هجرة اللاجئين الفلسطينيين من لبنان : طرق بحرية معبدة بالموت

بواسطة "القدس العربي" قراءة 497
هجرة اللاجئين الفلسطينيين من لبنان : طرق بحرية معبدة بالموت
هجرة اللاجئين الفلسطينيين من لبنان : طرق بحرية معبدة بالموت

عبد معروف

ارتفعت أعداد اللاجئين الفلسطينيين خلال الأشهر الماضية من لبنان، بصورة غير شرعية إلى جزيرة قبرص وتركيا ومنها إلى دول أوروبا واستراليا وكندا، وعرض عشرات اللاجئين منازلهم وممتلكاتهم المتواضعة للبيع، من أجل تأمين تكاليف السفر التي بلغت حوالي 7 آلاف دولار أمريكي للفرد الواحد.

فأكثر من 55 لاجئا فلسطينيا باع منزله في مخيم عين الحلوة قرب مدينة صيدا اللبنانية وعشرات عرضوا منازلهم للبيع في البداوي ونهر البارد وبرج البراجنة، مؤخرا من أجل تأمين المبلغ ودفعه لسماسرة يعملون لتسهيل هجرة الفلسطينيين إلى خارج لبنان.

شبكات منظمة تنشط بشكل ملفت داخل المخيمات الفلسطينية في لبنان من أجل التسويق لهجرة الفلسطينيين، ودفع الشباب إلى أوروبا وكندا واستراليا، مستفيدة من البؤس الاجتماعي والحرمان وحالات اليأس والإحباط التي يعيشها اللاجئ الفلسطيني في لبنان.

وفي رأي خالد عبادي مدير عام المجلس الأعلى للشباب والرياضة في الشتات، أن هجرة الشباب الفلسطيني من لبنان ليست جديدة ولكنها أصبحت ظاهرة واضحة وارتفعت خاصة في صفوف الشباب الذين أصبح الأمر هاجسا لديهم.

وعدد عبادي لـ”القدس العربي” الأسباب التي تؤدي إلى هذا القرار ومنها، أولاً إنسداد الأُفق بين شريحة الشباب الخريجين الذين يبدأون حياتهم العملية بتعقيدات قوانين العمل اللبنانية التي كما أعتقد السبب الرئيسي للهجرة، ومن هذا المنطلق يقف الشباب عاجزا عن تأمين حياته ومتطلبات عائلته التي صرفت عليه كل ما تملك أثناء دراسته.

ثانياً الواقع الاقتصادي والمعيشي المضطرب الذي يعاني منه لبنان وفقدان العديد من الوظائف وحتى وقف العمالة التي كانت تساهم بالأحوال المعيشية لكثير من العائلات الفلسطينية وأيضاً تدني الأجور للعمال المياومين.

ثالثاً ما استجد بعد انتشار وباء كورونا وهذا ما زاد من معاناة الشباب وكل شرائح المجتمع الفلسطيني خاصة في المخيمات. وتتحدث مؤخراً أرقام جديدة ومخيفة عن نسبة البطالة التي وصلت إلى 90 في المئة.

ويعتقد مدير عام المجلس الأعلى للشباب والرياضة، أن كل هذه العوامل وغيرها جعلت الهجرة هدف الكثير من الشباب والعائلات الفلسطينية في لبنان، ومنهم من غامر ببيع بيته في المخيم واستدان ليركب قوارب الموت، ليصل إلى بر الأمان كما يعتقد هذا المهاجر المسكين. مضيفا، “لا يخفى على أحد في لبنان من الجهات الرسمية وجود سماسرة معروفين يسهلون الهجرة ولديهم شبكات كما كشفت الكثير من المصادر الإعلامية وغيرها، تقوم بكل الإجراءات مقابل مبالغ مالية”.

وكشف عبادي عن محاولات عديدة جرت للحد من هذه الظاهرة لكنها منيت بالفشل أمام الواقع الاجتماعي والاقتصادي وبغياب قوانين لبنانية واضحة حول الحقوق الفلسطينية التي تضمن الحد الأدنى من الاستقرار الاقتصادي، مؤكدا على أن تراجع خدمات وتقديمات وكالة “الأونروا” بعد قطع المساعدات الأمريكية والضغط عليها لوقف تقديماتها وأهمها التعليم والطبابة وبرنامج دعم عائلات تحت خط الفقر، أدى إلى حد كبير لوصول أوضاع اللاجئين إلى هذه الحالة المأساوية.

واعتبر أن الحصار السياسي والمالي على الشعب الفلسطيني عبر حصار السلطة الفلسطينية ووكالة “الأونروا” تهدف بشكل رئيسي لتمرير ما سمي “صفقة القرن” بالتالي إن الضغوط التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني هي السبب الأساسي بتردي الواقع الاقتصادي وتعميم حالة اليأس وقبوله بالشروط الأمريكية الصهيونية التي تتنكر لكل الحقوق الفلسطينية.

ولا تختلف آراء المراقبين والمعنيين بـ"حقوق الإنسان" الفلسطيني، حول أسباب ارتفاع أعداد المهاجرين، لذلك يؤكد يوسف أحمد، سكرتير عام "اتحاد الشباب الفلسطيني" “أشد” على ارتفاع مقلق بأعداد المهاجرين الفلسطينيين من لبنان، عبر قوارب الموت إلى الدول الأوروبية واستراليا وكندا وغيرها.

وأعرب لـ”القدس العربي”عن اعتقاده بأن ظاهرة الهجرة في صفوف الشباب تزايدت خلال السنوات الخمس الماضية، لكنها لم تكن الأولى التي تطال مجتمع اللاجئين في المخيمات، حيث شهد موجات هجرة عديدة.

ورأى أن السبب الرئيسي في تفكير الشباب الفلسطيني بالهجرة، يتمحور حول الحرمان الذي يتعرض له بسبب القوانين اللبنانية التي تحرم الفلسطينيين وخصوصا خريجي الجامعات من حق العمل وتمنع حق تملك شقة خارج المخيمات. الأمر الذي يعني قتل أحلامهم وطموحهم لهم ولعائلاتهم.

ويضاف إلى مشكلة الحرمان من الحقوق الإنسانية، هناك العديد من المشكلات الأخرى التي تواجههم وتجعل من الهجرة حلاً أو خياراً للخروج من هذه الأزمات، وفي مقدمتها الواقع الصحي المزري، وتراجع تقديمات “الأونروا” على الصعيد الصحي والاجتماعي والتربوي. إلى جانب التضييقات المفروضة من قبل الدولة اللبنانية على العديد من المخيمات الفلسطينية في لبنان.

ويؤكد معظم الشباب أن الهجرة لم تكن يوماً خياراً مطروحاً بقوة أمامهم، أو حلماً يراودهم، وإنما الواقع المأساوي الذي يعيشونه في المخيمات وجيش البطالة المكدس هو ما دفعهم للتفكير بالهجرة هرباً من المستقبل المجهول.

ويعرب عن أسفه قائلا “من تخرج من الشباب رأى أن لا أفق أمامه لبناء مستقبله في ظل قوانين الحرمان اللبنانية، والذين لم يستكملوا دراستهم الجامعية أيضاً واجهتهم صعوبة متابعتها بسبب ارتفاع الأقساط ولإدراكهم أن نهاية التخرج ستكون الجلوس على مقاعد البطالة وفي أزقة وزواريب المخيمات، ومن تتوفر له فرصة عمل يتعرض للاستغلال ويعمل بأجر زهيد، ويحرم من كامل حقوقه، إلى جانب المئات من خريجي الجامعات الذين علقوا شهاداتهم على جدران منازلهم واضطرتهم ظروف الحياة القاهرة للعمل بمهن ومجالات أخرى بعيدا عن مجال تخصصه (إن توفرت) لأجل هذا كله، يعتقد الشباب الفلسطيني، أن البقاء باستمرار حرمانهم من حقوقهم الإنسانية والاجتماعية سوف يدفع المزيد من الشباب والخريجين للتفكير بالهجرة إلى خارج لبنان”.

وتشير الوقائع الميدانية إلى أن حوالي 70 في المئة من الشباب الفلسطيني الذين هاجروا من لبنان خلال السنوات الأخيرة قد أنهوا دراستهم الثانوية وجزء كبير منهم حاصل على الشهادة الجامعية، إلى جانب عدد كبير منهم كان يتابع دراسته الجامعية، وهذا يعني أن غالبية المهاجرين هم من الفئات الشابة والمتعلمة وأصحاب الكفاءات العلمية الذين يحاولون البحث عن مستقبلهم في ظل نسبة بطالة وصلت إلى أكثر من 90 في المئة بعد تفشي وباء كورونا.

وتضاف إلى الأسباب السابقة، الإجراءات الأمنية المشددة على المخيمات، وغياب الاستقرار في ظل ازدياد المشاكل الأمنية من مخيم إلى آخر.

كل العوامل السابقة أدت إلى  فراغ حوالي 55 منزلاً في مخيم عين الحلوة للمرة الأولى منذ إنشائه عام 1948 وعشرات البيوت الأخرى معروضة للبيع، بالإضافة لوجود عشرات الشبان الفلسطينيين يستعدون لمغادرة مخيمي نهر البارد والبداوي شمال لبنان أسبوعياً نحو أستراليا وأوروبا وكندا.

لاشك بأن استمرار الهجرة بهذا الشكل القائم بات يُنذر بعواقب وتداعيات سلبية عديدة على نسيج وتماسك المجتمع والمخيمات الفلسطينية في لبنان، وبالتأكيد سيترك انعكاسات سلبية ستؤثر حتماً في قوة المجتمع الفلسطيني، انطلاقاً من أهمية المخيمات وقدرتها وفعلها المؤثر في "مسيرة النضال الوطني".

 

"القدس العربي"

7/3/1442

24/10/2020

 

 



مقالات ذات صلة