ما الذي تنتظره طهران من وراء الدعم!

بواسطة محمد الشاعر قراءة 3823
ما الذي تنتظره طهران من وراء الدعم!
ما الذي تنتظره طهران من وراء الدعم!

ما الذي تنتظره طهران من وراء الدعم!

 

غزة – محمد الشاعر – مراسل الحقيقة.

 

تقدم حكومة طهران دعماً مادياً بشكل شهري لحركة حماس ، وهذا متفق عليه عند قادة الحركة ولا ينكرونه، ومما لا شك فيه إن إيران تسعى إلى بث نفوذها في قطاع غزة مقابل رواتب شهرية لحكومة حماس الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه لجملة من التساؤلات حول علاقة حماس بإيران وماذا ستجني لنا هذه العلاقة في ظل غليان الشارع العربي على إيران، التي أظهرت وكشَّرت عن أنيابها وأيقظت من كان غافلاً عقب سقوط بغداد عام 2003م عن موقف الشيعة من الفلسطينيين في العراق. فقد لاقى اللاجئون الفلسطينيون المقيمون في العراق أشرس أصناف التعذيب والتنكيل والقتل على أيدي الميليشيات الشيعية المسنودة من قبل إيران أو المدعومة من حكومة الاحتلال ، والتي يتولاها شيعة العراق منذ ذلك التاريخ . وتأتي هذه الجرائم - التي تحدثت عنها وسائل الإعلام المختلفة ونقلت صورها - تحت دعوى حرب (الوهابية) و(النواصب) الكفرة في نظر الشيعة الإثنى عشرية المذهبية! وقد ألحقت هذه الأعمال بالفلسطينيين أبلغ الأذى حيث خلفت قتلى ومصابين وأرامل وأيتاماً ومشردين أُغلقت أمامهم أبواب الدول المجاورة وتُرِكوا فريسة للميليشيات الطائفية الدموية ، فهل كان من استنكار أو شجب أو معارضة من حكومة حماس على ما حدث؟

لا شك أنَّ الدولار الفارسي لا يُعطى دوماً إلا بشروط مسبقة ، فهل عدم الاستنكار والشجب أو المعارضة تأتي ضمن هذه الشروط ؟

لقد ساعدت الشعارات التي ترفعها إيران حول تحرير فلسطين ومعاداة اليهود على تنامي الدور الإيراني وتنامي الرصيد الشعبي حولها مستغلة حاجة التنظيمات الفلسطينية للمال ومعاداة الأنظمة العربية للمقاومة الفلسطينية , وهذا يعني نجاح المشروع الإيراني بتسويق نفسه كبديل مهم داعم للتنظيمات الفلسطينية المقاومة من أجل إيجاد أرضية شعبية لقبوله في الداخل الفلسطيني والعربي الإسلامي تحت شعار القدس ودعم المقاومة , وأستطيع أن أجزم أن الدور الخياني والتآمري الذي لعبه النظام الإيراني في احتلال العراق وأفغانستان أحدث هزة في شعبية إيران الشيعية ، لكن النظام الإيراني بشقيه الديني والسياسي يبحث عن مخارج تقوي مشروعه الطائفي والتوسعي عبر بوابة القضية الفلسطينية وقد نجح إلى حد كبير, لقد أصبحت إيران العنوان المناسب والوجهة المقبولة لكثير من المنظمات الفلسطينية , ولقد أظهرت الماكينة الإعلامية والدبلوماسية الإيرانية ذكاءً كبيراً في التعامل والتسويق لما تطرحه فزاد الرصيد الشعبي الداعم لموقفها .

 

نحن نعلم أنَّ إيران دولة عقدية كبيرة وخطيرة لها طموحها وهي المستفيدة بالدرجة الأولى من استثمار علاقتها بحماس وأيضاً حركة الجهاد في السياسة الدولية ، وهي الأكثر خبرة شيطانية في التلاعب بالفصائل الفلسطينية لمصلحتها , وعندما نبحث عن أسباب هذه العلاقة نجد أنَّ هناك عوامل ساعدت على تقوية هذه العلاقة، تُرى ما هي؟

 

العوامل التي ساعدت على توطيد العلاقة بين حماس وطهران :

 

1. الخطاب الحماسي الذي تستخدمه إيران ضد الكيان الصهيوني والتصريحات السياسية التي تدعو لمحو دولة الكيان الصهيوني من على الوجود والمؤتمرات التي تعقد باسم دعم القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني.

2. حاجة حركة حماس الشديدة للمال من أجل تسيير أمورها الحركية مع العلم أن إيران أخذت على عاتقها تزويد حكومة حماس بالمال ، بعد عدة لقاءات أجراها قادة حماس وممثليها مع بعض قيادات الحرس الثوري الإيراني ومرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي .

 3. ضعف علاقة حركة حماس مع الدول السنية مثل السعودية ومصر والأردن والحملة التي تعرضت لها حركة حماس في الأردن وإغلاق مكتبها هناك مما حدا بسوريا – الحليف الاستراتيجي لإيران - إلى احتضان حركة حماس ورئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل، والزيارات المتكررة لقادة الحرس الثوري الإيراني لدمشق ولقائهم المتواصل والمستمر بخالد مشعل وطد العلاقة بشكل ملحوظ جداً مما دفع البعض إلى اتهام خالد مشعل بتلقي الأوامر من الإيرانيين مباشرة .

4. تساهل جماعة الإخوان المسلمين التي تنتمي إليها حركة حماس في المسائل العقائدية وعدم تأثير هذه المسائل على قرارات حماس السياسية أو حتى علاقتها مع الدول التي تنفِّذُ مذابح مستمرة ضد المسلمين مثل إيران في العراق وروسيا في الشيشان.

5. غياب التحليل السياسي الواقعي حيث لا تنظر حركة حماس إلى خطورة المشروع الإيراني الصفوي الساعي للسيطرة على المنطقة , بل وتغض الطرف عما تقوم به إيران من دعم للمليشيات العراقية التي تقوم بارتكاب أفظع المجازر ضد أهل السنة في العراق الجريح , ويتضح ذلك من خلال تأكيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في تصريح له وقوفه إلى جانب إيران في حال مهاجمة إسرائيل لها حيث صرح قائلاً : " حماس سوف تقف في صف إيران إذا شنت الدولة اليهودية هجوماً على مفاعلاتها النووية انطلاقاً من أن إيران هي الحليف القوي لحركة حماس في المنطقة ". فهل علاقة حكومة حماس بالحليف الإيراني له تأثير على المنطقة وتحديداً في قطاع غزة ؟

المكاسب التي تجنيها إيران من خلال علاقتها مع حركة حماس و أثره في المنطقة و تحديداً في قطاع غزة ، حيث استطاعت طهران أن تجني العديد من المكاسب الداخلية لها في قطاع غزة ومن بين هذه المكاسب :

1 _ غض الطرف عما يحصل على الأرض من تزايد للمد الشيعي في غزة ولمؤسساتها الاجتماعية العاملة.

 2 _ التشديد على الخطب والمنابر التابعة لوزارة الأوقاف الرسمية التي تتبع حكومة حماس أو مساجد التي تخضع لسيطرة الجهاد الإسلامي دون الحيلولة للتطرق لعقيدة الشيعة وتعرية مذهبهم الحاقد وفضح جرائمهم ضد المسلمين من السنة.

3_ التشيع السياسي لحكومة حماس والتي تُرجِمَ في خطوات عملية كمحاربة الكتابات علي الجدران أو المطبوعات وإلغاء العروض المرئية التي تتهجم على الحليف الإيراني وتفضح مخططه الشيعي الخبيث.

4_ عدم اتخاذ خطوات عملية في إيقاف الزحف الشيعي لأن هذا يتعارض مع سياستها والتي تعتمد على قاعدة " فن المصلحة "

5_ منع أصحاب المنهج السلفي من اتخاذ أي خطوة بناءة لمحاربة التشيع من توزيع أسطوانات مرئية وصوتية وغيرها ، بل وتشديد الرقابة عليهم .

وبعد استعراض نتائج علاقة حماس بالحليف الإيراني يظهر لنا واضحاً خطورة هذه العلاقة والتي نحن في غنى عنها ، نحن لا ننكر أن حماس في وضع صعب جداً من كافة الوجوه حيث يتآمر عليها الشقيق قبل العدو، ولكن لا يعني هذا مطلقاً أن يضيع الحق أو أن يُسمَح للباطل أن ينتشر بين صفوف المجاهدين.

وهنا لا نتهم حماس بالتشيع ، لكننا ننتقد تقصيرها في مواجهة المد الشيعي القائم على أسس استغلال وتسخير القضية الفلسطينية، ونحن نخاطب حماس الآن بصفتها الحكومية لا التنظيمية، فهي التي تقود الحكومة ومن واجبها ضبط الأمور في هذا الجانب لا التغاضي عنها.

و لقد أشار الأستاذ أسامة شحادة في مقاله "تلاعب إيران بالقضية الفلسطينية" والتي تصدرها مجلة الراصد على نصائح أعتبرها الحل المنشود لحكومة حماس سأذكرها على شكل نقاط مع تصرف بسيط :

 

على الصعيد الخارجي:

1- على حماس أن تكون أكثر حرصاً في تصريحاتها وخطاباتها وخاصة خالد مشعل ، فلا يطلق المدح والثناء العلني لإيران ، فحماس تتلقى الدعم من أطراف عديدة  ولم يطلب منها أحد شكراً علنياً فلماذا إيران دون غيرها ؟؟ كما أن هذه التصريحات والزيارات والصور التذكارية عند قبر الخميني وصلاة الجمعة ، يتم ترويجها عند كثير من بسطاء المسلمين على أنها تزكية من مجاهدي فلسطين لإيران والخميني والشيعة ، وأن منهج التقارب مع الشيعة هو منهج صحيح! ، كما أن هذه الصور – خاصة صلاة قيادات حماس مع الشيعة - تخالف قناعات حماس بضلال الشيعة وخطأ التقارب معهم ، وهذه ما كان يعلنه الشيخ أحمد ياسين والدكتور نزار ريان رحمهما الله.

2- يجب على حماس تكذيب أي خبر إيراني غير صحيح حول علاقتها بإيران علناً ، والإعلان عن أن أي تصريح لا ينشر في موقع الحركة لا يمثلها ، لتسحب بذلك البساط من أيدي الإيرانيين من استغلال اسم حماس لمصالحهم الطائفية ، كما حدث في تصريح " مشعل يقدم تقريره لولي أمر المسلمين" وقبله ما نسبته وكالة مهر الإيرانية لمشعل قوله " حماس الابن الروحي للخميني".

3- على حماس توضيح حقيقة " العلاقة الإستراتيجية مع إيران " بشكل معلن عبر وثيقة أو حوار أو ما شابه ذلك ، وليس فقط في المجالس الخاصة للمعارضين للمشروع الإيراني!!

4- يجب على حماس تبني قضايا الفلسطينيين في الخارج بشكل قوي وصريح بخلاف ما جرى في حق مجازر فلسطينيي العراق ، من عدم تسمية المجرم باسمه .

5- لا يجوز السكوت عما يجرى في المخيمات الفلسطينية في الشتات من تشييع أو تضييق على أهل السنة من قِبَلِ القوى الشيعية وغيرها .

6- يجب على حماس الشجب العلني لأي ممارسات إيرانية تمس المصالح الحيوية للدول العربية ، كما في مطالبات إيران بالبحرين أو جزر الإمارات وغيرها ، وبيان أن هذا لا يصب في صالح القضية الفلسطينية ، فتغاضي حماس عن مثل هذه التصرفات يولد الشك والريبة في قلوب الأطراف العربية ، وعدم التأني في بعض التصريحات ضر حماس والقضية الفلسطينية .

 

على الصعيد الداخلي:

1- على حماس العمل على تعزيز التحصين ضد التشيع ، من خلال التركيز على بث وتثبيت عقيدة أهل السنة ، والتحذير من خطر البدع والشرك ، وتعزيز مكانة أمهات المؤمنين والصحابة ، من خلال أجهزة الإعلام التي تملكها ومنابر المساجد والمناهج المدرسية والحركية .

2- التعامل بجدية أكثر مع ظواهر التشيع في أماكن سلطتها ، من خطب ومحاضرات ومقالات ومنشورات تروج وتحث على التشيع .

3- إبطال نشاطات التشييع التي تقوم بها حركة الجهاد الإسلامي عبر مؤسساتها الدعوية والإغاثية ، ولا يقتصر الحزم معهم في قضايا النفوذ والسلطة!!

4- عدم منع من يعملون على إفشال المشروع الشيعي في غزة وفلسطين ، أسوة بعدم منع بقية الفصائل من العمل مع تبنيها لمشاريع وتوجهات مخالفة لحماس ، وبعضها للإسلام نفسه، فلماذا تستطيع حماس استيعاب نشاط العلمانيين والرافضة وتعجز عن استيعاب نشاط بعض الإسلاميين من مخالفيهم!!

وهنا ننبه حكومة حماس على قضية مهمة وهي: كلما ازداد الاعتماد على الحليف الإيراني مادياً وسياسياً كلما كلفها ثوابت عقدية وشرعية وسياسيةً فهل تعقل حكومة حماس ذلك؟

كلمة أخيرة: نقول لحكومة حماس لك حريتك في اختيار إيران حليفاً استراتيجياً والاعتماد عليه مادياً ، ولكن يترتب على هذا الاختيار ثمنين باهظين ليس لك القدرة على تحملها:

أولاً:  على الحكومة من الآن أن تنتهي عن مطالبتنا بموقف نصرة لها بدعوى كونها مسلمة فحسب ؛ ما دامت قد اختارت الوقوف مع عدونا.

ثانياً: على الحكومة أن تعلم أنه بعد حين سيقول لها الآخرون ممن شطبت الحكومة على قضاياهم و وقفت مع عدوهم : من وقف مع عدونا فلن ينتظر منا إلا أن نحاسبه الحساب نفسه.

وإذا كانت الحكومة تُحَرِّمُ على غيرنا موالاة أمريكا بسبب عداوتها لها ، فإننا وبالمنطق نفسه نحرم على الحكومة موالاة إيران للعلة نفسها وهي عداوتها لأهل السنة بالنسبة لنا , وإلا فمن الآن كل واحد منا يتحمل عبء قضيته ، ويجتر آلام مصيبته بعيداً عن الآخر بلا حساب ولا عتاب . و الله الهادي إلى الصراط المستقيم والله المستعان.

 



مقالات ذات صلة