسط سيطرته على كافة أنحاء الدولة اللبنانية لينفرد بقرار الحرب من عدمه، كصورة من صورة سيطرة حزب الله فى لبنان.
* التلويح بالدخول فى حرب وشيكة مع إسرائيل يستهدف فى المقام الأول تخفيف الضغوط التى تمارس حالياً على طهران بسبب برنامجها النووي، وكوسيلة لصرف نظر إسرائيل عن ضرب المنشآت النووية الإيرانية، لأن تل أبيب تعجز حتى الآن فى الدخول فى مواجهتين عسكريتيين فى وقت واحد . وهنا ينكشف الوجه الحقيقي لحزب الله الذي يعمل لصالح طهران على حساب أمن واستقرار لبنان.
* دخول حزب الله فى حرب كلامية فقط عبر الميكروفونات مع إسرائيل وعدم تحركه ضدها حتى فى ذروة العدوان الصهيوني على قطاع غزة آواخر عام 2008 يثبت مقولة وزير الحرب الصهيوني بأن حزب الله فى الأساس صناعة يهودية.
* الزعم الإسرائيلي بقيام حزب الله بتخزين أسلحته فى مناطق المدنيين، يثبت بشكل لا يقبل الشك أو التأويل استهداف المنظمة الشيعية لأهل السنة فى جنوب لبنان ومخططاتها ضدهم، حيث أثبتت التقارير التى وردت من الجنوب اللبناني خلال العدوان الصهيوني فى حرب 2006 أن حزب الله تعمد تخزين أسلحته فى المناطق التى يتواجد بها السنة، لكي يستهدفها القصف الصهيوني، وبذلك يضرب عصفورين بحجر واحد؛ يثبت للعالم تورط إسرائيل فى قتل المدنيين واستهدافهم، وفى ذات الوقت يضمن التخلص من أهل السنة المتواجدين فى جنوب لبنان، ولازالوا متواجدون فيه رغم الحملات التشيعية المكثفة لتشييع كامل الجنوب اللبناني.
ومن خلال تحليل تلك الأهداف يتضح لنا مغزى رغبة كل من إسرائيل وحزب الله فى جعل فصل الصيف ساخناً جداً، فبنك أهداف كل طرف من الطرفين يجعله يفعل أي شئ، حتى ولو على حساب المدنيين اللبنانيين الأبرياء . ولا يسعنا هنا سوى أن نتذكر سويا اعتراف حسن نصر الله الأمين العام لمنظمة الشيعية بأنه أخطأ عندما قرر خطف الجنود الإسرائيليين من منطقة الحدود اللبنانية-الإسرائيلية، وكأن الشعب اللبناني وكل المؤسسات اللبنانية رهينة فى يده يتخذ القرار بشأنها كيفما تريد طهران وتشاء.
ولعل ما يؤكد على التواطوء أو الاتفاق السري والضمني بين حزب الله وإسرائيل على مجرد تسخين الأوضاع فقط بما يخدم مصالحهما كل على حدا، هو عدم وجود مؤشرات قوية أو إجراءات استفزازية من جانب حزب الله تنذر باندلاع حرب وشيكة بينهما، وهو ما يمكن تلخيصه فى النقاط التالية :
ـ فى الاعتداءات الصهيونية السابقة على لبنان كان لحزب الله الدور فى إشعالها، وإطلاق صافرة بدايتها، هكذا الحال قبيل عملية عناقيد الغضب وقبل حرب لبنان الثانية عام 2006، على العكس من الوضع الحالي، حيث يسود الهدوء المناطق الحدودية بين لبنان وإسرائيل، وقلما ما تُقدم عناصر عن حزب الله بتنفيذ حتى عمليات رمزية ضد إسرائيل
ـ رغبة الطرفين فى إشعال الحرب الكلامية بينهما فقط دون الوصول إلى مرحلة الضغط على زناد البندقية.
ـ الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية ايضا فى منطقة الشرق الأوسط لا تتحمل نشوب حرب جديدة تعصف بما تبقى من إنجازات اقتصادية
وأخيراً نؤكد أنه برغم سخونة حرارة الصيف الشديدة لكن حزب الله وإسرائيل يسعيان ليجعلاه فى كل مرة صيف بارد جداً، بشكل يخدم أهدافهما ومصالحهما المشتركة، وإن كانت تبدو أحياناً للبعض متضاربة ومتناقضة. فحزب الله يريد أن يجعل لبنان جمهورية فارسية إسماًً وفعلاً، بينما يتطلع الكيان الصهيوني لمواصلة احتلاله لأرض مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم وثالث الحرمين الشريفين .