عائلة الفلسطيني صبحي أمين أبو خليفة نكبة مستمرة ومصير مجهول
عائلة فلسطينية كسائر العوائل التي نشأت وترعرعت في العراق عدة عقود ثم بلحظة من اللحظات وفترة من الفترات انقلبت الأمور رأسا على عقب ، لكن تلون وتنوع وتعدد أشكال العناء والمآسي لتلك العائلة ميزها عن غيرها .
الفلسطيني الحاج صبحي أمين بدوان أبو خليفة ولد في قرية كفر لام من قضاء حيفا عام 1944 وقد تزوج في العراق من فلسطينية ولادة حيفا عام 1946 لتبدأ حياة جديدة بعيدة عن الوطن لكن لم تمنعهم هذه الغربة من مزاولة حياتهم رغم الفراق والحنين إلى الوطن .
عاشت تلك العائلة منذ عام 1971 في مجمع البلديات مع بداية افتتاحه ولديهم من الأبناء والبنات ما لكل واحد منهم قصة وعبرة ومحنة في العراق والشتات الجديد ، لينتقلوه عام 1983 إلى منطقة حي المعلمين ومكثوا فيها لغاية خروجهم من العراق إلى وجهات مختلفة .
ابنتهم الكبرى مواليد عام 1965 متزوجة من فلسطينيي سوريا ولها خمسة من البنات وهي تعيش حاليا في رام الله بفلسطين بحسب عمل زوجها ، وبنت أخرى تعيش حاليا في إحدى الدول العربية بحسب تواجد زوجها ، فهذه التركيبة أصبحت شعارا لجميع العوائل الفلسطينية من العراق وقد يندر خلو عائلة من هذه التقسيمات .
هيثم صبحي مواليد عام 1967 تخرج من معهد الصحة العالي عام 1988 ولم تتاح له فرصة التعيين لأنه في وقتها كان مركزي فاضطر للعمل في مجالات التجارة وبدأ كعامل في محل لبيع الأحذية في بغداد الجديدة ، ثم في إحدى المعامل في شارع الرشيد وسط بغداد ثم محل للألبسة في الأعظمية ، وتنقل في عدد من الأشغال ليستقر به الحال في محل لبيع الملابس في بغداد الجديدة .
بعد ظروف صعبة ومعاناة مريرة واختطاف شقيقه من المحل بتاريخ 23/9/2006 ثم قتله اضطر هيثم لمغادرة البلاد ، وصل به المطاف إلى السويد كمئات من الفلسطينيين الهاربين من بطش الميليشيات وما حل بهم في العراق ، له مدة طويلة هناك إلا أنه تفاجأ بعدم منحه الإقامة الدائمية وهو الآن معلق ولا يعرف مصيره .
والحاج صبحي لديه أيضا بنت مواليد 1969 إلا أنها غير متزوجة ولا زالت في ظل والدها ووالدتها المسنة التي تعاني من عدة أمراض ، والذين اضطروا بعد أن ضاقت بهم الأرض بما رحبت الالتحاق بمخيم التنف قبل قرابة خمسة شهور ، حيث يعيش الأب والأم والبنت وأحد أبنائهم وهو جمال مواليد 1973 الذي تجاوز تواجده في التنف أكثر من عام حيث سبق أهله بتسعة أشهر بعد معاناة مريرة حتى أن أحد الأسباب الرئيسية لمغادرته البلاد بأن أحد العراقيين قال له في محل عمله أنا أكرهك لأنك فلسطيني ؟!!! وهذه العبارة كثيرا ما أثيرت هنالك فنصحه بعض الأصدقاء بمغادرة البلاد .
عماد صبحي مواليد 1971 كان يدرس في كلية الإدارة والاقتصاد قسم المحاسبة وكان رئيس اتحاد الطلبة العرب في وقتها إلا أن إشكالا مع أحد الأساتذة اضطره لترك الدراسة في السنة الأخيرة منتصف التسعينات ، والسبب هو أنه فلسطيني ولا سند ولا قوة تطالب بحقوقه ، وهو الآن متواجد في دولة عربية بحثا عن مكان يستقر فيه ويعيش كسائر الناس ، وعموما هو وعدد من فلسطينيي العراق يمرون بظروف صعبة .
كانت حادثة وفاجعة اختطاف ولدهم عدي ( مواليد 1976 ) من محل عمله في بغداد الجديدة بتاريخ 23/9/2006 وتصفيته بنفس اليوم فاجعة كبرى عليهم ، ومرحلة صعبة للغاية بعد أن فقد الحاج صبحي شقيقه حسين أمين في منطقة المشتل بعد اختطافه وتعذيبه لمرتين عام 2004 ليفارق الحياة بتاريخ 7/6/2004 وقبل ذلك ولده أمين بتاريخ 17/5/2004 .
حيث كان الحاج صبحي صابرا محتسبا إلا أن فراق شقيقه حسين رحمه الله جعله يبكي عليه مع أنه كما يخبرني أحد أبناءه نادرا ما يبكي ، بالإضافة إلى شتات عائلة أخيه ومعاناتهم وكذلك شقيقه الآخر وما حصل معهم .
الحاج صبحي لديه ولد وبنت توأمين وهما محمد وبلسم مواليد 1983 ، لتكتمل ملامح هذه العائلة التي لا تدري متى سيلتئم شملها في ظل التضييق المستمر على مصطلح " فلسطينيو العراق " وعلى جميع الأصعدة والتشرذم الحاصل لمعظم العوائل .
عائلة الفقيد حسين رحمه الله أيضا مرت بظروف حرجة ومآسي كبيرة لا سيما بعد فقدان الأب وأحد أبنائهم ، حيث الابن الكبير أثير حاليا في السويد ، ومحمد المعاق مر بتجربة مريرة فبعد أن كان في مخيم التنف ليحاول بعدها الوصول إلى السويد وهو في تركيا نصب عليه أحد المهربين ووضعه في فندق واتصل بوالدته وقال لها ابنكم الآن في السويد كي يستلم المال المتفق عليه ، وفعلا استلم مبلغ 15000 دولار ثم تفاجأ بأنه لا زال في تركيا وهو معاق ولا أحد يعينه !!.
وعائلة الحاج شحادة أبو ناصر أيضا مروا بنفس المحنة والمأساة في تركيا على أمل إيصالهم إلى جزيرة قبرص لكن دفعوا مبلغ 14000 دولار وألقي القبض عليهم ليسجنوا أكثر من شهر ولم ترض الحكومة العراقية ولا السورية استلامهم ليخلى سبيلهم ويحصلوا على حماية من الأمم المتحدة في مدينة مرسين ، ومن ضمنهم عائلة الفقيد حامد الحانوتي رحمه الله مع ثلاثة من أطفالها وهي ابنة أبو ناصر ، وهنالك أفراد من العائلة في استراليا وآخر في النرويج .
عائلة لسان حالها متى وأين وكيف سيلتم شملنا ؟!!! إلا أننا نؤمن بقدرنا وما حصل كله بإرادة الله ، لكن أيضا هنالك قصور وتخلي عنا لكثير من المسؤولين والذين يفترض أن يكون لهم دور واضح تجاهنا ، ولا زلنا نعيش في الصحراء ونفترش الرمال وتظللنا السماء ولا ندري أين ستكون المرحلة القادمة في حياتنا بعد كل الغربة التي مررنا بهذا طيلة ستة عقود منصرمة .
ففراق الأخ وابنه والولد غدرا وظلما ، إلى فراق الأخوة وأبنائهم ولازال المشهد ضبابيا ، إلى انتظار لم الشمل وجمع الأسرة مع بعضها البعض ، إلى التشتت والتهجير المستمر وقد تركنا الغالي والنفيس ثم ماذا ؟!! لا ندري ما هو المصير الذي ينتظرنا .
1/1/2009
أيمن الشعبان
باحث متخصص بشأن الفلسطينيين في العراق