3/7/1439
20/3/2018
معمر عطوي
عد نحو أربعين عاماً من الإستبداد والقمع ودغدغة المشاعر الدينية والقومية، أصبح من الطبيعي أن يواجه النظام "الإسلامي" في إيران مواطنين متظاهرين في الشوارع احتجاجاً على سياساته الخارجية، خصوصاً تجاه العالم العربي، والتي تنعكس سلباً على الوضع الداخلي الإيراني، حيث تذهب المليارات من أموال الشعب الإيراني إلى منظمات مسلحة ومشاريع تؤسس لخلق الفتن والتوترات تحت شعارات مثل "تصدير الثورة" و"مقاومة الإستكبار والصهيونية"، بيد أن مضمونه هو تصدير التشيّع الصفوي إلى العالم العربي ذا الغالبية السنية تمهيداً للسيطرة الكاملة عليه بما يحمله هذا العالم من رمزية دينية وتاريخية وما يمتلكه من ثروات إحفورية وطاقات بشرية.
حكم الملالي وإحياء الإمبراطورية الفارسية بغطاء مذهبي
مما لا شك فيه أن الحراك الشعبي الأخير في إيران كان بمثابة شهادة شاهد من أهله بأن ما فعله النظام الإيراني في الوطن العربي لم يكن أبداً متماهياً مع شعار “الوحدة الإسلامية”، بل كان عملية استنزاف كبيرة لثروات إيران بشكل مُنظم، ولأهداف لا تفيد الشعب الإيراني بشكل مباشر، إنما تفيد أصحاب الطموحات السياسية الكبرى والمذهبية الذين أرادوا إعادة إحياء الإمبراطورية الفارسية بروح شيعية صفوية وبذريعة التمهيد لظهور المهدي.
لذلك بدا مُهيمِناً على هذه الاحتجاجات الكثيفة التي فاجئت قوى السلطة منذ الثامن والعشرين من كانون الأول/ ديسمبر 2017، السؤال المُحِق: “أين تذهب أموالنا؟”. وبرزت رمزية إحراق صور الجنرال قاسم سليماني مسؤول “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” كدلالة على رفض ما تبذره إيران من أموال على المنظمات التي يرعاها هذا الجنرال الذي أصبح مناطاً به إدارة الحروب وزرع القلاقل والفتن في الوطن العربي بتكاليف مالية وبشرية باهظة، لدرجة أنه بات يفتخر بالسيطرة على أربع عواصم عربية هي بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء.
بدأ النظام الإيراني بعد وصول الملالي الى السطة في إيران في العام 1979 ورحيل الشاه محمد رضا بهلوي، بنشر العقيدة الشيعية الإثني عشرية الصفوية، مستخدماً قضية فلسطين كحجة لحشد كل الطاقات والإمكانيات البشرية العربية والإسلامية تحت رايته. ولجأ الملالي في ذلك إلى روايات وأساطير موجودة في كتب أهل السنة والشيعة حول علامات الساعة ومقدمات ظهور المهدي لتفسيرها على أنها تتحدث عن الثورة الإيرانية وزعمائها مثل الحديث الذي يُنسب الى النب محمد: “إذا رأيتم الرايات السود خرجت من قبل خراسان، فأتوها ولو حبواً، فإن فيها خليفة الله المهدي”.
الحرب مع العراق
بغض النظر عمن أعلن قرار الحرب بين إيران والعراق (1980-1988) ومن أطلق الرصاصة الأولى، فإن هذه الحرب المُدمّرة كان يمكن إيقافها لولا رفض طهران قراراً دولياً لوقف النار في العام 1982.
لقد كانت الحرب التي أسمتها إيران “الدفاع المقدس” بداية غيث الأطماع الفارسية بالعالم العربي، خصوصاً أن العراق يشكل خاصرة مهمة لإيران تضم خزاناً ديموغرافياً شيعياً في الجنوب وأجزاءً من بغداد قد يساهم في نشر مخططات الولي الفقيه عبر العالم العربي. ولعبت هوية النظام العراقي الذي يسيطر عليه حزب “البعث” ذو التوجه القومي العربي، دوراً في إعادة إحياء حرب القادسية بين المسلمين العرب والفرس (العام 636) لكن هذه المرة كان ظاهرها قومي وباطنها مذهبي فنفخت في روح الشعب الإيراني أمجاد الدولة الصفوية (في سنة 1501 تم اتخاذ المذهب الشيعي الإثني عشري والذي يعرف أيضاً بالإمامي مذهبًا رسميًا للدولة الإيرانية في عهد الصفوييين).
الخميني يتجرع سُمّ السلام
ظهرت سوءة الخميني في بيانه الذي أعرب فيه عن تردده واستيائه العميق من قبول قرار مجلس الأمن رقم 598 الداعي إلى وقف الحرب مع العراق في 18 تموز 1988، قائلاً: “ويلٌ لي لأني مازلت على قيد الحياة لأتجرّع كأس السُم بموافقتي على اتفاقية وقف إطلاق النار”. السؤال المُحيّر هنا، كيف يمكن لرجل دين يدعو إلى الوحدة الإسلامية والتكاتف من أجل مقارعة “القوى الاستكبارية” (بحسب المصطلحات التي جاءت بها ثورته في وصف الولايات المتحدة ودول الغرب)، والحديث عن التمهيد لدولة المهدي التي “تملأ الأرض قسطاً وعدلاً” أن يحزن على وقف آلة القتل والتدمير التي قتلت أكثر من مليون شخص فضلاً عن مئات آلاف الجرحى والمعطوبين والأسرى والمشردين؟؟!! على كل حال من يقرأ فتاوى هذه “المرجعية الدينية العظمى” كما هو لقبه في الحوزة الدينية، لا يستغرب تصريحه السادي، سيما أنه من محللي الزواج والتمتع بالبنات القاصرات والأطفال (كما ورد في كتابه الفقهي “تحرير الوسيلة”). على كل ما لم تستطع إيران – الخميني الحصول عليه في عهد الرئيس الراحل صدام حسين حصلت على أكثر منه، فيما بعد، بالتعاون مع الولايات المتحدة التي كانت تنعتها بلقب “الشيطان الأكبر”.
بعد الحرب المُدمّرة أتت قضية استيلاء طهران على أسراب من الطائرات العراقية بلغ عددها 146 طائرة مدنية وعسكرية، كانت بغداد أودعتها لدى أصحاب العمائم لحمايتها خلال حرب الخليج الثانية 1991. بيد أن “الجمهورية الإسلامية” أعلنت بعد نهاية الحرب في تموز/ يوليو 1992 أنها ستصادر الطائرات العراقية واعتبارها جزءاً من تعويضات حرب الخليج.
المفارقة المثيرة للدهشة أن بعض هذه الطائرات العسكرية عادت إلى العراق في العام 2014 في ظروف غامضة ضمن صفقة روسية عراقية لبيع بغداد طائرات حربية. وانكشف أن طهران حين احتفظت بالطائرات كانت برغبة أميركية لضمان بقاء هذا السلاح بعيداً عن يد نظام حسين حتى انتهاء الحرب، وبأن إعادتها كان وفق صفقة دخل فيها الروس من أجل تزويد بغداد بسلاح جوي لمحاربة “داعش”. بمعنى أن إيران حين يتعلق الأمر بحقوق إسلامية أو عربية فهي تماطل وتنافق، وحين يكون الأمر منوطاً بقوة كبرى فإن كل شعاراتها عن مقارعة “شياطين الشرق والغرب” تسقط ليظهر الخط الأحمر الدولي الذي يبقى أقوى من عنجهية “الولي الفقيه” وهواماته الغيبية.
مخلّفات قورش
تعود الأطماع التاريخية ببلاد الرافدين إلى العصر البابلي، حيث هاجم الفرس للمرة الأولى بلاد وادي الرافدين واحتلوا مدينة بابل في العام 539 قبل الميلاد في عهد الإمبراطور الفارسي قورش، واستمرت هذه الأطماع الفارسية في عهد الصفويّين الذي بدأ في العام 510، بنفس الذهنية، إذ عملت إيران على تشييع العراقيين السنة المقيمين في المناطق الجنوبية العراقية حيث تسود علاقات نسب ومصاهرة مع الايرانيين.
لما كان "حزب البعث" العراقي بقيادة صدام حسين شوكة في حلق الإيرانيين الذين أرادوا مراراً مضغ هذا البلد الغني بالنفط وجعله ممراً لتحقيق حلمهم بإقامة هلال شيعي يصل إيران بلبنان عبر العراق وسوريا، لجأ الإيرانيون إلى دعم تيارات شيعية معارضة لصدام مثل حزب الدعوة و”فيلق بدر” التابع للمجلس الأعلى بقيادة آل الحكيم. وكانت تحدث الكثير من عمليات التفجير والقتل والاشتباكات بين القوات العراقية وهذه المجموعات، في حين كان جنود صدام يردون عليها بالحديد والنار بحسب ما اشتهر حكمه القمعي. لكن الإيرانيين وحين أصبح نظام صدام هدفاً للأميركيين فضل الملالي تسهيل عملية الغزو حتى ولو كان على أيدي جيوش “الشيطان الأكبر” فبالنسبة للفرس ليس غريباً عليهم التحالف مع “أعداء الأمة” إذا كان ذلك يؤمّن لهم أهدافهم (كانت للإيرانيين تجربة مشابهة خلال الحرب الإيرانية العراقية أو ما عُرف يومها بـ”إيران غيت”. الأسلحة كانت أميركية وتم تسليمها للحكومة الإسلامية بوساطة إسرائيلية، على الرغم من قرار حظر بيع الأسلحة إلى طهران. وذلك لقاء إطلاق سراح بعض الأميركيين المخطوفين في لبنان على أيدي جماعات تابعة للنظام الإيراني).
كما ساعد الإيرانيون السلاح الجوي الأميركي بفتح أجوائهم له خلال غزو جارتهم أفغانستان، وقدموا لواشنطن كل مساعدة بغية التخلص من نظام “حركة طالبان” المتشددة سنياً، فعلوا الأمر نفسه بالتعاون مع تنظيمات شيعية موالية للولي الفقيه وكانت تتخذ من طهران مقراً لها خلال حكم "البعث". لم يسلم من هذا التحالف الإيراني- الأميركي سوى تنظيمات شيعية استولت على الحكم في العراق وبدأت تمارس أبشع أنواع الاستبداد بحق العراقيين تنفيذاً لشعار “يا لثارات الحسين” الذي يحمل في مضمونه كل معاني التخلف القبلي العشائري، إذ يتم الانتقام من غير صاحب الجريمة بحجة القرابة. ففي المنطق لا يمكن الحديث عن ثأر لجريمة حدثت قبل أكثر من 1400 سنة.
بحسب وكالة الصحافة الفرنسية في تقرير نشرته في تشرين اول العام 2016 “ان الجمهورية "الاسلامية" الإيرانية تمول وتسلح أكثر من 80 ألف من عناصر الحشد الشعبي في العراق”. والحشد الشعبي يشبه بممارساته الإرهابية وشعاراته المذهبية تنظيم “داعش” تماماً. فقد مارس هؤلاء سياسات التهجير القسري لسكان من السنة في العراق واعتقلوا وقتلوا مئات الأشخاص.
المصدر : موقع جنوبية