يحار المرء في توصيف ما يجري من أحداث متسارعة على ساحتنا العربية والإسلامية فترى الموقف اليوم ونقيضة غدا ..
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وصف حال آخر الزمان بأن المرء يمسي مؤمنا ويصبح كافرا ويصبح مؤمنا ويمسي كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا .. ولا نقصد تكفير أحد من المسلمين هنا ولكن في هذا دلالة على تغير أحوال العالم وسرعة تبدلها ..
فبعد أن كان محرما على قادة الفصائل في غزة التجول بعلن في شوارعها خوفا من أن تطاردهم الطائرات الصهيونية وتصطادهم ,, فجل تحركاتهم محاطة بالتخفي والسرية في ليلة وضحاها ها هم القادة أنفسهم و"المحكوم عليهم بالإرهاب في القوائم الأمريكية" يخرجون من السجن الكبير في غزة وعبر مصر تنطلق الطائرات بهم إلى لبنان وإيران ليصولوا ويجولوا بحرية دون أي إزعاج أو عرقلة وها هي صورهم وهم يلتقون بزعماء ومسؤولي الشيعة في لبنان وإيران في جولات مكوكية من ضمن أهدافها تسليم بطاقة حسن سيرة وسلوك لأعضاء الجوقة الإيرانية التي أجرمت بحق أهلنا في العراق وسوريا ولبنان ..
لكن ليست تلك القضية التي مدار كلامنا عليها ..
سؤالنا لماذا سمح الكيان الصهيوني لهؤلاء القادة من "حماس والجهاد ولجان المقاومة" بالخروج والذين يعتبرون من قادة الصف الأول في تلك التنظيمات كالزهار وخالد البطش ونافذ عزام ومحمد الهندي وغيرهم ... في هذا التوقيت بالذات ..؟؟؟
ربما يتبادر للذهن أولا بأن خروج هؤلاء هو للتنسيق مع "حزب الله" وإيران في حالة تعرض أي من أعضاء ما يسمى "محور الممانعة والمقاومة" لإعتداء من قبل "إسرائيل" ..
لكن هل ستسمح "إسرئيل" لأعلى القيادات في تلك الفصائل بالخروج للتنسيق حول ضرب "إسرئيل" هذا لا يتحمله العقل ولا يقبله المنطق مع العلم بأن الصهاينة قد تتبعوا الكثير من القيادات الفلسطينية في دول العالم وتمت تصفيتهم دون أي محاسبة من أي أحد وما جرى لأبو جهاد في تونس والمبحوح في الإمارات وأبو أياد وغيرهم كثير مثال على هذا ..
بل علاوة على ذلك أن الطائرات الصهيونية قصفت المفاعل النووي العراقي وقصفت السودان وها هي تقصف سوريا دون أي رقيب أو حسيب فهي قادرة على تتبع سيارات هؤلاء القادة وهي خارجة من غزة بل وتستطيع إسقاط الطائرات التي تقلهم لكنها لم تفعل ...!!!
فالمسألة أكبر من ذلك وفي الأمر خفايا تصب في مصلحة من سمح لهم في الخروج وحرية التنقل ومن أعطى المواثيق الضمانات بأنهم لن يصيبهم أي مكروه ..
وهم "إسرائيل" ومصر أعني على وجه التحديد ... !!!!!!!!
جرت في الفترة الأخيرة أحداث جديرة بالتوثيق منها :
- ما تسمى بصفقة القرن
- الغاء الاتفاق النووي بين أمريكا وايران
- إعادة تأهيل بشار وفشل الثورة السورية
- زيارة نتنياهو إلى عمان
- تصريح ظريف بأن إيران لم تدعي أنها سوف تنهي دولة "إسرائيل"
- تصريح العراق بقبوله حل الدولتين وعلى لسان وزير خارجيته
- الانسحاب الأمريكي من سوريا
- السيطرة الروسية على سوريا
- زيارة ترامب للعراق دون إذن أو علم الحكومة العراقية
- مشروع دولة مستقلة في غزة وفصلها عن الضفة
- اللاعب التركي في سوريا
- استمرار تهجير فلسطينيي لبنان وسوريا وما تبقى من فلسطينيي العراق
- رفض السلطة الفلسطينية لما تسمى صفقة القرن وكذلك المملكة العربية السعودية
- الـ 15 مليون دولار المقدمة من قطر لسلطة غزة عبر "إسرائيل"
- تتبع "حماس" عناصر "فتح" في غزة واعتقالهم حتى بلغ العدد المئات حسب وسائل الإعلام
- القصف "الإسرائيلي" المستمر على مليشيات إيران في سوريا
- وغير ذلك من الأحداث التي ظهرت على السطح
من ربط خيوط تلك المؤثرات في الحدث تتولد عندنا مقدمات تُبْنى عليها نتائج :
منها :
1- أما أن تكون المنطقة متوجهة نحو حرب الكل يعد لها العدة ويجمع أنصاره ليكون النصر حليفه في تلك المواجهة .
فإيران تتوقع هجوما من أمريكا و"إسرائيل" وقد يكون مدعوما من دول الخليج سواء كان ماديا أو معنويا.
ذلك لكبح جماح إيران وتأديبها بعد أن تخلص الصهاينة من التهديد السني في العراق وسوريا .
لذلك تجمع إيران حلفاءها ومن أنفقت عليهم ليكونوا سد الدفاع عنها في حال تعرضها لهجوم ومن ضمن هؤلاء فصائل غزة كـ"حماس والجهاد" وغيرهما مثل "لجان المقاومة كتائب صلاح الدين" ..
ولتحترق غزة وتدمر بمن فيها ..
لكن يعترض هذا التحليل سماح دولة يهود لتلك الفصائل بالخروج وهي تعلم أنهم قد يتفقون لتكوين جبهة واحدة ضدها ..
الجواب هذا من مكر يهود فهم يعلمون بأن إيران وحلفها ليسوا في موقع الإستطاعة على مقاومة تلك القدرات العسكرية الهائلة لأمريكا وحلفائها ولذا فإن أي تحرك من غزة مناصر لإيران سوف يجابه بقوة نارية كفيلة بسحق غزة وتدميرها تحت يافطة الحرب ضد إيران دون اعتراض من أي دولة عربية كانت أم إسلامية أو تحرك شعبي حتى .. وهذا هو المطلوب "إسرائيليا" ..
2- والإحتمال الثاني ولعله يكون هو المرجح :
أن إيران دولة نفاقية ليست لها قيم ولا مبادئ ومستعدة للتعامل مع الشيطان للوصول إلى مآربها ..
وإيران التي تدعي مقاومة "إسرائيل" قد استلمت أسلحة منها ابان حربها مع العراق ..
لكن بعد الضغط الأمريكي المتمثل بالعقوبات الصارمة ضد إيران مع وضع داخلي إيراني متردي وتململ وسخط شعبي ,, وضغط "إسرائيلي" بقصف مليشياتها في سوريا مع إتفاق على تقاسم النفوذ يلوح في الأفق بين روسيا وأمريكا في سوريا والعراق دون تناسي الفاعلين الآخرين على الأرض السورية ونعني تركيا و"إسرائيل" وتوقع أن تخرج إيران خالية الوفاض من اللعبة السورية .. ونتيجة لهذه الأحداث لا يستبعد بأن إيران قدمت تنازلات كبيرة لتمرير تلك العاصفة ,, في المقابل فإن أمريكا و"إسرائيل" لن تجد خير من إيران كشرطي مؤتمن على مصالح تلك الدول في المنطقة وكقوة تُسَلطْ على أهل السنة العدو الحقيقي والتاريخي للصليبية واليهودية ..
فبعد رفض صفقة القرن من بعض الأطراف الرئيسية في الموضوع ومنها السلطة الفلسطينية فمن الممكن تمرير بعض بنودها حتى عن طريق أطراف أخرى مع المحافظة على الأنقسام الفلسطيني وتقسيم مناطق فلسطين بين "الأحزاب والحركات" ..
وطبعا هذا يكون بضمانة الراعي المقترح للمنطقة ألا وهي إيران المُرَوضَةْ !!
كلنا يتذكر زيارة نتنياهو لعُمان .. ولماذا عُمان بالتحديد ..؟؟
يمكن توصيف عُمان باختصار بأنها ضابط الإرتباط بين إيران وأذنابها وبين الغرب ..
فزيارة نتنياهو لهذا البلد ذا العمق الإباضي .. (والفرقة الإباضية هي أحدى فرق الخوارج) .. ليست اعتباطية في الإختيار فعُمان تمثل الشذوذ في البيت الخليجي بل والعربي فهي دولة "تعزف على وتر خاص بها" ..
فلربما كانت هنالك صفقة وترتيبات قد حصلت ..!!,, تنازلت فيها إيران عن الكثير في مقابل تنصيبها كراعي للمنطقة ..كذلك تخفيف الضغط الأمريكي عليها .. وكان الوسيط بين الأطراف هو " عُمان "
فيما يخص قضيتنا الفلسطينية ..
كما ذكرنا بأن "إسرائيل" حريصة على الإنقسام الفلسطيني وحريصة على أن يكون هنالك سلطتان ودولتان لإضعاف القرار الفلسطيني أيضا ..
فمن الممكن تسليم غزة لفصائل "حماس والجهاد واللجان" وغيرها برعاية الضامن الإيراني ..
سمعنا مؤخرا عن دولارات بالملايين تدخل القطاع من قطر بموافقة وترتيبات "إسرائيلية" وعن منفذ بحري للقطاع وعن وعن .. بل وحتى من ضمن لقاءات الفصائل في إيران هو لقاءا مع مسؤول إيراني يمثل الشرطة المحلية وعرض هذا المسؤول على الفصائل تدريب الشرطة في غزة أو ما يسمى شرطة المقاومة .. وما علاقة المقاومة بالشرطة المحلية إلا أن يكون هنالك دولة في غزة وهذا العرض يعطينا مدى الرعاية بل والإختراق والسطوة الإيرانية لهذه الدولة المتوقعة .. ولربما يكون كل ذلك هو مقدمة لدولة غزة .. !!!
من هذا الترتيب ستكون هنالك منافع كثيرة للعدو الصهيوني منها :
1- تحييد جبهة غزة بل وتعطيلها وإيقافها وهذا يمثل هدفا مهما للإحتلال لأن غزة كانت بؤرة تهديد وإزعاج للكيان .
2- ربما تمتد دولة غزة لتأخذ مساحة من العريش في سيناء وتكون بديلا لبعض فلسطينيي الشتات ممن انقطعت بهم السبل ولا مأوى لهم ويكون هذا حلا جاهزا لمشكلة اللاجئين ,, تلك المشكلة العويصة التي كانت عصا في دولاب أي حل لقضية فلسطين .
3- الضامن الإيراني سوف يكون فاعلا في هذه الدولة المقترحة بل سيتحكم بمفاصلها وذلك يمثل عاملا مطمئنا للصهاينة من أي اختراق أو نقض للإتفاق ..
وعلى المدى المتوسط أو البعيد سوف تعمل إيران على تغيير عقيدة أهل غزة السنية وهذا يمثل نتيجة أساسية يحرص عليها يهود .. وبذلك ينفرط العقد الإجتماعي ويظهر الإختلاف والتنازع والفتن بين أبناء الشعب الواحد كما هو ظاهر في عدد من البلاد ..
4- تعامل إسرائيل مع دولتين متنازعتين خير من التعامل مع دولة واحدة فضرب إحداهما بالأخرى يضعفهما جميعا بل يضعف القرار الفلسطيني إن وجد ..
وبهذا يتبين بأن الكثير ممن يجعجع حول صفقة القرن ويتهم بعض الدول العربية بقبولها ربماهو أصلا سائر في ركابها ومنفذ لبنودها ..سواء علم أم لم يعلم ..!!
إن هذه اللقاءات والزيارات المكوكية لقادة فصائل غزة المسلحة في لبنان وإيران ودون إعاقة أو اعتراض من أحد لتثير الريبة والشكوك حول هذه التحركات والتي لن تأتي لأمتنا بخير فالتعامل مع إيران "نذير شؤم" لا يأتي منها إلا البلاء والخراب فماذا ننتظر من ملة تنصب العداء للسابقين من المهاجرين والأنصار ..
وربما تتوقع الفصائل من هذه الجولة الحصول على فتات من المكاسب كإدارة غزة وفتح بعض المعابر وتخفيف الحصار لكن مثلهم مثل الباحث عن سراب يظنه ماءا يروي عطشه .. فيهود ليسوا بهذا الغباء فهم ملة تأخذ ولا تعطي ومكرهم شديد .. كما وصفهم الله تعالى : { ... لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من افواههم وما تخفي صدورهم اكبر قد بينا لكم الآيات ان كنتم تعقلون } [آل عمران : 118] .
والحل هو : { ... وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا ... } [آل عمران : 120]
فهل اتقت الفصائل الله في وضع يدها بيد الرافضة ..؟؟؟
هذا هو السؤال ولتحضر الفصائل عليه جوابا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ..
موقع الحقيقة
لجنة الدفاع عن عقيدة أهل السنة في فلسطين
3/5/1440
9/1/2019