عبدالواحد الأنصاري
28-5-1435
لا أحد يجهل أهمية آية الله المرجع الشيعي حسين المؤيد، الذي هداه الله إلى ترك التشيع، واستطاع أن يكسب الصحابة دون أن يخسر آل البيت، بل إن من يتأمل في تجربة حسين المؤيد الذي تربطه علاقات النسب والمصاهرة بأبرز العوائل الشيعية كعائلة الصدر وآل الحكيم، ناهيك عن أنه ينتمي إلى عوائل السادة الأشراف من آل البيت، وأنه من المراجع الشيعية في إيران والعراق، وحصل على لقب المرجع آية الله، الذي لا يأتي بعده سوى لقب وحيد هو: آية الله العظمى... من يتأمل كل ذلك يدرك معنى أن يتحوّل شيعيّ بهذا المستوى من التشيع إلى التسنّن، مع ما لديه من مؤلفات وطروحات فكرية متزنة تؤيد هذا التحول، ويدرك أن ذلك يجعله في نظر كثير من الفاحصين الممحصين أهم شخصية شيعية في القرن الواحد والعشرين.
الشيخ حسين المؤيد، عندما سئل عن تدريسه في "قم" لمختلف جنسيات الشيعة باللغة العربية والفارسية أيضاً، أطلق عبارة حسّاسة، يكاد لا يدرك حساسيتها إلا مراجع الشيعة من المؤمنين بقصة "السردبة" فقال: "الجميع يعرفني، لأنني لم أكن أدرّس في غرفة مظلمة"، وفي هذا تعريضٌ شديد الخطورة بأحدوثة "السرداب" وبالمهدي المزعوم الذي يلقي تعليماته إلى أتباعه من جوف السرداب المظلم، غير أنها كانت هذه لكزة خفيفة بمقارنتها مع الضربات القاضية الأخرى التي وجهها المؤيد إلى أسس المذهب الشيعي.
لكن ماذا عن الضربات الأخرى التي وجهها المؤيد إلى بعض المدارس ومراجع الفتوى في الجانب السني؟ وأخص هنا بالذكر مدرسة الأزهر؟
في معرض حديث المؤيد عن قراءاته في ردود أهل السنّة على الشيعة أقرّ بأنّ أول صدمة وجهتها إليه انتقادات السنة للتشيع كانت كتابات ناصر القفاري في أطروحته العلمية "أصول مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية"، يأتي بعد ذلك كتاب منهاج السنة النبويّة لابن تيمية، الذي ذكر المؤيد أنه أخذ عليه شدّته وحدّته في الرد على الإمامية، واعتذر له بأن تلك حدة الأذكياء الذين لا يحتملون الأغبياء، وشدّة الغيرة على صحابة رسول الله التي جاءت ردّ فعل لإساءة ابن المطهر في كتابه "منهاج الكرامة" إلى الصحابة، وهو الكتاب الذي كان الأساس الشيعي الذي رد عليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بكتابه.
الحاصل أن مجمل كلام المؤيد في هذا الاتجاه أن أقوى المدارس رداً على التشيع من حيث الأسس والأصول كانت المدرسة السلفيّة، ثُم الآن انتقاده لمدرسة مشايخ الأزهر في الرد على الشيعة.
يقول المؤيد ما مفاده: إنه قبل الاطلاع على كتاب السلفي ناصر القفاري كان كل ما يقرؤه من ردود على التشيع من كتابات الأزهريين، التي وصفها بأن ضعيفة وهشة وهزيلة وأنها تساعد من يقرؤها على التمسك والثبات على التشيع بدلاً من التخلي عنه والانتقال إلى منهج أهل السنة والجماعة، لافتاً إلى أن الأمر بين التشيع ومنهج أهل السنة والجماعة في نقاش الأزهريين للتشيع يبدو وكأنهم يناقشون مذهباً مقبول الأسس والأصول، وكأنه أحد المذاهب الفقهية الأربعة، وإنما الخلاف معه في بعض التفاصيل، وهذه طريقة تساعد الشيعي على الاطمئنان إلى مذهبه والتمسك به بدلاً من مراجعته من حيث الأسس والأصول لمعرفة إن كان حقاً أم باطلاً.
ثمة ما يقودنا إليه كلام حسين المؤيد المذكور وهو أن نتساءل: لماذا كانت مدرسة الأزهر هشة وضعيفة أمام التشيع؟
حين نطرح هذا السؤال تتمثل أمامنا إجابة قويّة لا يستطيع الأزهريون لها دفعاً ولا منها مفرّاً:
هي أن الأزهريين من غير السلفيين لا يملكون دفعاً للوازم التي سوف تترتب على نقدهم للتشيع لو انتقدوه في أصوله، وبالتالي فهم مضطرون إلى تقبل أصوله وأسسه أو التساهل معها وتحويل الخلاف معه إلى خلاف في التفاصيل.
لنأخذ على سبيل المثال مسألة الشرك عند الإمامية.
فلو أن الأزهري القبوري انتقد الشيعي الذي يعبد الحسين، فسوف يجيب الشيعي:
أنتم أيضاً لديكم مقام للحسين تقدسونه وتطوفون بقبره، مع عدم اعتقادكم عصمته، وكذلك شأنكم مع البدوي وغيره من أصحاب القبور الصالحين الذين تعبدونهم من دون الله، فعبادتنا للحسين مع اعتقادنا النص على ولايته من الله ومع إيماننا بعصمته أقرب وأولى بالحق من عبادتكم لهؤلاء مع عدم اعتقادكم النص من الله على ولايتهم ومع عدم إيمانكم بعصمتهم.
وماذا لو قال الأزهري الصوفي الحلوليّ للشيعي إنكم تعبدون الحسين والمعصومين؟
فسيقول له الشيعي: أن نعبد الحسين والمعصومين خير من أن نعبد كل الأولياء والصالحين، بمن فيهم الحسين وغيره، وبهذا فإن عبادة النصارى خير من عبادة الحلولي، لأن النصراني لا يعبد إلا شخص نبي معصوم، وأنتم تعبدون كل شخص صالح، بل إن غلاة الحلولية يعبدون كل مخلوق من حي ونبات وجماد.
وهكذا، فإن الأمر الذي وضحه الشيخ حسين المؤيد يكسب اهتمامه من أنه إقرار جاء من منتسب عليم مجتهد في التشيع بأن المدرسة الأزهرية إنما تساعد في قبول التشيع والثبات والاستمرار عليه أكثر من التردد في أصوله ومناقشتها... لكننا لا نقف عند هذه الفائدة التي ندركها من حيث الإجمال، وإنما ينبغي لنا أن نتجاوز إلى ما ورائها، وهو أسباب عزوف الأزهريين من غير السلفيين عن نقد التشيع، وأنها راجعة إلى أن لانتقاد الشيعة من حيث الأصول لوازم في داخل مذاهب هؤلاء الأزهريين تلزمهم بالنظر إلى بعض أصولهم نظر المراجعة والانتقاد من باب أولى.
تحضرني الآن قصة يرويها ابن تيمية رحمه الله عما جرى بين يهودي وبين أحد المشايخ الشبيهين ببعض مشايخ الأزهر، قال ابن تيمية:
"حدثني الشيخ عبدالسيد الذي كان قاضي اليهود ثم أسلم، وكان من أصدق الناس، ومن خيار المسلمين وأحسنهم إسلامًا، أنه كان يجتمع بشيخ منهم (أي من شيوخ غلاة الصوفية) يقال له: الشرف البلاسي، يطلب منه المعرفة والعلم، قال (القائل اليهودي): فدعاني إلى هذا المذهب (أي مذهب غلاة الصوفية) فقلت له (القائل اليهودي): قولكم يشبه قول فرعون، قال (الشيخ الصوفي): ونحن على قول فرعون! فقلت (القائل هو ابن تيمية) لعبدالسيد: واعترف لك بهذا؟ قال (اليهودي): نعم! وكان عبدالسيد إذ ذاك قد ذاكرني بهذا المذهب، فقلت له (القائل ابن تيمية): هذا مذهب فاسد وهو يؤول إلى قول فرعون، فحدثني بهذا، فقلت له: ما ظننت أنهم يعترفون بأنهم على قول فرعون، لكن مع إقرار الخصم ما يُحتاج إلى بينة، قال عبدالسيد (اليهودي): فقلت له (أي للشيخ الصوفي): لا أدع موسى وأذهب إلى فرعون، فقال: ولم؟ قلت: لأن موسى أغرق فرعون، فانقطع، واحتجّ عليه بالظهور الكوني، فقلت لعبدالسيد (القائل ابن تيمية)، وكان هذا قبل أن يسلم: نفعتك اليهودية، يهودي خير من فرعوني".
انتهى كلام ابن تيمية رحمه الله.
المصدر : موقع المثقف الجديد