الإدارة الأمريكية بين القبلات الإيرانية واللكمات العربية

بواسطة عصام زيدان قراءة 805
الإدارة الأمريكية بين القبلات الإيرانية واللكمات العربية
الإدارة الأمريكية بين القبلات الإيرانية واللكمات العربية

الإدارة الأمريكية بين القبلات الإيرانية واللكمات العربية

 

 

عصام زيدان

essam_zedan30@hotmail.com

 

من البديهي في علم السياسة أن الدولة لا تتعامل بوتيرة واحدة مع العالم الخارجي القريب منه والبعيد على حد سواء,ولكن تتعامل مع المخاطر والتهديدات المنبعثة من هذا العالم  على حسب قدرتها على تهديد الأمن القومي لها.

ومن المفترض أنه كلما تعاظمت المخاطر من دولة ما وقلت فرص الاستفادة منها كلما استدعى ذلك سياسة متشددة ومرواحة ما بين الدبلوماسية والإستراتيجية, وتقل فرصة استخدام أو التلويح بهذه الآلة العسكرية كلما قلت المخاطر المتولدة من الدولة.

والمتأمل لتوجهات الإدارة الأمريكية القديمة منها والجديدة سيجد أنها تتعامل بمنطق معكوس مع دول الشرق الأوسط, وربما يتبدى الأمر في عقد مقارنة سريعة بين تعاملاتها مع إيران وتعاملها مع بقية الدول العربية, فقد حظيت الأولى بسياسة القبلات, في حين استقبلت الثانية كثيرا من اللكمات وما زالت.

 

ونعقد مقارنة أولى بين البرنامج النووي الإيراني ونظيره في الدول العربية, فقد اكتفت الولايات المتحدة وحتى اللحظة بعقوبات رخوة على النظام الإيراني كي ينهي بصورة سلمية هذا البرنامج المثير للجدل, الذي شككته في سلميته وكالة الطاقة الذرية,وقدم الغرب وخاصة الولايات المتحدة كثيرا من "الجزر" لإيران كي يثنيها عن المضي في هذا البرنامج فما زادتها "العقوبات الطيبة" ولا "الجزر الكثير" إلا تصلبا في موقفها واستهزاء بمبادرات الغرب.

 أما عن الدول العربية فقد أعطت الولايات المتحدة الضوء الأخضر للطيران الإسرائيلي لتدمير المفاعل النووي العراقي, وامتدت يد إسرائيل الطولى إلى علماء مصر النوويين اغتيالا لتدمير الحلم قبل أن يبدأ, بل وكانت هذه الطائرات الإسرائيلية سباقة في تدمير "ما يشتبه" أنه نواه لمفاعل نووي سوري في موقع دير الزور.

 

وملف آخر قريب يوحى بتناقض الإدارة الأمريكية في تعاملها مع الدول العربية من ناحية ومع إيران من ناحية أخرى, وهو ما يتعلق بدعم المقاومة وتسليحها, فمن المسلمات التي لا تحتاج إلى برهان ذلك الدعم الإيراني لحزب الله اللبناني سواء بالمال أو السلاح, وخاصة أثناء الاشتباكات التي وقعت في العام 2006 بينه وبين "إسرائيل", وهو الدعم الذي لم يتوقف حتى اللحظة, ورغم ذلك لم نسمع عن ضربات اجهاضية لهذه المحاولات أو حصار مفروض على إيران لمنع تهريب الأسلحة إلى حزب الله.

ولكن وعلى الجانب الآخر ورغم أن مصر لم يثبت يوما أنها تمد المقاومة الفلسطينية بالسلاح أو المال, ولكن عكس ذلك هو الحادث, إلا أن أصابع الاتهامات توجهت لها أبان العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة  بدعوى عدم ضبط حدودها مع القطاع, وتلاقت الرغبة الأمريكية والإسرائيلية لإيجاد قوات غربية على الأراضي المصرية لمنع تهريب الأسلحة, وهي الدعوة التي واجهتها مصر بقوة رفض عالية أفشلت هذه المؤامرة قبل أن تبدأ.

أما عن سوريا فقد استقبلت أراضيها ضربات متوالية من الطائرات الأمريكية تحت ستار محاربة تهريب الأسلحة والمجاهدين إلى العراق, ودخلت علاقتها مع الولايات المتحدة مرحلة خطرة ومتأزمة في عهد الرئيس السبق جورج بوش على خلفية اتهامها بالتغاضي عن مراقبة حدودها مع العراق, وأخيرا تلقت السودان ضربات "إسرائيلية" بموافقة أمريكية خلفت مئات القتلى بدعوى وقف تهريب الأسلحة لحركة المقاومة (حماس) في غزة.

 

وهذا ملف ثالث متلق بالتهديدات الإيرانية لدول الجوار وعبثها بالأمن الخليجي ورغبتها في تغيير خريطته الجوسياسية, بما له من اثر مباشر على الأمن القومي الأمريكي, فقد احتلت الجزر الإماراتية منذ سنوات وترفض بإصرار التفاوض بشأنها أو الانسحاب مها, أو حتى عرضها على محكمين دوليين, وامتدت تطلعاتها إلى البحرين التي يتركز بها الأسطول السادس الأمريكي واعتبرتها المحافظة الرابعة عشر في دولة فارس القديمة, ودورها في العراق وإثارة الحروب الطائفية لم يعد خافيا, وكذا عبثها باليمن من خلال تمرد الحوثيين, ودعمها لشيعة المملكة العربية السعودية, ومع هذا وغيره لم تحرك الولايات المتحدة إزاء هذه التهديدات ساكنا.

وعلى الجانب الآخر سنرى أنها حركت جيوشها لمواجهة المحاولة العراقية الفاشلة لاحتلال الكويت في تسعينيات القرن الماضي,وكررت عزوها للعراق غي العام 2003 بدعة خطورة هذا النظام على الأمن العالمي والأمن الأمريكي على وجه الخصوص,وتحرك أسطولها لضرب ليبيا بدعوى خطورتها في العهد الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون وكذلك انتهكت الأراضي السودانية وضرب معمل الشفاء بدعوى خطورتها على الأمن الأمريكي في العهد ذاته.

 

والملف الرابع والأخير هو التتبع الأمريكي للملفات الداخلية واستغلالها في الضغط على الأنظمة, فلم نسمع يوما عن ضغوط خارجية أمريكية بشأن حقوق العرب الأحواز في إيران, ولا حقوق السنة في طهران, ولم تعر الولايات المتحدة أي اهتمام للاضطهاد الإيراني لهذه الأقليات مفسحة الطريق لنظام الملالي والحوزات يفعل ما يريد.

ونجدها قد لاحقت نظام الرئيس السوداني عمر البشير ودفعت المحكمة الجنائية لإصدار مذكرة لاعتقاله بزعم ارتكاب جرائم حرب في إقليم دارفور , ووجهت لنظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين اتهامات مماثلة بحق الأكراد وفرضت منطقة محظورة الطيران على القوات العراقية وفرضت حمايتها على مناطق الأكراد ومهدت لسلخها عن العراق.

     

فهل التفاوت في معالجة هذه الملفات من قبل الإدارات الأمريكية المختلفة محض صدفة وخبط عشواء, أم يدل على توجهات محددة تربط علاقة إيران بالولايات المتحدة كسياسية ثابتة مستقرة مع تعاقب الإدارات وفي مناظرها توجد سياسية أخرى مناظرة وهي سياسة اللكمات كإستراتيجية ثابتة في مواجهة الدول العربية؟

 نرى أن النماذج الأربعة السابقة كفيلة بمنطوقها على الإجابة على هذا السؤال..

 



مقالات ذات صلة