دخل لبنان مدار صراع كبير .. وبدأت تتبلور ملامح التصعيد. المسار طويل، قد تتخلله صدامات كثيرة. فأي خطأ في التقدير قد يشعل الشرارة. ولا أحد يتوقع كيف تنطفئ.
سلاح المذلّة
وظيفة السلاح المنظم تحولت. فبدلاً من أن يكون في خدمة لبنان، أصبح لبنان كله في خدمة هذا السلاح وحمايته. وفي هذا المسار ليس مهماً أن تنهار دولة، ويُحاصر بلد، ويجوع شعب. لكن اللبنانيين لن يكونوا معنيين في ما يحدث، إلا كمادة للخوف والمذلة. فـ"مرشد مسيرتهم" هذه لم يخيّرهم إلا بين الالتحاق بفنزويلا، أو بإيران وسوريا. وكلا الخيارين واحد. حتى روسيا لم تكن مدرجة على هذه لائحة الخيارات.
وما يجري ليس سوى محاولة لشراء الوقت الذي يُرفع فيه الكلام التصعيدي.
التهديد بالقتل
والتهديد لا يستهدف الخارج، بل الداخل اللبناني. فالرسالة تخاطب الجالسين على ضفة النهر، ولو اقتضى ذلك الوصول إلى القتل.
وهذه دعوة مستمرة لجرّ اللبنانيين إلى ما يريده صاحب التهديد، ربما مثلاً في جلسة بعبدا المرتقبة، والتي تبحث عن تواصل وتوافق محليّ، لاستعادة غطاء خسره "حزب الله" سابقاً. لكن المسألة لم تعد داخلية قط. إذ يبدو كأنما الأميركيون قد نحوا جانباً كل من يعتبرونهم حلفاءهم المحليين والإقليميين. وهم يريدون خوض المعركة بأنفسهم. لذلك يقف سعد الحريري وسمير جعجع ووليد جنبلاط جانباً. وكذلك السعودية التي لا تضطلع بأي دور فاعل في هذه المرحلة، لتخوض واشنطن هذه المعركة.
صرخات في واد
في المقابل يبدو "حزب الله" وكأنه يريد العودة إلى معادلات سابقة. معادلات يربح فيها دوماً، باستدراجه خصومه الداخليين، الذين يصفهم بحلفاء أميركا والمنخرطين في المشروع المؤامراتي. وهذا كي ينحي جانباً المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة الأميركية.
لكن "حزب الله"، ومعه لبنان، في لحظة حصار دولي. وبالتالي كل محاولات بحثه عن صيغ داخلية للصراع، لن تجديه نفعاً. أما الأقنعة السياسية الداخلية، بالحوارات الثنائية، أو اللقاءات الجامعة، فلن تؤدي بدورها إلى نتيجتها المرتجاة.
فهذه الأساليب كلها استنفدت وأصبحت من عدة الشغل القديمة. لذا فإن الدعوات إلى التهدئة السياسية و"المذهبية"، أو التصعيد والتهديد والوعيد الموجهة كلها إلى الداخل، أو لقاء بعبدا، ليست سوى صرخات في واد، لا نفع فيها. وذلك لأن لا مجيب لها في الداخل اللبناني، على الرغم من التقاط صور المدعوين لـ"الوئام" في قصر بعبدا.
اختناق بطيء
يتعرض "حزب الله" لضغوط لم يختبرها منذ تأسيسه. هناك محاولة لمحاصرته حصاراً كاملاً: من الضغوط الأوروبية، والقرارات العربية، وصولاً إلى العقوبات الأميركية التي ستتزايد. كل اللقاءات المحلية والتوافقات الداخلية لن تغيّر من واقع الحال هذا.
هناك نوع من قضم متدرج، سياسياً واقتصادياً ومالياً. لذا ليس من ضربة قاصمة، بل اختناق بطيء. وفي هذه المجابهة لا حاجة لخوض أي حرب أو افتعالها. خصوصاً أن الحرب يصعب خوضها في بلاد غارقة في فقر مدقع وجوع فاحش.
أما السؤال الذي لا يحظى بجواب حتى الآن، فهو الآتي: ما السلاح المنظم ومستقبله؟ هل يريد هذا الضغط والتصعيد الصارمان نزع السلاح؟ أم الصواريخ الدقيقة فقط؟
مأزق حلفاء السلاح
قد يكون "حزب الله" حضرّ استراتيجية بديلة للتعاطي مع مسألة السلاح: الاستراتيجية الدفاعية التي قد تكون نصف حلّ، كتسليم جزء من سلاحه للدولة والاحتفاظ بجزء آخر.
لم تصل الأمور بعد إلى مرحلة وضع الأوراق كلها على الطاولة. وهي متروكة إلى لحظة التفاوض والمساومة، لكنها قابلة لأن تكون مرنة وغير نهائية.
تبقى كلمة "سنقتلهم"، التي لم يعرف من المقصود بها. فإذا كانت هذه الكلمة هي الخطة البديلة لمواجهة الحصار الاقتصادي، فإنها تعني تسخين جبهة الجنوب، لاستدراج عروض، ورفض الجوع، والضغط بهدف الحصول على مساعدات. وفي هذه المعادلة الأفرقاء اللبنانيون جميعاً غائبون عن المشهد.
لكن الاستحقاق الأساسي والتحدي الحقيقي، سيكونان على عاتق حلفاء "حزب الله"، وخصوصاً "رئيس الجمهورية" و"التيار العوني" والحكومة. فهل سيقفون إلى جانب "حزب الله" أم إلى جانب الأميركيين؟.
لم يعد الوقت يسمح بترف لعبة "تركيب الطرابيش".
المدن
26/10/1441
18/6/2020