الرد على افتراءات عماد حمتو في خطبته ثورة الحسين والربيع العربي (3)

بواسطة ابو محمد الغزي قراءة 2687
الرد على افتراءات عماد حمتو في خطبته ثورة الحسين والربيع العربي (3)
الرد على افتراءات عماد حمتو في خطبته ثورة الحسين والربيع العربي (3)

ابو محمد الغزي

23-4-2012

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

•          ذكر حمتو حديث «أنا مدينة العلم وعلي بابها» وأخذ يشرحه وكأنه من الأحاديث المقطوع بصحتها فأقول:

هذا الحديث مما اختلف العلماء في تصحيحه وتضعيفه، والحق أنه لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم رواية ودراية، سندا ومتنا:

1.         فأما الإمام البخاري ، فإنَّه أنكره( )، وقال: ( ليس له وجه صحيح )( ).

2.         وقال الترمذي: ( حديثٌ غريبٌ منكرٌ )( ).

3.         وقال ابن حبان: ( هذا شيء لا أصل له من حديث ابن عباس ، ولا مجاهد ، ولا الأعمش ، ولا أبو معاوية حدّث به ، وكل من حدّث بهذا المتن ، فإنما سرقه من أبي الصلت هذا ، وإن أقلب إسناده )( )، وقال أيضاً: ( وهذا خبر لا أصل له عن النبي عليه الصلاة والسلام )( ).

4.         وقال العقيلي: ( ولا يصح في هذا المتن حديث )( ).

5.         وقال الدارقطني: ( الحديث مضطرب غير ثابت )( )

وحكم عليه بالوضع كل من: ابن الجوزي( )، والذهبي( )، وشيخ الإسلام ابن تيمية( )، والعلامة عبد الرحمن المعلمي( )، والشيخ محمد ناصر الدين الألباني.( )

قال الألباني بعد تخريج طويل للحديث: "وجملة القول؛ أن حديث الترجمة ليس في أسانيده ما تقوم به الحجة، بل كلها ضعيفة، وبعضها أشد ضعفا من بعض، ومن حسنه أو صححه فلم ينتبه لعنعنة الأعمش في الإسناد الأول"( ).

وقال أيضا: "وقد خفي على الشيخ الغماري كثير من هذه الحقائق، فذهب إلى تصحيح الحديث في رسالة له سماها " فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي " والرد عليه يتطلب تأليف رسالة، والمرض والعمر أضيق من ذلك، لكن بالمقابلة تتبين الحقيقة لمن أرادها"( ).

وأما نكارة متنه فقد بينها شيخ الإسلام رحمه الله تعالى فقال وَحَدِيثُ: " «أَنَا مَدِينَةُ الْعِلْمِ وَعَلِيٌّ بَابُهَا» أَضْعَفُ وَأَوْهَى "، وَلِهَذَا إِنَّمَا يُعَدُّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ، وَإِنْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَبَيَّنَ أَنَّ سَائِرَ طُرُقِهِ مَوْضُوعَةٌ، وَالْكَذِبُ يُعْرَفُ مِنْ نَفْسِ مَتْنِهِ ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ مَدِينَةَ الْعِلْمِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا إِلَّا بَابٌ وَاحِدٌ، وَلَمْ يُبَلِّغْ عَنْهُ الْعِلْمَ إِلَّا وَاحِدٌ، فَسَدَ أَمْرُ الْإِسْلَامِ، وَلِهَذَا اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُبَلِّغُ عَنْهُ الْعِلْمَ وَاحِدًا ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُبَلِّغُونَ أَهْلَ التَّوَاتُرِ الَّذِينَ يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ لِلْغَائِبِ.

وَخَبَرُ الْوَاحِدِ لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ إِلَّا بِقَرَائِنَ، وَتِلْكَ قَدْ تَكُونُ مُنْتَفِيَةً أَوْ خَفِيَّةً عَنْ أَكْثَرِ النَّاسِ، فَلَا يَحْصُلُ لَهُمُ الْعِلْمُ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ الْمُتَوَاتِرَةِ، وَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ الْوَاحِدُ الْمَعْصُومُ يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِ.

قِيلَ لَهُمْ: فَلَا بُدَّ مِنَ الْعِلْمِ بِعِصْمَتِهِ أَوَّلًا، وَعِصْمَتُهُ لَا تَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ خَبَرِهِ قَبْلَ أَنْ يُعْلَمَ عِصْمَتُهُ، فَإِنَّهُ  دَوْرٌ، وَلَا تَثْبُتُ  بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنَّهُ لَا إِجْمَاعَ فِيهَا، وَعِنْدَ الْإِمَامِيَّةِ إِنَّمَا يَكُونُ الْإِجْمَاعُ حُجَّةً ; لِأَنَّ فِيهِمُ الْإِمَامَ الْمَعْصُومَ، فَيَعُودُ الْأَمْرُ إِلَى إِثْبَاتِ عِصْمَتِهِ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ، فَعُلِمَ أَنَّ عِصْمَتَهُ لَوْ كَانَتْ حَقًّا لَا بُدَّ أَنْ تُعْلَمَ بِطَرِيقٍ آخَرَ غَيْرِ خَبَرِهِ.

فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِمَدِينَةِ الْعِلْمِ بَابٌ إِلَّا هُوَ، لَمْ يَثْبُتْ لَا عِصْمَتُهُ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ، فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ إِنَّمَا افْتَرَاهُ زِنْدِيقٌ جَاهِلٌ ظَنَّهُ مَدْحًا، وَهُوَ مَطْرَقُ الزَّنَادِقَةِ إِلَى الْقَدْحِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ إِذْ لَمْ يُبَلِّغْهُ إِلَّا وَاحِدٌ.

ثُمَّ إِنَّ هَذَا خِلَافُ الْمَعْلُومِ بِالتَّوَاتُرِ ; فَإِنَّ جَمِيعَ مَدَائِنِ الْإِسْلَامِ بَلَغَهُمُ الْعِلْمُ عَنِ الرَّسُولِ مِنْ غَيْرِ عَلِيٍّ، أَمَّا أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ فَالْأَمْرُ فِيهِمَا ظَاهِرٌ، وَكَذَلِكَ الشَّامُ وَالْبَصْرَةُ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ يَكُونُوا يَرْوُونَ عَنْ عَلِيٍّ إِلَّا شَيْئًا قَلِيلًا، وَإِنَّمَا كَانَ غَالِبُ عِلْمِهِ فِي الْكُوفَةِ، وَمَعَ هَذَا فَأَهْلُ الْكُوفَةِ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ قَبْلَ أَنْ يَتَوَلَّى عُثْمَانُ فَضْلًا عَنْ عَلِيٍّ.

وَفُقَهَاءُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ تَعَلَّمُوا الدِّينَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، وَتَعْلِيمُ مُعَاذٍ لِأَهْلِ الْيَمَنِ وَمُقَامُهُ فِيهِمْ أَكْثَرُ مِنْ عَلِيٍّ، وَلِهَذَا رَوَى أَهْلُ الْيَمَنِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَكْثَرَ مِمَّا رَوَوْا عَنْ عَلِيٍّ، وَشُرَيْحٌ وَغَيْرُهُ مِنْ أَكَابِرِ التَّابِعِينَ إِنَّمَا تَفَقَّهُوا عَلَى مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَلَمَّا قَدِمَ عَلِيٌّ الْكُوفَةَ كَانَ شُرَيْحٌ فِيهَا قَاضِيًا، وَهُوَ وَعَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ تَفَقَّهَا عَلَى غَيْرِهِ، فَانْتَشَرَ عِلْمُ الْإِسْلَامِ فِي الْمَدَائِنِ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ عَلِيٌّ الْكُوفَةَ"( ).

 

•          قال حمتو: « كم روى البخاري في صحيحه عن علي أحاديث، لم يرو إلا بضعة أحاديث، 

ولما جاء الإمام أحمد كتب سبعمائة حديث».

أقول: الرد عليه من أوجه:

الوجه الأول: قال ابن فارس: «البضع من العدد، وهو ما بين الثلاثة إلى العشرة. ويقال: البضع سبعة. قالوا: وذلك تفسير قوله تعالى: {بضع سنين}( )»( ).

الوجه الثاني: مرويات علي رضي الله عنه في صحيح البخاري ست وتسعون حديثا بالمكرر وأربعون حديثا بغير المكرر تقريبا، وعلى هذا فإن وصف هذه الأحاديث بالبضع جهل بواقع الأمر وافتراء على الإمام البخاري، ولا يصح هذا الإطلاق لغة ولا عرفا.

وهذا يبين للقارئ مدى استخفاف هذا الرجل بعقول الناس وتمرير الأباطيل عليهم دون تحر

وتثبت، وهذا دأبه في خطبته هذه فإنه يخبط خبط عشواء، ويرتب نتائج عجيبة مبناها على هذه الافتراءات التي يدعيها بين الفينة والأخرى والله حسيبه.

ثالثا: عقد حمتو مقارنة لمرويات علي رضي الله عنه بين مسند الإمام أحمد وصحيح البخاري ليصل إلى نتيجة بأن البخاري أخفى كثيرا من الأحاديث عن علي رضي الله عنه لأسباب سياسية على حد زعمه كما سيأتي، ولكن الغريب في الأمر أن الرجل لم يكلف نفسه بعقد مقارنة بين رواية بقية الخلفاء الراشدين في المسند والصحيح، وذلك في نظري يؤول إلى غفلته أو سوء قصده وتسرعه في الإطلاقات..

فمرويات أبي بكر في صحيح البخاري  اثنان وثلاثون حديثا وفي المسند واحد وثمانون حديثا

ومرويات عمر رضي الله عنه في البخاري بلغت مائة وسبعة وثلاثين حديثا وفي المسند ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون حديثا.

ومرويات عثمان بن عفان رضي الله عنه في البخاري خمسة وعشرون حديثا، وفي المسند مائة وخمسون حديثا

وقد بلغت مرويات علي رضي الله عنه في المسند ثمانمائة وأربعة حديثا

وإذا عقدنا مقارنة بين مرويات الأربعة رضي الله عنهم لوجدنا أن ترتيبهم في البخاري من حيث كثرة الرواية على النحو التالي:

1-        عمر بن الخطاب.

2-        علي بن أبي طالب.

3-        أبو بكر الصديق.

4-        عثمان بن عفان.

وترتيبهم في المسند على هذا النحو:

1-        علي بن أبي طالب

2-        عمر بن الخطاب.

3-        عثمان بن عفان.

4-        أبو بكر الصديق.

وبناء على هذا فإن عليا يعتبر في المرتبة الثانية من حيث كثرة الرواية في صحيح البخاري وهو متقدم على أبي بكر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين.

وبعد هذا التحقيق نذكر النتيجة التي يريد أن يصل إليها هذا الرجل من خلال هذه المقارنة الخاطئة كما تبين بجلاء حيث قال بعد ذلك في بيان السبب الذي دفع البخاري إلى التقليل من روايات علي بن أبي طالب: «لأن البخاري كان يكتب والسيف على رقبته لأنه كان في عصر بني أمية، وأما أحمد فكان في عصر العباسيين فالخلاف السياسي لعب دورا حتى في كتابة القلم»

 

أقول: الرد على هذه المغالطة العجيبة من وجوه:

الوجه الأول: لم يكن البخاري رحمه الله تعالى في زمان بني أمية بإجماع المؤرخين فإن مولده كان في عام أربع وتسعين ومائة ببخارى، وكانت نهاية الدولة الأموية في عام اثنين وثلاثين ومائة، أي قبل مولده باثنين وستين سنة تقريبا، فكيف يقال إنه كان يكتب والسيف على رقبته

الوجه الثاني: من الغرائب أن يجهل حامل الدكتوراة في علوم الشريعة أسبقية الإمام أحمد على البخاري رحمه الله تعالى مولدا ووفاة، فإذا كان الأسبق في زمان العباسيين أفيكون المتأخر في زمان الأمويين؟!

وحقيقة الأمر أن التوفيق من الله تعالى، وأراد الله تعالى أن يكشف خبيئة هذا الرجل من لسانه وبما يظهره من افتراءات مكشوفة على علماء الإسلام.

الوجه الثالث: إن اتهام البخاري رحمه الله بأنه كان يكتب والسيف على رقبته لم يقل به إلا هذا الرجل، ولا يعرف له مستند صحيح أو ضعيف، ولكن يبدو جليا تأثره بأكاذيب الشيعة على هذا الإمام الجليل وتصديقه لترهاتهم وأباطيلهم.

وهذا الاتهام الخطير والتعدي على طبيب العلل وإمام المحدثين مفهومه أن البخاري رحمه الله كان جبانا يخفي كثيرا مما يعلمه من الحق في شأن علي رضي الله عنه، وهذا مما لا شك في بطلانه وقبحه وذم قائله، إذ يجب عليه أن يتوب إلى تعالى ويعلن للناس عامة أنه افترى وكذب على الإمام البخاري رحمه الله، ولعل الله يغفر له ما اقترفت يداه على علماء المسلمين وخيارهم.

ومن المعلوم لكل من طالع سيرة البخاري أنه كان آية في زمانه في العلم والفقه والورع والدين والشجاعة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

قَالَ ابن حجر العسقلاني: «وَحكى وراقه ( أي البخاري) أَنه ورث من أَبِيه مَالا جَلِيلًا وَكَانَ يُعْطِيهِ مُضَارَبَة فَقطع لَهُ غَرِيم خَمْسَة وَعشْرين ألفا فَقيل لَهُ اسْتَعِنْ بِكِتَاب الْوَالِي فَقَالَ إِن أخذت مِنْهُم كتابا طمعوا وَلنْ أبيع ديني بدنياي ثمَّ صَالح غَرِيمه على أَن يُعْطِيهِ كل شهر عشرَة دَرَاهِم وَذهب ذَلِك المَال كُله وَقَالَ سمعته يَقُول مَا توليت شِرَاء شَيْء قطّ وَلَا بَيْعه كنت آمُر إنْسَانا فيشتري لي قيل لَهُ وَلم قَالَ لما فِيهِ من الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان»( )

وكان رحمه الله يَقُول «أَنِّي لأرجو أَن ألقِي الله وَلَا يحاسبني أَنِّي اغتبت أحدا»( )

الوجه الرابع: اشترط الإمام البخاري رحمه الله تعالى في تصنيف صحيحه شروطا جعلته يترك كثيرا من الأحاديث الصحيحة التي ليست على شرطه، كما أنه رحمه الله تعالى لم يقصد استيعاب الصحيح الذي على شرطه حتى لا يطول كتابه، ولهذا استدرك عليه الحاكم أبو عبد الله كثيرا من الأحاديث التي على شرطه، ولكن كثيرا منها لم يسلم من النقد، وأما بيان شرطه فهو ما أخرجه الحافظ ابن حجر العسقلاني عن الْحَافِظ أَبُو الْفضل بن طَاهِر فِيمَا قَرَأت( ) على الثِّقَة أبي الْفرج بن حَمَّاد أَن يُونُس بن إِبْرَاهِيم بن عبد الْقوي أخبرهُ عَن أبي الْحسن بن المقير عَن أبي المعمر الْمُبَارك بن أَحْمد عَنهُ " شَرط البُخَارِيّ أَن يخرج الحَدِيث الْمُتَّفق على ثِقَة نقلته إِلَى الصَّحَابِيّ الْمَشْهُور من غير اخْتِلَاف بَين الثِّقَات الاثبات وَيكون إِسْنَاده مُتَّصِلا غير مَقْطُوع وَأَن كَانَ للصحابي راويان فَصَاعِدا فَحسن وَأَن لم يكن الا راو وَاحِد وَصَحَّ الطَّرِيق إِلَيْهِ كفى قَالَ وَمَا ادَّعَاهُ الْحَاكِم أَبُو عبد الله أَن شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم أَن يكون للصحابي راويان فَصَاعِدا ثمَّ يكون للتابعى الْمَشْهُور راويان ثقتان إِلَى آخر كَلَامه فمنتقض عَلَيْهِ بِأَنَّهُمَا اخرجا أَحَادِيث جمَاعَة من الصَّحَابَة لَيْسَ لَهُم الا راو وَاحِد"( )



مقالات ذات صلة