عيد النار الفارسي يحرق بقايا الثورة الخمينية
محمد الكفراوي
التاريخ: 4/4/1431 الموافق 20-03-2010
أصبحت المناسبات الوطنية في إيران فرصة للمعارضة للتعبير عن رفضها لنظام أحمدي نجاد، وتجديد اعتراضها على نتيجة الانتخابات الرئاسية الأخيرة. وإن كانت المناسبات الخاصة بالاحتفال بالأعياد الإسلامية، أو الأعياد الوطنية العامة، تحولت إلى مظاهرات حاشدة من المعارضة ضد أحمدي نجاد، وضد المرشد الأعلى للثورة الإسلامية على خامنئي السلطة الأكبر في نظام الولي الفقيه الذي تستند إليه إيران في نظام الحكم، فإن وتيرة المظاهرات والاحتجاجات تتزايد إذا كان العيد يتعلق بالقومية الإيرانية، وبأصولها ما قبل الإسلامية.
وهو ما ظهر خلال احتفال الإيرانيين بعيد النار، إذ تحول هذا العيد هو الآخر إلى مناسبة استفادت منها المعارضة للتعبير عن رفضها للنظام الحاكم. وفضلا عن ذلك كان هذا العيد فرصة للتمرد على سلطة الولي الفقيه التي يمثلها المرشد الأعلى للثورة الإسلامية. وهو ما ظهر في قيام المعارضة بإحراق صورة الخميني مؤسس الدولة الإسلامية في إيران ومرشدها الأعلى الأول، إلى جانب حرق صور المرشد الأعلى الحالي على خامنئي، لتتجاوز المظاهرات الاحتجاجية فكرة رفض النظام والاعتراض على شرعية الرئيس أحمدى نجاد، إلى الطعن وإعلان الضيق من النظام الإسلامي الذي يحكم إيران عموما، بما في ذلك رمز الثورة الإسلامية ومرشدها الأعلى.
يأتي احتفال الإيرانيين بعيد النار تعبيرا عن اليأس والإحباط الكامل الذي يعيشونه، في ظل استمرار حكم نجاد، ومحاولات تكميم أفواه المعارضة بالاعتقالات المستمرة في صفوفها، التي وصلت مؤخرا إلى اعتقال القيادات الكبيرة، المقربة جدا من رمزيّ المعارضة الإصلاحييْن حسين موسوي ومهدي كروبي.
واللافت للانتباه أن المظاهرات والاعتصامات التي تشهدها البلاد، في كل عيد قومي أو مناسبة وطنية، تنطلق من الجامعات. وكانت الجامعة هي المكان الذي انطلقت منه في السابق الثورة الإسلامية ضد نظام الشاه في 1979، ما يعد مؤشرا قويا على قرب انطلاق ثورة مضادة، ومن المكان نفسه. ولكن هذه المرة لإسقاط النظام الإسلامي "الولي الفقيه"، والاتجاه نحو الحكم المدني الديمقراطي، بدلا من السلطة المستبدة المطلقة التي يجسدها النظام الحالي.
يجدر بالذكر أن عيد النار الذي احتفل به الإيرانيون مؤخرا، هو عيد قومي يعود تاريخه إلى ما قبل الإسلام. أي إلى تلك الفترة التي كان الشعب الإيراني-الفارسي يعتنق فيها الديانة المجوسية "عبادة النار". وتم تسويغه بعد ذلك باعتباره اليوم الأخير في السنة الإيرانية، ويمثل انتهاء الشتاء وبدء فصل الربيع. وظل الاحتفال به ساريا على هذا الأساس، لكونه يمثل عيدا قوميا أصيلا، يشير إلى مجد الحضارة الفارسية ومجد الشعب الإيراني في السابق.
وربما لهذا السبب، ولعدم الاصطدام بالجماهير، ورغبتها العارمة في الاحتفال بهذا اليوم، لم تجرؤ الثورة الإسلامية على منع الاحتفال بهذا العيد. كما أن الرموز الدينية للثورة بدءا من الخميني وانتهاء بخامنئي لم يجرؤوا على إصدار فتوى تحريم الاحتفال بهذا العيد، واكتفوا بإصدار بيانات تشير إلى أن هذا الاحتفال لا يمت بصلة للشريعة الإسلامية، وأن الاحتفال به أمر غير مرغوب فيه.
ورغم عدم حدة تلك البيانات وعدم إلزاميتها، إلا أنها تصطدم هي الأخرى بالشعور الجمعي العام لدى الإيرانيين المصرِّين على الاحتفال بهذا اليوم، لكونه يذكرهم بأصولهم وأمجادهم وحضارتهم العريقة- حتى لو كانت وثنية- ما يضع النظام الإسلامي في إيران في مأزق خطير، يتمثل في محاولته تطبيق الشريعة الإسلامية. وفي الوقت نفسه عدم الاصطدام بالرغبة الشعبية في الاحتفاظ بالإرث الحضاري للشعب الإيراني.
وهي الصدمة التي يمكن أن تولد الشرارة الأولى للثورة الإيرانية التي تطرق الأبواب، انطلاقا من كره المعارضة لنظام الولي الفقيه الذي أصبح يمعن في قمع وقهر المعارضة. ويأتي المبرر هذه المرة أكثر قوة من المرات السابقة، فالعوامل السياسية تتراجع وتقف في الخلفية أمام العوامل القومية التي يرغب الإيرانيون في استعادتها من قبضة النظام الإسلامي المستبد، المتمثل في الحكم المطلق لـ"الولي الفقيه".
رموز المعارضة أنفسهم، كانوا يرفضون توجيه النقد لنظام الولي الفقيه، أو التجريح في الثورة الإسلامية. بل ويعلنون أن مواقفهم المناهضة للنظام وللمرشد الأعلى الحالي تنطلق من أن الرئيس والمرشد لا يلتزمان بمبادئ الثورة الإسلامية. بل هما يعرّضان للخطر تلك المبادئ التي قامت على أساسها الدولة.. وإن كانت هناك بعض التصريحات قد خرجت من رموز المعارضة؛ للتنديد بما يفعله المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، وانحيازه الكامل غلى الرئيس أحمدي نجاد.
تحدثت تلك التصريحات عن تعديلات تحدّ من سلطات المرشد الأعلى. إلا أن كل ذلك كان في إطار إيمان المعارضة بالثورة الإسلامية، وسعيها نحو الإصلاح السياسي والدستوري؛ انطلاقا من مبادئ الثورة. ولكن التوجه الأخير نحو حرق صور الخميني وخامنئي في "عيد النار"، يحمل في طياته دلالات على وجود رغبة قوية في التغيير والثورة على النظام القائم، انطلاقا من رؤية قومية إيرانية صرف، بعيدة عن الدين وعن سياسة الكهنوت.
المصدر: سني نيوز