نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا للصحافي "الإسرائيلي" الاستقصائي رونين بيرغمان، يقول فيه إن أخبار ساعة الجاسوس الشهير إيلي كوهين جاءت مقتضبة، وأشارت إلى أنه تمت استعادتها من خلال عملية سرية، وتمت إعادتها إلى “إسرائيل”.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن الساعة تعود للجاسوس إيلي كوهين، الذي ساعدت معلوماته من دمشق على تحقيق نصر سريع عام 1967، وتم اعتقاله بعد ذلك وإعدامه.
ويلفت الكاتب إلى أن رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو أثنى على "العمل الشجاع" الذي قامت به المخابرات "الإسرائيلية" "الموساد"، في استعادة "ذكرى رمز بطولي أسهم كثيرا في أمن الدولة".
وتلاحظ الصحيفة أن الإعلان كان مقتضبا جدا، ودون تقديم تفاصيل، بشكل أثار تساؤلات في “إسرائيل” كلها، مشيرة إلى أن كوهين يعد بطلا قوميا، حيث سميت شوارع وبنايات بإسمه، وتقام الاحتفالات السنوية في ذكرى إعدامه.
ويتساءل بيرغمان عن معنى قيام الموساد بعملية سرية لاستعادة ساعته، ويقول إن "العملية صحيحة، لكنها جزء من محاولات الموساد، التي مضى عليها 14 عاما لاستعادة رفاته، فلم يتم العثور على قبر كوهين أو تحديد مكانه منذ إعدامه قبل 53 عاما، والهدف الرئيسي هو العثور على رفاته وإعادته لـ”إسرائيل”، وتنظيم جنازة بطولية له، بالإضافة إلى أن جزءا من العملية هو الحصول على أي شيء يعود للجاسوس".
ويكشف التقرير عن أن وكالة الموساد خصصت مبالغ وموارد ضخمة للعملية، بما في ذلك تعريض حياة عملائها للخطر، ودفع رشاوى لجواسيس ومحتالين، ومع ذلك لم يتم العثور على القبر، لافتا إلى قول مسؤول إن عملاء الموساد تعرفوا على رجل يملك ساعة كوهين في أثناء البحث عن الرفات، وبدأت عملية استعادتها.
وتذكر الصحيفة أن مهمة كوهين في الستينيات من القرن الماضي كانت من أكثر القصص الأسطورية في التاريخ العسكري والاستخباراتي "الإسرائيلي"، وتعد من أهم نجاحات الموساد وفشله، مشيرة إلى أن كوهين يهودي مصري، هاجر إلى “إسرائيل” عام 1957، ثم انضم للمخابرات العسكرية "الإسرائيلية" عام 1960، وكلف بعد ذلك للعمل بمهمة سرية، حيث تظاهر بأنه رجل أعمال سوري عاد من الأرجنتين، وجذب المسؤولين السوريين الكبار إلى شقته بحفلات باذخة، حيث وفر الخمور والعاهرات لهم.
وينوه الكاتب إلى أن كوهين كان قادرا على مدى السنين على توفير معلومات للموساد عن خطط الحرب السورية، ومواقع وتحصينات الجيش، وعلاقة سوريا مع الاتحاد السوفييتي السابق، بالإضافة لما كان يدور في البرلمان من شائعات وصراع على السلطة داخل القيادة.
ويفيد التقرير بأنه بسبب الثقة الزائدة من المسؤولين عنه، فإن كوهين بدأ بإرسال رسائل يومية، من خلال شيفرة مورس، مستخدما جهازا لاسلكيا خبأه داخل شقته، إلا أن رسائله تداخلت مع اللاسلكي الذي كانت تستخدمه قيادة الأركان السورية، التي كانت قبالة بيته، بشكل قاد إلى اعتقاله، حيث حقق معه وعذب وأدين وحكم بالإعدام.
وتشير الصحيفة إلى أن “إسرائيل” عملت كل ما بوسعها لوقف إعدامه، وطلبت من دبلوماسيين أجانب التدخل، وعرضت فدية ضخمة على السوريين لكن دون جدوى، حيث شنق كوهين في 19 أيار/ مايو 1965 في ساحة المرجة وسط العاصمة دمشق، وظل جسده معلقا لساعات ليكون تحذيرا قاسيا.
ويقول بيرغمان إن سوريا رفضت المطالب "الإسرائيلية" المتكررة بتسليم الجثة، وكانت الموساد اقترحت خطة لاستعادة الجثة عام 2004، بحسب ما قال مديرها السابق مائير داغان، إلا أن هذه تلك المحاولات وما لحقها من مساع لم تنجح في استعادة رفات كوهين.
وبحسب التقرير، فإن الموساد اكتشفت أن الجثة نقلت مرارا من المقبرة اليهودية، التي دفن فيها أولا، وتم تغيير المكان في محاولة للتغطية على الجهود "الإسرائيلية"، مشيرا إلى أن بعض قادة الاستخبارات "الإسرائيليين" توصلوا إلى نتيجة، وهي أن المخابرات السورية لم تعد تعرف مكان دفن رفات كوهين.
وتذكر الصحيفة أن مدير الموساد الحالي يوسي كوهين أمر قبل عامين باستئناف الجهود، لافتا إلى أنه في محاولة للبحث عن الأشخاص الذين ساهموا في اعتقال كوهين والتحقيق معه ومحاكمته وإعدامه، فإن الموساد علمت أن شخصا شارك في التحقيق، واحتفظ بساعته لسبب غير معروف، ومررها لشخص قريب له.
ويفيد الكاتب بأن الموساد قامت خلال 18 شهرا بعملية بحث معقدة داخل دمشق للحصول على الساعة من هذا الرجل، ولم يقل المسؤول الذي تحدث إلى الكاتب شيئا عن الكيفية التي حصل فيها عملاء الموساد على الساعة، مشيرا إلى أنه عند وصول الساعة إلى “إسرائيل”، فإن الموساد قامت بعملية أخرى للتأكد من أنها ساعة الجاسوس.
ويلفت التقرير إلى أن كوهين كان يسافر إلى أوروبا ومنها إلى “إسرائيل” لمقابلة المسؤولين عنه، وعند عودته إلى دمشق كان يتصرف على أنه رجل أعمال ثري، مشيرا إلى أنه اشترى في واحدة من هذه الرحلات ساعة أوميغا ثمينة، ووجدت الموساد أنه اشتراها من سويسرا.
وتبين الصحيفة أنه تم تجنيد خبراء الطب الشرعي لفحص صور كوهين وهو يرتدي الساعة، بالإضافة إلى أنه تم فحص الأرشيف السويسري والسجلات، حيث توصل الخبراء قبل ثلاثة أشهر إلى أن الساعة هي ساعة الجاسوس ذاتها.
ويقول بيرغمان إن فقدان كوهين كان كبيرا للموساد، وقال بيان لمديرها الحالي كوهين: "نتذكر إيلي كوهين، ولن ننسى إرثه، إرث التكريس والإصرار والشجاعة والحب لوطنه، وهو تراثنا"، وقال عن العملية: "لقد استطعنا العثور على ساعة إيلي كوهين اليدوية وإحضارها، التي ظل يرتديها حتى آخر يوم قبل اعتقاله، وكانت جزءا من شخصية إيلي ومهمته، وجزءا من شخصيته العربية الوهمية".
وبحسب التقرير، فإنه من المفترض أن يتم تسليم الساعة لعائلته، إلا أن أرملته نادية كوهين ألمحت في مقابلة مع إذاعة الجيش "الإسرائيلي" إلى إمكانية احتفاظ الموساد بها، وقالت "أخبرنا الموساد قبل أسابيع أنهم حصلوا على معلومات عن الساعة التي كانت ستباع.. ولم نعرف أين هي، وفي أي مكان، وفي أي بلد، وكيف علموا عنها".
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى قول المسؤول "الإسرائيلي"، الذي رفض الكشف عن اسمه، إن البحث عن الرفات مستمر.
المصدر : عربي 21
21/10/1439
6/7/2018