التأويل الباطني (القاديانية نموذجا)

بواسطة السبيل قراءة 892
التأويل الباطني (القاديانية نموذجا)
التأويل الباطني (القاديانية نموذجا)

عبداللطيف المحيمد

هناك الكثير من الفرق الباطنية التي انتسبت للإسلام، وحرفت أحكامه وعقائده، ولعل من أكثرها إيغالاً في التأويل الفرقة القاديانية، وهي من الفرق المعاصرة، فقد ظهرت في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، واشتدت شوكتها في القرن العشرين، وكانت بداياتها على يد المستعمر الإنجليزي في الهند، فانطلقت على يد الميرزا غلام أحمد، الذي ولد في قرية قاديان التابعة لإقليم البنجاب، وتوفي في مدينة لاهور عام 1908م بعد إصابته بالكوليرا.

كانت لهذه الحركة صلة قوية بالمستعمر الذي عانى من شدة مقاومة المسلمين الهنود، فدعم الإنجليز غلام أحمد وأغروه بإصدار فتاوى لإسقاط الجهاد ضدهم، وذلك بعد أن اختاروه من عائلة قدمت خدمات جليلة سابقا للمحتلين.

التأويل في الباطنية القاديانية

مر الفكر القادياني بعدة مراحل حتى وصل إلى ما هو عليه، حيث بدأ غلام أحمد دعوته بمعاداة النصارى المبشرين، وبمعاداة ونقد الهندوسية، فلما ذاع صيته وتجمع حوله الناس ادعى بأنه ملهم من الله تعالى بالعلم الظاهر والباطن، وهذه الدعوة نجدها واضحة في كتابه “براهين أحمدية”.

ثم ألف غلام أحمد كتاب “فتح الإسلام” وادعى فيه أن عصر نزول المسيح قد حان، وأنه هو المهدي المنتظر الذي ينتظره المسلمون لإنقاذهم من الهوان، وقد صرح بذلك في الكتاب، بل صرح بأنه كليم الله الثاني بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الكليم الثاني خير من الكليم الأول.

ادعى بعد ذلك أنه يوحى إليه من الله، وأن باب الوحي لم يغلق، وأن من قال ذلك فقد أخطأ، وهذه الدعوة نجدها صريحة في كتابي “الدر الثمين” و”نزول المسيح”، بل أورد آيات زعم أنها أوحيت إليه في كتابه “الوحي المقدس”.

وتصرح جماعته على موقعها الإلكتروني باعتقادها بأن غلام أحمد كان يوحى إليه، حيث جاء على الموقع أثناء حديثهم عن إنكار حياة المسيح: “وقد أوحى الله تعالى إلى حضرة المؤسس عليه السلام أن عيسى عليه السلام ليس بحي، بل مات كغيره من الرسل”.

ومما يتأولونه ختم النبي صلى الله عليه وسلم للأنبياء والمرسلين، فيرون أن كونه خاتم الأنبياء لا يعني أنه لا يأتي بعده نبي أو رسول، وإنما يعني أنه لم يأت ولن يأتي مثله، بخصوصيته، من غير المسلمين، أما إذا وجد في أمته من تنزل عليه الفيوضات الإلهية فمن الممكن أن يكون نبياً مرسلاً، وهذا تحريف للفهم الإسلامي للنبوة وختمها برسالة النبي صلى الله عليه وسلم.

ولهم تأويلات أخرى عجيبة يذكرونها على موقعهم الرسمي، ومنها أن الدخان -وهو من علامات للساعة- ليس سوى إشارة إلى ظهور الصناعات الجديدة والمعامل الكبيرة التي ينطلق من أبراجها الدخان الكثير.

والدجال عندهم هو الاستعمار الذي احتل العالم في القرن الماضي، وما زالت بعض الدول تكمل دور الدجال في ذلك من خلال احتلالها للدول والبلدان.

والدابة هي وسائط النقل الحديثة كالطائرات والقطارات والسيارات والبواخر التي حلت بدلاً عن الوسائل القديمة.

والجن هم الفئة الحاكمة للناس من الملوك والرؤساء والأمراء وغيرهم، وسموا بذلك لأنهم يستترون عن أعين الناس في قصورهم ونعيمهم، أو لأنهم يحجبون الناس عنهم ويمنعونهم من الوصول إليهم.

والإسراء والمعراج هما خروج المخلص في آخر الزمان، حيث يبلغ المسلمون مرحلة كبيرة من الجهل، فيرسل الله سبحانه وتعالى لهم من يخلصهم ويخرجهم، ويفسرونها على أنه خروج غلام أحمد، ويسمونها “البعثة الثانية”.

والجنة هي شعور الإنسان بالإيمان، وهي تنبع من باطنه، وليست شيئاً خارجاً عنه.

والجحيم هو شعور الإنسان بالكفر والفسق وخذلان الله تعالى له، ونار جهنم ما هي إلا الهموم والحسرات والآلام التي تأخذ بالقلب.

فهم يرون أن الجنة والنار ليستا ماديتين كما يرى جمهور المسلمين، وإنما منشأهما أمور روحانية نفسية.

تأويل الجهاد

غيّر أحمد القادياني نظرة أتباعه للجهاد، وحرف معناه الذي جاء به القرآن الكريم والسنة النبوية، وكانت هذه من أجل الخدمات التي قدمت للإنكليز المحتلين.

وقد استخدم غلام أحمد عبارات توافق في ظاهرها ما عليه المسلمون، لكنه كان يسقطها على ما هو مغاير لما هي عليه في الحقيقة، وهذا تحريف للنصوص الشرعية، ولعب بمراداتها المطلوبة عند الفقهاء والعلماء، فهو يصرح أن الجهاد الأكبر لا يكون بالسلاح أبداً، وأننا لا يمكن ان نجاهد خصومنا وأعداءنا إلا بالقرآن وآياته، فاستخدام القوة ممنوع فيما يتعلق بأمور الدين، وحمل السلاح في الإسلام لا يباح إلا لقتال عدو دخل بلاد المسلمين، وأما حماية الدعوة الإسلامية فلا تكون إلا من خلال القرآن، وأن القرآن إنما انتشر بالحكمة وقوة الحجة لا بالسيف.

وهذا الكلام يبدو جميلاً وموافقاً لعقيدة المسلمين من حيث الظاهر، ولكنه “حق أريد به باطل” فإنه قيل أيام الاحتلال الإنجليزي للهند، وكان يريد من ذلك أن يكف شباب المسلمين عن قتل الجنود الإنجليز الذين يدخلون الأسواق لشراء حاجياتهم، فكلامه جاء خدمة للإنجليز لا تقريراً لأحكام الإسلام.

قال غلام أحمد كما نقلوا عنه في الموقع: “إنه لمن المؤسف، بل من المخجل، أن نصادف إنساناً ليس بيننا وبينه عداوة أو معرفة سابقة، يشتري بعض الحاجيات لأولاده في بعض المحلات أو مشغولاً في بعض أعماله المشروعة الأخرى، فنطلق عليه النار بدون سبب أو مبرر، فنجعل زوجته أرملة وأولاده أيتاماً وبيته مأتماً، في أية آية من القرآن الكريم أو في أي حديث من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ورد مثل هذا الأمر!؟”.

ومراده من ذلك عدم مقاتلة الإنجليز إلا في ساحات المعارك، فمتى تغلبوا وجبت طاعتهم، وهذا الفكر خطير جداً، إذا ما أردنا تطبيقه على الواقع الفلسطيني اليوم، فبناء على عقيدة القاديانية يجب على الفلسطينيين أن يطيعوا أوامر العدو الصهيوني لأنه متغلب.

وصرح بأن مقاتلة الإنجليز لا تكون إلا من خلال القلم والدعاء والفكر، لأنهم لم يمنعوا أحداً من الصلاة والصيام، ولم يغلقوا المساجد، ولم يأمروا النساء بترك الحجاب والعفة، ولم يمنعوا الزكاة والحج!


المراجع:
الموقع الرسمي للأحمدية القاديانية على الشبكة العنكبوتية : www.islamahmadiyya.net

القاديانية، الدكتور عامر النجار، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، ط: 1، 1425هـ، 2005م.

البيانات الكافية في خطأ وضلال الطائفة الاحمدية القاديانية، الكافي التونسي، طبع في دمشق، مطبعة التوفيق، 1301هـ.

* عبد اللطيف المحيمد: باحث في مقارنة الأديان من العراق

 

المصدر : السبيل

2/5/2019

 



مقالات ذات صلة