التدخل الإيراني في لبنان

بواسطة حسن الرشيدي قراءة 505

التدخل الإيراني في لبنان

 

 حسن الرشيدي

 

"إنني أقول بصراحة إن المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي عندما قال منذ مدة إن إيران سوف تهزم الولايات المتحدة الأميركية على أرض لبنان فان هذا يعد تدخلا سافرا في الشؤون اللبنانية "

هذا قول مفتي الجمهورية اللبنانية محمد رشيد قباني منتقدا التدخل الإيراني السافر في الشأن اللبناني ولعلها صحوة متأخرة تلك التي أطلقها رأس أهل السنة في لبنان وهذا التأخر قد يكون له بعض التبرير حيث تعرضت الطائفة السنية في لبنان لكثير من القمع والتهميش حيث كان اغتيال الحريري آخر حلقة من سلسلة الاغتيالات التي طالت قيادات أهل السنة في لبنان سواء العلمانيين منهم أو الإسلاميين بغرض أن لا تلعب هذه الطائفة أي دور حتى لو كان الحفاظ على مصالحهم.

ولعبت إيران في هذا الشأن الدور الأكبر من التهميش الذي مارسته قوى إقليمية ومحلية ودولية عديدة. يقول فخر روحاني  سفير إيران السابق في لبنان  في مقابلة مع صحيفة إطلاعات الإيرانية: لبنان يشبه الآن إيران عام 1977م  ولو نراقب ونعمل بدقة وصبر فإنه إن شاء الله سيجيء إلى أحضاننا... وعندما يأتي لبنان إلى أحضان الجمهورية الإسلامية فسوف يتبعه الباقون  وذكر الرجل في تصريح آخر لصحيفة النهار اللبنانية حيث قال: لبنان يشكل خير أمل لتصدير الثورة الإسلامية .

 

مراحل التدخل الإيراني:

يمكن تقسيم مراحل التدخل الإيراني في لبنان عدة مراحل:

 

أولا: مرحلة الوجود والانتشار :

بدأت المخططات الإيرانية تجاه لبنان منذ عصر الشاه على يد موسى الصدر في الخمسينات منذ القرن الماضي فالصدر  ولد في مدينة قم بإيران عام 1928م. وتخرج من جامعة طهران  كلية الحقوق والاقتصاد والسياسة وليس العلوم الشرعية وتربطه بالخميني صلة نسب حيث أن أحمد بن الخميني متزوج من بنت أخت موسى الصدر وابن الصدر متزوج من حفيدة الخميني. وقد توجه الصدر إلى لبنان سنة 1958م بناء على أوامر من شاه إيران وأقام فيها  وحصل على الجنسية اللبنانية بقرار من فؤاد شهاب الذي تولى رئاسة الجمهورية في لبنان بين عامي 1958م - 1964م. ولا يعلم أحد سر هذا القرار الفريد من نوعه  ذلك أن الجنسية اللبنانية  يصعب الحصول عليها من غير النصارى  ولا زال هناك قبائل ومواطنون لبنانيون منذ القديم لا يحملون الجنسية اللبنانية. فكيف منح الصدر الجنسية بهذه السرعة وهو إيراني مسلمو يرجح مراقبون أن ذلك قد تم  ليكون عامل توازن ديموغرافي أمام التمدد السني في لبنان والذي كان قد بدأ يرتكن إلى بعده الفلسطيني في ذلك الوقت.

و نجح الصدر بمساعدة إيرانية في تأسيس ما يعرف بحركة أمل التي تعتبر أول تنظيم شيعي مسلح في لبنان والتي انقلبت على المقاومة الفلسطينية في لبنان  وفعلت بالفلسطينيين في لبنان الأفاعيل  وأقامت لهم المجازر في مخيمات صبرا  وشاتيلا  وبرج البراجنة.

 

ثانيا: مرحلة التدخل المباشر:

ثم جاءت مرحلة أكثر خطورة وتمثلت في تدخل إيراني مباشر وذلك في يونيو 1982 بعد مواجهة عسكرية جوية بين إسرائيل وسوريا إبان الاجتياح الإسرائيلي أرسلت إيران إلى حليفتها سوريا 1800 متطوّع يعملون تحت قيادة الحرس الثوري وبعد أسابيع من الانتظار والتظاهر في شوارع دمشق تنديداً بإسرائيل نقلتهم سوريا إلى لبنان. أقاموا معسكرات تجنيد متطوعين لبنانيين وغير لبنانيين وتدريبهم وتسليحهم لمقاتلة إسرائيل سرعان ما أضحى عددهم 10000 ما لبث أن أكد مسئول إيراني هو علي رضا المحايري في 24 مايو 1986 أن نشر الحرس الثوري في البقاع متخذاً من ثكنة الجيش في بعلبك مقراً هو باتفاق عسكري بين سوريا والجمهورية الإسلامية التي وضعت المتطوعين في تصرّف الجيش السوري. تدريجاً تدفق الحرس الثوري على الضاحية الجنوبية. ويقول نقولا ناصيف في صحيفة الأخبار كان لهذا الهدف وجهان: أحدهما تصدير الثورة الإسلامية إلى بلد هو الأضعف بين جيرانها وجيرانه والأبعد والأضعف من أن تهضم بنيته الطائفية والسياسية ثورة إسلامية من دون أن ينفجر. والآخر مواجهة القوة المتعددة الجنسية وإخراجها من لبنان توطئة لدور إيراني عقائدي وعسكري لاقى دمشق في المطالبة بإلغاء اتفاق 17 أيار لإعادة بناء توازن جديد في لبنان. مدينة لسوريا بتأييدها في حربها مع العراق.

و لاشك إن وجود الحرس الثوري الإيراني كان جزء من مخطط ظهور حزب الله ليمثل الواجهة الإيرانية الأبرز الرسمية على الساحة اللبنانية.

 

ثالثا: مرحلة بذر البذرة:

بمرور الوقت ارتأى حكماء إيران تأسيس حزب شيعي آخر في لبنان  بعد أن احترق كارت حركة أمل فقام حسين الموسوي نائب رئيس حركة أمل بالانشقاق على حركة أمل  وتأسيس أمل الإسلامية  التي تحولت لاحقاً إلى حزب الله  وبرئاسة الشيخ صبحي الطفيلي أول أمين لحزب الله والذي تم فصله من الحزب بعد ذلك لمجرد أنه فكر في إيجاد شيء من الاستقلال عن إيران.

ومما يؤكد هيمنة إيران على حزب الله  قول إبراهيم الأمين أحد قادة الحزب: نحن لا نقول إننا جزء من إيران  نحن إيران في لبنان  وما جاء في البيان التأسيسي لحزب الله  المؤرخ بشهر فبراير من عام 1985م أنه يلتزم بأوامر قيادة حكيمة وعادلة  تتجسد في ولاية الفقيه  وفي آية الله الخميني. كما أن حسن نصر الله الأمين الحالي لحزب الله يعد الوكيل الشرعي لخامنئي في لبنان  كما هو مبين في موقع حسن نصر الله على الشبكة العنكبوتية.

ويقول حسين شريعة مداري  أحد كبار مساعدي خامنئي: إن حزب الله لا يقاتل من أجل السجناء  أو مزارع شبعا  أو حتى القضايا العربية أياً كانت  وإنما من أجل إيران.

 

رابعا: مرحلة جني الثمرة:

في هذه المرحلة حاولت إيران جني ثمار غرسها في لبنان واختارت اللحظة المناسبة لذلك وهي اشتعال التوتر بينها وبين الولايات المتحدة على خلفية تقسيم الغنائم بينهم وسارعت إيران في التحرك محاولة إظهار أوراقها في لعبة الشد والجذب مع أمريكا  فهناك النفط وخطوط نقله وهناك ورقة الانتحاريين الذي يمكن إرسالهم إلى دول مختلفة وإحداث القلاقل في هذه الدول وهناك أيضا أفغانستان وطائفة الهزارة الشيعية والصلة بين المخابرات الإيرانية وبعض زعماء الطاجيك وهناك أيضا شيعة الخليج والتأثير الإيراني عليهم وهناك الورقة العراقية وشيعة الجنوب بالإضافة إلى الورقة السورية فضلا عن الورقة الفلسطينية المتمثلة في دعم حماس بعد فوزها في الانتخابات وأخطر هذه الورقات على الإطلاق هي الورقة لبنان وحزب الله. ويرى الدكتور رضوان السيد أن الولايات المتحدة الآن في مواقع الدفاع في الشرق الأوسط رغم جيوشها الضاربة في كل مكان...تحتاج أميركا إلى الاستقرار في العراق، وإلى الاستقرار في لبنان، وإلى الاستقرار في الخليج.

ويشير أكثر المراقبون بأن صفقة يمكن أن تتم بين الطرفين، وأن الخلاف هو حول الأولويات وحسب بعض التقارير الإخبارية فإن الإيرانيين يريدون صفقة شاملة من النووي وحتى التفاصيل الاقتصادية والسياسية في شرق إيران وغربها وجنوبها وشمالها والأميركيون يفضلون الاتفاق على المسائل واحدة بعد أخرى من العراق وإلى لبنان.

وأوردت مجلة الشراع اللبنانية أن هناك اجتماع سري عقد في جنيف في سويسرا قبل العملية التي شنها حزب الله بيومين وبالتحديد يوم الاثنين العاشر من يوليو الماضي وضم الاجتماع مسئولين إيرانيين وأمريكان.

ويبدو أنه حدث عرض الأوراق لكل طرف على الطاولة وبعدها حاولت إيران إثبات جدية أوراقها فكانت الساحة اللبنانية خير مكان لطرح جدارة أوراقها في سوق المساومة مع الولايات المتحدة ومن هنا نفهم الإصرار الأمريكي على نزع هذه الورقة الإيرانية بإصراره على مواصلة الحرب وحث إسرائيل على الضرب بقوة وحمايتها من أي تدخل دولي لوقف الحرب حتى تم تكبيد الحزب خسائر سياسية كبيرة.

 



مقالات ذات صلة